التبرج آفةٌ عظيمة ومضرةٌ جسيمة على المجتمعات؛ فإن المجتمع المسلم إذا وُجد فيه النساء المتبرجات وكثُرن في المجتمع أضررن بالمجتمع ضررًا عظيمًا، وأصبحن بهذا التبرج داعياتٍ للرذيلة، ناشراتٍ للفساد محركاتٍ ومهيجاتٍ للفتنة ومثيراتٍ لمطامع كل من في قلبه مرض؛ وهذا مبتغى أعداء دين الله من المرأة للفتك بالمجتمعات المسلمة، ولهذا قال أحد أعداء الدين: "انزعوا الحجاب من المرأة المسلمة وغطوا به القرآن"؛ أي أنكم إذا وصلتم إلى هذه الدرجة فقد قضيتم على المجتمع المسلم وتمكَّنتم من إشاعة الشرور والرذيلة والفساد فيه، مما يحقق هلاك المجتمع ودماره...
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه. وتقوى الله -جل وعلا- هي خير الوصايا وأعظمها، وهي وصية الله -تبارك وتعالى- للأولين والآخرين من خلْقه كما قال -جل وعلا-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء:131].
معاشر المؤمنين: إنَّ نعمة الله -جل وعلا- علينا بهذا الدين نعمةٌ عظيمة ومنَّةٌ جسيمة؛ فإن الدين كلُّه محاسن في هداياته العظيمة وتوجيهاته القويمة وإرشاداته السديدة، ومن ذلك -يا معاشر المؤمنين- ما يختص بالمرأة المؤمنة من حماية فضيلتها ورعاية شرفها والعناية بعفَّتها وإبعادها عن مواقع الردى والفتنة والشرور.
عباد الله: ولهذا جاء الإسلام في جملة هداياته للمرأة بنهيها عن التبرج ومنعها منه وتحذيرها من فعله، لما يترتب عليه من شرورٍ عظيمة وآفاتٍ جسيمة وأخطارٍ وخيمة على المرأة نفسها، وعلى المجتمع الذي تعيش فيه.
وبادئ ذي بدء -عباد الله- لنتأمل في هذا المقام في آيةٍ كريمةٍ عجيبٌ أمرها في هذا الباب؛ ألا وهي قول الله عز وجل: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:60].
فتأمل رعاك الله، وتأملي أيتها المرأة المسلمة هداك الله في أمر الله -عز وجل- للمرأة الكبيرة المسِنَّة التي لا مطمع فيها لا ترجو نكاحًا ولا تطمع فيه، ولا يطمع فيها أيضًا الرجال؛ نهاها الله -سبحانه وتعالى- أن تتبرج بزينةٍ بأن تُظهِر شيئًا من زينتها أو تضعُ شيئًا يجمِّلها ويحسِّنها فيكون ذلك داعيةً للفتنة وموجبًا لإثارة الشر.
يقول في هذا المقام الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- موضحًا ما تشتمل عليه هذه الآية الكريمة من هداية عظيمة: "وإذا كان العجائز يُلزَمن بالحجاب عند وجود الزينة ولا يُسمح لهن بتركه إلا عند عدمها وهنَّ لا يفتن ولا مطمع فيهن؛ فكيف بالشابات الفاتنات!! ثم أخبر –سبحانه- أن استعفاف القواعد بالحجاب خيرٌ لهن ولو لم يتبرجن بزينة؛ وهذا كلُّه واضحٌ في حث النساء على الحجاب والبُعد عن السفور وأسباب الفتنة" انتهى كلامه -رحمه الله تعالى-.
عباد الله: ولقد جاء في القرآن والسنة نصوص كثيرة في هذا الباب مبينةً عظم شأن هذا الأمر ووجوب بُعد المرأة عن التبرج وأن هذا خطرٌ عليها ومضرةٌ لمجتمعها، وأنه من خطوات الشيطان وأعمال الجاهلية، قال الله -عز وجل-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33] ؛ فبيَّن جل في علاه أنَّ تبرج المرأة بالزينة عملٌ قبيحٌ من أعمال الجاهلية القبيحة وشنائع فِعالها.
عباد الله: وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا؛ قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا"؛ وهذا من أدل ما يكون على أن تبرج المرأة من كبائر الذنوب وعظائم الآثام ومن موجبات دخول النار.
وجاء في سنن البيهقي من حديث أبي أُذَيْنَة الصَّدَفِيّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِلَّاتُ وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ؛ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ"، وهو قليل جدًّا في الغربان.
عباد الله: ومما جاء في هذا الباب -باب عدم التبرج والتحذير منه- ما ثبت في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: جَاءَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ -رضي الله عنه-ا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "أُبَايِعُكِ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكِي بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقِي، وَلَا تَزْنِي، وَلَا تَقْتُلِي وَلَدَكِ، وَلَا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ، وَلَا تَنُوحِي، وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى".
فعدَّ ذلك رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في جملة الأمور التي يبايع النساء عليها عند دخولهن في هذا الدين العظيم. وعليه فإن المتبرجة نقضت هذا العهد العظيم والميثاق الكريم والبيعة الشريفة التي أخذها النساء الأوَل وهنَّ يبايعن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
والتبرج -يا معاشر المؤمنين- من خطوات الشيطان الآثمة ودعواته الفاتنة المضرَّة بالنساء وبالمجتمع كله؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)[الأعراف:27].
عباد الله: والتبرج آفةٌ عظيمة ومضرةٌ جسيمة على المجتمعات؛ فإن المجتمع المسلم إذا وُجد فيه النساء المتبرجات وكثُرن في المجتمع أضررن بالمجتمع ضررًا عظيمًا، وأصبحن بهذا التبرج داعياتٍ للرذيلة، ناشراتٍ للفساد محركاتٍ ومهيجاتٍ للفتنة ومثيراتٍ لمطامع كل من في قلبه مرض؛ وهذا مبتغى أعداء دين الله من المرأة للفتك بالمجتمعات المسلمة، ولهذا قال أحد أعداء الدين: "انزعوا الحجاب من المرأة المسلمة وغطوا به القرآن"؛ أي أنكم إذا وصلتم إلى هذه الدرجة فقد قضيتم على المجتمع المسلم وتمكَّنتم من إشاعة الشرور والرذيلة والفساد فيه، مما يحقق هلاك المجتمع ودماره.
فالحذر الحذر -يا معاشر المؤمنين- ولنتقِ الله -سبحانه وتعالى- ولنرعَ هذه الأمانة، وعلى المرأة أن تتقي الله -عز وجل- ولتحذر أشد الحذر من أن تكون من هؤلاء النساء أهل هذا الوصف الذميم.
حمى الله نساءنا وبناتنا ونساء المسلمين، وهداهن إلى كل خير وفضيلة، وأعاذهن بمنِّه وكرمه من كل شر ورذيلة.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينُه على وحيه؛ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
معاشر المؤمنين: روى النسائي في السنن الكبرى عن عمارة بن خُزيمة بن ثابت قال: "كُنَّا مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه- فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ، فَلَمَّا كُنَّا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ فِي هَوْدَجِهَا وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا، فَلَمَّا نَزَلَ دَخَلَ الشِّعْبَ وَدَخَلْنَا مَعَهُ فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَإِذَا نَحْنُ بِغِرْبَانٍ كَثِيرٍ فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا كَقَدْرِ هَذَا الْغُرَابِ مَعَ هَذِهِ الْغِرْبَانِ". (ورواه الحاكم في مستدركه)، وقال: "وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا فِيهَا خَوَاتِيمُ". (ورواه أبو يعلى في مسنده).
وقال: "فِإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ عَلَيْهَا جَبَائِرَ لَهَا - أي أساور في معصمها من ذهب أو فضة - وَخَوَاتِيمَ وَقَدْ بَسَطَتْ يَدَهَا إِلَى الْهَوْدَجِ".
لنتأمل يا معاشر المؤمنين في هذه القصة العظيمة والموقف العجيب من هذا الصحابي -رضي الله عنه- عندما رأى امرأةً على هودجها، ومن المعلوم أن الهودج لا يكشف من المرأة شيئًا، إلا أنها أخرجت يدها فقط وعليها بعض الحلي، فقال -رضي الله عنه- ما قال، وتذكَّرَ كلام النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- في شأن النساء؛ فكيف به -رضي الله عنه- وأرضاه لو رأى ما تبدَّلت إليه حال كثير من النساء في كثير من المجتمعات من وقوع شنيعٍ في التبرج وإظهار المفاتن وإبداء المحاسن غير مباليات بشرع الله وحدوده جل في علاه؛ فاتناتٍ مجتمعاتهن مثيراتٍ للفاحشة والرذيلة عياذًا بالله.
فعلى المرأة أن تتأمل في هذه النصوص العظيمة، وأن تتذكر وقوفها بين يدي الله -جل وعلا- ومفارقتها لهذه الحياة، وأنَّ الله -عز وجل- سائلها يوم تلقاه عن هذه الأعمال الشنيعة والجنايات الفظيعة. ألا فلتتقِ الله كل امرأة مسلمة تخاف مقامها بين يدي الله -تبارك وتعالى-.
وإنَّا لنسأل الله -جل في علاه- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يمنَّ على نسائنا وبناتنا بلباس الحشمة والعفاف والستر والصيانة، وأن يعيذهن من موجبات الفتنة وأسباب الشرور ودعاة الرذيلة بمنِّه وكرمه سبحانه.
ألا وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بها عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-. اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم. اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجله، أوله وآخره، علانيته وسره. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي