عشرة ملاحظات في أيام الامتحانات

سليمان بن حمد العودة
عناصر الخطبة
  1. قوة اليقين والتوكل على الله تعالى .
  2. السهر ونتائجه السيئة .
  3. خطر تعاطي المنبهات والمخدرات .
  4. قرناء السوء وأفعالهم الخبيثة .
  5. الطالبة والمؤامرة عليها .
  6. خطورة وسائل الإفساد في البيوت .
  7. الانفصام بين العلم النظري والسلوك العملي .
  8. المراجعة الدائمة للدروس .
  9. الامتحان الدنيوي تذكير بالامتحان الأخروي . .

اقتباس

حين نذكر مظاهر سلبية فللحذر منها، وحين نومئ إلى نماذج فاسدة فلا يعني أنها شاملة، ولا يزال في الناس خير -فتياناً كانوا أم فتيات، أولياء، أو معلمين أو معلمات-، ولكن الظاهرة إذا بدأت فلم تعالج سريعاً ولم يتنبه الناس لمخاطرها - اتسعت رقعتها وكثر أعداد المتضررين بها، وصعب علاجها، وبعض الناس يخلطون بين الثقة والاحتياط؛ فالثقة أصل والاحتياط مطلوب ..

 

 

 

الحمد لله خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل هذه الدار دار امتحان وبلاء وعمل، والآخرة دار جزاءٍ وقرارٍ إلى الأبد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ البلاغ المبين وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن أصحابه الغر الميامين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلونَ). (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

إخوة الإسلام:! غداً موعدُ الامتحان لمعظم الطلاب والطالبات، وللامتحان رهبة وهيبة، والنفوس بطبعها تخاف من مساءلتها، وتقلق من غيبٍ لا تدري ما الله صانعٌ فيه لها، ولكن القلق أو التخوف الذي يعقبه الطمأنينة والنجاح سرعان ما ينتهي، وتشعر النفوس معه بلذة الراحة بعد التعب، والسرور بعد الكبد. وما أتعس عيش الذي يتواصل كيدهم قبل الامتحان وبعده، وما أشد تعاسة الذين يستمر كبدُهم في تلك الحياة الدنيا وفي الآخرة؛ ألا (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).

أيها الطلبة والطالبات وأولياء الأمور -آباءً كانوا أو أمهات، إخواناً كانوا أو أخوات-، وإليكم جميعاً أوجه هذه النصائح والملاحظات العشر بمناسبة أيام الامتحانات:

الملاحظة الأولى: ومع رهبة الامتحان فمما يخفف من هذه الرهبة قوة اليقين والتوكل على الله بعد فعل الأسباب المطلوبة شرعاً من حسن المذاكرة والتركيز في الفهم. وكن واثقاً مطمئناً لقضاء الله وقدره؛ فما أصابك لم يمكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.. دافع القلق وكثرة الهموم، فلربما كانت هذه وتلك أسباباً لضياع معلوماتك وفشلك في الامتحان.

الملحوظة الثانية: إياك وكثرة السهر المفضي إلى الإعياء وعدم القدرة على التركيز أثناء الإجابة، وإياك أن يطول سهرك إلى قرب الفجر ثم تنام عن الصلاة، وربما استيقظت متأخراً فأتيت إلى قاعة الامتحان ولم تُصلِّ فرض الله بعد، متأولاً أن الله غفورٌ رحيم، وناسياً أن الله شديد العقاب، ولا خير فيك إن فوَّت شيئاً من الصلوات أثناء الامتحانات، ولا خير أيضاً إن لم تصل إلا أيام الامتحانات.

الملحوظة الثالثة: وهناك من يعمد من الطلبة أو الطالبات إلى تعاطي المنبهات أو المخدرات أيام الامتحانات، وذلك لدفع النوم -كما يظنون- ولكنها البداية النكدة لو كانوا يعلمون.. وهي مورثة لخلل التفكير وتعب الجسد فيما بعد، الأمر الذي يدعو إلى كثرة النوم بعد وضياع أوقات مضاعفة؛ لو كانوا يعقلون.

الملحوظة الرابعة: وهي همسةٌ لأولياء الأمور، وتنبيه من لم يُبتل بعدُ بهذا الداء؛ ذلكم أن هناك أشراراً يصيدون في الماء العكر، فيلقون سمومهم إلى غيرهم، وربما فَتنوا بالمخدرات شابا أو شابة لا علم لهم بمثل هذه الأمراض الفتاكة، مستغلين ظروف الامتحانات، ومُسوّلين للطالب أو الطالبة أن تعاطي حبة مخدرة كفيل بالحيوية والنشاط ومن ثمَّ النجاح في الامتحان.. ومن هنا تبدأ المشكلة ويتلوث الأبرياء بأدواء الخبثاء، ولربما تطور الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك، فراودوا المتعاطي عن نفسه، وإذا اعتاد جسمه عليها ولم تتوفر في حينها، فباعوها له بأغلى الأثمان، وربما كان الثمن انتهاك العرض ووأد الفضيلة والحياء ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ فانتبهوا لهذه المخاطر وبداياتها في كل حين، ولاسيما في أيام الامتحانات.

الملحوظة الخامسة: وهي قريبة من سابقتها، ولكنها بلون آخر من الإغراء؛ فقد تخدع هذه الذئاب المفترسة شاباً غِرًّا، فتعرض عليه الركوب معهم في السيارة لإيصاله إلى بيت أهله أو إلى مدرسته، فإذا استجاب وركب بدأ مسلسل الإغراء والعروض أولاً، فإن لم يستجب الشاب بدأ مسلسل التهديد والوعيد، ولربما كان من وسائلهم تهديد الشاب بعدم تمكينه من الامتحان إن لم يستجب لمطالبهم الخبيثة، ولربما استجاب الشاب المسكين في البداية؛ خشية فوات الامتحان عليه ولوم الأهل له، ثم كانت هذه الفضيحة ورقة يهدد بها إذا لم يستجب لمثلها، وكل ذلك يقع في غيبة ولي الأمر وغفلة المدرسة، وسببها الأول الاستجابة للركوب مع هذه الشلل الفاسدة

فاحذر أخي الشاب: من الركوب مع من لا تعرفه معرفة جيدة وتثق بدينه وخلقه، وتنبه أيها الولي لمسيرة ابنك وذهابه وإيابه من المدرسة، وعلى المدرسة ورجالات الشرطة والحسبة ثقل من المسؤولية ومتابعة هذه الحالات الشاذة.

الملحوظة السادسة: وثمة ظاهرة يغفل عنها كثير من الناس، وهي مقلقة لرجالات الحسبة والدوريات وتحتاج إلى يقظة وحزم وحسم يقطع دابر الفتنة ويحفظ بنات المسلمين من أوغاد قلَّ حياؤهم واستطار شرهم، وجعلوا مهمتهم التحرش بالطالبات، إنها ظاهرة مؤلمة تقع عند مدارس البنات -وتكثر أيام الامتحانات- والذئاب ترصد خروجهن فتبدأ المضايقة بكلمة أحياناً أو برسالة مختصرة أحياناً أخرى وبرمي رقم هاتف تتم المحادثة والمهاتفة عليه فيما بعد؛ وكم خدع هؤلاء الذئاب بوسائلهم المختلفة عدداً من الفتيات فأصابهن من لوثة العرض ما دَنَّس حاءَهن، وجاء بالفضيحة على عوائلهن.

أيها الأولياء:! ربما كان الخلل من الفتاة أحياناً؛ فالطالبة مثلاً حين تُنهي امتحانها يكون هناك زمنٌ بين نهاية الامتحان ووصولها إلى منـزلها، ويظن الأهل أنها في المدرسة، وتعتقد المدرسة أنها في بيت أهلها، وهي خلال هذه المدة متعرضة للفتنة وربما ضربت مواعيد مع أولئك الفُسّاق، فكانت بدايات النكد والشقاء لها ولأسرتها وللمجتمع من حولها.

أيها الأولياء -آباءً كنتم أو أمهات أو إخواناً أو أخوات-: هل تأكدتم من ذهاب الطالبة إلى المدرسة ومجيئها عن طريق النقل الرسمي، أو عن طريقكم، أم خاطرتم بذهابها على رجليها، ولا تدرون ما يحدث لها؟

هل تنبهتم للمكالمات الهاتفية المثيرة من الفتيات، وهل احتطتم في مكان الهاتف، وأكدتم على عدم استخدامه إلا للضرورة، وفي مكان بارز، وليس في غرفة مختصة؟

هل تسامحتم في مذاكرة الطالبة مع زميلتها، ثم لا تعلمون ما يحدث في هذه المذاكرة؟

هل نتعاون جميعاً في معرفة من يدورون حول المدارس وبلغنا الجهات الرسمية بهم أو برقم سيارتهم..

إنها فتن يشيب لهولها الولدان، وفضائح إذا ما وقعت -لا قدر الله- طأطأت رؤوس الرجال، وتسري الفتن لتعم الظالم وغيره، وصدق الله (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.

إخوة الإيمان: حين نذكر مظاهر سلبية فللحذر منها، وحين نومئ إلى نماذج فاسدة فلا يعني أنها شاملة، ولا يزال في الناس خير -فتياناً كانوا أم فتيات، أولياء، أو معلمين أو معلمات-، ولكن الظاهرة إذا بدأت فلم تعالج سريعاً ولم يتنبه الناس لمخاطرها - اتسعت رقعتها وكثر أعداد المتضررين بها، وصعب علاجها، وبعض الناس يخلطون بين الثقة والاحتياط؛ فالثقة أصل والاحتياط مطلوب، وبعض الناس لديهم ثقة زائدة؛ وإن شئت فقل سطحية وإهمال، وقد تجري الأمور على غير ما يريدون وهم في غفلتهم وثقتهم يترددون؛ فالتربية أمانة والمسؤولية كبيرة، والوقاية خير من العلاج، والسعيد من وعظ بغيره، ومن عوفي فليحمد الله، ومن ابتلي فليستعن بالله وليسارع بالعلاج.

أيتها المعلمات: وقبل أن تذبل الزهرة، عليكن كفل كبير من المسؤولية فتداول الصور، أو أرقام الهواتف، أو الأشرطة الماجنة أو الرسائل المثيرة، أو غير ذلك من ممنوعات.. لا بد من مراقبة الطالبات وأخذهن بالحزم، ولا بد من جولات تفتيشية مفاجئة أحياناً، ولا بد من تكثيف المراقبة أيام الامتحانات خصوصاً، ولا بد من كلمات مضيئة تحذر من صديق أو صديقات السوء.. وتكشف لهن المخاطر المترتبة على ذلك مستقبلاً، ولا بد من التحذير من سماعة الهاتف لغير حاجة، ومثل ذلك يقال للمعلمين أو أَزْيَد فحركة الشباب أكثر، وأبعد للريب من حركة الفتيات.

أيها المسلمون: إنما أطلت في هذه الظاهرة لكثرة ما حدثت أو قرأت عن هذه الظواهر؛ وكم حذر الخيرون من هذه المظاهر ورغبوا في التحذير عنها؛ فلننتبه جميعاً، ولنكن يداً واحدة في محاصرة الفساد والتضييق على المفسدين، ولنتعاون مع الجهات الرسمية في المتابعة والعلاج، فالله أمر بالتعاون على البر والتقى ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان.

الملحوظة السابعة: بعض البيوت مبتلاة بوجود عدد من وسائل الفساد عبر قناة مثيرة، أو مجلة ساقطة -أو شريط ماجن- والعجب إنك تراهم يدركون خطر هذه الوسائل على الأبناء والبنات أيام الامتحانات، فيغلقون ما يغلقون منها، ويمنعون الأبناء والبنات من تداولها؛ وحجتهم في ذلك حتى لا تؤثر هذه وتلك عن مذاكرتهم وتحصيلهم ونتائج امتحاناتهم، وهذا أمر يوافقون عليهم، ولكن السؤال المهم كيف يقتنع هؤلاء بضررها عليهم في أيام الامتحانات فقط؟ أوليس التأثير على المعتقد والدين والخلق أولى بالعناية وأحوج إلى الاستمرار؟ هل نسينا أنهم قد ينجحون في امتحان الدنيا ولكنهم معرضون للإخفاق في الامتحان الأكبر؟

ما حجتُك أيها الولي إذا وقفت بين يدي الله وأنت مدرك لأضرار هذه الوسائل الهادمة؟ ولكنك اكتفيت بوقايتهم منها لغرض زائل من أغراض الدنيا، وأهملت وقايتهم منها سائر الأيام، فلوثت فكرهم، وخدشت حياءهم، وجعلتهم كالأيتام على موائد اللئام، ثم أنت بعدُ ترجو برهم وصلاحهم؟ إنها مسؤولية سترد على الله مسؤولاً عنها فَأَعِدَّ للسؤال جواباً صواباً.

الملحوظة الثامنة: ويحدث عند بعض الطلاب والطالبات فصام نكد بين المفاهيم التربوية التي تعلموها، وبين الواقع السلوكي الذي يمارسونه؛ فقد ربوا طويلاً على الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وربوا على أن العبادة مفهوم شامل لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال، وربوا على المراقبة الدائمة لله، وعلى التوكل عليه، والخوف منه، إلى غير ذلك من مفاهيم جليلة ولكن أين هذا مثلاً من ظاهرة الغش في الامتحان؟ وبعض الطلبة قد لا يمنعهم من مزاولتها إلا عدم القدرة عليها، فإذا وجد فرصة سارع إليها، وأين هذه المفاهيم من مقارفة بعض السلوكيات الخاطئة وترك الواجبات، وفعل المحرمات.

إن هذه المفاهيم وغيرها لا يراد منها التلقين والأداء في الامتحان، وإنما القصد بناء شخصية الطالب عليها داخل المدرسة وخارجها وفي أيام الامتحانات وغيرها. وإذا ما نجحنا في التوفيق بين ما يحصله الطالب والطالبة من معلومات وبين التطبيق السلوكي لها، فذلك المؤشر الحقيقي لنجاح العملية التربوية، وإلا فلنبحث عن الخلل حيث يكون ولنسارع بالعلاج.

الملحوظة التاسعة: ووصيتي إليكم معاشر الطلبة والطالبات ألا يبدأ الاستذكار عندكم أيام الامتحانات فقط، فهذه مع كونها سبباً للقلق، فالمحصلة العلمية فيها قليلة، والعلم ليس ثقلاً يرمى في ورقة الإجابة ثم ينسى، بل هو رصيد يستحق العناية والحفظ..

أما أنتم معاشر الأولياء: فلا يسوغ لكم إهمال أبنائكم وبناتكم طوال العام، فإذا خرجت النتيجة على غير ما تشتهون كانت المخاصمة والسبابُ لإدارة المدرسة ومعلميها.

الملحوظة العاشرة والأخيرة: -وهي أهمها- وهي موجهة للممتحَنين وللممتحِنين بل لنا جميعاً؛ فليت هذه الامتحانات الصغرى تذكرنا بالامتحانات الأكبر، وهناك لا فرصة للمحاولة بعد الفشل، ولا محيص للغش والتدليس، لا واسطة ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولاً، النجاح هناك إلى الأبد، والمستقر في جنات ونهر ما دامت السموات والأرض، والعطاء غير مجذوذ، والنعيم لا يوصف، والسعادة لا تحد، أما الخسران فخلود في النار إلى الأبد... النهاية إلى الهاوية حيث الزفير والشهيق والزقوم ومقامع الحديد، ولك أن تتصور هذا المشهد والجلود كلما نضجت أبدلوا غيرها ليستمر الإحساس بالعذاب، فماذا أعددنا لهذا الامتحان الصعب، وليختر كل منا لنفسه إحدى المنـزلتين؛ (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً).

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي