رمضان الجهاد والصبر

مراد كرامة سعيد باخريصة
عناصر الخطبة
  1. أحوال الأمة في رمضان .
  2. جرائم الحوثيين في اليمن .
  3. رمضان مدرسةٌ كُبرى للجهاد والإعداد .
  4. فضل الرباط في سبيل الله .
  5. الحث على الإنفاق على المحتاجين. .

اقتباس

لقد تميز رمضان هذا العام بأنه رمضان الصبر والمصابرة، والجهاد والمجاهدة، والعزة والنصر والكرامة .. جاء رمضان هذا العام والبلد في كرب شديد وحرب مستعرة ومحن مشتعلة أشعلها جند الطاغوت، وأوقد نارها أحفاد ابن العلقمي المجوس عبدة القبور وسدنة الأضرحة؛ أذلهم الله وأخزاهم. جاء رمضان هذا العام وقد قام سوق الجهاد، وفُتحت جبهات الجلاد، وصاحت المنائر في عدن أبين حيّ على الجهاد وتحرك الشباب أفراداً وجماعات إلى ساحات الوغى وأرض المعارك والنزال، فخضَّبوا الأرض بدمائهم، وأخافوا العدو من صبرهم وثباتهم، ...

الخطبة الأولى:

عباد الله: أتاكم سيد الشهور وأظلكم خير الدهور، ونزلت عليكم أيام الصبر وليالي القدر وحلّ بكم موسم الفضل والأجر.

رمضان شهر كريم وموسم عظيم يزخر بالبركات ويتسم بالنفحات، ويزداد العباد فيه قرباً من رب الأرض والسموات.

فيه تُفتح أبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران وتُصفد الشياطين يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "رمضان شهر مبارك تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب السعير، وتُصفد فيه الشياطين، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر".

فيه أُنزل القرآن وفي ليلة القدر منه نزلت آيات الرحمن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].

لقد تميز رمضان هذا العام بأنه رمضان الصبر والمصابرة، والجهاد والمجاهدة، والعزة والنصر والكرامة .. جاء رمضان هذا العام والبلد في كرب شديد وحرب مستعرة ومحن مشتعلة أشعلها جند الطاغوت، وأوقد نارها أحفاد ابن العلقمي المجوس عبدة القبور وسدنة الأضرحة؛ أذلهم الله وأخزاهم.

جاء رمضان هذا العام وقد قام سوق الجهاد، وفُتحت جبهات الجلاد، وصاحت المنائر في عدن أبين حيّ على الجهاد وتحرك الشباب أفراداً وجماعات إلى ساحات الوغى وأرض المعارك والنزال، فخضَّبوا الأرض بدمائهم، وأخافوا العدو من صبرهم وثباتهم وتكالبت أمم الشر والكفر عليهم، فلم يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم رغم صعوبة الطريق ووعورة المسير، وكثرة المتاعب واشتداد الظروف وحصول القتل والأسر، إلا أن جهادهم بفضل الله لا يزال قائماً، والحرب تتسع دائرتها يوماً بعد يوم لصالح الأمة المستضعفة من أهل السنة والجماعة، ولله وحده الفضل والمنة.

وها هو رمضان النصر قد حلّ وأيام الفتوحات قد أقبلت، وبشائر النصر قد لاحت، فأبشروا بالخير والفتوحات وأمِّلوا في الله عظيم الأمل وأكبر الرجاء في حصول الخير والانتصارات، فإن النصر مع الصبر، وإن مع العسر يسرا (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

فلا تهنوا ولا تحزنوا، ولا تخافوا ولا تقلقوا، فوالله إن العاقبة للمتقين والنصر في النهاية حليف المسلمين المستضعفين، وهذه الشدائد الْمُرّة والظروف الصعبة ستولِّد قادة الأزمات، وتنتج رجال الصبر والمغامرات وفرسان الحق والبطولات الذين يعز الله بهم الدين ويدفع بهم الشدائد ويجعل النصر والفتح يكون على أيديهم (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).

لنجعل من رمضان هذا العام مدرسة للصبر، وجامعة للشجاعة والتحمل، وليكن لنا في إخواننا المرابطين على الجبهات أسوة وقدوة؛ فهم يقدّمون من أجلنا التضحيات الكبيرة ويفدوننا بأرواحهم ودمائهم هناك من أجل منع العدو الغاشم من الوصول إلينا، ويسطرون أروع البطولات وأعظم الملاحم التي لا تكاد توصف حتى يُسلّموا البلد من شر الأشرار وكيد المنافقين والروافض والفجار الذين أوصلوا البلد إلى هذه المهاوي السحيقة والأحوال القاسية، ثم هربوا منها وتركوها تواجه مصيرها وحدها بعد أن أولغوا في العبث بها ودمروها ومزقوها.

ولا يزالون إلى اليوم يتآمرون عليها ويسيئون لها ويسعون إلى فتنتها وتمزيقها أكثر فأكثر عبر المؤامرات التي تقام في صورة مؤتمرات وعبر الفتن التي تقدم للناس في صورة حلول والتي يرعاها أعداء الله ويشرف عليها سدنة الكفر وحكومات العالم الغربي والشرقي الذين لا يريدون لهذه البلاد خيراً أبداً.

وقد آن الأوان أن نقول لهم في هذا الشهر الفضيل: كفاكم عبثاً بهذا الشعب الصابر الصامد، ويكفيكم تمزيقاً وإضعافاً لهذا البلد المسكين المغلوب على أمره، وقد جربنا مبادراتكم وحلولكم وحواراتكم، فلم نر منها إلا الشر والفتن والحروب والقلق، فأين حواركم الوطني المزعوم الذي كلف المليارات؟ وأين نتائج المبادرة الخليجية والاجتماعات الطويلة العريضة؟ وأين واقع مؤتمر الرياض على الأرض؟ وأين المساعدات التي وعدتم بها؟

 من لا يزال يصدقكم؟! وأين دعمكم لمن تسمونها المقاومة والتي لم ترى منكم غير الخذلان ومنع السلاح وقصف الطائرات وإرهاب الناس وتخويفهم؟! ولماذا كل هذه المجاملات للحوثة وتدليلهم وانتظارهم في المطار أملاً في حضورهم ومشاركتهم في جنيف؟ وأين استهداف قواتهم البشرية وجنودهم وعتادهم الذي يستهدفون به الأبرياء ويدمرون به المنازل ويقصفون به الأحياء والمناطق في كثر من ربوع اليمن ومناطقه؟!

عباد الله: إن إخواننا في الجبهات يعلموننا في رمضان الصبر والمصابرة، والجهاد والمجاهدة، فنهارهم كر وفر وحرب ومطاردة وتترّس وزحف ومواجهات وقصف صابرون تحت لهيب الشمس الحارة، وصامدون على مرتفعات الجبال والقمم الشاهقة وبين أشواك الأشجار القاحلة والأجواء الساخنة لم يتزحزحوا ولم يتراجعوا ولم يبدلوا (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 21].

لقد علمونا الصبر عندما تراهم وهم يفترشون الأرض، فالتراب فراشهم والسماء غطاؤهم، يجعلون من سلاحهم وسائد يضعونها تحت رءوسهم، وجعبهم غطاء لوجوههم، فإذا سمعوا قعقعات الرصاص وأزيز الاشتباكات قاموا قومة الأسود وهبوا سراعاً نحو العدو تاركين نومهم وراحتهم من أجل دين الله وإحياءً لفريضة الجهاد في سبيل الله وإعزازاً لإخوانهم المسلمين المستضعفين وحمايتهم من أعداء الله.

فلله درهم من رجال يقاتلون العدو حتى وهم صيام يجهدهم التعب ويقتلهم الجوع ويحرق أجوافهم الظمأ ومع ذلك صامدون صابرون صائمون ثابتون (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).

لقد علمونا الصبر في شهر الصبر وهم يتسحرون بالرغيف اليابس، ويفطرون على الماء والتمر، ولا يجدون في كثير من الأحوال ما يسدون به جوعهم ويروون به أنفسهم؛ لأن ظروف المعركة وأحوال الجبهة لا تتحمل غير الشدائد والأهوال والشدة والصبر.

صابرون صائمون صامدون؛ لأنهم يعلمون أنه لا تمكين بدون ابتلاء وتمحيص ولا نصر وكرامة بدون جهاد ودماء ومقاومة ولا عزة ولا يسر إلا بعد التعب والعسر (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).

فلنتحمل قليلاً من العسر والصبر على الشدائد، ولنثبت في الملمات وعند الأزمات أسوة بهم فإن بعد العسر يسرا، وبعد الشدة فرجاً، وبعد الضيق مخرجاً، وبعد الصوم والتعب فرحاً وفطراً وبعد الجهاد والعناء فتحاً ونصراً (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).

بارك الله لي ولكم ..

الخطبة الثانية:

إن من أعظم الأمور الصالحة في رمضان: أن يحافظ المسلم على القيام بالأعمال الصالحة الكبيرة، ويداوم على الأعمال الفاضلة التي لها أجور عظيمة ومزايا كبيرة يصل نفعها للآخرين.

ومن أعظم الأعمال في رمضاننا هذا: أن يشارك المسلم في الجهاد في سبيل الله ويغبّر قدميه من أجل الله، ويغتنم الفراغ والفرصة للإعداد في سبيل الله، أو يرابط على الثغور ويحرس حدود المسلمين في أرض الرباط؛ فإن هذه الأعمال لها أجر عظيم وفضل كبير جداً خاصة وأن الجبهات لا تزال تعاني من الضعف وقلة العدد والعتاد.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رباط يوم في سبيل الله أفضل من صيام شهر وقيامه، ومن مات فيه وقي فتنة القبر ونما له عمله إلى يوم القيامة" (صحيح الجامع 3479).

 ويقول -صلى الله عليه وسلم-: -صلى الله عليه وسلم-: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا، وما فيها".

ومن الأعمال الصالحة العظيمة التي ينبغي لنا أن نقوم بها ونشارك فيها في رمضان: الاحتساب في سبيل الله، والتقليل من الشرور والمنكرات التي تنتشر وتتزايد في رمضان، والخروج إلى الأسواق والطرقات لمنع العبث والفسوق والاختلاط والفجور الذي نراه وللأسف الشديد يزداد في ليالي رمضان، ويقوم شياطين الإنس بالدور بدلاً من شياطين الجن الذين يقيّدون ويصفدون في رمضان، فيحولون ليالي رمضان إلى ليالي سهر في الأسواق وعبث بالأعراض، وانتهاك للحرمات، ولا بد من إيقاف عبثهم وشرهم حتى لا نهزم بسبب سكوتنا عنهم. (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

ومن الأعمال الصالحة النبيلة التي يتعدى أجرها للغير في رمضان: الإنفاق وخاصة الإنفاق في سبيل الله، ودعم المجاهدين الصامدين الصابرين على الثغور، ومدهم بالمال والسلاح والطعام حتى ترتفع معنوياتهم وتتعزز جبهاتهم، ويفتح الله عليهم ويشعروا إن إخوانهم معهم فإن فتحهم فتح لنا ونصرهم هو في الحقيقة نصر لنا (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ)، ويقول سبحانه وتعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

ومن الأعمال العظيمة الصالحة في رمضان: الحرص على إطعام الطعام، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، والسعي من أجلهم وما أكثرهم في هذه الأيام، وخاصة بعد هذه الأزمات المتعاقبة والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد ويكتوي بلهيب نارها العباد، وتوقف كثير من الناس عن أشغالهم وأعمالهم أو تأخر وراتبهم ومعاشاتهم.

وكذلك دعم إخواننا وأهلنا النازحين عندنا، فإن لهم حقًّا علينا وهم ضيوفنا وإخواننا، يجب علينا مواساتهم وإكرامهم والوقوف معهم في محنتهم ومصابهم حتى يرفع الله عنهم الغمة ويكشف عنهم الشدة والكربة.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ" (المعجم الأوسط: 6026).


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي