إنَّ من كريم صفات المؤمن، وحُلوِ شمائله، وجميلِ سَجَاياه: كمالَ الحرص على التخلُّق بأخلاقِ المتَّقين، ودوامَ النُّفرة من خِصال أهل الخِسَّة والضَّعَة والفُجورِ، الذينَ صغُرَت نفوسُهم، ولؤُمَت طِباعُهم، وقَسَت قلوبُهم، وعتَوا عن أمرِ رَبهم، وزيَّن لهم الشيطانُ أعمالَهم، فحسَّن لهم ما قبَّحه الله ورسولُه، وأغراهم به، وجرَّأهم عليه، فخفَّ على قلوبهم، وحسُنَ موقِعُه في نفوسِهم. فتردَّوا في وَهدةِ الباطِل، وتلوَّثوا بأرجاسِ الخطايا بالمُسارَعة في الإثم والعُدوان، وسُلوك سبيل البغي والطُّغيان. إنها مُسارعةٌ إلى الشرِّ في كل دُروبِه؛ تحقيقًا للأغراض الخَبيثَة، وتوصُّلاً للأطماع الخسيسة، التي يسلُكُون إلى بُلوغها كلَّ سبيل، ويركَبُون إليها كلَّ مركَب...
الحمد لله نهى عن العُدوان، وأخبرَ أنه لا يُحبُّ المُعتَدين، أحمدُه - سبحانه - حرَّم الفسادَ في الأرض، وتوعَّد بأنه لا يُصلِح عملَ المُفسِدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُعزُّ المؤمنين، ويُذِلُّ الكافرين، ويُخزِي الظالمين الباغِين.
وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، وخيرتُه من خلقه، سيِّد الأولين والآخرين، المبعوثُ رحمةً للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابتِه الغُرِّ الميامين، وزوجاته أمهات المؤمنين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، وأخلِصُوا له العمل؛ فطُوبَى لمن أخلصَ دينَه لله، واتَّبع رِضاه، وسلكَ سبيل كل مُخبتٍ أوَّاه.
عباد الله:
إنَّ من كريم صفات المؤمن، وحُلوِ شمائله، وجميلِ سَجَاياه: كمالَ الحرص على التخلُّق بأخلاقِ المتَّقين، ودوامَ النُّفرة من خِصال أهل الخِسَّة والضَّعَة والفُجورِ، الذينَ صغُرَت نفوسُهم، ولؤُمَت طِباعُهم، وقَسَت قلوبُهم، وعتَوا عن أمرِ رَبهم، وزيَّن لهم الشيطانُ أعمالَهم، فحسَّن لهم ما قبَّحه الله ورسولُه، وأغراهم به، وجرَّأهم عليه، فخفَّ على قلوبهم، وحسُنَ موقِعُه في نفوسِهم. فتردَّوا في وَهدةِ الباطِل، وتلوَّثوا بأرجاسِ الخطايا بالمُسارَعة في الإثم والعُدوان، وسُلوك سبيل البغي والطُّغيان.
إنها مُسارعةٌ إلى الشرِّ في كل دُروبِه؛ تحقيقًا للأغراض الخَبيثَة، وتوصُّلاً للأطماع الخسيسة، التي يسلُكُون إلى بُلوغها كلَّ سبيل، ويركَبُون إليها كلَّ مركَب، وهم كما وصفَ ربُّنا - سبحانه -: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة: 10].
أي: لا يرعَون في مؤمنٍ حقَّ قرابةٍ، ولا يحفَظون عهدًا، ولا يُبقُون على أحدٍ لو كُتِب لهم الظهور. فيهم جُرأةٌ على الدماء لا تعدِلُها جُرأة، واستِهانةٌ للأنفس المعصُومة التي حرَّم الله قتلَها إلا بالحقِّ لا تعدِلُها استِهانة.
إنها سُنَّةٌ قديمةٌ، استنَّها أحدُ ابنَيْ آدم حين سوَّلَت له نفسُه، وزيَّن له شيطانُه بسطَ يدِه إلى أخيه ليقتُلَه ظُلمًا وعُدوانًا، وانسِياقًا وراءَ أطماعٍ يذهبُ بريقُ سِحرها بالأبصار، وقد تلا علينا ربُّنا من نبأ ابنَيْ آدم؛ تبصِرةً وذِكرى للذاكرين، وهُدًى وموعظةً للمُتقين.
فقال - عز وجل -: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 27- 30].
وإن شرَّ ألوان العُدوان - يا عباد الله -: سَفكُ الدم الحرام، وقتلُ النفس التي حرَّم الله قتلَها، وجعلَ الاجتِراء عليها بغير جنايةٍ مُحادَّة لله ورسولِه، وارتِكابًا لكبيرةٍ من كبائر الذنوب، واجتِراحًا لخطيئةٍ من أعظم الخطايا بعد الشركِ بالله - عز وجل -.
ولذا قرَّر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حُرمةَ الدماء والأموال، مُؤكَّدةً أشدَّ توكيدٍ حين قال في خُطبة حجة الوداع: "إن دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم كحُرمة يومِكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا .. الحديث" (أخرجه مسلم في "الصحيح"، من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -).
وحين قال - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: "كلُّ المُسلم على المُسلم حرام: دمُه ومالُه وعِرضُه .. الحديث" (أخرجه مسلم في "صحيحه").
ولذا كان جزاءُ الولوغ في هذا الإثم المُبين غضبَ الله ولعنتَه، ودخولَ النار التي أعدَّ الله له فيها أشدَّ العذاب، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
وبيَّن رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - عِظَم هذا الجُرم عند الله تعالى، فقال: "والذي نفسي بيدِه؛ لقتلُ المُسلم أعظمُ عند الله من زوال الدنيا" (أخرجه الإمام الترمذي في "جامعه"، والإمام النسائي في "سننه" بإسنادٍ صحيح).
وأوضحَ - صلى الله عليه وسلم - أن العقوبةَ المُترتِّبة على قتل المؤمن بغير الحقِّ تعُمُّ كلَّ من كان له مُشارَكةٌ فيه، فقال - عليه الصلاة والسلام -: "لو أن أهل السماوات وأهل الأرض اشترَكوا في دم مؤمنٍ لأكبَّهم الله في النار" (أخرجه الإمام النسائي في "سننه" بإسنادٍ صحيح).
وأخبرَ - صلواتُ الله وسلامُه عليه - أن المؤمنَ يظلُّ في سعَةٍ من دينه، فينتفِعُ بصالِح أعماله، فإذا أوبَقَ نفسَه بقتل النفس التي حرَّم الله قتلَها، ذهبَت تلك السَّعَة، وضاقَ عليه صالحُ عمله، فلم يفِ بما ترتَّب عليه من أوزار هذا الإثمِ العظيمِ، وقدِمَ على ربِّه ينُوءُ بحِملِ ظُلمه وعُدوانه، فقال - عليه الصلاة والسلام -: "لا يزالُ المُؤمن في فُسحةٍ من دينِه ما لم يُصِب دمًا حرامًا" (أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه").
ولذا كان من صفات المُؤمن وكريم سَجَاياه: إيمانٌ صادق أورثَه ورعًا يعصِمُه من الفَتْكِ بعباد الله، باستِباحة ما حرَّم الله من دمائِهم، وما عصَمَ من أنفُسهم، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإيمان قيدُ الفَتْك، لا يفتِكُ مؤمن" (أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه" بإسنادٍ صحيح).
وعلى العكس من ذلك؛ من لم يكُن له في هذه النصوص الوارِدة عن الله ورسولِه، وما تضمَّنَته من وعيدٍ صارِخٍ تقضُّ له المضاجِعُ، وتهتزُّ له الأفئِدة، لم يكُن له فيها من رادِعٍ يردعُه، أو زاجِرٍ يزجُرُه عن التردِّي في حَمئَة هذا الإثم، والتلوُّث بأرجاسِ هذه الكبيرة.
شأنَ من أمرَ وخطَّط، ومن ساعَدَ وجهَّز، ومن باشَرَ ونفَّذ تلك الجريمةَ البشِعَة، والعُدوان الآثِم الذي حدثَ على بلدة القُدَيح، والذي هو في واقعِه ضربٌ من ضُروب الفساد في الأرض، الذي يستحِقُّ مُقترِفوه العقوبةَ الرادِعةَ والنَّكالَ.
ألا وإن من أوجَب الواجِبات تُجاهَ هذه النازِلة الأليمة - يا عباد الله -: وقوفَ كافَّة أهل هذه الديار المُبارَكة، ديار الحرمين الشريفين - زادَها الله عزًّا وشرفًا -، وقوفَهم في وجه هذا البغي والعُدوان الذي لا يرقُبُ مُقترِفُه في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذِمَّة، إنكارًا لهذا المُنكَر العظيم؛ إذ هو جديرٌ - والله - بالإنكار، حقيقٌ على أن يُكشَف عُوارُه، وتُهتَك أستارُه، وتُوضَّح أخطارُه وأضرارُه، ويُماطَ اللِّثام عمن يقِفُ خلفَه، ويُلهِبُ جذوتَه.
ومن لوازِم هذا الإنكار - يا عباد الله - كمالُ البراءة إلى الله –تعالى- من ضلال هؤلاء الضالِّين، وتمام التجافِي عنهم، وكذا المُبايَنة لهم، وعدم إعانتهم بأي لونٍ من ألوان الإعانة، ورفعُ أمر من يبدُرُ منه شيءٌ من هذا الضلال إلى ذوي الشأن والاختِصاص؛ ليُنظَر في أمره، ويُذادَ عن المُسلمين شرُّه وضررُه.
فإن هذا من التعاوُن على البرِّ والتقوى الذي أمرَنا الله به، وحثَّنا عليه بقولِه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
ولأن هذا هو شأنُ المؤمن مع أخيه المؤمن، الذي صوَّر واقِعَه رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - بقوله: "المؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان يشُدُّ بعضُه بعضًا" -وشبَّك بين أصابِعِه –(أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه-).
وإنه إذا كان اتِّحادُ الصفِّ، واجتِماع الكلمة، ونبذُ التفرُّق، والاعتِصامُ بحبل الله، الذي أثمِرنا به في كتابِ الله بقولِ ربِّنا - سبحانه -: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].
إذا كان هذا أمرًا عامًّا شامِلاً لا يختصُّ بزمانٍ دون غيره، فإن الاستِمساك بهذا الاتِّحاد والاجتِماع والألفَة أشدُّ تأكُّدًا وقت النوازِل، وزمن الشدائِد، وتتجلَّى هذه المعاني حيَّةً نابِضة في التِفاف أهل هذه الديار المُبارَكة حول قادَتهم، وفي اصطِفافهم خلفَ وُلاة أمرهم، وكونِهم معهم يدًا واحدةً في الخير، ونصر الحقِّ، ودَحر الباطِل، وإغاظَة الأعداء، وإحباطِ مساعِي الحاقِدين والكائِدين والمُتربِّصين بنا الدوائِر.
جعلَ الله دائِرةَ السَّوء عليهم، اللهم اجعَل دائِرةَ السَّوء عليهم، اللهم اجعَل دائِرةَ السَّوء عليهم، ورُدَّهم بغيظِهم لم ينالُوا خيرًا، اللهم رُدَّهم بغيظِهم لم ينالُوا خيرًا، اللهم رُدَّهم بغيظِهم لم ينالُوا خيرًا.
وإن وُلاةَ أمر هذه البلاد قائِمون - بحمد لله - على حفظِ الأمن أتمَّ قيام، من كل ما يُقوِّضُ بُنيانَه، أو يُهدِّد أركانَه، أو يُعكِّر صفوَه، أو يُكدِّر جلاءَه، بعزيمةٍ ماضِية، وسعيٍ دَؤُوب، لا يخافُون في سبيل ذلك لومةَ لائِم.
وإنه بطاعتِنا لله ورسولِه، ثم بطاعتِنا لمن ولاَّه الله أمرَنا، استِجابةً وامتِثالاً لأمر ربِّنا القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59].
بذلك نبلُغُ ما نُريد من الذَّود عن الدين، والذَّبِّ عن الوطَن، والحِفاظ على المصالِح العُليا للأمة، بالضَّرب صفحًا عن النَّظرات الفردية الضيِّقة، والمصالِح الشخصيَّة المحدُودة، والنَّزَعات المُفرِّقة المحقُورَة، وباتِّحاد صفِّنا، واجتِماع كلمتِنا، وتوادُّنا وتعاطُفِنا وتراحُمِنا، وتوثيق عُرَى التواصُل بيننا، وبالشدِّ عل وشائِج الأُخُوَّة الإسلامية، واللُّحمة الوطنية بين كافَّة أبناءِ هذا الوطَن المُبارَك المملكة العربية السعودية في جميع مناطِقِها، ومُدنها، ومُحافظاتها، وقُراها، شرقها، ووسطها، وغربها، وشمالها، وجنوبها.
بهذا يُستصلَح الفاسِد، ويُحصَدُ المُعانِد، ويُقوَّم الحائِد، ويُوصَلُ من قطَع، ويُشعَبُ من صدَع، ويستفيضُ الأمن، ويعُمُّ الرخاء، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم: 4، 5].
نفعَني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الحمدُ لله الحكَم العدل اللطيف الخبير، أحمدُه - سبحانه -، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نِدَّ له ولا نظير، وأشهدُ أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه البشيرُ النذير، والسراجُ المُنير، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أهل التُّقَى والخيرِ والفضل الكبير.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن العنايةَ بالمُعتقَد الصحيح دراسةً لأصوله، وفهمًا لقواعده، ومعرفةً لأدلَّته، وعملاً بما يقتَضِيه لهِيَ من أبهَر أسباب السلامة من تأثير كل فكرٍ نُنكِره، أو كل مُعتقَدٍ نرفُضُه؛ لمُعارَضَته الأدلة من كتابِ ربِّنا وسُنَّة نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، وفهم سلفِنا الصالحِ - رضوانُ الله عليهم أجمعين -.
فُتوصَدَ بذلك الأبوابُ دون كل مُبتغٍ فتنة، أو مُبتدعٍ بدعة، أو مُثيرٍ فُرقة، وتكونُ العاقبةُ خيرًا تنعكِسُ آثارُه اتِّحادًا على الخير، وتآزُرًا على الحقِّ، وتعاوُنًا على البرِّ والتقوى، واجتِماعًا على التوحيد والسنَّة والإيمان.
وإن النَّهجَ المُبارَك لبلاد الحرمين الشريفين - حرسَها الله -، وتمسُّكها بالتوحيد والعقيدة، وحِفاظها على السنَّة ما زال كما كان دائمًا منارًا للقاصِدين، وضياءً للحائِرين، وقُرَّة عينٍ للمُوحِّدين، وهُدًى وشفاءً لما في صُدور العالَمين، لا يضُرُّه مُخالفةُ من خالفَه، ولا يضيرُه عداءُ من عاداه، كما تقبَّلَته في كثيرٍ من ديار المُسلمين عقولٌ مُنصِفةٌ مٌتجرِّدة، وقلوبٌ مُحِبَّةٌ نقيَّةٌ من شوائِب الدعايات المُغرِضة، وأوضار التُّهَم الجائِرة، وأوزار الدعاوَى المُفتقِرة إلى البيِّنات والبراهين.
ألا وإن الشبابَ ذخيرةُ الأمة، وعُدَّة المُستقبَل، فليس بِدعًا تواصُلُ الدعوات وتتابُع النداءات، من كل المُخلِصين الصادقين إلى ضرورة العناية بهم، والرعاية لهم، حتى لا تنحرِف بهم السُّبُل، وتضِلَّ بهم المسالِك.
وإن مظاهِر هذه العناية، وبوادِر هذه الرعاية، يجِبُ أن تأخُذ حظَّها منذ لحظَات النشأة الأولى، ببذلِ بُذُور المُعتقَد الصحيح الصافِي من الشوائِب، وبغرسِ معاني الحقِّ والخير في قلوبِهم، واستِنباتِ فضائلِ الأخلاقِ في ضمائِرهم، وزرعِ عواطِف الحبِّ لدينِهم ولوطنِهم، وبتذكيرِهم بمحامِد خُلُق الرِّفق والإحسان واللِّين، وخفضِ الجَناح للمُؤمنين، والمُعامَلة بالعدل والإنصاف للخلق كلِّهم أجمعين.
وبتحذيرهم من نَزَغات الشياطين، ونَزَعات المُضِلِّين، وأصحابِ الأهواء من المُفسِدين والحاقِدين، الذين دأبُوا على بثِّ الدَّخيل من الأفكار، والغريبِ من العقائِد، وبدوامِ الحِرص على المُتابَعَة في جميع أحوالِهم، وتوثيقِ الصِّلة بهم، وسُؤالهم عما يُشكِل عليهم، أو يحيكُ في صُدورهم، وبإرشادِهم إلى الأخذ عن العلماء الربَّانيين الصالِحين المُصلِحين، المشهُود لهم بصحيح العلم، وصالِح العمل، وهجر الأدعياء والمُغرِضين، ومن سلَكَ مسالِكَهم، واتَّبعَ سبيلَهم من المُفسِدين والقتَلَة المُجرِمين، الذين يتبرَّأُ إلى الله منهم، ومن سُوء ما قدَّمَت أيديهم كلُّ مُؤمنٍ صادقٍ مُخلِصٍ لله ورسولِه - صلى الله عليه وسلم -، يحذرُ الآخرةَ ويرجُو رحمةَ ربِّه.
فاتقوا الله - عباد الله -، وخُذوا بهذا النَّهج السَّديد تستقِم أمورُكم، وتُدرِكوا أمانيَّكم في صلاح أولادِكم، وسلامةِ فلَذَات أكبادِكم من أعاصِير الباطِل، وكيد الأعداء، وضلال الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسَبون أنهم يُحسِنون صُنعًا.
واذكُروا على الدوامِ أن الله تعالى قد أمَرَكُم بالصلاةِ والسلامِ على خير الورَى، فقال - جل وعلا -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسِدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.
اللهم انصُر دينكَ وكتابكَ، وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحة، ووفِّقه لما تحبُّ وترضَى يا سميع الدعاء، اللهم وفِّقه ونائِبَيه وإخوانَه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا مَن إليه المرجِعُ يوم المعاد.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نُحور أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.
اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين.
اللهم أحسِن عاقبَتَنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخطِك.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيكَ آمالَنا، واختِم بالصالِحات أعمالَنا، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
وصلِّ اللهم وسلّم على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمدُ لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي