اتقاء الفيح من تفجير القديح

عبد الله بن محمد البصري
عناصر الخطبة
  1. استقرار بلاد الحرمين ومخططات الأعداء .
  2. وجوب الحذر من المؤامرات الخارجية .
  3. تجريم حادث القديح .
  4. براءة أهل السنة من الدماء والتفجيرات .
  5. وجوب المحافظة على أمن بلاد الإسلام. .

اقتباس

إِنَّ مِمَّا يَجِبُ أَن يُعلَمَ وَيُفهَمَ أَنَّ أَهلَ السُّنَّةِ وَأَصحَابَ مَنهَجِ الوَسَطِ، لَيسُوا مَسؤُولِينَ عَن تِلكُمُ الأَعمَالِ الإِجرَامِيَّةِ، الَّتي تَكُونُ بَينَ حِينٍ وَآخَرَ، مِمَّا لا يَمُتُّ لِلدِّينِ الحَقِّ بِصِلَةٍ، وَلم يَكُونُوا عَلَيهَا هُم وَلا مَشَايِخُهُم وَلا مُعَلِّمُوهُم، وَلم تَخرُجْ مِن مَدَارِسِهِم وَلا مَعَاهِدِهِم وَلا حَلَقَاتِ العِلمِ عِندَهُم، وَلم تَكُنْ كُتُبُهُم وَلا مَنَاهِجُهُم لِتَدعُوَ إِلَيهَا وَلا تُحَرِّضَ عَلَيهَا، وَإِنَّهُ لَظُلمٌ أَيُّمَا ظُلمٍ وَغَبَاءٌ وَقُصُورُ فَهمٍ، أَن يُنظَرَ بِسَطحِيَّةٍ إِلى هَذِهِ الحَوَادِثِ الَّتي يُتَقَصَّدُ بِهَا طَائِفَةٌ بِعَينِهَا وَفي هَذَا الوَقتِ خَاصَّةً، وَيُظَنَّ أَنَّهَا مِن فِعلِ أَهلِ السُّنَّةِ وَأَصحَابِ المَنهَجِ الوَسَطِ الَّذِي قَامَت عَلَيهِ هَذِهِ البِلادِ وَمَا زَالَت...

الخطبة الأولى:

أَمَّا بَعدُ، فَـ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [البقرة: 21] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حِينَمَا يُوَجِّهُ شَابٌّ مِن أَبنَائِنَا رَشَّاشَهُ إِلى صَدرِ جُندِيٍّ مِن جُنُودِنَا، أَو يُفَجِّرُ آخَرُ في مَكَانٍ عَامٍّ يَجتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ، أَو يَخرُجُ شَبَابٌ أَغرَارٌ في مُقتَبَلِ الأَعمَارِ، فَيَعتَنِقُونَ الضَّالَّ مِنَ الأَفكَارِ، وَيَنحَرِفُونَ عَن مَنهَجِ الحَقِّ وَالرَّشَادِ، وَيَتَّبِعُونَ أَئِمَّةَ الإِضلالِ وَالإِفسَادِ، فَيُكَفِّرُونَ النَّاسَ حَتى آبَاءَهُم وَأُمَّهَاتِهِم وَعُلَمَاءَهُم وَوُلاةَ أَمرِهِم، وَيَخرُجُونَ إِلى أَمَاكِنِ الفِتَنِ المَائِجَةِ، أَو يَقصِدُونَ مَيَادِينَ الصِّرَاعِ المُشتَعِلَةَ، وَالَّتي قَد لا يَدرِي القَاتِلُ فِيهَا فِيمَ قَتَلَ، وَلا المَقتُولُ فِيمَ قُتِلَ، هُنَالِكَ نَتَسَاءَلُ: كَيفَ يَحدُثُ مِثلُ هَذَا وَقَد كُنَّا لا نَعهَدُهُ؟! وَلِمَاذَا تَتَبَدَّلُ الحَالُ مِن وَحدَةٍ إِلى فُرقَةٍ، وَمِنِ اجتِمَاعِ كَلِمَةٍ إلى اختِلافِ رَأيٍ؟ وَمِن أَمنٍ تَامٍّ إِلى مُحَاوَلاتٍ لِلزَّعزَعَةِ؟

نَقُولُ هَذَا - أَيُّهَا الإِخوَةُ - وَقَد نَنسَى أَنَّ اللهَ - تَعَالى - يَقُولُ وَقَولُهُ الحَقُّ: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 53]، وَيَقُولُ - تَعَالى -: (فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ) [الأعراف: 118]، وَيَقُولُ - سُبحَانَهُ -: (فَمَاذَا بَعدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنىَّ تُصرَفُونَ) [يونس: 32]، وَيَقُولُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81]، وَيَقُولُ - سُبحَانَهُ -: (قُلْ جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) [سبأ: 49]، وَيَقُولُ - تَعَالى -: (بَلْ نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء: 18].

 إِنَّهُ لَنَوعٌ مِن تَجَاهُلِ سُنَّةِ اللهِ في خَلقِهِ، أَن يَستَنكِرَ قَومٌ أَن يَظهَرَ البَاطِلُ فِيهِم أَو يَتَطَاوَلَ عَلَيهِم، أَو تَكُونَ لَهُ صَولَةٌ بَينَهُم وَجَولَةٌ، وَهُم عَن بَعضِ الحَقِّ الَّذِي مَعَهُم في غَفلَةٍ وَصُدُودٍ، إِن لم يَكُونُوا قَد بَدَّلُوا فِيهِ وَغَيَّرُوا، وَجَزِعُوا وَلم يَصبِرُوا، وَمَلُّوا وَضَاقُوا ذَرعًا بِذَلِكَ الحَقِّ، وَآذَوا أَهلَهُ وَاستَصغَرُوهُم وَوَقَفُوا في طَرِيقِهِم.

 أَجَل - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم، وَإِنَّ هَذَا البَاطِلَ الَّذِي صَارَ يَشرَئِبُّ حِينًا بَعدَ حِينٍ، وَيَتَطَاوَلُ ذَاتَ الشِّمَالِ أَو ذَاتَ اليَمِينِ، إِنَّهُ لم يَكُنْ لِيُوجَدَ وَيَتَقَرَّرَ غُثَاؤُهُ في عُقُولٍ رَضِعَ أَصحَابُهَا التَّوحِيدَ مُنذُ نُعُومَةِ أَظفَارِهِم، فَيَتبَعُوا ذَلِكَ الغُثَاءَ وَيَسلُكُوا مَسَالِكَ الغُلُوِّ أَوِ الجَفَاءِ، وَيَحِيدُوا عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ وَيَتَّبِعُوا السُّبُلَ المُتَفَرِّقَةَ، إِلاَّ لأَنَّ أَهلَ الحَقِّ ضَعُفُوا أَو أُضعِفُوا، وَسَكَتُوا عَنِ الجَهرِ بِهِ أَو أُسكِتُوا، وَلأَنَّ الدُّنيَا قَد دَخَلَتِ القُلُوبَ وَتَغَلغَلَت في سُوَيدَائِهَا، وَصَارَت هِيَ مَيدَانَ التَّنَافُسِ، وَغُفِلَ عَن أَمرِ الآخِرَةِ وَكَادَت تُصبِحُ نَسيًا مَنسِيًّا.

نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - لَقَد ضَعُفَ التَّدَيِّنُ الحَقُّ المَبنِيُّ عَلَى المَنهَجِ الوَسَطِ أَو أُضعِفَ، وَزَالَ قَلِيلاً عَن وَاقِعِ النَّاسِ أَو أُزِيلَ، فَلا عَجَبَ أَن ظَهَرَت لِذَلِكَ مَنَاهِجُ ضَالَّةٌ، وَبَرَزَت مُعتَقَدَاتٌ فَاسِدَةٌ، وَتَقَسَّمَتِ الأُمَّةُ وَافَتَرَقَت، وَصَارَ بَعضُهَا يَلعَنُ بَعضًا عَلَى رُؤُوسِ المَلأِ، بَل جَعَلَ الأَصاغِرُ لا يُوَقِّرُونَ الأَكابِرَ، وَمَرَدَ الجُهَّالُ عَلَى تَنَاوُلِ ثَوَابِتِ الأُمَّةِ في كُلِّ قَنَاةٍ وَجَرِيدَةٍ وَمُنتَدَى، وَتَجَرَّؤُوا عَلَى نَسفِ مَبَادِئِهَا بِلا حَيَاءٍ وَلا وَجَلٍ، وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ - سُبحَانَهُ -: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

لَقَد عَاشَت هَذِهِ البِلادُ قُرُونًا خِصبَةً مُبَارَكَةً، أُقِيمَت فِيهَا أَعلامُ السُّنَّةِ وَرُفِعَت، وَهُدِمَت مَنَارَاتُ البِدعَةِ وَدُفِنَت، يُحكَمُ فِيهَا بِكِتَابِ اللهِ وَمَا جَاءَ عَن رَسُولِهِ، أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَنهَجٌ وَاحِدٌ، وَاجتِمَاعُ كَلِمَةٍ، وَاتِّحَادُ هَدَفٍ وَوُضُوحُ غَايَةٍ، يُرفَعُ الحَقُّ وَيُعتَنَى بِهِ وَبِأَهلِهِ لأَنَّهُ حَقٌّ، وَيُحَارَبُ البَاطِلُ وَيُرَدُّ عَلَى أَهلِهِ وَمَن جَاءَ بِهِ لأَنَّهُ بَاطِلٌ، وَلأَنَّ ذَلِكَ لم يَزَلْ هُوَ الظَّاهِرَ وَالغَالِبَ، فَقَد كُفِيَت هَذِهِ البِلادُ بِفَضلِ اللهِ مِمَّا بُلِيَت بِهِ بِلادٌ أُخرَى مِنَ قَلاقِلَ وَفِتَنٍ، وَسَلِمَت مِمَّا عَانَتهُ جُلُّ دُوَلِ العَالِمِ مِنَ حُرُوبٍ وَمِحَنٍ، غَيرَ أَنَّ هَذَا الأَمنَ وَتِلكَ الطُّمَأنِينَةَ، وَذَاكَ الرَّخَاءَ وَالاستِقرَارَ، لم تَهنَأْ بِهِ قُلُوبُ الحَاقِدِينَ مِن أَعدَاءِ الدِّينِ، فَجَعَلُوا هَذِهِ البِلادَ السُّنِّيَّةَ النَّقِيَّةَ هَدَفًا، وَوَجَّهُوا إِلَيهَا سِهَامَ الإِفسَادِ قَصدًا، غَيرَ مُكتَرِثِينَ وَلا مُفَرِّقِينَ، بَينَ أَن يَكُونَ ذَاكَ الإِفسَادُ عَن طَرِيقِ الجُفَاةِ وَالمُنَافِقِينَ وَالمُلحِدِينَ، أَو بِأَيدِي الغُلاةِ المُتَنَطِّعِينَ المُتَشَدِّدِينَ، وَسَوَاءٌ لَدَيهِم دَخَلَ الفَسَادُ عَن طَرِيقِ كَأسٍ وَغَانِيَةٍ وَقَنَوَاتٍ هَابِطَةٍ، أَو بِغُلُوٍّ وَتَكفِيرٍ، وَاعتِدَاءٍ عَلَى الأَنفُسِ وقَتلٍ وَتَفجِيرٍ وَتَدمِيرٍ.

وَمِن ثَمَّ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّ مِمَّا يَجِبُ أَن ُيُعلَمَ وَيُفهَمَ أَنَّ أَهلَ السُّنَّةِ وَأَصحَابَ مَنهَجِ الوَسَطِ، لَيسُوا مَسؤُولِينَ عَن تِلكُمُ الأَعمَالِ الإِجرَامِيَّةِ، الَّتي تَكُونُ بَينَ حِينٍ وَآخَرَ، مِمَّا لا يَمُتُّ لِلدِّينِ الحَقِّ بِصِلَةٍ، وَلم يَكُونُوا عَلَيهَا هُم وَلا مَشَايِخُهُم وَلا مُعَلِّمُوهُم، وَلم تَخرُجْ مِن مَدَارِسِهِم وَلا مَعَاهِدِهِم وَلا حَلَقَاتِ العِلمِ عِندَهُم، وَلم تَكُنْ كُتُبُهُم وَلا مَنَاهِجُهُم لِتَدعُوَ إِلَيهَا وَلا تُحَرِّضَ عَلَيهَا، وَإِنَّهُ لَظُلمٌ أَيُّمَا ظُلمٍ وَغَبَاءٌ وَقُصُورُ فَهمٍ، أَن يُنظَرَ بِسَطحِيَّةٍ إِلى هَذِهِ الحَوَادِثِ الَّتي يُتَقَصَّدُ بِهَا طَائِفَةٌ بِعَينِهَا وَفي هَذَا الوَقتِ خَاصَّةً، وَيُظَنَّ أَنَّهَا مِن فِعلِ أَهلِ السُّنَّةِ وَأَصحَابِ المَنهَجِ الوَسَطِ الَّذِي قَامَت عَلَيهِ هَذِهِ البِلادِ وَمَا زَالَت.

 فَلَيسَ أَهلُ السُّنَّةِ في قَفصِ الاتِّهَامِ حَتَّى يَتَكَلَّفُوا الرُّدُودَ أَو يَبحَثُوا عَمَّن يُدَافِعُ عَنهُم، وَمَا هُم بِحَاجَةٍ إِلى أَن يَعتَذِرُوا عَن كُلِّ مُتَخَلٍّ عَن مَنهَجِ الوَسَطِيَّةِ أَو مُتَنَكِّرٍ لَهُ، إِذْ لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى، وَمَنِ اهتَدَى فَإِنَّمَا يَهتَدِي لِنَفسِهِ، وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا، وَحَتَّى وَإِنِ استَنكَرَ أَهلُ السُّنَّةِ مِثلَ هَذِهِ الأَعمَالِ وَالجَرَائِمِ وَنَدَّدُوا بها أَشَدَّ تَندِيدٍ، وَاستَنكَرُوا أَن يُظلَمَ جَارُهُم أَو يُعتَدَى عَلَى مُعَاهَدٍ يَعِيشُ في بَلَدِهِم، وَعَدُّوا هَذَا دِينًا يَدِينُونَ اللهَ بِهِ، فَإِنَّهُ لا يَعني بِحَالٍ أَنَّهُم يُوَالُونَ الكُفَّارَ وَالمُشرِكِينَ، أَو يُصَحِّحُون عَقَائِدَ أَهلِ الضَّلالِ أيًّا كَانُوا، أَو يُوَافِقُون أَصحَابَ الأَهوَاءِ عَلَى بِدَعِهِم، أَو يُجَامِلُونَ بِذَلِكَ أَحَدًا، لا وَاللهِ وَكَلاَّ، فَالحَقُّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ، وَصِرَاطُ اللهِ وَاحِدٌ لا يَتَعَدَّدُ، وَقَد قَالَ - سُبحَانَهُ -: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

 وَإِنَّهُ وَإِن كَانَتِ الأَعمَالُ الإِفسَادِيَّةُ وَالتَّفجِيرَاتُ الأَخِيرَةُ قَد طَالَت بَعضَ مَن لا نُوَافِقُهُم عَلَى عَقِيدَتِهِم، فَقَد نَالَنَا قَبلَهُم مِن أَهلِ الغُلُوِّ مِثلُهُ وَأَضعَافُهُ، وَكَم مِن جِهَةٍ في بِلادِنَا تَقَصَّدَهَا أَهلُ الغُلُوِّ وَالتَّكفِيرِ، وَكَم قُتِلَ بِأَيدِيهِم مِن أَبَنائِنَا وَخَاصَّةً مِن رِجَالِ الأَمنِ، وَلم يُعهَدْ أَنَّ أَهلَ السُّنَّةِ اعتَدَوا يَومًا عَلَى جِيرَانِهِم مِنَ الشِّيعَةِ، وأَمَّا الرَّوَافِضُ فَإِنَّ جَرَائِمَهُم في حَقِّ إِخوَانِنَا مِن أَهلِ السُّنَّةِ في إِيرَانَ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَاليَمَنِ، تَشهَدُ لهم بما يُسَوِّدُ وُجُوهَهُم، ومَا هِيَ عَلَى مُرِيدِ الحَقِّ بِخَافِيَةٍ، بَل لَقَد نَالَ أَذَاهُم حُجَّاجَ بَيتِ اللهِ وَقَاصِدِيهِ مِرَارًا وَتَكرَارًا، وَشَهِدَ بِهِ التَّأرِيخُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.

فَنَسأَلُ اللهَ أَن يُثَبِّتَ وُلاةَ أَمرِنَا عَلَى تَحكِيمِ شَرعِ اللهِ في كُلِّ مَن جَاوَزَ الحَدَّ فَغَلا أَو جَفَا، وَأَن يُجَنِّبَنَا الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَن يَكفِيَنَا شَرَّ الأَشرَارِ وَكَيدَ الفُجَّارِ، وَطَوَارِقَ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ، إِنَّهُ قَوِيُّ عَزِيزٌ.

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى، وَاعلَمُوا أَنَّ أَهلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ هُم أَرحَمُ الخَلقِ بِالخَلقِ، وَهُم أَصدَقُهُم وَأَصدَعُهُم بِالحَقِّ، وَأَنآهُم عَنِ الغَدرِ وَأَبعَدُهُم عَنِ الخِيَانَةِ، وَهَم أَوفَى النَّاسِ لأَولِيَاءِ أُمُورِهِم، وَأَشَدُّهُم لَهُم طَاعَةً في المَعرُوفِ، وَأَكثَرُهُم حُبًّا لَهُم وَإِشفَاقًا عَلَيهِم، وَهُم أَرأَفُ النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَأَكثَرُهُم إِنكَارًا لِلقَتلِ وَسَفكِ الدِّمَاءِ بِغَيرِ حَقٍّ، وَأَشَدُّهُم تَحذِيرًا مِن تَروِيعِ المُؤمِنِينَ أَوِ الغَدرِ بِالآمِنِينَ وَالمُستَأمَنِينَ، دِينًا يَدِينُونَ بِهِ اللهَ، وَعَقِيدَةً يَربِطُونَ عَلَيهَا قُلُوبَهُم، وَصِرَاطًا مُستَقِيمًا عَلَيهِ يَلقَونَ رَبَّهُم.

 مُنطَلِقِينَ في ذَلِكَ مِن مِثلِ قَولِهِ - تَعَالى -: (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء: 107]، وَقَولِهِ - سُبحَانَهُ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم) [النساء: 59]، وَقَولِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالى -: (وَمَن يَقتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 92]، وَقَولِ رَسُولِنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في المُتَّفَقِ عَلَيهِ: "مَن أَطَاعَنِي فَقَد أَطَاعَ اللهَ، وَمَن عَصَاني فَقَد عَصَى اللهَ، وَمَن يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَد أَطَاعَنِي، وَمَن يَعصِ الأَمِيرَ فَقَد عَصَاني".

 وَقَولِهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: "مَن قَتَلَ مُؤمِنًا فاغتَبَطَ بِقَتلِهِ لم يَقبَلِ اللهُ مِنهُ صَرفًا وَلا عَدلاً"، وَقَولِهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ: "لَزَوالُ الدُّنيَا أَهوَنُ عِندَ اللهِ مِن قَتلِ رَجُلٍ مُسلِمٍ"، وَقَولِهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ: " مَن قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ".

تِلكَ عَقِيدَةُ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، عَلَيهَا في هَذِهِ البِلادِ نَحيَا وَنَمُوتُ، وَبِفَضلِ التَّمَسُّكِ بها عِشنَا في أَمنٍ وَأَمَانٍ وَمَحَبَّةٍ وَاطمِئنَانٍ , وَمَا زَالَ عُلَمَاؤُنَا وَدُعَاتُنَا يَدعُونَ لِطَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَأَولي الأَمرِ مِنَ الأُمَرَاءِ وَالعُلَمَاءِ، وَيُنَادُونَ بِتَوقِيرِهِم وَالالتِفَافِ حَولَهُم، وَيَعلَمُونَ أَنَّهُ لا صَلاحَ لِدِينٍ إِلاَّ بِطَاعَةِ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَلا قِيَامَ لِدُنيا إِلاَّ بِطَاعَةِ وُلاةِ الأَمرِ، بِذَلِكَ يُحفَظُ الدِّينُ وَالنُّفُوسُ، وَتُصَانُ الأَعرَاضُ وَالأَموَالُ، وَبِهِ تُقَامُ الحُدُودُ وَتُؤمَّنُ السُّبُلُ, وَيَنتَصِفُ المَظلُومُ مِنَ الظَّالمِ، وَتُؤَدَّى الحُقُوقُ إِلى أَهلِهَا، وَيُدعَا إِلى سَبِيلِ اللهِ وَتُعمَرُ المَسَاجِدُ بِطَاعَتِهِ , وَيَفشُو المَعروفُ ويَقِلُّ المُنكَرُ، وَتَستَقِرُّ أَحوَالُ النَّاسِ في الاقتِصَادِ وَالمَعِيشَةِ وَالتِّجَارَةِ، وَفي التَّعلِيمِ وَالزِّرَاعَةِ وَالصِّنَاعَةِ.

 وَأَمَّا الفِتَنُ، فَهُم يَتَعَوَّذُونَ مِنهَا كَمَا تَعَوَّذَ مِنهَا إِمَامُهُم وَنَبِيُّهُم - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - وَيَرَونَ أَنَّ مِنَ الوَاجِبِ الابتِعَادَ عَنهَا وَالنَّأيَ عَن مَوَاطِنِهَا، لِعِلمِهِم أَنَّهَا إِذَا وَقَعَت أكَلَتِ الأَخضَرَ واليَابِسَ , وَعَمَّتِ الصَّالِحَ والطَّالِحَ , وَصَارَ النَّاسُ كُلُّهُم في أَمرٍ مَرِيجٍ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا، وَأَصلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَاجعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَن خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ العَالمينَ.

           


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي