الانتماء إلى الأوطان في ظل الإسلام

صالح بن محمد آل طالب
عناصر الخطبة
  1. غريزة حب الوطن .
  2. المفهوم الخاطئ في تعارض الوطنية مع الإسلام .
  3. من مقتضيات حب الوطن .
  4. من مظاهر خيانة الوطن .
  5. التجار وخيانتهم لأوطانهم .

اقتباس

إنه لا عذر لأولئك المشهرين بمجتمعم الناشرين لنقائص وطنهم وعيوب مواطنيهم سواء ما كان منها واقعاً أو مبالغًا فيه أو ما كان فريةً عليه.. لا نجني من ذلك إلا إيغار صدور المواطنين على وطنهم ومؤسساته والتشويه لوطنهم.. لا عذر لهم في ذلك أبدًا.. إنهم إن راموا الإصلاح فليس هذا طريقه وإن أرادوا النقد فليس هذا سبيله، أما إن شاءوا الانتقام من أفراد ومؤسسات وجعلوا ..

 

 

 

الحمد لله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) [الأنعام:1-3].. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- أيها المسلمون: وخافوه وأطيعوا أمره ولا تعصوه: (.. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة:223].

سارعوا لمرضاة ربكم واعلموا أن قد حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره، ولا مفر من المصير، ومن استطال الطريق ضعف مشيه ومن تعلق بالشهوات لم تصح له عزيمة.

عباد الله.. أيها المسلمون: شعورٌ كم خفقت به القلوب وشوقٌ كم كلفت به الأفئدة وحنينٌ يزلزل مكامن الوجدان.. حبٌّ أطلق قرائح الشعراء وهوى سُكبت له محابر الأدباء وحنينُ أمضّ شغاف القلوب وإلفٌ يأوي إليه كرام النفوس وسليم الفطر، حبٌّ لم يتخل منه مشاعر الأنبياء وود وجد في قلوب الصحابة والأصفياء، بل هو شعور تغلغل في دواخل الحيتان تحت الماء ورفرفت لأجله أجنحة الطير في السماء.. إنه أيها المسلمون حب الأوطان.. قال أهل الأدب: "إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحنته إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكاؤه على ما مضى من زمانه".

المحبة للأوطان والانتماء للأمة والبلدان أمر غريزي وطبيعة طبع الله النفوس عليها، وحين يولد الإنسان في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءها ويتنفس هواءها ويحيا بين أهلها - فإن فطرته تربطه بها فيحبها ويواليها، ويكفي لجرح مشاعر إنسان أن تشير بأنه لا وطن له.. وقد اقترن حب الأرض بحب النفس في القرآن الكريم.. قال الله -عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ...) [النساء:66].. بل ارتبط في موضع آخر بالدين.. قال -تعالى-: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8].

ولما كان الخروج من الوطن قاسيًا على النفس فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم ضحوا بأوطانهم هجرةً في سبيل الله.. وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح: عن عبد الله بن عدي بن حراء قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واقفا على الحزورة فقال: "إنكِ لخيرُ أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجت منك ما خرجت"، قال العيني رحمه الله: "ابتلى الله نبيه بفراق الوطن".. ولما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيبقى مهاجرًا دعا بتحبيب المدينة إليه؛ كما في الصحيحين وفي صحيح البخاري:" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته (أي أسرع بها).. قال ابن حجر -رحمه الله-: "فيها دلالة على فضل المدينة، وعلى حب الوطن والحنين إليه".

أيها المسلمون: البشر يألفون أرضهم على ما بها حتى ولو كان قبراً مستوحشاً، وحب الأوطان غريزةٌ مستوطنةٌ في النفوس تجعل الإنسان يستريح للبقاء فيه ويحن إليه إذا غاب عنه ويدفع عنه إذا هوجم ويغضب له إذا انتقص.. والوطنية بهذا المفهوم الطبيعي أمرٌ غير مستغرب، وهذا السعادة به وتلك الكآبة لفراقه وهذا الولاء له مشاعر إنسانية لا غبار عليها ولا اعتراض، ولا يجوز أن تكون مفهومًا مشوهًّا يعارض به الولاء للدين؛ فالإسلام لا يغير انتماء الناس إلى أرضهم ولا شعوبهم ولا قبائلهم.. فقد بقي بلال حبشيًّا وصهيب روميًّا وسلمان فارسيًّا ولم يتضارب ذلك مع انتمائهم العظيم للإسلام.. وعندما يفكر الإنسان في طبيعته فسيجد أن له محبةً وولاءً وانتماءً لأسرته وعشيرته وأهل قريته؛ كما يحس بانتمائه الكبير للأمة المسلمة باتساعها وتلون أعراقها ولسانها.. إنه لا تعارض بين هذه الانتماءات ولا مساومة عليها، بل هي دوائر يحوي بعضها بعضا.

أيها المسلمون: إن من المغالطة الإيهام بالتعارض بين الوطينة بمفهومها الطبيعي وبين الإسلام.. إن تصوير هذا التعارض ليس إلا حيلةً للنيل من الإسلام واستغلالًا للمحبة الغريزية للوطن لإيهام الناس بأن التمسك بتفاصيل الشريعة يعطل بعض مصالح الوطن.. وذلك عبر مصادمة أحكام الشريعة لمطالب الوطنية.. إننا لا نريد أن نقابل غلوًّا بغلو.. يجب ألا نستفز من قِبل من غالى في الوطنية ورفع شعارها ندًّا للإسلام ليجعلنا نتجاهل حقوق الوطن ونتساهل فيه.. يجب ألا نسير بغفلة خلف الشعارات المستوردة والمصطلحات الدخيلة، وإن المفهوم المستورد للوطنية مفهومٌ يرفضه الإسلام، وهو مستحدث في ثقافتنا وحضارتنا، وهو معنى فاسد حين يجعله وثنًا تُسخَّر له كل المبادئ ولو عارضت الإسلام، ويؤدي إلى إقصاء شريعة الله وتقسيم الناس إلى أحزاب وطوائف تتباغض وتتناحر ويكيد بعضها لبعض.. وتفتح الباب واسعًا أمام العدو لتحقيق أهدافه ومراميه: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون:52].

أيها المسلمون: من مقتضيات الانتماء للوطن: محبته والافتخار به وصيانته والدفاع عنه والنصيحة له والحرص على سلامته واحترام أفراده وتقدير علمائه وطاعة ولاة أمره..

ومن مقتضيات الوطنية: القيام بالواجبات والمسئوليات كلٌّ في موضعه مع الأمانة والصدق..

ومن مقتضيات حب الوطن: احترام نظمه وثقافته والمحافظة على مرافقه وموارد الاقتصاد فيه، والحرص على مكتسباته وعوامل بنائه ورخائه، والحذر من كل ما يؤدي إلى نقصه..

إن الدفاع عن الوطن واجبٌ شرعي، وإن الموت في سبيل ذلك شهامةٌ وشهادة.. وفي قصة الملأ من بني إسرائيل: غافر (... قَاَلوُا وَمَاَ لََنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا... ) [البقرة:246].

عباد الله: وحتى تتبين مظاهر الوطنية الصادقة ويسقط زيف الشعارات فإن المتأمل في الواقع يميز بين المواطن الصالح الناصح لوطنه وبين الكاذب بالشعارات.. فإن لخيانة الوطن مظاهر.. وظواهر بعضها مرّ على بلادنا فحسم أمره وكبت شره، وبعضها لم يزل قائما يتشكل ويتلون ويخف ويشتد ويبين ويتوارى، وبعضها يظهر باسم الغيرة على الوطن وفي حقيقته غيرة منه.. ومن ذلك ما تورط به شبابٌ أغرارٌ رفعوا شعار نصرة الإسلام وراية الإصلاح فأخطأوا سبيله ولم يجدوا صدورًا يُفرغون فيها رصاصهم إلا صدور أهليهم ولا أمنًا يُزعزع إلا أمن بلادهم ولا بناياتٍ تهدم على مَنْ فيها إلا بنايات وطنهم.. يقطعون شجرا أظلهم ويعكرون ماءً سقاهم.. يزعمون أن عملهم لله وباسم الله.. وهم في حقيقة حالهم قد ارتهنوا لأعدائهم وحسادهم وصاروا أدواتٍ لهم يصرفونهم في الإساءة لأوطانهم كيف شاءوا ومن ورائهم من يبرر ويحرض.. لقد تجللوا بعار الخيانة وتلبّسوا بجرم الجناية.. ناهيك عن تعرضهم للإثم والمقت واستحقاق الوعيد الشديد.

أيها المسلمون: وثمة مظهرٌ آخر من مظاهر خيانة الوطن لا يقل سوءًا عن الأول إن لم يزد عليه.. فلئن كان الأول شاهرًا ظاهرًا فإن الثاني متلونٌ خفي، ولئن كان الأول سريع الفعل حاضر الأثر فإن الثاني بطيء التشكل متحقق التأثير..

إنهم أناسٌ من بني جلدتنا ويتكلمون بألستنا سُبيت قلوبهم وغزيت عقولهم وانبهروا بعدوهم ففقدوا ذواتِهم.. أُشرِب في قلوبهم حب الغرب وسباهم سلوكه فآمنوا بحسنه وسيئه واستحسنوا حلوه ومره، ثم أورثهم ذلك كله انتقاصًا لأهلهم وتثريبًا على أوطانهم وسخريةً بأعرافهم المعتبرة ولمزًا لتقاليده المرعية، وصارت فضائله المتوارثة محل انتقاداتهم وأخلاقياته المتسلسلة غرض رميهم فصارت فنونهم وآدابهم ومقالاتِهم لا غرض لها إلا التشهير بهذا المجتمع وإظهار معايبه وتشويه سمعته في الداخل والخارج..

هل من النصيحة القدح والاتهام والتنقص بالبلد ومقدراته ونظمه وسياسته عبر وسائل المتنوعة أمام العالمين.. أين المواطنة عمن يستعدي العدو المتربص على الوطن بوسائل شتى حتى صارت محاضن العدو مستقَرًّا لشكاياتهم وتذمراتهم مما لا يوافق أهواءهم؟

أليس هذا خيانةً للوطن الفكر المضاد لعقيدة الوطن وعقيدة ولاته وأفراده الترغيب بكل صوره وأشكاله.

أليس هذا كفرًا بالوطن وعلامةً على زيف الشعارات ترى التشويه في صورٍ شتى.. فهذه رواية مسرح أحداثها شوارعنا وأحياء بلدنا بأسمائها المعروفة.. لم يجد كاتبها شخوصٍا لرواية إلا ساقط الناس وأراذل المجتمع مما لم يخلُ منهم عصرٌ أو مصر.. يختصر المجتمع فيهم ويخون البلد بهم ويؤرخ للزمن بحكايتهم..وذلك مسلسلٌ محليٌّ يصوَّر في بيوتنا وأزقتنا يظهر مُواطِن هذا البلد؛ إما مغفَّلًا أو شهوانيًّا أو فاسدًا أو بذيء اللسان.. وذلك كاتبٌ في صحيفةٍ أو مجلةٍ اتخذ له أعداء من أفراد هذا البلد أو مؤسساته تباينت معهم توجهاته واختلفت وإياهم أراؤه فجعلهم مضمون مقالاته وموضوع كتاباته.. يضخم أخطاءهم ويهول أفعالهم ويطعن في مقاصدهم.. وربما شبههم بمنظمة إرهابية أو ربطهم بشبكة إجرامية أو جعلهم أعضاءً في تنظيمٍ دولي محظور.. يستعدي السلطات عليهم ولم يدر أو هو يدري أنه يستعدي الدول والطامعين على بلده.. وربما كانت بعض تلك المؤسسات التي يستهدفها تابعةً للدولة أو هي ضمن أجهزتها ولكن عداءه أعماه عن عاقبة فعله وصنيعه.. وربما طعن في مؤسسات البلد الشرعية أو الأمنية أو طال مناهج التربية والتعليم ووصفها بأنها تخرج أعداء ومقاتلين للعالم، ولا يدري ذلك المغفل أو هو يدري أن من ورائه مراكز رصد وبحوث أجنبية وهيئات ومؤسسات دولية ترصد وتتابع وتترجم وتترقب.. مطامعها في بلادنا ظاهرة ونواياهم في أوطاننا مكشوفة.. يتلمسون العذر للتضييق والمساومة، ويبتغون الحجة للنيل والاستغلال.. يحركون المنظمات والهيئات تجاه بلادنا في دعاوى شهودهم فيها كتابنا وبيناتهم كتاباتنا وذرائعهم تصرفات من داخلنا.. كم ضاقت الحال بدولٍ وألجئت من أوطان ودفع المواطنون ضريبة الحصار.. كل ذلك بسبب خونة للأوطان، راموا الانتقام من أشخاصٍ أو مؤسسات في بلادهم فكان الضرر عاما والخسارة شاملة، ولنا في غيرنا عبرة وعظة.

إنه لا عذر لأولئك المشهرين بمجتمعم الناشرين لنقائص وطنهم وعيوب مواطنيهم سواء ما كان منها واقعاً أو مبالغًا فيه أو ما كان فريةً عليه.. لا نجني من ذلك إلا إيغار صدور المواطنين على وطنهم ومؤسساته والتشويه لوطنهم.. لا عذر لهم في ذلك أبدًا.. إنهم إن راموا الإصلاح فليس هذا طريقه وإن أرادوا النقد فليس هذا سبيله، أما إن شاءوا الانتقام من أفراد ومؤسسات وجعلوا ما مكنوا فيه أذية وتصفية حسابات فهذا هو الداء الذي لا علاج له إلا الكي.

إن الشريعة الإسلامية -وهي التي لم تغفل أقل الأمور- لم تترك سبيل النصيحة ملتبسًا ولم تدع أسلوب الإصلاح غائبًا.. وإن أهم المعالم في طريق الإصلاح والنصيحة التثبت من الحال والعدل والإنصاف في إطلاق الأحكام واطراح الهوى.. وقبل ذلك وبعده عدم التشهير وإذاعة السوء: (...وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِه وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ِ...) [النساء:83] وفي سورة النور: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَاَللَّه يَعْلَم لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19].. وإشاعة الفاحشة تكون بالتحدث بها وتردادها في المجالس والمنتديات.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [ التوبة:24].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة.. أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله المحمود بكل حالٍ.. منه المبتدا وإليه المنتهى وإليه المرجع والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى الصحب والآل.

أما بعد: ففي النفس عتبٌ كبيرٌ على من أشغله المال عن القيام بحق الوطن والمواطن؛ فإنك ترى جانب ضعف المواطن عند مَنْ يسعى للربح المضاعف على حساب العامة واحتكار البضائع والتلاعب في الأسعار والتضييق على الناس في معاشهم واستغلال الأحداث والظروف دون النظر إلى حال الناس.. ناهيك عن الغش والتدليس، ويزداد العتب على المراكز المؤثرة؛ كالبنوك والمصارف والشركات المالية الكبرى والتي أوقعت شريحة كبيرة من الناس في عقود وقروض لا تبني حضارةً ولا تغني فقيرا.. وإنما تنهك المجتمع في ديون متراكمة؛ لا سيما وأن كثيرًا من هذه البنوك تستثمر أموالها وودائع عملائها في الخارج في صورة تضعف فيها المواطنة مما يحرم البلد من الاستفادة من هذه الأموال وتشغيلها في الداخل وإيجاد المشاريع وتوفير الوظائف وتنمية الحضارة وخدمة المجتمع.

ليس من العدل الاستفادة من خيرات الوطن والتنعم بموارده ثم التخلي عن أي مسئولية تجاهه؛ خصوصاً وقد مرت على كثير من المواطنين كوارث مالية ذهبت بأرزاقهم وتلاشت معها مدخراتهم وقام الضعيف من الناس يساعد من هو أضعف منه، أما تلك المصارف فلم تزدها تلك الأحوال إلا جشعاً، بل مع كل مسغبةٍ جائع تشجئ مصرف وكان الأَوْلَى أن تحمل جزءًا من المواساة.

إن بعض الأغنياء يقدمون للمجتمع خدماتٍ جليلة وأعمال برٍّ خيِّرة ومشاريع مثمرة وهم لا يملكون عُشر ما تملكه البنوك، ومن حق المجتمع أن يتساءل عن دور المصارف في هذا المجال وأمام الأخيار والصادقين ميدان ربحٍ لخدمة وطنهم ورفعته.. كان الله في عون المخلصين.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية وأزكى البشرية رسول الله محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره.. اللهم ادفع عن الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك، اللهم انصر به دينك وأعل به كلمتك، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح بطانته واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين، اللهم ووفقه ولي عهده ونائبه الثاني لما تحبه وترضاه ياسميع الدعاء.

اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل الطغاة والمفسدين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين وفرِّجْ كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين ، واشف برحمتكم مرضانا ومرضى المسلمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالديهم وذرياتهم يارب العالمين.. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسِّرْ أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أن التواب الرحيم.. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي