لا يكون في هذه الدنيا إلا ما أراد الله، فالخلق خلقه، والأمر أمره، والملك ملكه، فما شاء الله كان، وما لم يشاء لم يكن، جفت الأقلام وطويت الصحف، والناس يسيرون في قضاء الله وقدره، بعلمه السابق، ولو استيقن العبد ذلك، لكان أشجع الناس، ولما أسف على فائت ولا فرح بمظفور به.. أقول هذا لما رأيت من هلع بعض الناس مما وقع من التفجير في بعض المساجد، حتى تركوا الجمع والجماعات، فصحيح أن ذلك شيء مؤلم، ولا يرضاه عاقل فضلاً عن مسلم، ولكن لا يحدونا ذلك لترك الصلاة في المساجد، أو إغلاق مصليات النساء، خوفا من الموت، فأين التوكل على الله، والإيمان بالقضاء والقدر..؟
أما بعد فيا أيها الناس: لا يكون في هذه الدنيا إلا ما أراد الله، فالخلق خلقه، والأمر أمره، والملك ملكه، فما شاء الله كان، وما لم يشاء لم يكن، جفت الأقلام وطويت الصحف، والناس يسيرون في قضاء الله وقدره، بعلمه السابق، ولو استيقن العبد ذلك، لكان أشجع الناس، ولما أسف على فائت ولا فرح بمظفور به.
معاشر المسلمين: أقول هذا لما رأيت من هلع بعض الناس مما وقع من التفجير في بعض المساجد، حتى تركوا الجمع والجماعات، فصحيح أن ذلك شيء مؤلم، ولا يرضاه عاقل فضلاً عن مسلم، ولكن لا يحدونا ذلك لترك الصلاة في المساجد، أو إغلاق مصليات النساء، خوفا من الموت، فأين التوكل على الله، والإيمان بالقضاء والقدر..؟
ولما انتهت غزوة أُحد وأُصيب فيه المسلمون، وقُتل من الصحابة سبعون، قال المنافقون: لو أطاعونا وقعدوا ولم يخرجوا ما قتلوا، فعيرهم الله بقوله: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 145]، فقدر الله نافذ مهما تحصن العبد وتحرز، وكما قال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء: 78]، ويقول سبحانه: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 51].
ولربما يقول قائل: نحن نأخذ بالأسباب.
فأقول: إن تركك للصلاة جماعة، أو خوفك الشديد الذي يغيب معه التوكل على الله، ليس أخذًا بالأسباب، وإنما هو جُبن وخَور، وضعف في التوكل على الله.
أيها المؤمنون: لربما تتولد المنحة من المحنة، فتلك التفجيرات إذا أحسن المؤمن التصرف معها، عادت عليه بالخيرات، وعلى العكس إذا أساء التصرف معها، عادت عليه بالويلات.
والميزان الحقيقي هو ما يمليه علينا كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- فهما الميزان الحقيقي لتصرفات العبد، وهما الذين أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتمسك بهما، أخرج الحاكم في مستدركه وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ"؛ فالتمسك بالكتاب والسنة زمن الفتن هو عامل الثبات الرئيس بإذن الله.
عباد الله: وفي هذا الخضم، يتسلق المغرضون لأهداف دنيئة في صدورهم، فلا يجوز للمسلم أن يتنازل عن عقيدته ودينه في هذه الأيام بغرض المداهنة، وعدم حصول الفتنة، فلا نرضى بالطعن في مناهجنا التي بُنيت على الكتاب والسنة، ولا اتهامها بحرف فكر الشباب، كما لا نرضى بعقيدة الرفض أن يسكت لها، فيسب الصحابة وأمهات المؤمنين، ويعلن الشرك، فنسكت من أجل عدم الفتنة، بل الواجب التعايش بسلم في حدود الشرع المطهر كما كانت حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع من حوله من المشركين والمنافقين وغيرهم، فلا نرضى بالظلم لأحد من الخلق أيًّا كان، كما لا نرضى بهدم الإسلام ونقض عراه بحجة عدم إثارة الفتنة، فإن نقض عرى الدين أكبر من القتل الذي يخافه أولئك قال تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة: 217].
عباد الله: لن يصلح أمر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو التمسك بالكتاب والسنة، فلا يمكن لليهود والنصارى والشيعة بجميع طرقهم، وغيرهم من الملل، لا يمكن أن يتعايشوا مع المسلمين إلا بتطبيق الإسلام الحق، الذي كفل للجميع حقوقهم بلا شطط، وإن عقلاءهم ليقولون بذلك، فلا علمانية تجمعهم، ولا قوانين وضعية ولا غيرها من ذلك الهراء، والواقع شاهد بذلك.
ألا فلنتمسك بديننا ولنعضّ عليه بالنواجذ، فنحن على هدى مستقيم كما قال تعالى: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ) [الحج: 67].
اللهم أرنا الحق حقا... أقول قولي هذا....
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها المسلمون: أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر أنه غزا مع رسول الله غزوة نجد، فلما قفل رسول الله أدركته القائلة في وادٍ كثير العضاه، فتفرق الناس يستظلون بالشجر، وكان رسول الله تحت ظل شجرة، فعلق بها سيفه.
قال جابر: فنمنا نومة فإذا رسول الله يدعونا فأجبناه، وإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله: "إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا" فقال: من يمنعك مني؟
قلت: "الله".
فقال: من يمنعك مني؟
قلت: "الله" فوضع السيف وجلس، ولم يعاقبه رسول الله وقد فعل ذلك.
فهذا هو التوكل على الله حقا، مصداقا لقوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 51].
عباد الله: لو اجتمع من بأقطارها على أن يضروا أحدًا لم يضروه إلا بما كتب الله عليه، أخرج أحمد في مسنده من حديث أبي التياح، قال: قلت: لعبد الرحمن بن خنبش التميمي، وكان كبيرًا: أدركتَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة كادته الشياطين، فقال: "إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأودية، والشعاب، وفيهم شيطان بيده شعلة نار، يريد أن يحرق بها وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهبط إليه جبريل، فقال: يا محمد قل، قال: "ما أقول؟ " قال: " قل: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير، يا رحمن"، قال: فطفئت نارهم، وهزمهم الله تبارك وتعالى.
وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليه، جفت الأقلام وطويت الصحف".
أيها المؤمنون: حصنوا أنفسكم بالتوكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه، واعملوا بالأسباب، ولا تغرقوا فيها، فمن توكل على الله كفاه، ومن توكل على الأسباب وَكَله الله إلى نفسه، ومن وكله لنفسه وكله لضعف وخور.
اللهم ارزقنا التوكل واليقين، واجعلنا من عبادك المفلحين.
اللهم اغفر للمسلمين....
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي