في خِضَمِّ وغضون ارتفاع الأسعار ظهرت طائفة من التجار لا ترى المصلحة إلا لنفسها، ولا تسعى إلا لتحقيق مآربها، ناسية أو متناسية مصلحة إخوانهم الآخرين، ناسية قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين من حديث أنس -رضي الله عنه-: "لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه".
أما بعد: فيا عباد الله: في خِضَمِّ وغضون ارتفاع الأسعار ظهرت طائفة من التجار لا ترى المصلحة إلا لنفسها، ولا تسعى إلا لتحقيق مآربها، ناسية أو متناسية مصلحة إخوانهم الآخرين، ناسية قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين من حديث أنس -رضي الله عنه-: "لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه".
ولو أن هذا الصنف من التُجَّار وضع نفسه موضع إخوانه الآخرين لما أقدم على هذا الأمر، ترى؛ ما هو هذا الأمر الذي ولج فيه بعض التُجَّار؟.
هذا الأمر هو ما يسمى بـ [الاحتكار]، فمع غلاء الأسعار، ومعلوم أن غلاءها بسبب الاقتصاد العالمي، مع هذا الغلاء، بعض التجار سعى إلى تخزين بعض السلع التي يضطر إليها الناس اضطرارا بالغا فحجزها حتى ترتفع أسعارها، وهذا محرم ومذموم في شرع الله -عز وجل-، فالاحتكار لا يجوز إلا في حالات معينة، وذلك بأن لا تكون هناك حاجة في السلع، أما مع قلة السلع ومع غلاء الأسعار ومع ضيق الحال فلا يجوز للتاجر أن يحتكر السلع.
أما لو احتكر الإنسان ما لا يحتاج إليه الناس وما لا يضطرون إليه فلا بأس بذلك، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدخر قوت أهله سنة كاملة، أما مع الضيق فلا يجوز بأي حال من الأحوال.
والاحتكار ليس محصورا في الطعام والشراب، بل إنه على الصحيح من قولي العلماء يشمل أشياء عدة، فكل ما يضطر إليه الناس وما لا يستغنى عنه لا يجوز احتكاره، لا مواد بناء، ولا أطعمة، ولا أشربة، ولا خدمات، ولا سوى ذلك؛ فكل ما لا يستغنى عنه فلا يجوز احتكاره، فمن أقدم على ذلك فقد أجرم جرما عظيما؛ فإنه قد استغل حاجة إخوانه المستضعفين، ففي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحتكر إلا خاطئ"، يعني: إلا مذنب، أي: لا يفعل هذا الفعل الشنيع إلا مَنْ اعتادت نفسه فعل الخطيئة.
أما مَنْ لم تعتد نفسه فعل الخطيئة فإنه لا يُقْدِم على هذا الفعل بأي حال من الأحوال، ولذا جاء في سنن ابن ماجة من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وله شاهد عند أحمد، وصححه أحمد شاكر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ احتكر على المسلمين طعاما ضربه الله بالجذام والإفلاس"، انظروا: "ضربه الله بالجذام والإفلاس"، معاملة له بنقيض قصده، فإنه لما سعى إلى أن يقلل السلع في الأسواق وأن يزداد المال عنده لكي يغتني ولكي يربح، أصابه الله بالإفلاس، وهو الفقر الشديد، وأيضا وعده بوعيد وهو أن يصيبه الجذام، والجذام مرض تتساقط منه الأعضاء ويتساقط منه اللحم، لأنه لما سعى إلى احتكار هذه السلع مع حاجة الناس إليها فإن الناس سيمرضون وسيصيبهم العناء، فعاقبه الله بأشد الأمراض وهو الجذام.
ولذا جاء في مسند الإمام أحمد، وصححه أحمد شاكر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ احتكر طعاما أربعين يوما برئ من الله وبرئ الله منه، وأيما أهل عرصة -أي: مكان- أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله".
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وكذلك عثمان في خلافتيهما -رضي الله عنهما- "كانا ينهيان في الأسواق عن احتكار الطعام"، فالاحتكار دليل على دناءة نفس المحتكر، ومؤشر على سوء خلقه، وعلامة على أن إيمانه قل، لم؟ لأنه يعرض نفسه للوعيد.
وبالاحتكار تضطرب الشعوب ويختل الأمن، لم؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال، كما في صحيح مسلم: "اتقوا الشح"، لم يقل: البخل، قال: "اتقوا الشح"؛ لأن الشح يختلف عن البخل، فالبخل أن تحبس ما أوجبه الله لك، والشح أن تحبس ما أوجبه الله لك وتريد أن تأخذ ما في أيدي الناس من الأموال. قال -عليه الصلاة والسلام-: "اتقوا الشح! فإن الشح أهلك مَنْ كان قبلكم" ما صنع بهم؟ "حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم".
إذاً؛ الاحتكار محرم في شرع الله -عز وجل-، فإذا كان الغلاء بسبب أمر في الاقتصاد العالمي أو أن السلع قَلَّت في الأسواق فجأة فهنا لا يجوز له أن يحتكر، ولكن؛ هل يجوز له أن يبيع بسعر السوق بأن يكون زائدا؟ [هكذا] نعم له أن يبيع، لأن العلماء قالوا: إن مصلحة المشتري لا تراعى على مصلحة البائع؛ لأن هذا البائع لم يكن له صنيع في غلاء هذه الأسعار لأنه لم يحتكر ولم يفعل شيئا من ذلك؛ ولذا؛ في السنن أنه لما غلا السعر قالوا: يا رسول الله، سَعِّرْ لنا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله هو المُسعِّرُ القابضُ الباسطُ الرازقُ، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دمٍ ولا مال".
أما إذا كان السبب ناتجا من التاجر فإن العلماء قالوا: يجب على ولي الأمر أن يتدخل في الأمر وأن يحدد الأسعار، لم؟ لأن هذا الاحتكار ذنب ومعصية فيجب أن يرفع هذا الذنب وأن ترفع هذه المعصية؛ لأن المحتكر، كما قال عليه الصلاة والسلام، امرؤ خاطئ، وقد قال: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده"، وهذا الأمر يرجع إلى ولي الأمر.
وكذلك خرجت طائفة من التجار، ظهر صنف آخر جعل يطفف في السلع، والتطفيف هو أن ينقص الشيء اليسير دون أن يشعر به الآخرون أو يشعروا به لكن ليس شعورا واضحا، فالتطفيف هو الاستيفاء من الناس في مكاييلهم وموازينهم وسائر معاييرهم عند الكيل والوزن، بخلاف البخس، فالبخس هو أن يبخسك حقك سواء كان قليلا أو كان كثيرا، ... أما التطفيف فإنه يطفف شيئا قليلا لا يعتد به.
قال ابن حجر -رحمه الله- كما في [الزواجر]، وما سيقوله شيء نشاهده في بعض [العِلب] وفي بعض [الأكياس]، نرى أن هناك قلة في هذه الأشياء لم نكن نعتاد عليها، لأن الشيء قد يبقى عندك شهرا كاملا وإذا به يقل عن الشهر واستهلاكك هو هو، فدل على أن هناك تطفيفا من بعض التجار، نسأل الله العافية، لقد فعلوا ذنبا عظيما! يقول ابن حجر -رحمه الله-: "التطفيف هو من الكبائر، ونوع من السرقة، وضرب من الخيانة، وسمي مطففا لأنه لا يكاد يأخذ إلا الشيء الطفيف، قال الله -جل وعلا-: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ)، (وَيْلٌ)، إما أن تكون كلمة (وَيْلٌ) هي "وادٍ في جهنم لو أنزلت فيه جبال الدنيا لسالت" إن صح الحديث عند الترمذي، وإما أن تكون كلمة "وَيْلٌ" وعيد شديد، ولا تسأل إذا جاءك الوعيد من الله كيف يكون هذا الوعيد وهذا العذاب؟ (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ) [الحجر:49-50].
(وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين:1-3]، ما الذي بعدها؟ (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين:4-6].
ما صنع هذا الصنيع إلا لأنه غافل عن أمر الآخرة، والله! لو كانت الآخرة نُصب عينيه ما صنع هذا الصنيع، ولذا جاء في سنن ابن ماجة من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قَدِم المدينة وجد أهل المدينة أخبث الناس تطفيفا في الكيل، فلما أنزل الله قوله -تعالى-: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ) أصبحوا من أحسن الناس كيلا.
فالتطفيف سبب لعقوبة الله -جل وعلا-، ولذا يقول النيسابوري -رحمه الله- كما في [تفسير غرائب القرآن]، قال: اعلم أن الكيل والميزان أمرهما عظيم، لم؟ يقول -رحمه الله-: لأن مدار معاملات الخلق عليهما؛ ولذا فعل الله -جل علا- بقوم شعيب ما قص الله -جل وعلا-، قال -تعالى-: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ) لم؟ (إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ)، لم تصل أيها التاجر إلى هذا الحد من القلة فتطفف على إخوانك، (وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ)، ما الذي بعدها؟ (وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود:84-85]، هذا إفساد في الأرض! (بَقِيَّةُ اللّهِ)، أي: ما أبقاه الله -جل وعلا- لك من هذا المكيل أو من هذا الموزون خير لك، (بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) [هود:86].
ولذا؛ ما قامت السماوات والأرض إلا بالعدل، اقرأ ما ذكره الله -جل علا- في صدر سورة الرحمن: (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) [الرحمن:7]، بعد السماء ذَكَرَ الميزان.
ثم سيأتي معنا في الآيات التالية ما يدل على أن الأرض ذُكِرت بعد الميزان، مما يدل على أن السماوات والأرض ما قامتا إلا بالعدل، ولن تقوما إلا بالعدل، ولن تقوم أحوال الناس على خير ما يكون إلا بالعدل: (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ * وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) [الرحمن:7-10].
ولذا؛ ماذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للتجار؟ جاء في سنن ابن ماجة من حديث جابر -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا وزنتم فأرجحوا"، سبحان الله! أمر على خلاف ما تهواه النفس! "إذا وزنتم فأرجحوا"، لماذا نُرْجح في الميزان؟ لماذا تُرجح أيها التاجر في ميزانك؟ من أجل أن إصابة الأمر في الكيل والميزان أمر متعسر، ولذلك، حتى تبرئ ذمتك، عليك أن ترجح فيه.
ثم أيضا إذا أرجحت فيه وزدت فيه أدخلت السرور على أخيك المسلم، فدل على أن قلبك قد انتزع منه الشح، ولذا يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- كما ذكر ذلك الترمذي وصححه، قال ابن عباس: "إنكم قد وُلِّيتُم أمرا قد هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم".
واسمعوا إلى ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- وطبِّقوه على حالنا: جاء في سنن ابن ماجة من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقبل على المهاجرين فقال: "خمس"، طبقوا هذه الخمس على أحوالنا وفي مجتمعنا، "خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون"، والطاعون هو السرطان الموجود! نسأل الله العافية، ونسأل الله أن يَمُنّ على إخواننا المصابين به بالشفاء العاجل. فالطاعون نوع منه السرطان، وهذا منتشر، نسأل الله العافية، إلى درجة أن بعض الناس قد سألني عن شخص ماذا يصنع به قد أصابه السرطان في لسانه هل يجتز لسانه أم لا؟ هل نُقْدِم على ذلك أم لا؟ انظروا! "إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع"، وحدِّثْ ولا حرج! "والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا". هذا أمر.
"ولم ينقصوا المكيال والميزان"، وهذا مَصَبّ حديثنا، "إلا ابتُلوا بالسنين"، الضيق، القحط، "وشدة المؤونة"، ضيق الرزق، ضيق ما في اليد، "وجور السلطان عليهم".
أمر آخر:"ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء"، وهذا شاهد واضح بيِّنٌ في سَنَتِنَا هذه بسبب عدم إخراج الزكاة، لأن هذه الزكاة من بين صنوفها ما يخرج من الأرض، ما الذي يُخْرِج ما في الأرض؟ الماء، لما حبسنا ما أنبته الله لنا بسبب هذا المطر حبس الله -جل وعلا- عنا السبب الذي به تحيا الأرض! "ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا".
أمر آخر، وهو الرابع: "ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم"، وانظروا إلى حال إخواننا المسلمين في بعض المجتمعات الإسلامية مما يجري حولنا!.
الأمر الخامس: "وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم"، فالكيل أمانة، الوزن أمانة يجب أن تؤديها: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء:58].
ابن مسعود -رضي الله عنه- لما قال عند البعض من الناس: إن الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والكيل أمانة؛ استغرب الناس،كيف يكون هذا أمانة؟! فرجعوا إلى البراء بن عازب -رضي الله عنه- فقالوا: ألم تسمع إلى ما يقوله ابن مسعود -رضي الله عنه-؟ قال: وماذا يقول؟ قالوا: إنه يقول: إن الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والكيل أمانة! فقال -رضي الله عنه-، انظروا إلى اتفاق العلماء فيما بينهم، قال: "ألم تسمعوا قول الله -جل وعلا- (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)".
ابن عباس -رضي الله عنهما- ماذا يقول؟ يقول -رضي الله عنهما-: "وما نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع الله عنهم الرزق".
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ)، (خَيْرٌ)، حذف المعمول، دل على العموم، (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) حذف المعمول دل على العموم، (ذَلِكَ خَيْرٌ) في الدنيا؟ في الآخرة؟ في الحاضر؟ في المستقبل؟ لم يذكر شيئا، (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، أحسن عاقبة وأحسن مآلا، ذُكر تحديد لذلك؟ لم يذكر، فدل على أن العدل في الكيل والميزان وأن عدم التطفيف سبب للخير للمسلمين في حاضرهم وفي مستقبلهم وفي دنياهم، وأحسن عاقبة لهم ومآلا في جميع أحوالهم، (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
فالتطفيف -عباد الله- فيما يباع لا يجوز للمسلم أن يصنعه فإنه سبب لسخط الله، وبه يتعرض الناس لعقوبة الله -جل وعلا-، وهو يدل على عدم الإيثار، قال -تعالى-: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، لو كان بك فقر وحاجة إلى ما في يدك فجاء أخوك المسلم المحتاج إلى ذلك كان من الأولى بك أن تعطيه هذا الشيء، (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، ما الذي بعدها؟ (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
الفلاح هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، إذا أنزل الله -عز وجل- بك فلاحا فلا تسأل عن الخير الذي يأتيك من حيث لا تحتسب، نعم، (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].
نسأل الله -عز وجل- أن يلطف بنا، وأن يرفع ما نزل بنا من غلاء في الأسعار، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي