فلا راحة ولا هدوء ولا اطمئنان أو استقرار بدون أمن، ففي رحاب الأمن ظله يأمن الناس على أموالهم ومحارمهم, ويسيرون ليلاً ونهاراً لا يخشون إلاَّ الله، وفي رحاب الأمن وظله تعمّ الطمأنينة النفوس, ويسودها الهدوء وترفرف عليها السعادة، وتؤدي الواجبات باطمئنان من غير خوف...
الحمد لله حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه كما يحبّ ربُّنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيّدنا ونبيّنا محمداً عبده ورسوله, صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: لقد أنعم الله علينا بنعم وأسدى علينا ألواناً من الخيرات الكبرى، وإنَّ من أجلّ تلكم النعم وأشملها نفعاً نعمة الأمن، نعمة الأمن التي هي ضرورة للحياة كضرورة الطعام والشراب والعافية للأبدان: نعم؛ ضرورة, فلقد جاء في القرآن الكريم مقروناً بالطعام الذي لا حياة للإنسان ولا بقاء له بدونه، ولقد امتنَّ الله به على عباده وجعله جزاء أوليائه ودعوة خليله.
يقول -سبحانه وتعالى- في معرض الامتنان والإهابة بالناس أن يعبدوه وحده حق عبادته, ويقدِّروا نعمة الأمن حقَّ قدرها ويشكروها حق شكرها: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش:3-4], ويقول في معرض الوعد بحسن الجزاء وعظيم المثوبة: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82], ويقول مقرراً ما تمنّاه خليله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [ابراهيم:35].
عباد الله: لقد سبق الأمن كما سمعتم في معرض الامتنان منه -سبحانه-؛ لعلمه الكامل بِعظم شأنه وضرورة النَّاس إليه، وأنه لا غنى لأي مخلوق أو لأي نفس رطبة عن الأمن مهما عزَّت في الأرض أو كسبت مالاً أو شرفاً أو رفعة. فلن
يتمتع معافىً بعافيته وهو غير آمن، ولن ينعم آكل طعام بطعامه وهو غير آمن، ولن تنام عين غير آمنة، ولن يستريح أو يستقر ضمير خائف أو بال مزعزع. كلا؛ -يا عباد الله- فلا راحة ولا هدوء ولا اطمئنان أو استقرار بدون أمن، ففي رحاب الأمن ظله يأمن الناس على أموالهم ومحارمهم, ويسيرون ليلاً ونهاراً لا يخشون إلاَّ الله، وفي رحاب الأمن وظله تعمّ الطمأنينة النفوس, ويسودها الهدوء وترفرف عليها السعادة، وتؤدي الواجبات باطمئنان من غير خوف هضم أو حرمان، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح آمناً في سِربه معافًى في بدنه عنده قوتُ يومه وليلته، فكأنَّما حِيزت له الدنيا بحذافيرها".
عباد الله: إن الله جلت قدرته تفضلاً منه وإتماماً لنعمه علينا، قد شرع لنا من الشرائع وحدّ من الحدود ما فيه -إذا طبق بعدل وإخلاص- حمايةٌ لأمننا من الفوضى والاضطراب، فقد وضع -سبحانه- أقصى العقوبات وأنكاها لكل من يزعزع الأمن ويخيف المسلمين، يقول -سبحانه-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة:33-34].
من هذه النصوص وأمثالها يعلم أن أمن المسلمين حمى الله في أرضه، وأنَّهُ تعالى أمر بتوطيده ونشره بين عباده، فمن حاول الإخلال بالأمن, أو عمل ما يخيف المسلمين, أو يقلقهم من ارتكاب الجرائم الخلقية, أو أخذ أموالهم أو ضياع حقوقهم، وخيانة مصالحهم، فقد حادّ الله وحاربه في أرضه: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم:42].
فاتّقوا الله -أيُّها المسلمون- واشكروا نعم الله، واشكروا ما أنعم الله به عليكم من نعمة الأمن، اشكروها بالمحافظة على الأمن وبمحاربة كل أمر ينال منه، بمحاربة الفساد ومجانبة ما فيه ضرر على العباد، بمجانبة كل ما يخيف المسلمين أو يفزعهم ويروعهم، فقد روى أبو داود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا". وروي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله ألا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة".
أقول قولي هذا وأسأل الله تعالى أن يؤمننا في أوطاننا وأن يوفق خدمة أمننا وحماته للإخلاص، وأن يُنزل الرعب والقلق في قلوب من أخافوا المسلمين وأقلقوهم، وأن يبارك لنا في كتابه الكريم، وأن يغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، إنَّه غفور رحيم.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأَشْهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، شهادةً أَرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثَر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأَشهدُ أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله, صلّى الله وبارك عليه وعلى آله وأَصْحابه وأتباعه, وسلَّم تسليماً كثيراً.
أَما بعد:
فيا أيُّها النَّاس: اتّقوا الله حقَّ تُقاته، ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا، واعلموا أن أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور مُحْدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.
وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذّ عنهم شذ في النَّار، وصلّوا على أَكرم نبي وأعْظم هادٍ فقد أمركم الله بذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنَفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر أصحاب رسولك وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذِل الشرك والمشركين, ودمِّر أعداء الدين, وانصرُ عبادك الموحِّدين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات, وأَلِّف بين قلوبهم, وأَصلح ذات بينهم, وانصرهم على عدوّك وعدوهم, واهدهم سبل السلام.
اللهم أصلح ولاة أُمور المسلمين؛ اللهم أَرِهم الحق حقا وارزقهم اتّباعه، والبَاطِلَ باطلاً وارزقهم اجتنابه. اللهمَّ ارزقهم البطانة الصالحة التي تذكِّرهم إذا نسوا وتعينهم على نوائب الحق؛ يا ربّ العالمين.
اللهمّ أَقم علَم الجِهاد، واقمع أَهلَ الشِّرك والزيغ والفساد، وانشر رحمتك على العباد.
اللهم إِنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم آمِنّا في أوطاننا, واستعمل علينا وعلى سائر المسلمين في كل زمان مكان من يخافك ويتّقيك يا ذا الجلال والإِكرام.
اللهم إنّا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحوُّل عافيتك وفجأةِ نقمتك وجميع سخطك.
ربنا اغفرْ لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنَّك رءوف رحيم. ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذْ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمةً إنَّك أنت الوهاب.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذابَ النَّار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلَّكم تذكَّرون. فاذكروا الله عظيم الجليل يذكُرْكم، واشكروه على نعمه يزدْكم ولَذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي