كانت المدن قديما لها أبواب تُفتح وتُقفل في مواعيد محددة، فأوصاهم أن يدخلوا من عدة أبواب حتى لا يتنبه إليهم أحد، فيعلم أنهم إخوة مجتمعون فيحسدهم فيصيبهم بضرر، ويستدرك هذا النبي الكريم قوله باستثناء الإيمان حتى يربي أولاده على عقيدة التوكل والإيمان بالقدر (مَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ) لست أغني عنكم بجذري هذا من قدر الله تعالى وهو مجرد حرص وبذل للأسباب، أما النجاة فهي من أمر الله (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)، كل الخلق أمرهم راجع إلى حكمه وحكمته فيما قضاه، فعليه يعتمد..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
رجع إخوة يوسف إلى فلسطين محملين بالزاد والطعام بعد أن أكرمهم عزيز مصر وكان أن حذرهم من القدوم عليه مرة أخرى إلا ومعهم أخوهم الصغير (ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ * فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ) [يوسف: 59- 60].
قال تعالى: (فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [يوسف:63]، (مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) يقصدون قول يوسف: (فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ) أي: أن عزيز مصر يا أبانا منع منا الكيل مستقبلاً، بل منعنا أن نقترب منه إلا ومعنا أخانا بنيامين فلا تخف أبانا، سنحفظ أخانا.
(قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف:64]، وماذا فاد ائتمانكم على أخيه يوسف من قبل حتى آمنكم عليه اليوم! هل كان من الأبناء رد؟ كلا، لكن الأمر جلل والجدب قاتل، فما كان ليعقوب من بد إلا دفع أخيهم إليهم وقال متوكلا على الله: (فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) أي وكلته ربي يحفظه لي ويرحمني برحمته أما أنتم فلا ثقة ولا أمان.
قال تعالى: (وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) [يوسف:65]، لما باشروا متاعهم وفتحوه والمتاع أشياء عامة سواء كان الذي فيه طعام أو غير طعام وجدوا بضاعتهم ردت إليهم وجدوا البضاعة التي حملوها إلى مصر ليشتروا بها الطعام قد ردت إليهم كاملة كما هي.
(قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا) أي شيء نطلب من هذا الملك بعد أن صنع معنا ما صنع من الإحسان، أي شيء نطلب بعد هذا الكرم (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) يرغِّبون أباهم، دعنا نجلب لأهلينا الطعام ونحفظ أخانا بنيامين مما تخاف عليه، ونزداد بسبب إرساله معنا كيل بعير، حمل بعير زائد على ما جئنا به هذه المرة (ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) في الربح، ويسير أيضًا على ذلك الملك الكريم.
فتدارك يعقوب -عليه السلام- نفسه واحتاط هذه المرة بصورة أكثر جزما (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) [يوسف:66]، لن أرسله معكم حتى تحلفوا بالله لتردنه إليَّ إلا أن تُغلبوا عليه أو تهلكوا دونه، فيكون ذلك عذرا لكم عندي، فلما آتوه موثقهم، لما أعطوه الميثاق واليمين قالوا (اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) سبحانه هو المطلع هو الرقيب لا يخفى عليه مما عقدتم معكم خافية، فاتقوه جل وعلا وأوفوا بميثاقكم.
ثم بعاطفة الأب المشفق على أولاده أخذ يوصيهم بالقيام بأمر قد يدفع عنهم الأذى بإذن الله: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [يوسف: 67].
كانت المدن قديما لها أبواب تُفتح وتُقفل في مواعيد محددة، فأوصاهم أن يدخلوا من عدة أبواب حتى لا يتنبه إليهم أحد، فيعلم أنهم إخوة مجتمعون فيحسدهم فيصيبهم بضرر، ويستدرك هذا النبي الكريم قوله باستثناء الإيمان حتى يربي أولاده على عقيدة التوكل والإيمان بالقدر (مَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ) لست أغني عنكم بجذري هذا من قدر الله تعالى وهو مجرد حرص وبذل للأسباب، أما النجاة فهي من أمر الله (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)، كل الخلق أمرهم راجع إلى حكمه وحكمته فيما قضاه، فعليه يعتمد يعقوب، وعليه يعتمد كل مؤمن.
قال تعالى: (وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف:68]، واستمع الأبناء لنصح أبيهم، وتوزعوا على أبواب المدينة وما كان دخولهم من حيث أمرهم أبوهم يرد عنهم أمر أرده سبحانه وتعالى فلا شيء يرد قضاء الله (إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا) إلا حاجة كانت في نفس يعقوب قضاها بأن وصاهم بتلك الوصية، وهو من شفقته عليهم ومحبته لسلامتهم إذ خطر بباله أن الناس إذا رأوهم مجتمعين مع ما يظهر منهم من كمال الخلقة أوقعوا بهم حسدا أو حقدا فأمرهم بالتفرق.
قال تعالى (وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [يوسف:69]، هكذا مباشرة أمر به أن يقترب منه دونهم وهو يدل على أن يوسف كان متشوقًا لرؤية شقيقه فأدناه ليتمكن من الأسرار إليه بقوله: (إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) يدل كلام يوسف -عليه السلام- أنهم لم يكونوا يحسنوا معاملة شقيقه الصغير، ويحاول يوسف أن يسرِّي عن أخيه، وأن يزيل عنه الكدر بسبب ما كان إخوته يعاملونه بسوء (فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
(فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) [يوسف:70]، لما أتم الحمالون تكديس المتاع فوق دوابهم دسَّ يوسف السقاية الذي هو الصواع في رحل أخيه، وسُمي السقاية؛ لأنه أيضا المشربة التي يشرب بها أو يكال بها، ولذلك قيل كانت تسقى بها الدواب ويُكال بها، وقيل كانت من فضة وقيل كانت من ذهب.
الحاصل أنه جعل السقاية التي هي الصواع في رحل أخيه الصغير، ثم لما انطلقوا ذاهبين (أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)، ولعل هذا المؤذن لم يكن يعلم بحقيقة الحال، قال (قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ) [يوسف:72]، الذي قال هو المؤذن الذي يعتمد التفتيش ووعد من وجد الصواع بحمل بعير جائزة له، وأنا به زعيم أنا كفيل بإعطائه الجائزة (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) [يوسف:73]. هذا تأكيد براءتهم من التهمة إذ قالوا أنتم تعلمون (لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ).
(قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [يوسف:74- 75]، من وجد الصاع في وعائه يصبح بسرقته مملوكا للمسروق، وكان هذا في دينهم أن السارق إذا ثبتت عليه السرقة كان ملكًا لصاحب المملوك لمدة عام، ولهذا قالوا (كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).
(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ) لم يبدأ بوعاء أخيه حتى يزيل الريبة من قلوبهم (ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ)، جاء الزمان الذي يكيد الله تعالى فيه ليوسف بعد كيد إخوته (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ) ليس من دين الملك أن يتملك السارق، وإنما للسارق عنده جزاء آخر، فلو رد الحكم إلى دين الملك ما كان ليوسف من إجراء حكم يعقوب على أخيه مع كونه مخالفًا لدين الملك وشريعته، لولا ما كاد الله له ودبره وأراده حتى وجد السبيل إليه ليتم له ما أراد.
(نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف:76]، نرفع درجات من نشاء بالعلم النافع، ومعرفة الطرق الموصلة إلى مقاصدها؛ كما جرى ليوسف تجاه إخوته في هذا الموقف وما جرى له في غيره (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) فكل عالم فوقه من هو أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى عالم الغيب والشهادة.
(قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ) [يوسف:77]، يا سبحان الله ما زالت قلوبهم حتى تلك اللحظة مليئة على يوسف بعد هذه السنين الطوال، وها هم يفترون عليه مرة أخرى بما ليس فيه ويربطون بينه وبين أخيه الصغير في هذه التهمة، وهل سرق يوسف من قبل؟ اللهم لا، وهم يعرفون لكن الحسد ما زال مشتغلاً في صدورهم على يوسف.
فأسر هذه المقالة الآثمة منهم وحفظها في نفسه ولم يبدِ تأثره منها وهو يعلم براءته وبراءة أخيه وقال في نفسه (أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ)، نسأل الله تعالى أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن... وأن يصرف عنا وعن بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار وعن بلاد المسلمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ..
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معاشر المسلمين: إن ما جرى يوم الجمعة الماضية من تفجير أثيم في مسجد بلدة القديح أمر لا يقرّه من له أدنى معرفة سليمة بشرع الله –تعالى-، بل لا يقره من له عقل سوي وفطرة لم تُمسَخ، وبالتالي فإنه لا يستدعي التدليل على أن ما جرى من أعظم الإجرام ومن أعظم الإفساد في الأرض، بل هو أيضًا سعي لخراب الأرض والدنيا على أهلها.
وقد تعودنا من خوارج العصر هذه الجرائم كثيرًا هنا وهناك؛ إذ أغلقوا عقولهم دون أية موعظة إلا ما أُشربوا من تقديس مرشديهم، فضلوا وأضلوا، وعاثوا في الأرض الفساد، وهم هكذا فئة شرذمة تخرج في كل زمان تشوّه الإسلام باسم الإسلام، وتعتدي وتقتل المسلم قبل الكافر بل تقتل المسلم وتدع الكافر، وأيما مسلم لا ينتمي إلى فكرها تكفره، فإن كان عالما ولم يقبل منهجها وسَمَته بالردة وسعت لقتله.
فما من بلاد وقعت تحت أيديهم إلا وحل فيها الدمار وسفك الدماء والتشريد، فهم فرقة مجرمة تظن أن الحق معها، وأن لها ذلك فالحق يلتمسه المسلم الصادق لا من هواه إنما يلتمسه من كتاب الله وسنة نبيه الكريم على فهم الخلفاء الراشدين المهديين وفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ومنهم علماء الأمة العدول؛ إذ فهم النص بالجهل والهوى يوقع الإنسان في طوام متتالية.
لكن، أنى لك أن تُفهِم أو تقنع أمثال هؤلاء، وحبر الأمة ابن عباس بذاته عجز عن إقناع معظمهم في أول أمرهم فكفَّروه وكفَّروا علي بن أبي طالب ومعاوية وعمرو بن العاص، فقل لي بربك ما الحل فيمن يكفّر مبشَّرًا بالجنة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! كيف يكون الحل معه؟!
فهذا الفعل الإجرامي الذي وقع الجمعة الماضية ندرك جميعا شناعته، وننكره أشد الإنكار بل يدرك أهل البلدة التي وقع فيها الحدث أنه مقصور على هذه الفئة الضالة، وأننا جميعا عامة الناس وخاصتهم ننكره ديانة، ونعتقد أنه من أعظم الإجرام وأشد أنواع الاعتداء ففيه سفك للدماء بغير حق وفيه زعزعة لأمن البلاد، وفيه إثارة للفتن، وهذا ما يتمناه خوارج العصر.
وليس من علمائنا من يقر ذلك كما يفتري عليه بعض الجهلاء والمغرضين، بل كلهم يستنكرونه أشد الإنكار، ولا من مناهج الدراسة في بلادنا من يدعو إلى ذلك بل فيها الاعتدال والإنصاف فلا سبيل إلى صيد البعض في الماء العكر، واستغلال المناسبات بما ليس له أي علاقة بالأحداث، فالقلوب المريضة ما زالت موجودة تتربص والغايات الفاسدة تنتظر الفرص لتحقيق مآربها رد الله كيد أصحابها في نحورهم.
أسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا من الفتن، وأن يرد كيد الكائدين ويجعل بلادنا هذا أمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (1)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (2)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (3)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (4)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (5)
قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (6)
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي