إذا كانت هذه هي وسائلهم السلبيَّة .. فأين نحن من الوسائل الإيجابيَّة؟! وإذا كانت هذه هي هِمَمهم الدَّؤُوبة .. فلماذا هِمَمنا خِواء، وغاياتُنا هواء، وعزائِمُنا غُثاء؟! لما تمسُّ أصابِعُهم الأشياء فتنجَح، وتمسُّها أصابِعُنا فتضطرِب؟! إن مُستقبَل المُسلمين ينبغي أن يُزرَع في بلادِهم وعلى أرضِهم، بأخلاقهم، وفِكرهم، وقوَّتهم، وأن يكفُّوا عن صفات التسوُّل بكل صُنُوفِه في طاقاتهم وإعلامهم وثقافتهم، وألا يضيعُوا في تِيه العقل الذي يشحَذ ولا يُؤسِّس! فيُنحَّى حينئذٍ عن القيادة والرِّيادة قسرًا، ولاتَ ساعةَ حيلة...
الحمد لله، الحمد لله الرحيم (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1- 4]، له مقاليدُ السماوات والأرض - سبحانه - كل يومٍ هو في شأن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه سيِّد ولد آدم أجمع، وخيرُ من صلَّى لله وركَع، وأبلغُ من دعا إلى الله فأسمَع، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آل بيتِه الطيبين الطاهِرين، وعلى أزواجِه أمهاتِ المُؤمنين، وعلى الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصِيكم - أيها الناس - ونفسِي بتقوَى الله - سبحانه -؛ إذ بها المغنَم، وعليها المُعوَّل والمُعتصَم، (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62- 64].
أيها المسلمون:
إن الهيمَنَة لنَزعَة الشهوة والأثَرَة، وحبِّ الدنيا وكراهية الموت، قد ولَّدَت في كوامِن كثيرٍ من المُجتمعات المُسلِمة قِسطًا وافِرًا من القُنوط واليأس، وذوَبَان الأمل، والشعورِ المُستحكِم بأن سيادتَها في الأرض وريادتَها فيهما نوعُ استِحالةٍ تجعلُ القناعةَ بمثلِ ذلكم لونًا من ألوان الرِّضا بالواقِع، والاستِسلام للمُستجدَّات والمُدلهِمَّات أيًّا كان نوعُها، حتى لو كان فيها ظُلمُ الإنسان وقهرُه، وإهدارُ كرامته، ومحوُ هويَّته.
مع أن حقيقةَ الإسلام وواقِعَه يُؤكِّدان أنه لا انفِصال بين العمل للدنيا والعمل للأخرى، وأن ليس ثمَّة تغليبٌ للجسَد على حساب الروح، ولا للروح على حساب الجسَد. إنما هناك تنظيمٌ دقيقٌ يجعلُ همَّة الإنسان المُسلِم والمُجتمعِ المُؤمن في أن يتولَّى القيادة ويُمسِك بالزِّمام، فلا هي رهبانيَّةً تقتُلُ نداءَ الفِطرة والجِبِلَّة، ولا هي ماديَّةً جوفاء، وأفئِدةً هواء، تتجاهلُ سناءَ الروح وتطلُّعاتها إلى الرِّفعة والتمكين.
وهذا الحقُّ - عباد الله - هو ما يجبُ أن يعرِفَه عامَّةُ المُجتمعات المُسلِمة بجلاءٍ ووضوحٍ، وأن تبُحَّ له حناجِرُ الباحثين عن الصالِح العامِّ لأمَّتهم ومُجتمعاتهم؛ فإن الله - جل وعلا - سخَّر آفاق السماء، وفِجاجَ الأرض، وجعلَها في خدمة الإنسان؛ ليعمُر أرضَه، ويخلُف فيها بالإصلاح والعبودية له وحده، وليكون عزيزًا مُطاعًا، لا ذليلاً مُهانًا، وليكون متبُوعًا من قِبَل أُمم الأرض، لا تابِعًا.
فإن الله - سبحانه وتعالى - قد قال: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ) [لقمان: 20].
ولذا - عباد الله - فإن هذا التسخيرَ الإلهيَّ لم يكُن عبَثًا بلا حِكمة، ولا نعمةً لا تقتضِي شُكرًا يُشاهَدُ على أرض الواقِع، من خلال إقامة شرع الله في أرضه، وإعلاء كلمتِه لتكون هي العُليا على هذه البسيطة، (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7].
ومن هذا المُنطلَق - عباد الله - كان لِزامًا على أمة الإسلام أن تُدرِكَ أمرَين جدُّ عظيمَين، تحمِلُ عليهما الضرورةُ تارةً، ويهدِي إليهما الدينُ تاراتٍ أخرى؛ بل كلٌّ منهما يستلزِمُ الآخر ويستصحِبُه استِصحابًا حثيثًا.
والأمران - عباد الله - هما: التآخي والائتِلاف بلا تفرُّقٍ واختِلاف، وعلوُّ الهمَّة لبلوغِ الأرَب في الرِّفعة والرِّيادة، دون استِكانةٍ أو خُنوعٍ لغير الله - سبحانه وتعالى -. بهذين الأمرَين - عباد الله - تنمُو الأُمم، فتعظُم فتسُود ما شاء الله أن يحيَا فيها هذا الأمران.
وإنه متى رُئيَ من أمة الإسلام مَيْلٌ صادقٌ إلى الوحدة والتمكين؛ فإن العاقِبَة لها ما من ذلك بُدٌّ، فتلك هي السنةُ الكونية والدينية.
ومن تصفَّح تاريخَ الأُمم والشعوب، وتأمَّل واقِعَها من خلال كتاب الله وسنة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، ومصادر التأريخ المُسطَّرة؛ وجدَ أن حظَّ الأُمم والشعوب من الوجود على مِقدار حظِّها من الوحدة، ووجدَ مبلغَها من العلوِّ والهيمَنة على قدرِ تطلُّعها إلى التمكين في الأرض لإثبات وُجودِها.
ولوَجَد أيضًا أنه ما انحرَفَ قومٌ عن بُلوغ ما ذُكِر، فألهَاهم بما بين أيديهم، وأوقَفَهم على أبواب ديارهم ينتظِرون طريقَهم بالسوء، إلا بعد ما رُزئُوا بالاختلاف والافتِراق، ودنُوِّ الهمَّة، والحِطَّة، والشِّقاق، والرِّضا بالحياة الدنيا من الآخرة، (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة: 38].
الاتِّحادُ والاتفاقُ والائتِلاف - أيها المسلمون - تقارُبٌ يُحدِثُه شعورُ كل فردٍ من أفراد أمة الإسلام، بما ينفعُها وما يضُرُّها. شعورٌ يبعَثُ كلَّ واحدٍ منَّا على التفكُّر في أحوال أمَّته، ويجعلُ لهذا التفكُّر جُزءًا من زمنه وهمِّه، وألا يكون هذا التفكُّر أقلَّ من همِّه بمعاشِه ورِزقِه، فضلاً عن أن يكون مُجرَّد تفكُّر لا يُجاوِزُ جُدرانَ مُخيِّلة المرء نفسِه؛ بل تفكُّرٌ يتبَعُه عمل، وعزيمةٌ يخلُفُها إصرار.
ولهذا جاء حثُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على التماسُك والتآخي بين المُؤمنين، وذلك في قولِه - صلوات الله وسلامُه عليه -: "المؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان يشُدُّ بعضُه بعضًا" - ثم شبَّك بين أصابِعِه - صلواتُ الله وسلامُه عليه – (رواه البخاري ومسلم).
وفي مثلِ قولِه - صلى الله عليه وسلم -: "مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مثَلُ الجسد، إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسَّهر والحُمَّى" (رواه مسلم).
ففي الحديث الأول: جعلَ موضِع المُسلم بين إخوانه المُؤمنين كالبُنيان، الذي لا يقومُ بعضُه إلا على البعضِ الآخر، من خلال تراكُم اللَّبِنات وتشابُكها.
وفي الحديث الآخر: أنزلَ المؤمنَ من أخيه منزلةَ أحد الأعضاء في الجسَد، إذا مسَّه ألَمٌ استنفَرَت بسببِه سائرُ الأعضاء.
فلله! أيُّ تشبيهٍ للأُخُوَّة أعظمُ من هذا التشبيه، الذي نطقَ به من أُوتِي جوامِع الكلِم - بأبي هو وأمي - صلواتُ الله وسلامُه عليه -؟!
إن هذا الترابُط والتآخي، والحضَّ عليه من قِبَل الشارع الحكيم، لم يُترَك هكذا دون سِياجٍ يُحاطُ بتحذيرٍ وتخويفٍ؛ بل أُتبِعَ بالنهي عن ضدِّه، وهو: الاختِلاف، والتدابُر، والخروجُ من دائرةِ المؤمنين الجامِعة؛ حيث توعَّد الله الواقِع في ذلكم بقولِه: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115].
هذا هو موقفُ الدين الإسلاميِّ من العُنصر الأول، الذي هو عنصرُ الائتِلاف والتآخي المُوافِقَين للهدي السماوي الإلهيِّ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 45، 46].
باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ؛ إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه وتوبوا إليه؛ إن ربي كان غفارًا.
الحمد لله وحده، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبيَّ بعده.
وبعد:
فثمَّ عنصرٌ آخر - عباد الله -، وهو: عنصُر الهمَّة نحو بلوغ العزَّة والرِّفعة والتمكين في الأرض، من خلال السعي الصادق لبثِّ دين الإسلام والتمكين له، والإعلاء لكلمة الله في أرضه، وعمارتها بالعدل والقِسط.
وإن آيات القرآن وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حافِلةٌ بذِكر ذلكم، داعيةً إليه، جاهِرةً بالحضِّ عليه، حاظِرةً عليهم أن يستكِينُوا أو يتخاذَلوا أو يتوانَوا في المفروض والقيام به.
إن كل الرَّزايا التي تحُلُّ بأقطار المُسلمين وتضعُ من أقدارهم ما كان قاذِفُهم ببلائِها، ورامِيهم بسِهامها إلا افتراقُهم وتدابُرُهم، الذي نهاهم الله عنه، ونهاهم عنه رسولُه - صلى الله عليه وسلم .-
ولو أنهم أدَّوا تلك الحقوق التي تُطالِبُهم بها كلمةُ الله العُليا، وتطمئنُّ قلوبُهم بذِكرها، لما كان للغريبِ مجالٌ لأن يُمزِّق شملَهم كلَّ مُمزَّق، أو أن يُفرِّقهم شذَر مذَر، أو أن يُلمِّع سلاحَه عُدوانًا وظُلمًا في وجوههم، بعد أن كانت أقدامُهم في صياصِي أعدائِهم، وأيديهم على نواصِيهم رَدحًا من الزمن.
هل يودُّ المُسلمون أن يعمُروا مئات السنين في الضعف والدُّون، وهم يعلَمون أن ازدِراء الحياة وزُخرفها والزُّهد فيها هو دليلُ النفس المُؤمنة؟!
أيرضَى المُسلمون وقد كانت كلمتُهم هي العُليا، أن يُضربَ عليهم الخوف والجوع، وأن يُقذَف في قلوبهم الرُّعب، وتبلُغ قلوبُهم الحناجِر، ويظنُّون بالله الظُّنُونا؟!
وأن يستبِدَّ في ديارهم وأموالهم وأرضِهم التي استنشَقُوها من هو أجنبيٌّ عنهم دينًا وخُلُقًا وسياسةً، أو من لا يرقُبُ فيهم إلاًّ ولا ذمَّة؛ بل أكبرُ همِّه العبَثُ والتشريدُ والتفريقُ، والقتلُ والظُّلمُ، حتى يُخلِيَ منهم أوطانَهم التي خُلِقوا فيها، وربَوا على ثَراها، ثم يضرِب القُرعة بين المُقتسِمين أرضَهم وأموالَهم.
إن الوحدة والتطلُّع إلى الغلَبَة، وصِدقَ الرَّغبة في حفظِ حوزَة الإسلام، كلُّها صفاتٌ كامِنة في نفس كل فردٍ وكل مُجتمعٍ مُسلمٍ، إلا من شاء الله. بَيْدَ أنهم دهاهم ما يُلهِيهم عن استِصحاب ذلكم واستِصحاب حُكمه، فذُهِلُوا عن سماع أصوات الساعِين إلى العدل والحقِّ، فسَهَوا وما غوَوا، وزلُّوا وما ضلُّوا، ولكنهم دُهِشُوا وتاهُوا وسطَ زوابِع الدنيا وزخارِفها وأطيافها الزائِلة، حتى أصبَحوا يطلُبُون العونَ وهو معهم، ولكنهم لا يهتَدون إليه سبيلاً، فصاروا
كالعِيسِ في البَيداءِ يقتُلُها الظَّما *** والماءُ فوقَ ظُهورِها محمُولُ
إن علينا جميعًا أن نُدرِك حجمَ عداوَة من لا يُحبُّنا، ولا يهمُّه أمرُنا، كما أن علينا جميعًا أن نُدرِك السُّبُل والوسائل التي يتربَّصُ بها عدوُّنا، وأن نُذكِيَ محلَّها الوسائل الإيجابيَّة، مع الرجوع إلى الله، والأُلفة، والعزيمة، والتغلُّب على الهوَى والرغبة الشخصية، وتقديم مصلَحة الإسلام والمُسلمين على كل مصلحةٍ دونَها، (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 147، 148].
إن إدراكَ حجم الوسائل التي يُحاربُنا بها أعداءُ بُلداننا أو ديننا أو ثقافتنا، لهو من الضرورة بمكانٍ، وألا يضيقَ فهمُنا وإدراكُنا على تفسير قوَّتهم وغلبَتهم بوسيلة الحرب فحسب؛ كلا، فتلك نظرةٌ ضيقة، وفهمٌ قاصِر لهذا الواقِع المُؤلِم.
بل لقد تعدَّى مدى الوسائل حتى شمَلَ آفاقًا مُتعدِّدةً، نراها ماثِلةً في الثقافة، والمشاعِر، والإعلام، والفِكر. بل لقد أصبحَت الكلمةُ والصورةُ والخبرُ والصحيفةُ والبثُّ الفضائيُّ أدقَّ الوسائل إلى غاياتهم المرسُومة؛ إذ تفتِك بالأمة فتكَ السِّهام بلا قوسٍ ولا وتَر، فتطعنُ بغير سكِّين، وتقتُل بغير سلاح، وتأسِر بلا حرب، وتحكُم بلا مبدأ.
إذا كانت هذه هي وسائلهم السلبيَّة .. فأين نحن من الوسائل الإيجابيَّة؟! وإذا كانت هذه هي هِمَمهم الدَّؤُوبة .. فلماذا هِمَمنا خِواء، وغاياتُنا هواء، وعزائِمُنا غُثاء؟! لما تمسُّ أصابِعُهم الأشياء فتنجَح، وتمسُّها أصابِعُنا فتضطرِب؟!
إن مُستقبَل المُسلمين ينبغي أن يُزرَع في بلادِهم وعلى أرضِهم، بأخلاقهم، وفِكرهم، وقوَّتهم، وأن يكفُّوا عن صفات التسوُّل بكل صُنُوفِه في طاقاتهم وإعلامهم وثقافتهم، وألا يضيعُوا في تِيه العقل الذي يشحَذ ولا يُؤسِّس! فيُنحَّى حينئذٍ عن القيادة والرِّيادة قسرًا، ولاتَ ساعةَ حيلة.
ولقد صدقَ الله - جل شأنُه -: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: 139، 140].
هذا، وصلُّوا - رحمكم الله - على خير البريَّة، وأزكى البشريَّة: محمد بن عبد الله، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمرَكم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكَته المُسبِّحةِ بقُدسِه، وأيَّه بكم - أيها المُؤمنون -، فقال - جل وعلا -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وكرمِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم من أرادَنا وأرادَ الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فاشغَله بنفسِه، واجعَل كيدَه في نحره يا سميع الدعاء.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمرنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافك واتقاك واتبع رِضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم انصُرهم على من ظلمَهم، اللهم انصُر إخواننا المُستضعَفين في دينهم في سائر الأوطان يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
سبحان ربِّنا ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي