أيُّ جهادٍ في تفجير النفسِ في جمعٍ من المُصلِّين، داخل مسجدٍ وهم يُصلُّون الجُمعة، وقد وردَ النهيُ عن قتلِ الرّهبان في الكنائِس. فكيف بقتلِ المُصلِّين في المساجِد؟! وبيوتُ الله تعالى محلُّ الأمن لا الخوف. وفي "فتح مكة" قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ومن دخلَ المسجِد فهو آمِن" (رواه أبو داود)، وقد استغلَّ أقوامٌ مثلَ هذه الأحداث، ليجلِدوا ذواتِهم، ويتَّهِموا أقوامَهم، ويُدينُوا مناهِج التعليم!...
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عزَّ عن الشَّبيه، وعن الندِّ، وعن المثيل، وعن النَّظير، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11].
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه السراجُ المُنير، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه والتابعِين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.
ثم إن خيرَ الوصايا: الوصيةُ بتقوى الله تعالى؛ فاتَّقوا الله وأصلِحوا العمل، (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف: 35]. من اتَّقى الله كفاه، ومن اتَّقى الناسَ فلن يُغنُوا عنه من الله شيئًا.
أيها المسلمون:
لما بزغَ نورُ الإسلام، ووردَت هداياتُه على نفوس أتباعه، أُشرِبَت قلوبُهم محبَّتَه، وتعلَّقَت أفئِدتُهم بخدمته. فتعلَّموه وعلَّموه، وامتثَلُوه ونصرُوه، وبذلُوا لأجلِه مُهجَهم وأرواحَهم، وهجَروا في سبيلِه الأوطانَ، ساحُوا به وله في أرضِ الله.
وفي أخبار السِّيرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما استشارَ أصحابَه يوم بدرٍ، قال سعدٌ - رضي الله عنه -: "والذي نفسي بيده؛ لو أمرتَنا أن نُخيضَها البحر لأخَضناها، ولو أمرتَنا أن نضرِبَ أكبادَها إلى بَركِ الغِماد لفعَلنا"؛ (رواه مسلم).
فكانت التضحياتُ والفِداءُ سِمةً بارِزةً في الجيل الأول من عصر الإسلام، وكذلك كانت في أتباعِهم بعد ذلك. وكان الجهادُ الذي يحمِلُ رجالُه هذه المعاني هو السَّيلُ الذي لا يُوقِفُه سدٌّ، والنازِلةُ التي لا تنتهِي عند حدٍّ.
ومن رحِم هذه المعاني وُلِدت كلمةُ خالد بن الوليد - رضي الله عنه - إلى ملكِ فارِس: "فقد جِئتُكم بقومٍ يُحبُّون الموتَ كما تُحبُّون الحياة".
وكان جِهادُهم هدايةً ورحمةً وعدلاً، وطبَّقوا شريعةَ الإسلام بعبادة الله حقًّا، وبتحقيق المصالِح وتكثيرِها، ودرءِ المفاسِد وتقليلِها، وحفظِ الضرورات للإنسان؛ بحماية دينِه، ونفسِه، وعِرضِه، وعقلِه، ومالِه. وهذه أصولٌ ومُسلَّماتٌ لا مِراءَ فيها.
وقامَت حضارةُ الإسلام بهذه الوظيفة الشريفة خيرَ قيامٍ، وسبقَت كلَّ الحضارات بترسيخِ هذا المبدأ، عبر تقريرات فُقهائِها، وتطبيقات وُلاتِها؛ استِشعارًا لقولِ الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، وقوله - سبحانه -: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77].
واستظلَّ تحت جناح الأمة أقوامٌ من البشر، على اختِلاف أديانهم وطوائِفِهم، ينعَمون بالأمن والعدل، ويعيشُون في الوطنِ الذي يحتضِنُهم جميعًا.
عباد الله:
ولما كان الجهادُ والفِداءُ هو عزُّ الأمة وذُلُّ أعدائِها، ولما أعجزَت الأعداءُ الحيلةَ في مواجهته من الخارِج، لم يكُن بُدٌّ من التسلُّل إليه في الداخل. فاندسَّ في مراحِل من التاريخ بين صُفوف المُسلمين جماعاتٌ من أعدائِه، فاستطاعُوا حرفَ بعض مساراته، والتأثيرَ على مآلاتِه.
ومنذُ أوائل هذا القرن الهِجريِّ، وعلى كثرةِ التضحِيات التي بُذِلَت، والدماء التي أُرِيقَت، من أشخاصٍ يغلِبُ على أكثرهم صِدقُهم، ورغبتِهم نُصرةَ هذا الدين، إلا أن النهايات لم تقتصِر على عدم تحقُّق النتائِج المرجُوَّة فحسب؛ بل آلَ الأمرُ إلى أن تكون النتائِجُ عكسيَّة، فيذوقَ المُسلمون ويلاتِ هذه التضحِيات، ويكونون هم ضحايا ذلك الفِداء.
ولما كان التسلُّل بين مجموعاتٍ قامَت في أصلِها لنُصرة الدين، لُعبةً أتقنَها الأعداءُ ونجَحُوا، فقد انتقَلُوا للُعبةٍ أكبر، ومشروعٍ أخطَر، وهو: إقامةُ كِيانٍ أُسِّس في أصلِه لاستِئصال شأفَة المُسلمين، وهدم ما تبقَّى من دُولهم، ولمُواجهة كل مُحاولةٍ لتحرُّر المُضامِين ممن ضامَهم، ولاستِقطابِ مُحبِّي نُصرة الدين، وحرقِهم في معارِك عبَثِيَّة.
فألبَسَ الأعداءُ ذلك الكِيانَ المِسخَ رِداءَ الخلافة الإسلامية، وسمَّوها "دولة الخلافة"، ووصفُوا جرائِمَهم بأنها تنفيذٌ لشرع الله؛ لتكتمِلَ صُورةُ الإساءة للإسلام، وباسمِ الإسلام، وليس له منه أدنَى نصيب. فإن كِيانًا أُسِّس على خفر العهود، ونقض العقود، وسفكِ الدماء، وحِراسة الأعداء، والاستِيلاءُ على الأراضي التي حرَّرها أهلُها ممن ظلمَهم، وسامَهم سُوءَ العذاب، لا يُمكن أن يكون من الإسلام في شيءٍ، ولو تسمَّى بأجلِّ الأسماء وأعظمِها.
إن عصابات "داعش"، التي نشأَت في الشام وفي العراق، قادتُها ومُؤسِّسُوها مجاهِيل، ومن عُرِف منهم باسمِه، فإنه لا يُعرفُ بسابِقةٍ في الإسلام، والشُّكوكُ والشُّبُهات قائمةٌ حول أدوارِهم وعمالاتهم.
وإن شاؤُوا عصابات "داعش" هي النُّقلة الكُبرى لأعداء المُسلمين وأعداء العرب، من التسلُّل للجماعات المُسلمة، إلى إنشاء كِيانٍ خالصٍ مُستقلٍّ، مصنوعٍ على أعينهم، لعِبَت في إنشائِه مُخابراتٌ إقليميَّةٌ وعالميَّة، وتكوَّنَت مجاميعُه من ثلاثة أصناف: القادةُ والمُحرِّكون، وهم أعداءُ خالِصون. والثاني: خوارِجُ مارِقون مُغفَّلون. والثالث - وهم الوقود -: مُستغفَلون انتهَضُوا لنُصرة الدين، سُفهاءُ الأحلام، حُدثاءُ الأسنان، خالُون من العلم الشرعيِّ والإدراك السياسيِّ.
وكما في مبادئ السياسة: فإن أيَّة مُؤامرةٍ يستلزِمُ لنجاحها ألا يعلمَ أكثرُ المُشارِكين فيها بأنها مُؤامرة.
عباد الله:
وبيانًا للحقائِق: فلو جرَدنا حسابَ "داعش" في عُمرها القصير والمشؤُوم على المُسلمين، لوجَدنا ألا هدفَ لهم إلا دماءَ المُسلمين، والاستيلاءَ على أراضِيهم، أما أعداؤُها المُفترَضُون فهم سالِمون منها، عدا مُناوشاتٍ يُحيُون بها صِراعاتٍ طائفيَّة أو عِرقيَّة، ويُوهِمون بها الجهلَة من أتباعهم، أو يُحقِّقون بها المقصِد الأعظمَ من مشروعهم، وهو التنفيرُ من الإسلام وتشويهُ صُورته، واستِعداءُ العالم على المُسلمين.
ومن مكائِد "داعش" المكشُوفة والمُتكرِّرة: استِقطابُ الصادقين المُتحمِّسين من شباب المُسلمين في كل مكان؛ ليكُونوا هم مِحراثَ النار، الذي يُحرِّكون بهم جمرَهم الذي أوقَدُوه، ثم إذا كثُر عددُهم تخلَّصُوا من بعضهم، بإقحامِهم في معارِك يائِسة لا غايةَ عُليا تستحِقُّ تلك التضحيات، كما فعلُوا في معركة "عين العرب - كوباني".
ولك أن تتأمَّل عصابات "داعش" وهي تلتفُّ على كل نجاحٍ يُحقِّقُه المُضامُون، لتُجهَض أحلامُهم، ولتستمرَّ وظيفتُهم في حمايةِ أنظمةٍ يُفترضُ منهم عداؤُها إن كانوا صادِقين. وكلما تلقَّينا في بلادِنا تهديدًا كان التنفيذُ على يدِ عصابات "داعش"، وكان التناغُم بينهم ظاهِرًا في كل حدث.
عباد الله:
إنه لا مصلحةَ للإسلام ولا للمُسلمين، أفرادًا ودُولاً من الإساءة أو الاعتِداء على أيَّة طائفةٍ أخرى، ولم تأمُر به شريعةُ الإسلام، (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة: 8].
وإنه في اعتِقاد المُسلمين أن مُجرَّد اختلافِ الدين - فضلاً عن المذهب والمنهج - لا يُبيحُ الاعتِداء أو الإساءة، ولقد ساكنَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اليهودَ في المدينة، وجاورَهم حتى مات.
وما الأفعالُ الإجراميَّةُ التي حدثَت في شرق المملكة في الأسبوعين الماضِيَين، وذهبَ فيها ضحايا، إلا واحدةٌ من سلسلة اعتِداءاتٍ حدثَت في بلادِنا، نتيجتُها الوحيدةُ مُحاولةُ الإخلال بأمن هذه البلاد، ورغبةُ إلحاقِها برَكبِ الدُّول المُضطربةِ حولَنا؛ لتزهَقَ الأنفسُ بمئاتِ الأُلوف، ويكون التهجيرُ بالملايِين.
إن المُستهدَفَ بما حدث هو الدولةُ والمُجتمع كلُّه، والمُرادُ بتلك الدماء التي أُريقَت أن تكون الوَقودَ الذي يَطالُ الكلَّ بلا استِثناء. وإن ألمَنا على تلك الاعتِداءات في شرق المملكة مُستحقٌّ، وإنكارَها واجِب، ومُدافَعَتها ومُكافحَتَها فرض، والجريمةُ قد وقعَت على الوطن كلِّه لا على طائفةٍ منه.
وقد سبقَت هذه العصاباتُ باستِهداف رِجال الأمن في أنحاء بلادِنا، وقتلِ بعضِهم، واستِهداف المُنشآت العامَّة وغيرِها. وإن ما سفَكَته عصاباتُ الدواعِش من دماء المُسلمين هو بحرٌ بالنسبة لدماء غيرهم، وما استلَبَته من أراضِي السنَّة في الشام والعراق هو كل سلَبِها، ولم تسلِب سِواهم.
وعليه؛ فإن من يُقرِّر أن أولئك الدواعِش هم نَتاجُ عقائِدنا ومناهِجنا، إنما هو يُحقِّق مقاصِد تلك العصابات، ويتماهَى مع غايتها التي أُنشِئَت لأجلِها.
إن خطابَنا الشرعيَّ في هذه البلاد، وإن صحَّح عقائِد وخطَّأَ أخرى، فإنه ليس فيه ما يُشيرُ من قريبٍ أو بعيدٍ إلى جواز الاعتِداء على المُخالِف؛ بل فيه التشديدُ على حُرمة الدماء، ووجوبِ سُلوك سبيلِ الجماعة، وتحريم الافتِيات على وليِّ الأمر. حتى عيَّرَنا أقوامٌ بذلك، ولم يعلَموا أنها الوسطيَّة التي أمرَنا بها الدين.
وإلا فأيُّ جهادٍ في تفجير النفسِ في جمعٍ من المُصلِّين، داخل مسجدٍ وهم يُصلُّون الجُمعة، وقد وردَ النهيُ عن قتلِ الرّهبان في الكنائِس. فكيف بقتلِ المُصلِّين في المساجِد؟! وبيوتُ الله –تعالى- محلُّ الأمن لا الخوف.
وفي "فتح مكة" قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ومن دخلَ المسجِد فهو آمِن" (رواه أبو داود)، وقد استغلَّ أقوامٌ مثلَ هذه الأحداث، ليجلِدوا ذواتِهم، ويتَّهِموا أقوامَهم، ويُدينُوا مناهِج التعليم!
ونقولُ لأولئك: إن بلادَنا كما خرجَ فيها من تطرَّف وتشدَّد، فقد خرجَ فيها من انحرفَ فِكريًّا، وتمرَّد على بعضِ أحكام الدين. فهل كان أولئك أيضًا نَتاجُ مناهِجنا وخِطابِنا الدينيِّ؟!
ولماذا أُهدِرَت الغالبيةُ العُظمى من مُواطِنينا، الذين يعيشُون وسطيَّةً في الدين، وسُلوكَ سبيل المُؤمنين، ويرفُضُون الغُلُوَّ والجفاء؟!
لقد قرَّر العارِفون بأن السوادَ الأعظمَ من هذه العصابات الداعشيَّة، لم تطَأ أقدامُهم بلادَنا، فضلاً عن تأثُّرهم بمناهِجنا وخِطابِنا؛ بل إن صفَّ القيادات منهم كلَّه ليس به واحدٌ من بلادِنا. فلماذا هذا التمالُؤ من الداخل والخارِج في اتِّهام المملكة بأنها السببُ، رغم كونها الضحية؟! وأنها البيئة الحاضِنة، رغم وضوح عقيدتها وجلاء منهجِها؟!
إن على المُسلمين عامَّةً أن يُدرِكوا أبعادَ المُؤامرة على بلادهم، وخاصَّةً المملكة بلاد الحرمين، وحاضِنة السنَّة، وداعيةَ السلام. حرسَها الله وحماها، والله خيرٌ حافِظًا، والله خيرٌ حافِظًا.
اللهم بارِك لنا في الكتاب والسُّنَّة، وانفَعْنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، ولا عُدوان إلا على الظالِمين، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
أما بعد:
فإن المملكة العربية السعودية بثُقلها وتأثيرِها مُستهدَفةٌ من أي تنظيمٍ مُستغَلٌّ، يُمارِسُ العُنفَ والتطرُّف، أو من أي دولةٍ تتَّسِمُ بالعُدوانيَّة والثوريَّة، وتصدير الطائفيَّة والإرهاب، أو من دُول التسلُّط. وإن المملكة بما حباها الله تُشكِّلُ عائِقًا للمُنظَّمات المُتطرِّفة، والدُّول الثوريَّة التوسُّعيَّة، كما أن استِقرارَها وتلاحُمها، والتِزامَها بالعُهود والمواثِيق يُشكِّلُ تحدِّيًا للرَّخاء الإعلاميِّ.
والذين يَحيكُون المكرَ، ويُدبِّرون المكائِد يعرِفون حجمَ تأثير المملكة، وأنها دولةٌ أصيلة، ذاتُ أعماقٍ جُغرافيَّةٍ وبشريَّةٍ ودينيَّةٍ واقتصاديَّةٍ، وحين ترمِي بثُقلها في أي قضيَّةٍ فإن إسهامَها فاعلٌ مُؤثِّر؛ فلديها المبادِئُ الثابِتة، والأهدافُ النَّبيلة، والعلاقاتُ المُوثَّقة.
وقد حباها الله بالخيرات: دُستورُها كتابٌ وسُنَّةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وخِيارُها السِّلم والتعاوُن. لا نُزايِدُ على مصائِرنا ومصائِر أمَّتنا، وقدَرُنا العصيبُ أننا وسطَ هذه المعمَعَة، نضطَلِعُ بالهمِّ العربيِّ، والهمِّ الإسلاميِّ، ونحن شُركاءُ فاعِلون مُؤثِّرون في القرارات العالمية. لهذا فنحن هدفٌ لكل طامِع.
والأحداثُ التي نُواجِهُها، والمكائِدُ التي تُدبَّرُ ضدَّنا مآلُها إلى الفشلِ - بإذن الله -؛ فالشعبُ السعوديُّ بكل مُكوِّناته يُجهِضُ التآمُر، وهو صخرةُ الوادي إذا ما زُوحِمَت.
ومتى فشِلَ الأعداءُ في اختِراقِه؛ فإنهم سيفقِدون كل مُقترفاتهم في الوطن العربي. رِهانُ الأعداء على تزعزُع الجبهَة الداخليَّة، ورِهانُنا على تماسُكها. فلنُخيِّب آمالَهم.
حوادِثُ المساجِد في المنطقة الشرقيَّة طُعمٌ مسمُوم؛ لجَرِّ قدَم الطائفيَّة، وإغرائِها بالنُّهوض لتقوم نيابةً عنهم بمُهمَّةِ تدمير الذات. وكل مُواطِنٍ في هذا البلد يعلمُ علمَ اليقين أنه هنا يرفُلُ في ذوب الأمن والرَّخاء، والأمان والحرية. ولن يُرضِيَه أن ينتقِلَ حالُه إلى ما وصلَ إليه حالُ إخواننا في العديد من البُلدان، والتي انفَلَتَت فيها الأمور.
من أعظم نِعَم الله علينا في هذه البلاد: نعمةُ الأمن، واجتماعُ الكلمة، والتفريطُ في المُحافظة عليها خطرٌ يُهدِّد الجميعَ بلا استِثناء. وحدتُنا في هذه البلاد لم تقُم على أساسٍ طائفيٍّ، ولا على إقليمٍ جُغرافيٍّ؛ بل قامَت على العقيدة والشريعة، والمُحافظةُ عليهما سبيلُ ديمُومة هذه الوحدة وتماسُكها.
ومن يُعرِّضُ وحدةَ صفِّنا، واجتماع كلمتِنا للخطَر أيًّا كان مذهبُه فهو عدوٌّ للأمة يجبُ الأخذ على يدَيه، والوقوفُ ضدَّه بحزمٍ وحسمٍ.
عقيدتُنا التي قامَت عليها بلادُنا عقيدةُ العدل والإنصاف والرحمة، وجميعُ الطوائِف محفوظةٌ حقوقُها الشرعيَّةُ في ظلِّ هذه العقيدة. وشريعتُنا أرحمُ بالمُخالِف من كل أحد.
ومن الفُجور في الخُصومة: أن يستغِلَّ أهلُ الأهواء الحدثَ للنَّيل من عقيدة الأمة وثوابتِها، ومناهِجها، ونظامِها الأساس للحُكم. لا بُدَّ من العدل والإنصاف والوسطيَّة لدى العلماء والدعاة، وأرباب الأقلام والإعلام، والمُفكِّرين عند تقييم الأحداث، والخروجُ عن سُنَّة الوسط في الخِطاب مدحًا أو ذمًّا، مُخالفةً أو تأييدًا، يدفعُ أطرافًا نحو الغُلُوِّ، (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].
وموقِفُ إكرامٍ وإعزازٍ لجهاتِنا الأمنية وهي تستبِقُ المكرَ السيِّئ، وتُجهِضُه قبل أن يقَع، أو تكتشِفُ أدقَّ تفاصِيلِه بعد وقوعِه، وذلك من توفيقِ الله وتسديدِه.
وواجِبُنا تجاهَ رِجال الأمن: الدعاء الصادق، والمُؤازَرةُ الفاعِلة، والشعورُ بأن كل مواطِنٍ هو رجُلُ أمنٍ يقِفُ على ثغرٍ من ثُغور الوطَن.
فلنَضع أيدِيَنا في أيدي بعض، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].
اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروه، اللهم من أرادَنا وأرادَ الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحره، اللهم من أرادَ بلادَنا، ووُلاتَنا، وعلماءَنا، وعامَّتنا، ووحدتَنا بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد.
اللهم ارضَ عن الأربعة الخلفاء، والأئمة الحنفاء: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيِّك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المؤمنين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المؤمنين.
اللهم انصُر المُجاهدين في سبيلِك في فلسطين، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم حرِّر المسجد الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم الطُف بإخواننا في سوريا، وفي العراق، واليمَن، وبورما، وإفريقيا الوسطى، وفي كل مكانٍ، اللهم ارفع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفرَج.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد..
اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً على عبادِك المؤمنين.
اللهم انشُر الأمن والرخاء في بلادنا وبلاد المسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 147].
اللهم اغفر ذنوبَنا، اللهم اغفر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا.
اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم، اللهم ارحَمهم كما ربَّونا صِغارًا، اللهم من كان منهم حيًّا فمتِّعه بالصحة والعافية على طاعتِك، ومن كان منهم ميتًا فتغمَّده برحمتِك، ونوِّر له في قبره، ووسِّع له فيه، واجعَله روضةً من رياض الجنة، واجمَعنا به في دار كرامتك.
ربنا اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذريَّاتهم، وأزواجنا وذريَّاتنا، إنك سميع الدعاء. اللهم بلِّغنا رمضان، ووفِّقنا فيه للعمل الصالِح، وتقبَّل منا يا رب العالمين. ربَّنا تقبَل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي