بلغتم رمضان فأروا الله من أنفسكم خيرا

عبد الله بن محمد البصري
عناصر الخطبة
  1. بلوغ رمضان نعمةٌ كُبرى .
  2. أهم أبواب الخير في رمضان .
  3. وجوب صيانة القلب من الأمور التي تمنع المغفرة .
  4. الحث على اغتنام شهر رمضان في الصالحات. .

اقتباس

بَلَغتُم شَهرَ رَمَضَانَ، وَقَد هَدَاكُمُ اللهُ لِلإِيمَانِ، في أَمنٍ وَأَمَانٍ وَرَاحَةٍ وَاطمِئنَانٍ، بَينَ أَهلٍ وَأَبنَاءٍ وَإِخوَانٍ، فَاحمَدُوا اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ العَظِيمَةِ، وَاشكُرُوا لَهُ هَذِهِ المِنَنَ الجَسِيمَةَ، فَقَد خُصِصتُم بِنِعَمٍ حُرِمَهَا غَيرُكُم، فَالأَرضُ تَعُجُّ كُفرًا وَبِدَعًا وَفِسقًا، وَأَنتُم مُسلِمُونَ مُهتَدُونَ مُتَمَسِّكُونَ، وَفي جِهَاتٍ غَيرَ بَعِيدٍ عَنكُم حُرُوبٌ وَفِتَنٌ وَمَصَائِبُ وَمِحَنٌ، وَأَنتُم آمِنُونَ مُطمَئِنُّونَ، وَآخَرُونَ حَالَ المَوتُ بَينَهُم وَبَينَ إِدرَاكِ رَمَضَانَ، وَهَا أَنتُم قَد فُسِحَ لَكُم في آجَالِكُم وَمُدَّ في أَعمَارِكُم، فَيَا لَهَا مِن غَنِيمَةٍ مَا أَكرَمَهَا وَأَغلاهَا! ...

الخطبة الأولى:

أَمَّا بَعدُ، فَ-(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، بَلَغتُم شَهرَ رَمَضَانَ، وَقَد هَدَاكُمُ اللهُ لِلإِيمَانِ، في أَمنٍ وَأَمَانٍ وَرَاحَةٍ وَاطمِئنَانٍ، بَينَ أَهلٍ وَأَبنَاءٍ وَإِخوَانٍ، فَاحمَدُوا اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ العَظِيمَةِ، وَاشكُرُوا لَهُ هَذِهِ المِنَنَ الجَسِيمَةَ، فَقَد خُصِصتُم بِنِعَمٍ حُرِمَهَا غَيرُكُم، فَالأَرضُ تَعُجُّ كُفرًا وَبِدَعًا وَفِسقًا، وَأَنتُم مُسلِمُونَ مُهتَدُونَ مُتَمَسِّكُونَ، وَفي جِهَاتٍ غَيرَ بَعِيدٍ عَنكُم حُرُوبٌ وَفِتَنٌ وَمَصَائِبُ وَمِحَنٌ، وَأَنتُم آمِنُونَ مُطمَئِنُّونَ، وَآخَرُونَ حَالَ المَوتُ بَينَهُم وَبَينَ إِدرَاكِ رَمَضَانَ، وَهَا أَنتُم قَد فُسِحَ لَكُم في آجَالِكُم وَمُدَّ في أَعمَارِكُم، فَيَا لَهَا مِن غَنِيمَةٍ مَا أَكرَمَهَا وَأَغلاهَا! (قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ) [يونس: 58].

 اِعلَمُوا - أَيُّهَا المُوَفَّقُونَ - أَنَّ صَلاحَ القُلُوبِ وَتَخْلِيتَهَا مِن كُلِّ مَانِعٍ وَقَاطِعٍ، هُوَ مَدَارُ قَبُولِ الأَعمَالِ وَرَدِّهَا، وَعَلَيهِ يَكُونُ صَلاحُهَا وَفَسَادُهَا، وَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ الأَعمَالُ وَيَتَمَايَزُ الرِّجَالُ، عَلَى قَدرِ نِيَّاتِهِم وَمَا في قُلُوبِهِم مِن إِخلاصٍ، قَالَ - سُبحَانَهُ - : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعبُدُوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ) [البينة: 5].

 وَقَالَ - تَعَالى - في الحِدِيثِ القُدسِيِّ : " أَنَا أَغنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّركِ، مَن عَمِلَ عَمَلاً أَشرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيرِي تَرَكتُهُ وَشِركَهُ " (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

 وَقَالَ - سُبحَانَهُ - عَلَى لِسَانِ الخَلِيلِ - عَلَيهِ السَّلامُ - : (وَلا تُخزِني يَومَ يُبعَثُونَ . يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلاَّ مَن أَتى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 87- 89]، وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : "إِنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَأَموَالِكُم، وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وَأَعمَالِكُم" (رَوَاهُ مُسلِمٌ). وَعِندَهُ أَيضًا مِن حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " تُفتَحُ أَبوَابُ الجَنَّةِ يَومَ الاثنِينِ وَيَومَ الخَمِيسِ، فَيُغفَرُ لِكُلِّ عَبدٍ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا، إِلاَّ رَجُلاً كَانَت بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحنَاءُ، فَيُقَالُ : أَنظِرُوا هَذِينِ حَتى يَصطَلِحَا، أَنظِرُوا هَذِينِ حَتى يَصطَلِحَا، أَنظِرُوا هَذِينِ حَتى يَصطَلِحَا".

 وَعَلَى هَذَا - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّ مِن أَهَمِّ مَا يَجِبُ عَلَى المُسلِمِ أَن يَعتَنِيَ بِهِ وَهُوَ مَا زَالَ في بِدَايَةِ شَهرِهِ، وَالفُرصَةُ أَمَامَهُ وَالسُّوقُ قَائِمَةٌ، أَن يُصلِحَ قَلبَهُ مِن كُلِّ مَا يَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ، فَيُطَهِّرَهُ مِن دَنَسِ الرِّيَاءِ وَالشَّكِّ وَالشِّركِ، وِيُنَظِّفَهُ مِن وَضَرِ الحِقدِ وَالغِلِّ وَالحَسَدِ، وَيَتَخَلَّصَ مِن نَارِ القَطِيعَةِ وَالبَغضَاءِ وَالشَّحنَاءِ، ثُمَّ لِيَحذَرِ المُسلِمُ بَعدُ مِن أَن يَستَثقِلَ رَمَضَانَ أَو يَستَبطِئَ خُرُوجَهُ، فَإِنَّه إِن مَلأَ قَلبَهُ بِذَلِكَ، قَضَى شَهرَهُ جُوعًا وَظَمَأً، وَقَد لا يُؤجَرُ وَلا يُثَابُ، قَالَ - سُبحَانَهُ - : (ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم) [محمد: 9].

 وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهَا مُفسِدَةُ القُلُوبِ، وَالحَائِلَةُ بَينَهَا وَبَينَ عَلاَّمِ الغُيُوبِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : "تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ، حَتى تَصِيرَ عَلَى قَلبِينِ : عَلَى أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا ؛ فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، وَالآخَرُ أَسوَدَ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ).

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد وَصَفَ اللهُ رَمَضَانَ بِكَونِهِ أَيَّامًا مَعدُودَاتٍ، وَهَكَذَا العُمرُ كُلُّهُ وَإِن طَالَتِ السَّنَوَاتُ، فَمَا هُوَ إِلاَّ أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ، قَالَ - جَلَّ وَعَلا - : (وَيَومَ يَحشُرُهُم كَأَنْ لم يَلبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَينَهُم) [يونس: 45]، وَقَالَ - سُبحَانَهُ - : (كَأَنَّهُم يَومَ يَرَونَهَا لم يَلبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَو ضُحَاهَا) [النازعات: 46].

وَمَن عَرَفَ هَذَا وَتَيَقَّنَهُ، وَتَذَكَّرَ أَنَّهُ طَالَمَا حَزِنَ في آخِرِ كُلِّ رَمَضَانَ مَرَّ عَلَيهِ لأَنَّهُ انقَضَى ولم يَفعَلْ شَيئًا، بَينَمَا سَبَقَهُ مُشَمِّرُونَ فَتَزَوَّدُوا وَكَسِبُوا وَرَبِحُوا، مَن عَرَفَ ذَلِك َوَتَذَكَّرَ وَتَفَكَّرَ، وَعَلِمَ أَنَّ الأيَّامَ سَريِعَةُ المُرُورِ وَالعُبُورِ، لم يُضِعْ عَلَى نَفسِهِ الفُرصَةَ وَلم يُفَرِّطْ، وَكَيفَ يُفَرِّطُ مَن يَرَى النَّاسَ في كُلِّ سَنَةٍ يَقتَنِصُهُمُ المَوتُ وَاحِدًا بَعدَ الآخَرِ؟! كَيفَ يُفَرِّطُ مَنِ الشَّهرُ لا يَنتَظِرُهُ، وَالأَيَّامُ يَذهَبُ كُلُّ يَومٍ مِنهَا بِبَعضِهِ؟! كَيفَ يُفَرِّطُ مَن سَيَأتِي عَلَيهِ رَمَضَانُ يَومًا وَهُوَ رَهِينٌ في قَبرِهِ، وَحِيدٌ في لَحدِهِ، لا أَنِيسَ لَهُ إِلاَّ عَمَلُهُ؟!

وَمِن أَسَفٍ أَنَّ كَثِيرِينَ يَبدَؤُونَ في صَدرِ رَمَضَانَ وَأَيَّامِهِ الأُولَى بِحَمَاسَةٍ كَبِيرَةٍ، ثم لا تَلبَثُ تِلكَ الحَمَاسَةُ أَن تَخبُوَ وَتَنطَفِئَ جَذوَتُهَا، وَيَتَرَاجَعَ الجِدُّ وَيَتَنَاقَصُ الاجتِهَادُ، وَتَفتُرَ العَزَائِمُ في العَشرِ الأَوسَطِ، وَلا تَأتيَ عَشرُ التَّشمِيرِ وَمُضَاعَفَةِ العَمَلِ، وَارتِقَابِ لَيلَةِ القَدرِ وَاستِيفَاءِ الأَجرِ، إِلاَّ وَقَدِ انقَطَعَ العَزمُ وَنَفِدَ الوَقُودُ، ثم يَكُونُ التَّوَقُّفُ وَالانقِطَاعُ، وَهَذَا خِلافُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ، فَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيكُم مِنَ الأَعمَالِ مَا تُطِيقُونَ ؛ فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيهِ وَإِنْ قَلَّ".

 وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ المُسلِمَ العَاقِلَ يَحرِصُ عَلَى استِدَامَةِ العَمَلِ الصَّالِحِ وَلَو كَانَ قَلِيلاً، فَلا تَرَاهُ في شَهرِ الخَيرِ إِلاَّ مُحَافِظًا عَلَى الفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ، مُدرِكًا لِتَكبِيرَةِ الإِحرَامِ في الجَمَاعَاتِ، مُتَزَوِّدًا مِنَ النَّوَافِلِ وَالمُستَحَبَّاتِ، قَائِمًا في التَّرَاوِيحِ مَعَ الإِمَامِ حَتى يَنصَرِفَ، بَاذِلاً مِن مَالِهِ مُنفِقًا، مُفَطِّرًا لِلصَّائِمِينَ مُتَصَدِّقًا، لا يُضيعُ وَقتًا في غَيرِ ذِكرٍ أَو قِرَاءَةِ قُرآنٍ، أَو دَعوَةٍ إِلى خَيرٍ أَو دُعَاءٍ.

 أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَجعَلْ شُكرَنَا عَلَى إِدرَاكِ شَهرِنَا عَمَلاً صَالِحًا (اعمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، لِنُجَاهِدْ نُفُوسَنَا وَلْنَحمِلْهَا عَلَى الطَّاعَةِ وَإِن هِيَ كَرِهَت ذَلِكَ بِطَبِيعَتِهَا، وَلْنَصبِرْ وَلْنُصَابِرْ، فَإِنَّهُ لا هِدَايَةَ وَلا فَلاحَ إِلاَّ بِذَلِكَ، قَالَ - سُبحَانَهُ - : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) [آل عمران: 200]، وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ) [العنكبوت: 69]، وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : "حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ" (رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ).

 أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ . شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ . وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ) [البقرة: 183- 186].

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاذكُرُوهُ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلاً.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مَن أَدرَكَ رَمَضَانَ فَلَم يُغفَرْ لَهُ فَمَتَى يَلتَمِسُ المَغفِرَةَ؟! مَن أَدرَكَ مَوَاسِمَ الخَيرَاتِ فَلَم يَتَزَوَّدْ لآخِرَتِهِ فَمَتَى يَتَزَوَّدُ؟ مَن لم يَستَثمِرْ هَذِهِ الفُرَصَ فَأَيَّ فُرصٍ يَرجُو؟! إِنَّهُ لَيَجتَمِعُ في شَهرِ رَمَضَانَ ما لا يَجتَمِعُ في غَيرِهِ مِنَ الأَيَّامِ، شَهرٌ تُفتَحُ فِيهِ أَبوَابُ الجِنَانِ، وَتُغَلَّقُ أَبوَابُ النِّيرَانِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ في كُلِّ لَيلَةٍ، شَهرٌ تُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فَلا تَخلُصُ إِلى مَا كَانَت تَخلُصُ إِلَيهِ في غَيرِهِ.

 شَهرٌ يَجِدُ فِيهِ المُؤمِنُ عَلَى الخَيرِ أَعوَانًا، فَلا يَرَى إِلاَّ مُصَلِّيًّا أَو قَائِمًا، أَو رَاكِعًا أَو سَاجِدًا، أَو تَالِيًا أَو ذَاكِرًا، شَهرٌ يَضعُفُ فِيهِ سُلطَانُ الشَّهَوَاتِ، وَيَقوَى فِيهِ سُلطَانُ العَقلِ، أَمَّا وَكُلُّ هَذِهِ الخِصَالِ مِنَ الخَيرِ قَدِ اجتَمَعَت، وَالفُرَصُ قَد تَهَيَّأَت وَكَثُرَت.

 فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَسَابِقُوا، فَإِنَّ المَحرُومَ مَن حُرِمَ الخَيرَ في شَهرِ الخَيرِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مُهَنِّئًا أَصحَابَهُ وَقَد دَخَلَ رَمَضَانُ : "إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم، وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ مَحرُومٌ" (رَوَاهُ ابنُ مَاجَه، وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ).


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي