في الاعتبارات بكثرة الزلازل في هذا الزمان

صالح بن فوزان الفوزان
عناصر الخطبة
  1. نعمة تمكين الإنسان في الأرض وبعض نعم الله فيها .
  2. كثرة الزلازل في هذا الزمان وبعض أسباب حدوثها .
  3. بعض شبه المتحذلقين الجغرافيين حول أسباب حدوث الزلازل والرد عليها .
  4. خطر الذنوب ودورها في نزول عذاب الله بالعباد .
  5. عقوبات الآخرة أعظم من عقوبات الدنيا .

اقتباس

عباد الله: لقد كثر وقوع الزلازل المروعة التي تدمر العمران، وتهلك الإنسان، وقد تتابع ذلك في سنين متقاربة، حدث زلزال عظيم في الجزائر، ثم أعقبه زلزال عظيم في إيطاليا، ثم أعقبه زلزال عظيم في اليمن، ثم أعقبه زلزال عظيم في المكسيك، وقد دمر في هذه الزلازل مدن بأكملها، وهلك فيها ألوف من البشر، وشرد فيها مئات الألوف من مساكنهم، مما...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الأرض قراراً ومهاداً وفراشاً وبساطاً، ألقى فيها رواسي أن تميد بكم، وجعل السماء سقفاً محفوظاً وبناءً لما تحتها، أحمده على نعمه الظاهرة والباطنة.

وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أعرف الخلق بربه وأتقاهم له، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلّم تسليماً.

أما بعد:

أيّها الناس: (اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33].

عباد الله: لو تأملتم في هذا الكون، وما يجري فيه من العِبر، لعرفتم عظمة خالقه، وأدركتم أنه لم يخلق عبثاً، وأنكم لن تتركوا سدىً، ولعرفتم تقصيركم في حقّ خالقكم وغفلتكم عن ذكره وشكره.

ومن أعظم نِعَم الله عليكم: أن مكَنكم من هذه الأرض التي تعيشون على ظهرها، وتدفنون في بطنها، كما قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا) [المرسلات: 25- 26].

وقال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [طـه: 55].

وقال تعالى: (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) [الأعراف: 25].

وقال تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) [الأعراف: 10].

وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15].

والآيات في هذا كثيرة.

ومن رحمته: أن أودع في هذه الأرض كلّ ما يحتاجه الخلق الذين يعيشون على ظهرها، فبارك فيها، وقدّر فيها أقواتها، وجعلها قراراً، أي: قارة ثابتة لا تتحرك ولا تميد، وأرساها بالجبال حتى نتمكن من البناء عليها، والعيش على ظهرها، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا) [غافر: 64ٍ].

وقال تعالى: (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل: 15].

قال الإمام العلاّمة ابن القيّم -رحمه الله-: "ثم تأمل خلق الأرض على ما هي عليه، حين خلقها واقفة ساكنة لتكون مهاداً ومستقراً للحيوان والنبات والأمتعة، ويتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربهم، والجلوس لراحاتهم، والنوم لهدوئهم، والتمكّن من أعمالهم، ولو كانت رجراجة متكفئة، لم يستطيعوا على ظهرها قراراً ولا هدوءاً، ولا ثبت لهم عليها بناء، ولا أمكنهم عليها صناعة ولا تجارة ولا حراثة ولا مصلحة، وكيف كانوا يتهنّون بالعيش والأرض ترتجّ من تحتهم؟

واعتبر ذلك بما يصيبهم من الزلازل على قلّة وقتها، كيف تضطرهم إلى ترك منازلهم، والهرب عنها، وقد نبّه الله -تعالى- على ذلك بقوله: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل: 15].

وقوله: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا) [غافر: 64].

وقوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا) [طـه: 53].

قال رحمه الله: "ثم تأمل الحكمة البالغة في ليونة الأرض مع يبسها، فإنها لو أفرطت في اللين كالطين لم يستقر عليها بناء ولا حيوان، ولا تمكنا من الانتفاع بها، ولو أفرطت في اليبس كالحجر لم يمكن حرثها ولا زرعها ولا شقّها وفلحها ولا حفر عيونها ولا البناء عليها، فنقصت عن يبس الحجارة، وزادت عن ليونة الطين، فجاءت بتقدير فاطرها على أحسن ما جاء عليه مهاد للحيوان في الاعتدال بين اللين واليبوسة، فتهيأ عليها جميع المصالح، خلقها سبحانه فراشاً ومهاداً، وذلَّلها لعباده، وجعل فيها أرزاقهم وأقواتهم ومعايشهم، وجعل فيها السبل لينتقلوا فيها في حوائجهم وتصرفاتهم، وأرساها بالجبال فجعلها أوتاداً تحفظها لئلا تميد بهم، ووسع أكنافها ودحاها فحدّها وبسطها وطحاها، فوسعها من جوانبها؛ ثم انظر كيف أحكم جوانبها بالجبال الراسيات الشوامخ الصمّ الصلاب، وكيف نصبها فأحسن نصبها، وكيف رفعها وجعلها أصلب أجزاء الأرض لئلا تضمحل على تطاول السنين، وترادف الأمطار والرياح، بل أتقن صنعها وأحكم وضعها وأودعها من المنافع والمعادن والعيون ما أودعها، ثم هدى الناس إلى استخراج تلك المعادن منها، وألهمهم كيف يصنعون منها النقود والحلي والزينة واللباس، والسلاح وآلات المعاش على اختلافها، لولا هدايته سبحانه لهم إلى ذلك لما كان لهم علم شيء منه ولا قدرة عليه، وجعل سبحانه الأرض كفاتاً للأحياء ما داموا على ظهرها.

فإذا ماتوا استودعتهم في بطنها، فكانت كفاتاً لهم تضمّهم على ظهرها أحياء، وفي بطنها أمواتاً.

فإذا كان يوم الوقت المعلوم وقد أثقلها الحمل، وحان وقت الولادة، ودنو المخاض، أوحى إليها ربها وفاطرها أن تضع حملها، وتخرج أثقالها، فتخرج الناس من بطنها إلى ظهرها، وتقول: رب هذا ما استودعني وتخرج كنوزها بإذنه تعالى، ثم تحدث أخبارها وتشهد على بنيها بما عملوا على ظهرها من خير وشر، ويحدث فيها سبحانه الزلازل العظام ليحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة، والإقلاع عن معاصيه، والتضرّع إليه والندم، كما قال بعض السلف لما زلزلت الأرض: إن ربّكم يستعتبكم.

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد زلزلت المدينة فخطبهم ووعظهم، وقال: لئن عادت لا أُساكنكم فيها.

عباد الله: لقد كثر وقوع الزلازل المروعة التي تدمر العمران، وتهلك الإنسان، وقد تتابع ذلك في سنين متقاربة، حدث زلزال عظيم في الجزائر، ثم أعقبه زلزال عظيم في إيطاليا، ثم أعقبه زلزال عظيم في اليمن، ثم أعقبه زلزال عظيم في المكسيك، وقد دمر في هذه الزلازل مدن بأكملها، وهلك فيها ألوف من البشر، وشرد فيها مئات الألوف من مساكنهم، مما تسمعون أخباره المروعة، ويشاهد الكثير منكم صوره المفزعة تعرض على شاشة التلفاز.

وهذه الزلازل لا شك أنها عقوبات على ما يرتكبه العباد من الكفر والمعاصي، وفيها عِبَر وعظات لأولي الألباب، ودلالة على قدرة الله الباهرة، حيث يأذن لهذه الأرض أن تتحرك بضع ثوانٍ أو دقائق، فينتج عن ذلك هذا الدمار وهذا الهلاك وهذا الرعب، لعلّ الناس يتوبون إلى ربهم، ويستغفرون من ذنوبهم؛ لأن هذا ما حدث إلا بسبب كفرهم ومعاصيهم.

ويكثر هذا في آخر الزمان، كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويتقارب الزمان، وتكثر الزلازل، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج" قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: "القتل القتل".

وروى الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا اتُخِذ الفيء دُولاً، والأمانة مَغنماً، والزكاة مغرماً، وَتُعُلِّم لغير الدين، وأطاع الرجل أمرأتَه وعقَّ أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصواتُ في المساجد، وساد القبيلةَ فاسقُهم، وكان زعيمُ القوم أرذلَهم، وأُكْرِم الرجلُ مخافةَ شرِّه، وظهرت القيناتُ والمعازفُ، وشُربت الخمور، ولَعن آخرُ هذه الأمة أوَّلَها، فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء، وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً، وآيات تتابع كنظام بالِ قُطع سلكه فتتابع".

بيّن صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه عندما تحدث هذه الجرائم في آخر الزمان، فإنها ستقع عليهم العقوبات المتتابعة، ومنها الزلازل التي تدمر العمارات السكنية ذات الأدوار الشاهقة، وتدمر المدارس والمستشفيات، والمطاعم والفنادق المكتظة بالناس على من فيها.

وقد رأيتم مصداق ذلك بما تكرر من حدوث هذه الزلازل المروّعة.

وقد يقول بعض المتحذلقين من الجغرافيين: هذه الزلازل ظواهر طبيعية، لها أسباب معروفة لا علاقة لها بأفعال الناس ومعاصيهم، كما يجري ذلك على ألسنة بعض الصحفيين والإعلاميين، حتى صار الناس لا يخافون عند حدوثها، ولا يعتبرون بها، كما يقول أشباههم من قبل عندما تصيبهم الكوارث والنكبات: (قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء) [الأعراف: 95].

فيعتبرون ذلك حالة طبيعية، وليست عقوبات لهم، فيستمرون على غيّهم وبغيهم، ولا يتوبون من ذنوبهم.

والذي نقوله لهؤلاء المتحذلقين: إن الكتاب والسنّة يدلان على أن هذه الزلازل كغيرها من الكوارث إنما تصيب العباد بسبب ذنوبهم.

وكونها تقع لأسباب معروفة لا يخرجها عن كونها مقدّرة من الله -سبحانه- على العباد لذنوبهم، فهو مسبّب الأسباب، وخالق السبب والمسبّب: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الزمر: 62 - 63].

فإذا أراد الله شيئاً أوجد سببه، ورتب عليه نتيجته، كما قال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16].

فاتقوا الله -عباد الله- واعتبروا بما يجري حولكم وبينكم، وتوبوا إلى ربكم، وتذكروا قول الله -تعالى-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأنعام: 65 - 67].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه المجيد: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الوليّ الحميد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليماً.

أما بعد:

أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى- وتوبوا إليه من ذنوبكم قبل أن يحلّ بكم ما حلّ بغيركم من العقوبات.

واعلموا أن ما وقع بالناس مما يكرهون، فإنما هو جرّاء ذنوبهم، كما قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

نعم إن ما يحدث في الأرض اليوم من الزلازل المدمّرة، والأعاصير القاصفة، والحروب الطاحنة، والمجاعات المهلكة، والأمراض الفتّاكة، وحوادث المراكب البرية والبحرية والجوية التي يذهب فيها الأعداد الكبيرة من البشر، وتسلّط قطاع الطرق، ومختطفي الطائرات، وسطو اللصوص.

كل ذلك يحدث بسبب الذنوب والمعاصي، كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].

وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأنعام: 129].

وإنه يحدث منّا من الذنوب والمعاصي ما لا يصحى، ومنه ما هو كفر كترك الصلوات المفروضة، وما هو من الكبائر الموبقة كأكل الربا، والرشوة، وتبرج النساء وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفواحش، وغير ذلك مما نتخوف منه نزول العقوبة صباحاً ومساءً؛ كما قال تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ) [النحل: 45 - 46].

هل اعتبرنا -يا عباد الله- بما يحدث؟ هل غيِّرنا من حالنا من سيّئ إلى حسن؟

إننا على كثرة ما نسمع ونقرأ أو نرى بأعيننا من الحوادث المروعة، والعقوبات الشديدة، لا يزال الكثير منّا مصراً على معاصيه من أكل الحرام، وترك الصلاة، وهجر المساجد، وفعل المنكرات، حتى أصبح كثير من البيوت أوكاراً للفَسَقة والعصاة والتاركين للصلاة، ولا ينكر عليهم صاحب البيت ولا جيرانه، ولا مَن يعلم بحالهم، وفي الحديث: "إن الناس إذا رأوا المنكر، فلم يغيّروه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب من عنده".

ترون الشوارع والبيوت ملأى بالرجال، وترون المساجد وقت الصلاة فارغة منهم لا يؤمها إلا القليل وفي فتور وكسل.

والذي يصلي منهم لا ينكر على مَن لا يصلي من أهل بيته وجيرانه، ومَن يمرّ بهم في طريقه إلى المسجد، ما الذي أماتَ الغيرة في قلوب الناس؟

إنه ضعف الإيمان، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن رأى منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك من حبة خردل".

قد يقول أحدهم: أنا أنكر المنكر بقلبي، وإن لم أتكلم بلساني.

والجواب: إن الإنكار بالقلب لا يكفي مع القدرة على إنكاره بالكلام، وأيضاً الذي ينكر بقلبه لا يترك العصاة في بيته، ولا يساكنهم فيه، ولو كانوا أولاده، وأقرب الناس إليه، كما قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة: 22].

عباد الله: وتذكروا أن ما يحلّ بالناس من العقوبات في الدنيا، وإن كان شديداً فهو أخفّ من عذاب الآخرة، قال تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة: 21].

فاتقوا الله -عباد الله- في أنفسكم، وتوبوا من ذنوبكم، وقوموا على أولادكم وأهليكم، وأنقذوا أنفسكم، وأنقذوهم من عذاب الله، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي