عباد الله: إن الخوف والخشية، من أعمال القلوب، وتظهر آثارها على الأعمال والتصرفات. وهما من أعظم أنواع العبادة، فمن خاف من الله -تعالى- أطاعه بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، فأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وتقرب إلى الله بأنواع الطاعات، وابتعد عن المعاصي والمحرمات، فلا...
الحمد لله رب العالمين أمر بخشيته وحده وطاعته، ونهى عن مخالفة أمره ومعصيته، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيّته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من بريته، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل طاعته ومحبته، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وخافوه واخشوه وحده، قال تعالى: (فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) [المائدة: 44].
وقال تعالى: (فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 175].
عباد الله: إن الخوف والخشية، من أعمال القلوب، وتظهر آثارها على الأعمال والتصرفات.
وهما من أعظم أنواع العبادة، فمن خاف من الله -تعالى- أطاعه بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، فأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وتقرب إلى الله بأنواع الطاعات، وابتعد عن المعاصي والمحرمات، فلا يأكل مالاً حراماً، ولا يشهد زوراً، ولا يحلف كاذباً، ولا يخلف وعداً، ولا يخون عهداً، ولا يفجر في الخصومة، ولا يغش في المعاملة، ولا يخون شريكه، ولا يمشي بالنميمة، ولا يغتاب الناس، ولا يترك النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما من لم يكن في قلبه خوف من الله، وخشية له، فإنه لا يتورع عن ترك الواجبات، وفعل المحرمات، وأكل أموال الناس، والاحتيال على سلبها منهم بشتى الحيل، عن طريق المراباة وأخذ الرشوة، والغش في المعاملة، والأيمان الكاذبة، والخصومات الفاجرة، والشهادات المزوّرة، بل لا يتورع عن ترك الصلاة، ومنع الزكاة، وتناول المسكرات والمخدّرات والمفترات من الخمور والحشيش والدخان والقات.
وإذا هان عليه سقوط نفسه هان عليه سقوط غيره، فيتحول من ناصح إلى خائن، ومن آمر بالمعروف ناه عن المنكر إلى مسالم للعصاة ومداهن، يرضي المخلوقين بما يسخط الخالق، وإن تظاهر بشيء من الخير فهو مخادع ومنافق.
ولقد حذرنا الله من هذا وأمثاله بقوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) [القمل: 10- 13].
عباد الله: إن قلوب العباد تألف أهل خشية الله وطاعته، وتنفر من أهل معصيته، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم: 96].
فأخبر سبحانه: أنه يغرس لعباده المؤمنين في قلوب عباده الصالحين محبّة ومودة.
وفي الحديث: "إن الله إذا أحبّ عبداً دعا جبريلَ، فقال: يا جبريل إني أحبُّ فلاناً فأحِبَّهُ، قال: فيحبه جبريل، قال: ثم ينادي أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبّوه، قال: فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.
وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبريل، فقال: يا جبريلُ إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي: يا أهل السماء، إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضه أهل السماء، ثم يوضع له البغضاء في الأرض"[رواه مسلم].
وقد كتب معاوية -رضي الله عنه- إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: أن اكتبي لي كتاباً توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت عائشة -رضي الله عنها- وقالت: "إلى معاوية: سلام عليك... أما بعد: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس"[رواه أبو نعيم في الحلية].
ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ: "من التمس رضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. ومن التمس رضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا من أعظم الفقه في الدين، فإن من أرضى الله بسخطهم كان قد اتقاه، وكان عبده الصالح والله يتولى الصالحين، والله كافٍ عبده: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2 - 3].
والله يكفيه مؤنة الناس بلا ريب، وأما كون الناس كلّهم يرضون عنه فقد لا يحصل، لكن يرضون عنه إذا سلموا من الأغراض، وإذا تبين لهم العاقبة، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئاً. انتهى.
وهذا يشمل الراعي مع الرعية والرعيّة مع الراعي، والناس بعضهم مع بعض أفراداً وجماعات، ويشمل الولد مع والده، والوالد مع ولده، ويشمل الزوج مع زوجته، والزوجة مع زوجها، فلا يجوز لأحد من هؤلاء طاعة المخلوق في معصية الخالق، ولا يجوز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإرضاء الخلق ومداهنتهم، ولا يجوز الحكم بغير ما أنزل لأجل رضى الخصم، ورغبة السلطان أو رغبة الشعوب، فمن أطاع الله جمع له بين رضاه ورضى خلقه ولو في العاقبة، ومن عصى الله جمع له بين غضبه وغضب خلقه، وخسر الدنيا والآخرة.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعاً: "إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله"[رواه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي بسند ضعيف، ومعناه صحيح].
ومن إرضاء الناس بسخط الله: أن يترك الإنسان ما أوجبه الله عليه من إنكار المنكر.
وفي الحديث: "إن الله يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذ رأيت المنكر إلاّ تغيره، فيقول: رب خشيةُ الناس، فيقول: إياي كنت أحق أن تخشى".
عباد الله: إن خوف الله وخشيته لهما آثار حميدة في حياة المسلم، فهما يحملان المسلم على المحافظة على صلاة الجماعة في المساجد، وعمارتها بالطاعة، قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ) [التوبة: 18].
وهما يحملان المسلم على طاعة الله، وترك معاصيه في السر والعلانية، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [الملك: 12].
وهما يحملان المسلم على قول كلمة الحق، وتبليغ الحق، والخير للناس، قال تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) [الأحزاب: 39].
وهما يورثان الجنة والنجاة من النار، قال تعالى: (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)[الرحمن: 43 - 46].
وقال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 40 - 41].
وهما ينجيان المسلم عند نزول العذاب بالظالمين، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم: 13 - 14].
فاتقوا الله -تعالى-، واخشوه حق خشيته، واستقيموا على طاعته، وأطيعوا الله ورسوله لعلكم ترحمون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الحمد لله على فضله وإحسانه، وعد أهل خوفه وخشيته جزيل الثواب، وأشهد أن لا إله إلاّ الله العزيز الوهاب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أشرف رسول، أنزل عليه أشرف كتاب، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه- الذين هاجروا وصبروا، والذين آووا ونصروا، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألبان، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله، وخافوا بطشه وعقابه، ولا تيأسوا من رحمته وثوابه، فهذا سبيل المتقين: (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء: 49].
عباد الله: إن الخوف من غير الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: خوف السر: وهو خوف العبادة بأن يخاف من وثن أو جنّي أو إنسي حيّ أو ميت، أن يصيبه بما يكره من مرض، أو حبس رزق، أو أن يصيب ماله، أو ولده بموت، أو مرض، فيتقرب إلى ذلك المخلوق بشيء من العبادة، كالذبح له، والنذر له، كالذين يذبحون، أو ينذرون للجن، وأصحاب الأضرحة، ويستغيثون بهم، ويستعيذون بهم، وهذا شرك أكبر ينافي التوحيد، ويخرج من ملة الإسلام، ويلحق صاحبه بعبدة الأصنام.
القسم الثاني: أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خوفاً من الناس، وهذا محرم وهو شرك أصغر ينقص التوحيد.
القسم الثالث: الخوف الطبيعي، وهو الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك، فهذا لا يذم ولا إثم فيه، قال تعالى في قصة موسى -عليه الصلاة والسلام-: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) [القصص: 21].
وهذا بدافع اتخاذ الأسباب المباحة مع الاستعانة بالله -عز وجل-.
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- ... إلخ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي