وما تكاد أيها المؤمن تقرأ صفات المؤمنين في القرآن الموعودين أسمى الغايات وأرفع الدرجات، إلا وتجد الإنفاق ابتغاء وجه الله بما في ذلك الزكاة من أبرز صفاتهم مما دعا بعض السلف رغبة في موعود الله أن يخرج من جميع ماله كأبي بكر، أو من أنفس ماله وأحبه لديه كعمر وأبي طلحة - رضي الله عنهم -، فضلاً عن أن يبخل بربع العشر...
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، الذين يعدون ما أنفقوه خيراً وأبقى مما ادّخروه. وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
أيها المسلمون: إن دين الإسلام الحق الذي أكرمنا الله به, ووعدنا على تحقيقه أسمى الغايات في الدنيا وأرفع درجات في الآخرة، قد بُني على أسس وقواعد متشادة مترابطة متى اختل شيء منها صدَّع ما عداه، أو قضى عليه كلياً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإن من بين أركانه الركينة المتعدي نفعها والساري أثرها في المجتمع، ليشعر فقراءه أنهم أمام تعاون لا تطاحن، وأمام مشاعر وقلوب, لا مخالب ونيوب, أداء الزكاة المفروضة فيه والتي لاحظَّ في الإسلام لمن تركها. يقول تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة:5] ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" يقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: "ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث, لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها، إحداها قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [المائدة:92]، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه، والثانية قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة:43]، فمن صلى ولم يزكّ لم يقبل منه، والثالثة قوله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) [لقمان:14] فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه".
وإن الله - سبحانه وتعالى - قد أنذر وحذَّر من ترك الزكاة وأبدى في ذلك وأعذر، وأنذر من جحد وأنذر من تساهل، أنذرهم بأسلوب يرعد الفرائص ويهز الأفئدة، بأسلوب لو خوطبت به الجبال الصم لرأيتموها خاشعة متصدّعة. يقول سبحانه: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) [فصلت:6-7] ويقول: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:34-35] والمراد بالكنز هنا هو المال الذي تجب فيه الزكاة ولم تؤد زكاته، ويقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، فيأخذ بلهزمتيه –شدقيه- فيقول: أنا مالك أنا كنزك"، ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران:180].
وكما أنذر تعالى من ترك الزكاة جحوداً أو تساهلاً، فقد رغب في أدائها ووعد أهلها الطهر والنماء والزكاة والمغفرة والفضل العظيم يقول سبحانه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) [التوبة:103] ويقول بعد أن أمر بإخراجها (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) [البقرة:268] ويقول: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سـبأ:39] ويقول رسوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقة من مال".
وما تكاد أيها المؤمن تقرأ صفات المؤمنين في القرآن الموعودين أسمى الغايات وأرفع الدرجات، إلا وتجد الإنفاق ابتغاء وجه الله بما في ذلك الزكاة من أبرز صفاتهم مما دعا بعض السلف رغبة في موعود الله أن يخرج من جميع ماله كأبي بكر، أو من أنفس ماله وأحبه لديه كعمر وأبي طلحة - رضي الله عنهم -، فضلاً عن أن يبخل بربع العشر فيما يجب فيه ربع العشر.
فاتّقوا الله -أيها الأخوة المؤمنون- وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، فقد أعطاكم تعالى الكثير وطلب منكم القليل، أعطاكم المال غنماً لتغنموه في الدنيا بالقربى به من الله لا غرما تغرمونه في الآخرة, عسر حساب وشدة عقاب، أعطاكم المال ابتلاء وعارية لينظر ماذا تعملون فيه، فهو لله في أيديكم (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد:7] أعطاكم المال لتتقوا بما تنفقون فيه ابتغاء وجه الله أنفسكم الشح المذموم، وتقوا الأقرباء والفقراء بما تصلونهم به منه من ويلات القطيعة والفقر، أو ويلات تلقي مبادئ الشر التي قد يدفعهم إليها استئثاركم بالأموال دونهم، والبخل عليهم بما يجب لهم فيها.
فالله الله, أيها الأخوة -أصحاب الأموال-: فيما ائتمنتم عليه فإنما يجب في المال أمانة ستسألون عنها يوم القيامة أمام عالم بالمغيبات، مطلع على السرائر والخفيات، فتحروا في ذلك الخير والابتعاد به عن الشر، تحروا الخير بصرف زكاة أموالكم كاملة في مصارفها الشرعية التي حددها تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [التوبة:60] والابتعاد بها عن الشر حالة إخراجها كالرياء بها أو إيذاء من يعطى منها أو المنَّ عليه بها، فالحق سبحانه يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ) [البقرة:264].
نسألك اللهم بأسمائك الحسنى أن تقينا أنفسنا، وأن تعيذنا من نزغات الشيطان ووساوسه، وأن تحقق لنا ما وعدتنا بقولك وقولك الحق: (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:268].
وسبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي