قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (9) والأخيرة

عبد العزيز بن عبد الله السويدان
عناصر الخطبة
  1. تأملات في قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- .
  2. مفاجأة كبرى لم تخطر لهم على بال إخوة يوسف .
  3. التقوى والصبر فلاح المؤمن .
  4. حرص الصالحين على خاتمة السعادة. .

اقتباس

هذا الرجاء الجمّ من أين جاء إلى قلب هذا الشيخ الكبير؟ إنها عاقبة الذكر الدائم، والدعاء القريب، والاتصال الوثيق بالله جل جلاله، إنها عاقبة الركوع والسجود في باطن الليل والناس هجوع في مراقدهم، إنه الزاد الذي يلزم المؤمن كي يشرق قلبه بالأمل كما قال تعالى لعبده في مواجهة مصاعب الدعوة والرسالة (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا)، وبذلك القرب يتجلى الشعور بوجوده -جل وعلا- وواسع رحمته في قلوب صفوة المختار، يصبح الأمل الغائب عند تلك القلوب الرقيقة أصدق وأعمق من الواقع المحسوس الذي تلمسه الأيدي وتراه الأبصار، ولكن هذا اليقين مهما بلغ لا يملك أن يحجز مشاعر الوجد والحزن عن النفس البشرية الضعيفة...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لما كاد الله –تعالى- لنبيه يوسف، وأثبت التهمة على أخيه الصغير احتار الإخوة فحاولوا أن يقايضوا العزيز يقايضوه بأخ آخر، وأظهروا له المسكنة والحاجة والعطف فهم مستعدون أن يضحّي أيّ واحد منهم بأن يحجز أو يسجن مكان أخيه الصغير.

(قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف:78]، إن أباه شيخ كبير ولأخينا الصغير هذا منزلة في قلب أبيه فهو لا يستطيع فراقه ولا يصبر عنه ولا يقدر على الوصول إليه عبر هذا السفر الطويل من أرض فلسطين إلى مصر فخذ أحدنا مكانه عوضا عنه يبقى لديك.

وما زالوا يحاولون في يوسف مرات ومرات أن يقبل بهذا الحل ويظهرون الحاجة إلى إحسانه وشفقته ومراعاته للموقف، ولكن يوسف بالرغم من كرم أخلاقه وعطفه كان يريد أن يكمل فصول الدرس الكبير الذي يعده لهم ولوالديه وللجميع، وليكون وقع المفاجأة أعمق وأشد أثرا في النفوس.

(قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ) [يوسف:79]. دقة العبارة في قوله (إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ) لم يقل معاذ الله أن نأخذ بريئًا بجريرة سارق بل قال من وجدنا متاعنا عنده؛ لأنه يعلم أن أخاه ليس بسارق فعبّر أدق تعبير يحكيه القرآن هنا باللغة العربية.

(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) [يوسف:80]، لما فقدوا الأمل في إيجاد تسوية بينهم ويوسف، والعزيز الذي هو يوسف؛ تفردوا عن سائر الناس يتناجون ويتشاورون ولعلهم يسترشد الرأي فيما وقعوا فيه، فإنهم إذ أخذوا بنيامين من أبيه بعد المواثيق المؤكدة وبعد أن فرطوا في يوسف من قبل وقطعوا قلب أبيه؛ فبأي وجه يقابلون به أباهم بعد هذا التفريط الثاني؟!

ولو لم يعيدوا أخاهم الصغير إلى أبيهم فستحصل مِحَن كثيرة هم يعرفونها وها هو أخيهم الأكبر يتقدمهم بالقرار فهو المسئول الأول يقول: لن أفارق أرض مصر حتى يأذن لي أبي بالانصراف إليه، أو يحكم الله لي بسبب ما أستطيع به أن أستخلص أخي وهو خير الحاكمين.

هكذا أراد أن يخرج بعذر يخفّف حياءه وخجله من أبيه، إنه بالفعل لا يستطيع أن يواجه أباه وهو المسئول الأول.

ثم أوصاهم (ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) [يوسف: 81- 82].

هكذا أخبروه بصراحة بنيامين أخذ بسرقته، وما شهدنا إلا بما علمنا؛ لأننا رأينا الصواع بأعيننا يُستخرج من رحله ولو كنا نعلم الغيب ما حرصنا على ذهابه معنا، ولما أعطيناك عهودنا ومواثيقنا فإننا لم نظن الأمر يبلغ ما بلغ.

ثم بلغوا في إثبات صدقهم فقالوا: واسأل مصر وأهلها عما حدث فسيخبروك نفس الخبر (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف:83]، هي كلمته ذاتها التي قالها يوم أخبروه بفقد يوسف ولكنه في هذه المرة مع تضاعف محنته يؤكد لا صبره على الجميل فحسب، بل على قوة أمله ورجاءه ويؤدب أبناءه على عبادة الله بصفاته العليا إذ يفوّض أمره إلى علم الله الأعظم وحكمته المطلقة لما يصلح دنياه وآخرته.

(إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) هو الذي يعلم حالي ويعلم حكمة ما وراء هذه الأحداث والامتحانات وهو الحكيم الذي يأتي بكل أمر في وقته المناسب، ويأتي بالفرج حين يكون الفرج خيرًا لأهله.

معاشر الإخوة: هذا الرجاء الجمّ من أين جاء إلى قلب هذا الشيخ الكبير؟ إنها عاقبة الذكر الدائم، والدعاء القريب، والاتصال الوثيق بالله جل جلاله، إنها عاقبة الركوع والسجود في باطن الليل والناس هجوع في مراقدهم، إنه الزاد الذي يلزم المؤمن كي يشرق قلبه بالأمل كما قال تعالى لعبده في مواجهة مصاعب الدعوة والرسالة (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا)، وبذلك القرب يتجلى الشعور بوجوده -جل وعلا- وواسع رحمته في قلوب صفوة المختار، يصبح الأمل الغائب عند تلك القلوب الرقيقة أصدق وأعمق من الواقع المحسوس الذي تلمسه الأيدي وتراه الأبصار.

ولكن هذا اليقين مهما بلغ لا يملك أن يحجز مشاعر الوجد والحزن عن النفس البشرية الضعيفة (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) [يوسف:84]، إنها صورة مؤثرة للوالد المفجوع (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) يحس أنه منفرد بهمّه وحيد بمصابه لا تشاركه هذه القلوب التي حوله ولا تجاوبه فينفرد في معزل ليبث حزنه القديم لحبيبه ومولاه (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) ويبكي ثم يبكي صابرًا كما بكى نبينا -صلى الله عليه وسلم- من بعد على ابنه إبراهيم قائلاً: "إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون".

لكن مع فقد ابنه الآخر يبلغ الحزن من يعقوب مبلغ آخر فيفقد بصره ولا يجد ممن حوله من أبنائه من يرحم حاله بل العكس: (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [يوسف: 85- 86].

ويصمد إيمانه بالله أمام جلافة أبنائه ويحاول زراعة الرجاء في قلوبهم فيقول: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].

إن كلام أبنائه نابع عن عقولهم وقلوبهم، أما هو عليه السلام فإن المدى الطويل لا يقطع الرجاء من حياته؛ لأنه يعرف الله –تعالى- بحق فلا تؤثر فيه أراجيف الأبناء فلا يأس من روح الله لا يأس من رحمته وجوده وإحسانه إلى عباده.

(فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) [يوسف:88]، عندما يبلغ الأمر بهم إلى هذا الحد من الاسترحام والضيق والانكسار فقد آن الأوان لإظهار الحقيقة وبها يتحقق وعد الله له؛ إذ أوحى إليه لما أجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون.

وحان وقت المفاجأة الكبرى التي لا تخطر لهم على بال، ويترفق يوسف في الإفضاء بالحقيقة إليهم فيعود بهم إلى الماضي البعيد؛ حيث السر الذي يعرفونه ولم يطلع عليه أحد إلا الله: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف: 89- 92].

هكذا يعلّمهم يوسف يعلمهم أن مرد الفضل لله، ويعلمهم أسباب الفوز (قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) التقوى والصبر فلاح المؤمن، ويعترف الإخوة بالخطيئة وبشيمة الكرم يقابل يوسف اعترافهم بالصفح والعفو وهو في مقام القادر على العقوبة (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ * وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ) [يوسف: 92- 94].

لما فصلت العير عن أرض مصر مقبلة إلى أرض فلسطين شمَّ يعقوب ريح القميص قميص ابنه الحبيب فقال (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ) لولا أن تسخرون مني (قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ) [يوسف:95].

(فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يوسف: 95- 98].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، أما بعد:

فيمتثل الإخوة لأمر أخيهم يوسف فبعد أن ذهبوا بالقميص وألقوه على وجه أبيهم فارتد بصيرا بإذن الله، ها هم يأتون كلهم في ضيافة أخيهم عزيز مصر (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف: 99- 100].

يا له من مشهد بعد كرّ الأعوام وانقضاء الأيام وبعد الألم والضيق، وبعد أنواع وألوان من الامتحانات والبلاء والتمحيص وبعد الشوق المضني والحزن الكامد واللهف الظامئ الشديد، ها نحن أمام مشهد حافل بالانفعال والخفقان والفرح والدموع؛ مشهد ختامي لكنه موصول بمطلع القصة، فمطلعها رؤيا من طفل صغير في عالم الغيب وها هي الرؤيا بعد كل السنين؛ إذ يرفع أبويه على سرير الملك ويخرون له جميعًا مع إخوته سُجدًا تصير حقيقة في واقع الحياة، ويوسف بين هذا كله يذكر الله ولا ينساه، يذكره ويذكر مِنّته عليه ورعايته له وإلهامه تأويل الأحاديث وإيتاءه الملك وكل ذلك بلطف عجيب ودقة خفية وحكمة ما بعدها حكمة (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

وقبل أن يسدل الستار على المشهد الأخير نرى يوسف النبي الكريم ينزع نفسه من جو اللقاء والعناق والفرحة والابتهاج والجاه والسلطان والرغد والأمان، ليتجه خالصًا لربه في تسبيح الشاكر الذاكر، وكل دعائه وهو في أبهة السلطان وفي فرحة تحقيق الأحلام أن يتوفاه ربه مسلمًا وأن يُلحقه بالصالحين.

نسأل الله –عز وجل- أن يُلحقنا بالصالحين، وأن يتوفانا مسلمين، آمين، آمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..

قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (1)

قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (2)

قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (3)

قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (4)

قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (5)

قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (6)

قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (7)

قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- (8)

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي