وفي الصَّلاةِ فَضْلٌ عظِيمٌ لِعَمَلٍ يِسِيرٍ يَغفُلُ عنهُ بَعضُ المُصلِّينَ، ألا وَهُوَ الجَهْرُ بالتَّأمِينِ، فَقَد كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ آمِينَ. وكَانَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: "إِذَا أمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا". وهذا يَدُلُّ على وجوبِ التَّأمِينِ على المَأمُومِ إذا أمَّنَ إِمَامَهُ. قَالَ ابنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللهُ: "وأمَّا قَولُ: "آمِينَ" فَيَقُولُها المَأمُومُ فَرْضًا ولا بُدَّ"، ويَقُولُها المَأمُومُ مع إمَامِهِ فلا يَسبِقُهُ ولا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ! وفي البُخَارِيِّ أنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "وَإِذَا قَالَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ".
الحمدُ لله الذي جعلَ الصلاةَ عَمُودُ الدِّينِ، القَائِلُ في كتابِهِ المُبينِ: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَـاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـاقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة: 45، 46]، فَرَضَها على عِبادِهِ مِن غيرِ حاجَةٍ إِليهم، وأَثَابَ القَائِمِينَ بِها على أَكمَلِ وَجْهٍ وأَفضَلَ عليهم، وَعاقَبَ المُعرِضِينَ عَنْها والمُفَرِّطِينَ فِيها والسَّاهِينَ عنها.
نَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ من غيرِ شَكٍّ ولا ارْتِيَابٍ، ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ المَبعُوثُ رَحمَةٍ وأمَانَاً لِجميعِ العِبَادِ، صلَّى اللهُ وَسَلَّم وبَارَكَ عَليهِ، وعلى آلِهِ وأصحَابِهِ، ومَنْ سارَ على نَهجِهم إلى يومِ المآبِ.
أمَّا بعدُ: فيا أيُّها المسلمونَ اتَّقوا اللهَ -تعالى-، وَحَافِظُوا على أَوَامِرِ رَبِّكم كَمَا أَمَرَ، وَتَحَرَّوا الصَّوابَ فِي إتِّبَاعِ سَيِّدِ البَشَرِ، حتى تُقبَلَ عِبَادَاتِكم، فَكُلُّ عَمَلٍ لَيسَ على أمْرُ اللهِ ولا أمْرُ رَسُولِهِ فَصَاحِبُهُ قدْ خابَ وخَسِرَ!
أَلا وإنَّ مِن أجَلِّ العِبَادَاتِ التي يَجِبُ أنْ نَتَعَلَّمَ أَحكَامَهَا وأَركَانَها ومُبطِلاتِها، الصَّلاةُ المَفرُوضَةُ، كيفَ لا وهيَ أوَّلُ مَفرُوضٍ، وأَعظَمُ مَعرُوضٍ وأجلُّ طَاعةٍ وأرجى بِضَاعَةٍ، هيَ رأسُ الأَمَانَةِ، قالَ عنها: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصَّلاةُ، فَإِنْ صَلُحَتْ صَلُحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ" (صَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ).
وقد كُنَّا عبادَ اللهِ قد ذَكَرْنَا طرَفاً مِن أحكامِ الصَّلاةِ قبلَ عاصِفَةِ الحَزْمِ، أَمَا وإنَّ الحربَ -بِحمدِ اللهِ- قَد وضَعَت أوزارِهَا وحقَّقت بإذنِ اللهِ أهدَافَها، فإنَّنا نُذكِّرُكم -يا رَعاكُمُ اللهُ- بِبعضِ ما مَرَّ مَعَنَا من أحكامٍ ثُمَّ نُكمِلُ بِعونِ اللهِ المِشوارَ.
تَكَلَّمنا في جُمُعَةٍ مَضَتْ عن خُطُورَةِ كثرَةِ الحَرَكَةِ في الصَّلاةِ مِنْ غَيرِ حَاجَةٍ وأنَّها سَبَبٌ لإذْهَابِ الخُشُوعِ وبُطلانِ الصَّلاةِ ذَكَرنا كَذَلِكَ أعظَمَ مُبْطِلٍ لِلصَّلاةِ ألا وَهُوَ عَدَمُ الطُّمَأْنِينَةِ فِيها، وأنَّ الطُّمَأنِينَةَ رُكنٌ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ إلاَّ بِها، وَذَكَرْنا قِصَّةَ المُسيءِ في صلاتِهِ وأنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ".
ذَكَرنا تَحريمَ الَتلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ سِرَّاً أو جَهْرَاً عندَ ابتِدَاءِ الصَّلاةِ، وأنَّها بِدْعَةٌ لم يَفْعَلْها رَسُولُ اللهِ ولَمْ يَأمُرْ بِها، ذَكَرنَا كذالِكَ وجُوبَ تَحرِيكِ المُصَلِّيَ لِسَانَهُ فِي التَّكبِيرِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ وسَائِرِ الأَذْكَارِ وعَدَمُ الاكتِفَاءِ بِتَمْرِيرِها عَلى القَلبِ، وأنَّ القِرَاءَةَ لا تَكُونُ مُعتَبَرَةً إلاَّ بِتَحرِيكِ الِّلسَانِ! وبالمُقابِلِ يَحرُمُ رَفعُ الصَّوتِ بالقِراءَةِ أثنَاءَ الصَّلاةِ لِما فِي ذالِكَ مِن أذيَّةِ المُصلِّينَ. وإشغَالٍ لهم.
ذَكَرنَا أنَّ مِنْ السُّنَّةِ رَفْعُ اليَدَينِ عِندَ تَكبِيرَةِ الإحرَامِ وعِندَ الرُّكُوعِ والرَّفعِ مِنهُ وعندَ القِيَامِ إلى الرَّكعَةِ الثَّالِثَةِ.
عبادَ اللهِ: نَستعِينُ باللهِ -تعالى- ونَستَكمِلُ ما يُيَسِّرُهُ اللهِ من الأحكامِ فَأعيرُونِي أسمَاعَكُم وقُلُوبَكُم وفَّقَنا اللهُ جَمِيعاً لِلعلمِ النَّافِعِ والعَمَلِ الصَّالِحِ "فَمَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خيْراً يُفَقِّههُ في الدِّينِ".
فَمِن الأحكامِ: أنَّ مِنْ هَدْيِ نَبِيِّنَا وَضْعُ اليَدِ اليُمنى على الْيُسْرَى على الصَّدْرِ أَثْنَاءَ الوُقُوفِ، وبعدَ الرَّفْعِ من الرُّكُوعِ، وعَدَمُ إِسبَالِ اليَدَينِ، فَعَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: "كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ"، وقد قالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- كما في صَحِيحِ ابنِ حِبَّانَ: "إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُؤَخِّرَ سُحُورَنَا، وَنُعَجِّلَ فِطْرَنَا، وَأَنْ نُمْسِكَ بِأَيْمَانِنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي صَلاَتِنَا".
وقَدْ قَالَ وَائِلُ ابْنُ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيِّ: لَأَنْظُرَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ يُصَلِّي، قالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ حِينَ قَامَ، فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَالرُّسْغِ، وَالسَّاعِدِ. فيا عبادَ اللهِ الزَمُوا سُنَّةَ نبِيِّكم في أفضلِ عبادَاتِكُم، ولا تَتَكَاسَلوا في ذالِكُمْ.
أيُّها المُؤمنُونَ باللهِ ورَسُولِهِ: وفي الصَّلاةِ فَضْلٌ عظِيمٌ لِعَمَلٍ يِسِيرٍ يَغفُلُ عنهُ بَعضُ المُصلِّينَ، ألا وَهُوَ الجَهْرُ بالتَّأمِينِ، فَقَد كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ آمِينَ. وكَانَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: "إِذَا أمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا". وهذا يَدُلُّ على وجوبِ التَّأمِينِ على المَأمُومِ إذا أمَّنَ إِمَامَهُ.
قَالَ ابنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللهُ: "وأمَّا قَولُ: "آمِينَ" فَيَقُولُها المَأمُومُ فَرْضًا ولا بُدَّ"، ويَقُولُها المَأمُومُ مع إمَامِهِ فلا يَسبِقُهُ ولا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ! وفي البُخَارِيِّ أنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "وَإِذَا قَالَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ".
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "فِيهِ دَلالَةٌ ظَاهِرَةٌ: أنَّ تَأمِينَ المَأمُومِ يَكُونَ مَعَ تَأْمِينِ الإمَامِ لا بَعدَهُ، أَتَدْرُونَ أيُّها الكِرامُ: ما الفَضْلُ المُتَرَتِّبُ على ذالِكَ، قَالَ: "إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (رواه البخاريُّ).
إذاً يُسَنُّ رَفعُ الصَّوتِ بالتَّأمينِ وأنْ يكُونَ معَ الإمامِ. وقد كانَ لِمسجِدِ رَسُولِ اللهِ لَلَجَّةً بِالتَّأمينِ! أيْ: صَوْتَاً مُرتَفِعَاً.
عبادَ اللهِ: ويُخطِئُ مَنْ يُسَابِقُ إِمَامَهُ في أفعَالِ الصَّلاةِ ويَجَهلُ عُقُوبَةَ ذَالِكَ ولو عَلِمَ مُسلِمٌ العُقوبَةَ لَمَا جَرَأ على مُسابَقَةِ إمامِهِ ولا حتى مُسَاوَاتِهِ! فَبَعضُ المُصَلِّينَ هَدَاهُمُ اللهُ، يُكَبِّرُونَ مَعَ الإِمَامِ، وَيَرْكَعُونَ مَعَهُ، ويَسجُدُونَ مَعَهُ، بَلْ وَلَرُبَّمَا يَسبِقُونَهُ! عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكِ -رضي اللهُ عنْهُما- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامكُمْ، فَلاَ تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلاَ بِالسُّجُودِ، وَلاَ بِالْقِيَامَ وَلاَ بِالانْصِرَافِ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي" (رواه مسلم).
بل تَوَعَّدَ الذينَ يَسبِقُونَهُ، فَقَالَ: "أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ" ؟! أسَمِعتُم أيُّها الكِرامُ خُطُورَةَ المُسابَقَةِ أو المُوافَقَةِ؟ فإنَّهُ مُتَوَعَّدٌ فَاعِلُها بِالمَسْخِ، وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ العُقُوبَاتِ، وَجُمهُورُ العُلَمَاءِ أنَّ مَنْ سَابَقَ الإمامَ ولو بِتَكبِيرَةِ الإِحرَامِ أَو بِالسَّلامِ بَطَلَتْ صَلاتَهُ فَضلاً عن رُكُوعٍ أو سُجُودٍ أو قِيَامٍ! فالأمْرُ يا إخوتِي جِدُّ خطيرٌ، والعاقِبَةُ وخِيمَةٌ! ثُمَّ لِمَ العَجَلَةُ فَمَهما استَعجَلْتَ فَلَنْ تُسلِّمَ قَبْلَ إمَامِكَ!! يَقُولُ نَبِيُّنا: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا" (رواه البخاري).
فاللهمَّ ارزقنا عِلماً نافِعاً وعَمَلاً صالِحاً مُتَقَبَّلاً يا رَبَّ العالَمينَ. أقولُ ما سَمِعتُم وأستَغفِرُ اللهَ لي ولكُم ولِسائِرِ المُسلِمينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الحمدُ للهِ الذي وَعَدَ القائِمِينَ بالصَّلاةِ أَجرَاً عَظِيماَ، وأَعَدَّ لَهم فِي الفِرْدَوْسِ نَعِيمَاً مُقِيمَاً، نَشهدُ أن لا إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ رَبَّا رَحِيمَا كَرِيمَاَ حَكِيمَاً، ونَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورَسُولُه إِمَامُ المُتَّقِينَ، وَقَائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ والتَّابِعينَ لَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ وعنَّا مَعهم بِمنِّكَ وكَرمِكَ يا ربَّ العالَمينَ.
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ يا مُؤمنونَ وأَطِيعُوهُ، وراقِبُوا رَبَّكُم ولا تَعصُوهُ.
يا مُسلِمونَ: الصَّلاةُ عَمُودُ الإسلام وفَرِيضَةُ اللهِ على الأَنَامِ، مَنْ حافَظَ عليها وأقامَهَا كما يُحِبُّ اللهُ ويَرضَاهُ، حَفِظَهُ اللهُ ورَعاهُ، وأكرَمَ نُزُلَهُ ومَثواهُ.
أيُّها المؤمنونَ: وإذا كانَ عِقَابُ مَنْ يُسَابِقُ إمَامَهُ المَسخَ وعَدَمَ قَبولِ الصَّلاةِ! فإنَّ التَّأَخُّرَ عنِ الإمَامِ، عَمَلٌ مُحَرَّمٌ وقد يُبطِلُ المُتَابَعَةَ والصَّلاةَ! فَقَدْ تَرى الإِمَامَ راكِعَا ومُصَلٍّ لا يَزَالُ وَاقِفَاً يَقْرَأُ، وَتَرَى الإمامَ رَافِعَاً مِنْ سجودِه ومُصَلٍّ لا يَزَالُ ساجِدَاً بِحُجَّةِ إكمَالِ الدُّعاءِ! وهَؤُلاءِ واللهِ قَد خَالَفُوا قَولَ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ".
فَمُقتَضَى الحَدِيثِ أنَّ أفعَالَ المَأمُومِ تَكونُ بَعدَ الإمِامِ مُباشَرَةً، لا يَتَقَدَّمُ عليهِ ولا يُوافِقُهُ ولا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ.
وَهُنا وقفَةٌ معَ الأَئِمَّةِ الفُضَلاءِ فإنَّ عليهم أنْ يَتَّقُوا اللهَ فِي صَلاتِهم وصلاةِ مَنْ خَلفَهُم فِإنَّهُم ضَامِنُونَ، فَعليهم بِالطُّمأنِينَةِ وعَدَمِ العَجَلَةِ.
إخواني في اللهِ: ومِنْ الأخطَاءِ المُتَكَرِّرَةِ التي تُشاهَدُ كُلَّ وقتٍ وحينٍ! عَدمُ تَمكِينِ الأَعضَاءِ السَّبعَةِ مِن السُّجُودِ. مَعَ تَأكيدِ النَّبِيِّ بِقَولِهِ وفِعلِهِ! إلَّا أنَّكَ تَجِدُ مِن إخوانِنا المُصلِّينَ مَن يُقَصِّرُ بِذالِكَ! أتدري أيُّها المُصلِّي للهِ ما هذهِ الأعضاءُ السَّبعَةُ التي يَجبُ عليكَ أنْ تُمَكِّنَها مِنْ الأَرضِ حالَ صَلاتِكَ؟! احْفَظْهَا مَعي إنَّها: الجَبهَةُ والأَنفُ هذهِ واحِدَةٌ، واليَدَانِ، والرُّكبَتَانِ، والقَدَمَانِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ".
فَيَجِبُ على السَّاجِدِ أنْ يَسجُدَ على هذهِ الأعضاءِ كُلِّها وأنْ يُمَكِّنَها من الأرضِ. وواقِعُ بَعضِ المُصَلِّينَ خِلافُ ذَلِكَ، فَمِنهم مَن يَسجُدُ على جَبهَتِهِ ويَرفَعُ أَنفَهُ عن الأَرْضِ، أو يَسجُدُ على أَنفِهِ ويَرفَعُ جَبهَتَهُ، لأيِّ سَبَبٍ كانَ! إمَّا حِفَاظَاً على شَعرِهِ أو شِمَاغِهِ أو غيرِ ذالِك! والسُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عن رسُولِ اللهِ أنَّهُ كانَ إذَا سَجَدَ أمْكَنَ أنْفَهُ وجَبْهَتَهُ من الأرْضِ!
وخَطَاٌ آخَرُ تَراهُ عندَ كثيرٍ مِن شبابِنا! أنَّهُ يَرفَعُ قَدَمَيهِ أو إحدَاهُما عنِ الأَرضِ حالَ السُّجُودِ، أو يَضَعُ إحدَاهُما على الأخرى، فَهؤُلاءِ جَمِيعَاً حقِيقَةً غَيرُ سَاجِدِينَ على سَبعَةِ أَعظُمٍ.
سُئِلَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- عن المُصلِّي إذَا رَفَعَ بَعضَ أَعضَاءِ السُّجُودِ عَن لَمسِ الأَرضِ فَهل تَبطُلُ صَلاتُهُ؟
فَأجَابَ رَحِمَهُ اللهُ: "إنْ كَانَت رِجلُهُ مَرفُوعَةً مِن ابِتدَاءِ السَّجدَةِ إلى آخِرِها لَمْ تَصِحَّ صَلاتَهُ، لأنَّه تَرَكَ وَضعَ بَعضَ الأَعضَاءِ وَلَيسَ لَهُ عُذْرٌ، وإنْ كانَ قَد وَضَعَها بِالأَرضِ فِي نَفْسِ السَّجدَةِ ثُمَّ رَفَعَها وهو في السَّجدَةِ فَقد أدَّى الرُّكنَ، لَكن لا يَنْبِغي لَهُ ذَلِكَ".
فالأمْرُ أيُّها المُصَلُّونَ جِدُّ خَطِيرٌ! فكيفَ يكُونُ مِنَّا هذا التَّهاوُنُ والتَّقصيرُ؟ ! هذهِ عبادَ اللهِ إشاراتٌ وَتَنبِيهاتٌ. فَاحرص أخي على سُنَّةِ نَبِيكَ فَهديُهُ خيرُ الهدي وأكمَلُهُ وصدَقُ المَولى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 33].
فاللهمَّ ارزقنا الفِقهَ في الدِّينِ واتِّباعَ سيِّدِ المُرسلَينَ، اللهمَّ اجعلنا وذُرِّيَاتِنَا مُقيمِي الصَّلاةِ على الوجهِ الذي يُرضيكَ عنَّا، رَبَّنا، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اغفر لنا ولوالدينا ولجميعِ المُسلِمينَ، اللهمَّ وفِّق ولاتَنَا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى أعنهم على البرِّ والتَّقوى أصلح لهم البطانة وأعنهم على أداءِ الحقِّ والأمانة، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي