إن السماء لا تمنع خيرها، ولا تحبس قطرها وبركاتها، إلا إذا جفت ينابيع الخير من القلوب، واضمحلت الفضائل من النفوس، وأنَّت الأرض من المنكرات، عند ذلك يكون القحط والبلاء والجفاف والمجاعات، وتتوالى المحن والمصائب. المعاصي تحدث في الأرض أنواعا من الفساد وفي المياه والهواء والمساكن والأبدان، تحل...
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يرد، لا إله إلا الله الولي الحميد، لا إله إلا الله العظيم المجيد، لا إله إلا الله المؤمل لكشف كل كرب شديد، لا إله إلا الله المرجو للإحسان والإفضال والمزيد، لا إله إلا الله استوى في علمه القريب والبعيد، سبحان فارج الكربات، سبحان مجيب الدعوات، سبحان مغيث اللهفات.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العظيم القاهر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أشر نبي أنزل عليه أفضل كتاب، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأنجاب.
أما بعد:
اتقوا الله، فإن تقوى الله وقاية من عذابه، واحذروا المعاصي، فإنها موجبات لغضب الله، وأليم عقابه، فقد جعل سبحانه شؤم الذنوب عظيما، وغب ارتكاب المعاصي وخيما.
إن المعاصي داعية لكل مكروه، وإنها المسودة للصحائف والوجوه.
إن السماء لا تمنع خيرها، ولا تحبس قطرها وبركاتها، إلا إذا جفت ينابيع الخير من القلوب، واضمحلت الفضائل من النفوس، وأنَّت الأرض من المنكرات، عند ذلك يكون القحط والبلاء والجفاف والمجاعات، وتتوالى المحن والمصائب.
المعاصي تحدث في الأرض أنواعا من الفساد وفي المياه والهواء والمساكن والأبدان، تحل بالأرض الخسف والزلازل، وتظهر في الثمار آفات تقضي عليها، أو تنقص محاصيلها، وفي الأبدان تحدث الأمراض الفتاكة، والآفات القاتلة، والحوادث المروعة، إنها تطفىء نور القلب.
وتقتل الغيرة، فتقوى فيه إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة، حتى تنعدم من القلب بالكلية -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-.
قال تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)[النحل: 45 - 47].
ولتطهير المجتمع مما يلوث سماءه، ويفسد صفاءه ونقاءه، ويورثه الدمار والهلاك، كانت توجيهات القرآن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يحجز عن الفتن، وشرور المعاصي، بل إنه حصن الإسلام، وسياجه القوي الذي يحمي أهل الإسلام من نزوات الشيطان، وفلتات الهوى والباطل، وهو البناء المتين الذي تتماسك به عرى الدين، وتصقل فيه الأخلاق، فإذا اندك هذا الحصن، وإذا استبيح هذا السياج، وإذا انهار هذا البناء، فويل يومئذ للفضيلة من الرذيلة، وويل للحق من صولة الباطل.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شعيرة من شعائر الدين، شرعها الله لمصلحة عباده، ولعمارة أرضه، فإذا تعطلت هذه الشعيرة تعامى الناس عن المنكر، وهو على مرأى ومسمع منهم، فلا الوالد يزجر ولده، وينكر عليه قبيح فعاله، ولا الجار ينصح لجاره، بأمره ونهيه، ولا القريب أو الصديق يعنى بأمر قريبه أو صديقه، فيرده إلى الطريق، ويأخذ بيده أن يتردى في الهاوية.
وإذا تعطل الأمر والنهي بين أفراد المجتمع، فسد المجتمع، وعندئذ يأخذ الله العامة بجريرة الخاصة، ويعذبهم بأنواع البلايا والمحن، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه" [أخرجه ابن ماجة وأحمد].
قد تتململ منه بعض النفوس التي لو تعمقت في سمو أهدافه، وشمول مبادئه، لأقبلت على امتثال أحكامه، فهو يتناول فروع الحياة كلها، ويجتث عروق البلايا من جذورها، قال صلى الله عليه وسلم: "وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" [أخرجه البخاري ومسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوي أعمالها، النخاعة تكون في المسجد لا تدفن" [أخرجه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخره، فشكر الله له، فغفر له" [أخرجه البخاري ومسلم].
أليس ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
سر الخيرية لهذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [آل عمران:110].
إن أي أمة كانت مهتدية في نفسها، هادية لغيرها، مؤمنة بربها وخالقها، لتستحق الخيرية والعظمة، إنها أمة الإسلام والإيمان كانت وستكون داعية للعالم إلى الخير والهدى، تدلهم على الصراط المستقيم.
هذه المهمة زمانها الدهر، مكانها الأرض، لا سيما في هذه الحقبة الزمنية العصيبة التي تعصف بالأمة أهوالها، وتتجاوب بها مرة أهوائها، وتجلب عليها الأمم بكل مكرها، وهو سبب للنصر والعزة والتمكين في الأرض، قال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) [الحـج: 40].
وإذا ضاقت على الأمة السبل، وحل بها الظلام، وتوجهت إلى الله بالدعاء، فإنه جل جلاله لا يستجيب لها جزاء التفريط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" [أخرجه الترمذي وأحمد].
عباد الله: إن الله أمرنا عند احتباس المطر: أن نستغفره من ذنوبنا التي بسببها حبس عنا المطر.
إن الذنوب لا بد لها من توبة واستغفار، ومن كرم ربنا -سبحانه-: أنه وعد بقبول توبة التائبين، ومغفرة ذنوب المستغفرين، فقال سبحانه: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء: 110].
هذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم، أكثر من سبعين مرة" [أخرجه البخاري].
وكما أن الذنوب سبب لنزول البلاء، فإن الاستغفار سبب لرفع البلاء، وتأخير العذاب، قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33].
الاستغفار، سبب لنزول الغيث من السماء، ولزيادة قوة البلاد والعباد، قال تعالى على لسان هود -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) [هود: 52].
بالاستغفار، تحل البركة في الرزق، فتكثر الخيرات، وتزيد الأموال والثمرات، ويفجر الأنهار، مع حسن المتاع، قال تعالى على لسان نوح -عليه السلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْولٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)[نوح: 10- 12].
(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)[هود: 3].
وورد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صعد المنبر يوما ليستسق، فلم يزد على الاستغفار، وقراءة الآيات في الاستغفار، ثم قال: "لقد طلبت الغيث بمخارج السماء التي يستنزل بها المطر".
ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى، ومعلم البشرية الخير.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي