نماذج لأوصاف أهل الجنة وأوصاف أهل النار

عبدالله بن حسن القعود
عناصر الخطبة
  1. خلق الجن والأنس لأمر عظيم   .
  2. الجنة والنار مخلوقتان    .
  3. حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات    .
  4. الله غني عن خلقه    .
  5. أعمالٌ تدخل الجنة وأخرى تدخل النار. .

اقتباس

خلقهم لذلكم لا لحاجته -سبحانه-, ولكن لتظهر آثار فضله وكرمه فيمن أطاع، وأثر عدله وحكمته فيمن عصى. خلقهم لذلكم وأرسل إليهم رسلاً يوضحون لهم طرق الخير والهدى, وينذرونهم من أسباب الشر والردى، فمن أطاعهم دخل الجنة ومن عصاهم دخل النار...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أعد الجنة بمقتضى فضله وكرمه لعباده المؤمنين، وأعد النار بمقتضى عدله وحكمته للعصاة والكافرين, أحمده تعالى لا أحصي ثناء عليه وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وعلى أصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فيقول الله -سبحانه وتعالى-: (أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى. ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى؟) [القيامة:36-40].

عباد الله، بهذه الآيات وأمثالها يذكر الله –سبحانه- معشر الثقلين الجن والإنس، يذكر من أعرض عن ذكره ولم يؤمن بآيات ربه، ويذكر من آمن حتى لا يلهو ويغفل، يذكرهم بأنهم لم يخلقوا عبثاً ولم يتركوا هملاً، وإنما خلقوا لأمر عظيم وهيئوا لشأن جسيم، خلقوا لتوحيد الله وطاعته, ونهوا عن الشرك به ومعصيته.

خلقهم تعالى وخلق معهم جنة وناراً، جنة حفت بالمكاره، بالتضحية بكل ما يطلب الإسلام التضحية به من نفس ونفيس، وقال لها تعالى بعد أن جرت أنهارها وطابت ثمارها وتجملت حسانها واشتاقت لسكانها: "إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء".

وناراً حفت بالشهوات، شهوات الفرج والبطن والهوى، وأشرُّ ذلك الهوى فهو يعمي ويصم، وقال لها بعد أن اشتد ضرامها, وعظم لهيبها, وتهيأت للالتهام وقودها, ووقودها الناس والحجارة، إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً: "إنك النار عذابي أعذب بك من أشاء".

خلقهم لذلكم لا لحاجته -سبحانه-, ولكن لتظهر آثار فضله وكرمه فيمن أطاع، وأثر عدله وحكمته فيمن عصى. خلقهم لذلكم وأرسل إليهم رسلاً يوضحون لهم طرق الخير والهدى, وينذرونهم من أسباب الشر والردى، فمن أطاعهم دخل الجنة ومن عصاهم دخل النار. يقول -سبحانه-: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء:165]. ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".

وإن الله -سبحانه وتعالى- أبان واضحاً في كتابه, وعلى لسان رسوله أعمال وأوصاف أهل الجنة، وأمر بالاتصاف بها، وأعمال وأوصاف أهل النار وأمر بتركها والابتعاد عنها، وخذوا مثلاً لذلكم قول الله -سبحانه وتعالى- في أوصاف أهل الجنة: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]. إلى أن قال: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:10-11], وقوله في أوصاف أهل النار (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) [المدثر:42-47]. وقوله: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [المدثر:4-7].

وقول رسوله -عليه الصلاة والسلام-: "احتجت الجنة بالنار، فقالت الجنة: فيَّ ضعفاء المسلمين وفقراؤهم. وقالت النار: فيَّ الجبَّارون والمتكبرون فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما عليّ ملؤها".

فاتَّقوا الله -عباد الله- وخذوا من الأوصاف أغنمها وأرجاها, واسلكوا من السبل أصونها وأنجاها، فالحياة كما تعلمون ليست حياة متع ولهو وجمع بدون حساب وترقب عقاب، كلا؛ ولكنها حياة بعدها موت بعده جنة ونار، جنة لمن أطاع ونار لمن عصى (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى) [طـه:74-76]. (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعـات:37-41]. (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) [السجدة:18-20].

فنسألك اللهم بأسمائك الحسنى أن تجيرنا من النار, نستجير بك اللهم من عذابها، نستجير بك اللهم من فر وكر وكد وكبد في هذه الحياة نهايته عذاب وشدة حساب، ونسألك اللهم أن تهدينا فيها إلى الطيب من القول وإلى صراط الحميد، وأن تحشرنا في الآخرة مع من أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ونستغفرك ونتوب إليك.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأَشْهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، شهادةً أَرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثَر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأَشهدُ أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله, صلّى الله وبارك عليه وعلى آله وأَصْحابه وأتباعه, وسلَّم تسليماً كثيراً.

أَما بعد:

فيا أيُّها النَّاس: اتّقوا الله حقَّ تُقاته، ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا، واعلموا أن أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور مُحْدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.

وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذّ عنهم شذ في النَّار، وصلّوا على أَكرم نبي وأعْظم هادٍ فقد أمركم الله بذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنَفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر أصحاب رسولك وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذِل الشرك والمشركين, ودمِّر أعداء الدين, وانصرُ عبادك الموحِّدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات, وأَلِّف بين قلوبهم, وأَصلح ذات بينهم, وانصرهم على عدوّك وعدوهم, واهدهم سبل السلام.

اللهم أصلح ولاة أُمور المسلمين؛ اللهم أَرِهم الحق حقا وارزقهم اتّباعه، والبَاطِلَ باطلاً وارزقهم اجتنابه. اللهمَّ ارزقهم البطانة الصالحة التي تذكِّرهم إذا نسوا وتعينهم على نوائب الحق؛ يا ربّ العالمين.

اللهمّ أَقم علَم الجِهاد، واقمع أَهلَ الشِّرك والزيغ والفساد، وانشر رحمتك على العباد.

اللهم إِنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم آمِنّا في أوطاننا, واستعمل علينا وعلى سائر المسلمين في كل زمان مكان من يخافك ويتّقيك يا ذا الجلال والإِكرام.

اللهم إنّا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحوُّل عافيتك وفجأةِ نقمتك وجميع سخطك.

ربنا اغفرْ لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربنا إنَّك رءوف رحيم. ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذْ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمةً إنَّك أنت الوهاب.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذابَ النَّار.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلَّكم تذكَّرون. فاذكروا الله عظيم الجليل يذكُرْكم، واشكروه على نعمه يزدْكم ولَذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي