فقيمة المؤمن وآماله وروحه وتطلعاته أجل وأكبر وأعظم من أن تتطلع إلى الأرض دون السماء, أو أن تتطلع إلى ما وصف بالفناء دون ما وصف بالبقاء, قيمة المؤمن أجل وأكبر وأعظم من أن ترتبط بجوانب مادية وقيم فانية, قيمة المؤمن الحقيقية ليست عند من يمنحون ما يسمى بالأوسمة والدروع التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكنها عند مَن عِنده الدنيا الواسعة والأخرى الممدودة الباقية...
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده سبحانه لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله, وأمينه على وحيه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين, وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى كل من دعا بدعوته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
أما بعد: فيقول الله - سبحانه وتعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
عباد الله: لقد خلق الله الإنسان وعلمه البيان، وأفاض عليه تعالى من آلائه وأنعامه ما يجعله يعقلها ويشكرها بأرفع المقامات وأعلى المنازل (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11], أنعم عليه بهذا الدين اليسر الكريم القويم العظيم؛ الذي يجعل من قام به من أي جنس أو لون أو أي زمان أو مكان, بمصاف الأمناء ومنازل الأنبياء (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً) [النساء:69-70], ويجعل من قام به ذا قيمة ومكانة وتقدير واعتبار واحترام لا في عالم الدنيا فحسب، ولكن في عالم الدنيا والآخرة, لا في عالم الجنس البشري فحسب، ولكن في عالم المغيبات في عالم الجن والأملاك، بل وفي عالم الجمادات، لا في ميزان الخلق فقط، ولكن فيما هو أكبر من ذلكم في ميزان ومعيار الله التي يقوم عليها هو سبحانه وتعالى بنفسه, علام الغيوب ومخبآت القلوب، عالم الغيب والشهادة لا إله إلا هو بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
يقول سبحانه وتعالى مبيناً جانباً من جوانب قيمة ومكانة ومنزلة المسلم، المسلم الذي شكر نعم الله حق شكرها، وحملها حق حملها، المسلم الذي يرى الإسلام صورة حية ممثلة في أعماله وأقواله ومعاملته (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً. تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) [الأحزاب:43-44]
ويقول: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) [غافر:7-9]
ويقول عن إبليس -لعنه الله-: (رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر:39-40] ويقول: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان:29].
فيا شباب الإسلام: يا أبنائي وإخواني وفلذات أكباد آبائكم من المسلمين، الذين حمدوا الله أن أخرج من أصلابهم من يحمل كتاب الله ويعبده, ويدعو لعبادة الله حق عبادته ويتطلعون اليوم وغداً وبعد غد إلى آثار صحوتكم الإسلامية الميمونة, وإلى آثار تقبلكم للإيمان بطواعية وإلى آثار رضاكم بذلك, رضى مزجه بلحم أحدكم ودمه فأصبح إيمانه سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذين ينطق به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163]
احذروا أن تتطلعوا أو تمدوا أعينكم إلى شيء ينقصكم مما متع به أحد من أهل هذه الحياة الدنيا (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الشورى:36] يقول المولى جل شأن ونعم المولى ونعم النصير: (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طـه:131] ويقول: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر:87-88]
فقيمة المؤمن وآماله وروحه وتطلعاته أجل وأكبر وأعظم من أن تتطلع إلى الأرض دون السماء, أو أن تتطلع إلى ما وصف بالفناء دون ما وصف بالبقاء, قيمة المؤمن أجل وأكبر وأعظم من أن ترتبط بجوانب مادية وقيم فانية, قيمة المؤمن الحقيقية ليست عند من يمنحون ما يسمى بالأوسمة والدروع التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكنها عند مَن عِنده الدنيا الواسعة والأخرى الممدودة الباقية، فاعتمدوا على الله وارتبطوا به وتعاملوا معه وتوكلوا عليه, واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 57، 58]
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي