وأجلُّ النعم -يا عباد الله- دينُ الإسلام؛ فلولا الدين الإسلامي لصار الناس كالعجماوات..لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، ولأكل القوي الضعيف، ولصبَّ الله العذاب على الناس من فوقهم، وأرسل عليهم العقوبة من تحت أرجلهم، ولولا الإسلامُ لما اطمأنت الجنوب في المضاجع، ولما جفت الأعين من المدامع، ولانحطَّ النوع الإنساني في منزلة البهائم التي تتسافد في الطرقات.. ويقع ذلك في بلاد لا يتمسك أهلها بالإسلام ..
الحمد لله الحنَّان المنَّان قديم السلطان عظيم الشأن، أحمد ربي سبحانه وأشكره، وأشكره على نعمه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.. بعثه الله بالنور والهدى.. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليماً كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون حقَّ التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
عباد الله: إن لله على خلقه نعماً لا تحصى وخيراتٍ لا تستقصى.. تفضل الله بهذه الخيرات والنعم على خلقه، ووعد عباده الزيادة -إن هم شكروا-، وضمن لهم بقاءها واستمرارها -إن هم أطاعوه- فقال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]
وهبات الله وعطاياه ظاهرة وباطنة، جلية وخفية، معلومة ومجهولة.. كما قال -تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً..) [لقمان: 20].
ونعمة الله على ابن آدم في حسن خلقه وتناسب أعضائه وشرف هيئته.. قال الله -تعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين: 4].
ونعمة الله على عبده في تعليمه الحلالَ من الحرام، والخير من الشر، والهدى من الضلال، والتفضل عليه بالسمع والبصر والعقل.. قال -تعالى-: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78].
ونعم الله على العباد في مأكلهم بإخراج أصناف النبات الناحل الضعيف من باطن الأرض الصلبة، وحفظه من الآفات، وإمداده بأسباب الحياة؛ من الضوء والماء والهواء وغير ذلك؛ حتى يعطي ثمره حباً مأكولا، أو فاكهة نضيجة، أو بقولاً طرية.. قال -تعالى-: (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) [يس: 33- 35].. الحمد لله على فضله، والشكر له على جزيل منته، وقال -تعالى-: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [المؤمنون: 21].
ونعم الله على خلقه في شرابهم بإنزال الماء عذباً فراتا على قطرات بقدر حاجة الناس؛ حتى لا يضرهم في معايشهم، ثم حفظه في طبقة الأرض القريبة؛ ليستخرجوه وينتفعوا به وقت الحاجة..
قال الله -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 69 – 70]، ويقول -تعالى-: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [المؤمنون: 18 – 19].
ونعمة الله على عباده في الملابس بما أخرج الله للناس من أصناف اللباس واختلاف ألوانه، وتعدد منسوجاته من لين من لين رقيق، وغليظ كثيف وما بين ذلك..يستر به الإنسان عورته، ويتجمل به بين الناس، ويدفع به الحر والبرد عن نفسه.. قال -عز وجل-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ..) [الأعراف: 26]، ويقول -تعالى-: (.. وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل: 81]..
والسرابيل التي تقي من البأس هي الدروع من الحديد ونحوها، وفي الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم".
ونعمة الله على عباده في المساكن التي يأوون إليها ويطمئنون فيها، وتسترهم عن الأعين وتضم أموالهم، وتريح أبدانهم وتدفع عنهم عاديات المناخ من الحر والبرد، فيشعر الإنسان بالسكون والأنس، والاستقرار النفسي والهدوء العصبي، والسعادة القلبية والأمن على نفسه وأهله وماله، وقد رحم الله هذا الإنسان، وقد رحم الله هذا الإنسان، فلم يجعله مُشرَّداً بلا مأوى، ولم يجعله طريداً بلا مسكن.. قال -عز وجل-: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ) [النحل: 80].
وإذا كانت البيوت، وإذا كانت البيوت فيما مضى من جلود الأنعام نعمة عظمى ومنة كبرى، فإن أعظم منها نعمةً القصورُ الشاهقة والبيوت الأنيقة والأبنية الفخمة التي أخرجها الله للناس في هذا الزمان، ويسر لها ما يرتفق به الناس، وجمع الله في هذه البيوت الماء البارد والدافئ، والنور التام والاتصال السريع، والأثاث الثمين والتكييف النافع، فلا يخشى صاحبها أن يخر عليه السقف من المطر، ولا يخاف أن تزعزعه العواصف..(وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا..) [إبراهيم: 34].
ونعمة الله -تعالى- على عبده في الأهل والولد بأن جعل الزوج من نفسه وجنسه، لا من جنس آخر؛ وذلك ليتم المقصود من التآلف والتعاون والتفاهم، ورزق من يشاء الولد؛ امتداداً لحياة الوالدين، ونفعاً لهما في الحياة وبعد الممات.. يقول الله -تعالى-: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ..) [النحل: 70].
ونعمة الله على عباده في المراكب الفارهة التي تحمل الأثقال من بلد إلى بلد، وتنقل الإنسان إلى مقصده وتوصله إلى غايته، وفي السفن التي تجري في البحر بأمر الله، وتحمل البضائع والأرزاق والمنافع.. يقول الله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) [غافر: 79 – 80].
وإذا كان ركوب الأنعام والسفن الشراعية والانتقال عليها -فيما مضى- نعمة كبيرة، فإن أفضل من ذلك نعمةً ركوب وسائل النقل الحديثة التي خلقها الله -تعالى- فراكب الطائرة والسيارة يقطع في ساعة وساعات معدودات ما كان يقطعه في أشهر وأيام -فيما مضى- وهو في سفره وتنقله لا يشعر بالوحدة، ولا يتعرض لوهج الشمس، ولا يلفحه لهب الصحراء، ولا يحرق جوفَه الجوعُ والظمأ، ولا يناله نصَبٌ ولا تعب، ولا يخاف قاطعَ طريق، ولا يضره هطول الأمطار، ولا يؤذيه البرد والحر، بل يكون سفره تنزهاً وتنقله تمتعاً.. يسبق الريح في جريانها، ويخلف الطير السابح وراءه في الفضاء.. (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 18]، (.. وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 8].
والسفن العظام التي تمخر المحيطات بما ينفع الناس أعظم نعمة مما عرفه الناس قديما؛ فإن ما تحمله الواحدة من هذه قد يكفي شعباً كاملا، فسبحان فسبحان من في السماء عرشُه، وفي الأرض سلطانُه، وفي البحر سبيلُه، وفي الجنة رحمتُه، وفي النار عذابُه !!
ونعمة الله على ابن آدم بتسخير الملائكة لحفظ بدنه وروحه من كل من يريد به سوءاً، فإذا جاء قدر الله، فإذا جاء قدر الله تخلوْا عنه.. قال -عز وجل-: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ..) [الرعد: 11]؛ أي بأمر الله.. (وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) [إبراهيم: 33]، والغاية والغاية من النعم والحكمة من تفضل الله على عباده بأنواع العطايا والهبات أن يشكروه ويسلموا له -سبحانه- ويعبدوه لا يشركون به شيئاً، كما قال -عز وجل-: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل: 81].
وأجلُّ النعم -يا عباد الله- دينُ الإسلام؛ فلولا الدين الإسلامي لصار الناس كالعجماوات..لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، ولأكل القوي الضعيف، ولصبَّ الله العذاب على الناس من فوقهم، وأرسل عليهم العقوبة من تحت أرجلهم، ولولا الإسلامُ لما اطمأنت الجنوب في المضاجع، ولما جفت الأعين من المدامع، ولانحطَّ النوع الإنساني في منزلة البهائم التي تتسافد في الطرقات.. ويقع ذلك في بلاد لا يتمسك أهلها بالإسلام.
إن الإسلام -يا عباد الله-: هو المنة العظمى، وتكاليفه ما هي إلا تهذيبٌ للنفوس، وتدرجٌ بالإنسان في مصاعد الكمال.. قال الله -تعالى-: (.. مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة: 6 ]؛ فاشكروا الله على نعمه، واستقيموا على دينه؛ فإن قوماً غرتهم الحياةُ الدنيا وجرأتهم النعم على المعاصي فخسروا الدنيا والآخرة، فاحذروا الغير -يا عباد الله- فإن الله -تبارك وتعالى- له سننٌ في هذا الكون..(..وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 62]؛ فقد قص الله علينا في كتابه ما فيه العبرة لمن اعتبر، وما فيه النجاة لمن حذر.. (وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) [القمر: 4]، فمن خالفوا أمر الله تجرعوا كؤوس الندم، وندموا حيث لا ينفع الندم، وذاقوا وبال أمرهم..(وما ربك بظلام للعبيد)؛ فاحذروا -عباد الله- من غضبه وعقابه، واشكروه على نعمه..نعوذ بالله من زوال نعمته، وتحول عافيته، وفجأة نقمته، وجميع سخطه.
ولقد كان سلف الأمة يوجلون ويخافون مما فتح الله عليهم من الدنيا؛ خشية أن يكون طيبات عجلت، وحسنات قدمت، مع أن الله - تعالى - شهد لهم في كتابه، وأثنى عليهم رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته، وكانوا يجتهدون في العبادة والطاعة، ولا يركنون إلى زهرة الدنيا، ولا يغترون بزخرفها.. فقد روى مسلم من حديث خالد بن عمير العدوي قال: " خطبنا عتبة بن غزوان -رضي الله عنه- فقال: "ولقد رأيتني سابعَ سبعةٍ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لنا طعامٌ إلا ورقُ الشجر حتى قرحت أشداقنا فالتقطت بردة فشققتها فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحدٌ إلا أصبح أميراً على مصرٍ من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً، وعند الناس صغيرا"، فاقتدوا بهم -يا عباد الله- في السراء والضراء، والاستقامة والثبات؛ لتحشروا معهم، وتفوزوا بحسن العاقبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم.. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه.
الحمد لله ذي الجلال والإكرام.. أحمده -سبحانه- وأشكره على حسناته العظام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الصادق الوعدِ الأمين.. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن شكر النعم لا يكون إلا بثلاثة أمور:
الاعتراف بحق المنعم -سبحانه وتعالى- وحبه -جل وعلا- بالقلب، وصرف النعمة فيما يحب ويرضى، وما يجب على الإنسان كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أحبوا الله من كل قلوبكم؛ لما يغذوكم به من النعم"، ثم التحدث بذلك باللسان.. قال -عز وجل-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى: 11]، ثم الاجتهاد في الطاعة والثبات على الدين، وترك معصية الله والبعد عنها، والمسارعة إلى فعل الأوامر كما قال -عز وجل-: (.. اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]، وكما في الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت: يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: أفلا أكون عبداً شكوراً؟"..
واعلموا -عباد الله- أن العبد مهما قام به من الطاعة واجتنب من المعصية، ومهما شكر الله - فلن يستطيع أن يؤدي شكر أقل نعمة لله عليه؛ فقد روى الحاكم -وقال صحيح الإسناد- من حديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن جبريل قال لي: إن لله عبداً من عباده عبدَ الله خمسمائة سنة على رأس جبل في البحر، وأخرج الله له عيناً عذبة وشجرةَ رمان تخرج له في كل ليلة رمانة يتعبد يومه، فإذا أمسى نزل فأصاب من ذلك، ثم قام لصلاته فسأل ربه عند الأجل أن يقبضه الله ساجداً حتى يبعثه ساجداً، فاستجاب الله له فنجد له في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله، فيقول له الرب: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول: ربي بل بعملي، فيقول الله: قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله، فتوجد نعمة البصر أحاطت بعبادة خمسمائة سنة، وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه، فيقول الله: أدخلوا عبدي النار فيجرُّ إلى النار، فينادي: ربي برحمتك أدخلني الجنة، فيقول الله: ردوه، فيقول يا عبدي: من خلقك ولم تك شيئا؟ فيقول: أنت يا رب، فيقول الله: من قوَّاك على عبادتي خمسمائة سنة؟ فيقول: أنت يا رب، فيقول: من أنزلك في جبل وسط لجة، وأخرج لك الماء العذب من المالح، وأخرج لك كل ليلة رمانة، وإنما تخرج كل سنة مرة؟ فيقول: أنت يا رب، ثم يقول الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، ونعم العبد كنت".
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "ما منكم أحدٌ يدخل الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته".
عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال -تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].. اللهم صلِّ وسلم على سيد الأولين والآخرين إمام المرسلين . اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وسلم تسليماً كثيراً..
اللهم ارض عن الصحابة أجمعين. اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. اللهم وارضَ عنا بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم وارضَ عنا بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين يا رب العالمين، ودمر أعداء الدين. اللهم ألف بين قلوب المسلمين، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
اللهم احفظ للمسلمين دينهم. اللهم احفظ لنا وللمسلمين ديننا يا رب العالمين. اللهم احفظ للمسلمين أموالهم وأعراضهم يا رب العالمين. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضلَّ. اللهم أعذنا والمسلمين من مضلات الفتن. اللهم إنا نعوذ بك أن تضلنا بعد إذ هديتنا.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا. اللهم وفق ولي أمرنا إمامنا لما تحب وترضى. اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين. اللهم وانصر به الدين..إنك على كل شيء قدير، وأعنه على ما فيه صلاح البلاد والعباد.. إنك على إنك على كل شيء قدير. اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى. اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفقه لما فيه الخير للمسلمين يا رب العالمين. اللهم وفق النائب الثاني لما تحب وترضى. اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك، ووفقه لما فيه الخير للإسلام والمسلمين. اللهم اجعل جميع ولاة المسلمين عملهم خيراً لشعوبهم وأوطانهم يا رب العالمين.
اللهم أطفئ فتنة المتسللين. اللهم أطفئ فتنة المتسللين. اللهم يا رب العالمين أطفيء فتنتهم يا رب العالمين بحفظٍ لجنودنا، وحفظ لحدودنا وعافية للإسلام والمسلمين يا رب العالمين، ورد شرهم في نحورهم.. إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي شر. اللهم أعذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأعذنا من شر كل ذي شر.. إنك على كل شيء قدير. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم يا رحمن يا رحيم أغثنا. اللهم يا أرحم الراحمين أغثنا غيثاً عاجلا.. إنك أنت الرحمن الرحيم.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].. (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 91].. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم..(ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي