ولهذا وجب على العبد في كل رجائه أن يكون معلقًا قلبه بالله؛ فلا يرجو إلا الله، ولا يطمع في نوالٍ في الدنيا والآخرة إلا من الله، فإن الخير بيده وحده جل في علاه، لا يعلق قلبه ولا رجاءه لا في نفسه ولا في ذكائه ولا في فهمه ولا قدرته، ولا أيضًا في أحد من الخلق، وإنما يعلق رجاءه بالله -سبحانه وتعالى-، ولا يكون ذلك منه مجرد دعوى، فإن من اليسير على كل لسانٍ أن يقول: "ما أرجو إلا ما عند الله"، لكن تحقيق ذلك عقيدة وإيمانًا في القلب يُثمر ثقة في الله، وحُسن توكل عليه جل في علاه، وإقبال على طاعته ونيل رضاه؛ هذا هو المطلوب من العبد الصادق في إيمانه والصادق في رجائه.
الحمد لله الكريمِ المنَّان، الرحيمِ الرحمن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ واسعُ الفضل والعطاء والجود والامتنان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، المؤيَّد من ربه بالحجة والبرهان؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه ومن اتَّبعهم بإحسان.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فمن اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله عزَّ وجل: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون عباد الله: كلمة عظيمة قالها الخليفة الراشد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه تُعَدُّ من جواهر الكلام وأتمه وأنفعه وأوفاه؛ قال رضي الله عنه وأرضاه: "لَا يَرْجُو عَبْدٌ إِلَّا رَبَّهُ، وَلَا يَخَافُ إِلَّا ذَنبَه".
وعلى هذين -عباد الله- مدار النجاة والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة؛ والرجاء والخوف عملان قلبيَّان لا يطَّلع عليهما ولا يعلم بهما إلا الله -تبارك وتعالى-؛ العليم بما في الصدور، الذي أحاط بكلِّ شيء علما، وأحصى كلَّ شيء عددا.
أيها المؤمنون عباد الله: والرجاء إنما يكون للخير فيما يؤمِّله ويطمع فيه العبد من خيرات الدنيا والآخرة، وكل ذلك إنما هو بيد الله عز وجل؛ فإنه لا يأتي بالحسنات إلا الله ولا يصرف السيئات إلا هو جلَّ في علاه، (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)[يونس:107]، (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر:2].
ولهذا وجب على العبد في كل رجائه أن يكون معلقًا قلبه بالله؛ فلا يرجو إلا الله، ولا يطمع في نوالٍ في الدنيا والآخرة إلا من الله، فإن الخير بيده وحده جل في علاه، لا يعلق قلبه ولا رجاءه لا في نفسه ولا في ذكائه ولا في فهمه ولا قدرته، ولا أيضًا في أحد من الخلق، وإنما يعلق رجاءه بالله -سبحانه وتعالى-، ولا يكون ذلك منه مجرد دعوى، فإن من اليسير على كل لسانٍ أن يقول: "ما أرجو إلا ما عند الله"، لكن تحقيق ذلك عقيدة وإيمانًا في القلب يُثمر ثقة في الله، وحُسن توكل عليه جل في علاه، وإقبال على طاعته ونيل رضاه؛ هذا هو المطلوب من العبد الصادق في إيمانه والصادق في رجائه.
أيها المؤمنون عباد الله: الخوف يكون من الشرور والأخطار والسيئات، ولا يذهب بها ويصرفها عن العبد إلا الله، وموجب هذه الشرور ذنوب العباد وخطاياهم، كما قال الله -تبارك وتعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى:30] أي بسبب ما كسبت أيديكم، ولهذا لا يخافنَّ عبد إلا ذنبه، فإن ذنوب العباد هي التي من وراء حصول الشرور والعواقب الوخيمة والأضرار الأليمة في الدنيا والآخرة.
عباد الله: وعندما يكون العبد بهذه الصفة؛ لا يرجو إلا الله ولا يخاف إلا من ذنوبه؛ فإن حياته كلها تستقيم على الطاعة وحُسن العمل والبُعد عن الذنوب وتحقيق التوحيد لله جل في علاه. وليحذر -عباد الله- كل عبدٍ في هذا المقام أن يكون حظه من ذلك مجرد القول والدعوى، وقد يقع في شيء من ذلك من حيث يشعر أو لا يشعر.
روى الإمام أحمد في كتابه الزهد عن معاوية بن قرة قال: "دخلتُ على مسلم بن يسار فقلت له: ما عندي من كبير عمل إلا أني أرجو الله عز وجل وأخاف منه"، فقال: "ما شاء الله، من خاف من شيء حذر منه، ومن رجا شيئًا طلبه، وما أدري ما حسْب خوف عبدٍ عرَضَتْ له شهوة فلم يدعها لما يخاف؟ أو ابتلي ببلاءٍ فلم يصبر عليه لما يرجو؟" قال معاوية: "فإذا أنا قد زكَّيت نفسي وأنا لا أعلم".
عباد الله: لنجاهد أنفسنا حقيقةً بيننا وبين الله في إصلاح قلوبنا وإقامتها على طاعة الله جل وعلا رجاءً منه وحده وخوفًا وطمعًا وحُسن إقبال عليه جل في علاه، ومن كان بالله أعرف؛ كان منه أخوف، ولفضله أرجى، وعن معصيته أبعد، وإلى طاعته أقرب كما قال الله سبحانه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر:28].
أيها المؤمنون عباد الله: وعندما يستقيم العبد على هذا الرجاء والخوف إلى أن يتوفاه الله ينال فضلًا عظيمًا وخيرًا عميما لا يعلمه إلا الله -جل في علاه-؛ ولنتأمل في ذلك ما رواه الترمذي وغيره عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي المَوْتِ فَقَالَ: "كَيْفَ تَجِدُكَ؟" قَالَ: "وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ".
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يصلح قلوبنا أجمعين، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمد الشاكرين، وأُثني عليه ثناء الذاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتّقوا الله تعالى.
عباد الله: روى الترمذي وغيره عن سعد بن أبي وقاص --رضي الله عنه-- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ"؛ هذه الدعوة جُمع فيها -عباد الله- بين أمرين عظيمين: التوحيد والاستغفار؛ فإنَّ "لا إله إلا الله" كلمة التوحيد، وقوله "إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" اعترافٌ بالذنب وهو موجب لطلب الغفران.
عباد الله: والتوحيد يفتح للعبد أبواب الرجاء في الدنيا والآخرة، والاستغفار يغلق عن العبد أبواب الشرور؛ وما أعظم أن يكون العبد في هذه الحياة مكثرًا من كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" لتفتح له أبواب الخيرات في الدنيا والآخرة، فإنها مفتاح كل خير وفضيلة، وأن يكثِر من كلمة "استغفر الله" لتكون مغلقة عنه أبواب الشرور، وطوبى لمن وجد في صحيفته يوم القيامة استغفارًا كثيرا.
واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هُدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمَّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديِّين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم. اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداةً مهتدين.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولاة أمرنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي