حقوق الإنسان (1) رشد أم فوضى

عبد العزيز بن عبد الله السويدان
عناصر الخطبة
  1. مصطلح حقوق الإنسان عبر العصور .
  2. تعامل الغرب مع حقوق الإنسان بانتقائية .
  3. الواقع المأساوي لحقوق الإنسان حسب الإحصائيات .
  4. الواقع المزري لحقوق الإنسان بالنسبة للأخلاق .
  5. أسئلة حول الجهاد .

اقتباس

حقوق الإنسان، حرية التعبير، حرية التدين، معان ومصطلحات يتكرر ذكرها في زماننا اليوم، ونريد أن نتناول هذه المصطلحات، أو المعاني، ونعرضها على دين الإسلام، ونرى الموقف الذي ينبغي للمسلم أن يراعيه تجاهها. أيها الإخوة: من أين أتى مصطلح حقوق الإنسان بشكله المتداول في...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

حقوق الإنسان، حرية التعبير، حرية التدين، معان ومصطلحات يتكرر ذكرها في زماننا اليوم، ونريد أن نتناول هذه المصطلحات، أو المعاني، ونعرضها على دين الإسلام، ونرى الموقف الذي ينبغي للمسلم أن يراعيه تجاهها.

أيها الإخوة: من أين أتى مصطلح حقوق الإنسان بشكله المتداول في عصرنا اليوم؟

بعيدا عن الرسالات السابقة، تطورت حركة حقوق الإنسان عبر العصور في كثير من بقاع الأرض، فقبل ميلاد المسيح في العراق، في عهد حامو رابي، تناولت شريعته شريعة حامو رابي شيئا من ذلك.

وفي الغرب في عهود الرق، والطبقية، والفساد الأخلاقي، في اليونان مثلا، كان هناك محاولات لإنشاء تنظيم معين لكفالة بعض الحقوق للأسياد، والطبقة الثرية.

ثم في عهد الرومان كذلك إلى عام 1215للميلاد عهد ألماجنا كارتا في بريطانيا، وهي وثيقة الملك جون العظمى التي تنازل فيها الملك، عن بعض حقوقه لطبقة النبلاء.

مرورا بالثورة الفرنسية قبل 217سنه، وما استقته من الفلاسفة جان جاك، وبالرغم من شعارات المساواة، فقد ركزت فرنسا على استرقاق السود، وجلبهم من أفريقيا لتسخيرهم في الزراعة، واضطهادهم أشد اضطهاد.

ثم تطور موضوع حقوق الإنسان وصولا إلى عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، وقد حاولت أن تحميه على المستوى الدولي السياسي والاجتماعي، ولكنها فشلت في ذلك.

وقبل 160سنة ولدت هيئة أو منظمة الأمم المتحدة، بعد الحرب الثانية، وقد برزت فيها مسألة ضمان حقوق الإنسان بشكل أكبر، أي في العام 1369للهجرة الموافق للعام 1948للميلاد، تبنت الأمم المتحدة ما عدا ثمانية من أعضائها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع عدد من الأخصائيين الاجتماعيين والسياسيين والفلاسفة، والتي وضعت بنود الإعلان واللائحة المشهورة لتلك الحقوق، قادتها زوجة الرئيس الأمريكي السابق "روزفيل الينور" ولا زالت المراجعات والتغييرات تطرأ بين الحين والآخر.

وبالرغم من كون بعض ما هو في لائحة الحقوق تلك مقبولا إلا إن كثيرا مما أعتمد في تلك اللائحة حقا للإنسان ليس في نظر الإسلام حقا، بل هو باطل؛ كحقوق المثليين الشاذين من النساء والرجال، وحقوق إظهار، وإبراز الشعائر الدينية، أيا كانت، وحقوق الزواج والمساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل شيء، دون أية فوارق، حتى إنهم رفضوا أن تصنف المرأة من خلال طبيعتها العضوية، وإنما يجب عندهم نسيان الذكورة والأنوثة تماما عند التعامل مع الجنسين، فقد تكون المرأة ذكرا وقد يكون الرجل أنثى، ولا حرج، كل ذلك في ظنهم يوصل إلى ضمان الحقوق لكلا الطرفين، وهناك إلغاء حق الوصاية، أو الولاية في الزواج، أو غيره، بحق أو دون حق، وحق المرأة في إلغاء التعدد، وهناك الحق المطلق في حرية التعبير عن الرأي، وما شابهها من الحقوق.

وإننا -أيها الإخوة- بالرغم من أن كلامنا هذا لا يعجب من هم محسوبون على مجتمعنا من المتحررين، أو اللبراليين، أو العلمانيين، مما ألقوا بولائهم للغرب وقيمه ومبادئه.

أقول بالرغم من ذلك، فإننا بعد سنوات مضت من مراقبة الأحداث هنا وهناك، نستطيع اليوم وقد آن الأوان –والله- أن نقيس مدى صدق الغرب في تطبيق هذه الحقوق بلا تحيز، بل تطبيقها مطلقا.

وبذلك نستطيع أن نقيس مدى جدوى التطبيق في الأمن والحياة الاجتماعية الأسرية السعيدة والمستقرة، والمثل الأخلاقية النظيفة، والعدالة والعفة.

وعلى كل حال فإن البشر مهما وصلوا إليه من العلوم والمعارف العامة والخاصة، ومهما اكتشفوا من أسرار المادة، وقسموا الذرة، وطلعوا للقمر، اخترعوا العجائب تلو العجائب، مهما بلغوا من تقدم في هذه الأمور، فإنهم لن ولم يهتدوا إلى الصواب في موضوع الحقوق، بلا هدي رباني، وإيمان صحيح، صادق راسخ: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ) [الأنعام: 71].

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) [طـه: 124].

ولا نريد أن نتحدث عن مدى استقامته في تطبيق لوائح حقوق الإنسان خارج بلادهم، لا، فحتى الأعمى يستطيع أن يرى الظلم العظيم، والبخس الفظيع لحقوق الإنسان في ممارساتهم خارج أراضيهم، ولكن لعلنا حتى يكون الحديث -إن شاء الله- أكثر إقناعا أن نتحدث عن واقعهم من الداخل، حيث يكونون أحرص على تطبيق تلك الحقوق.

هل نفعهم تطبيقهم في تلك اللوائح في تحقيق عيش سليم قويم بإنسانهم؟

أيها الإخوة: إن الإحصائيات تكفينا عن كثير من البيان والتوضيح، بواقع الذين يبشرون بالحقوق، ويدعون أنهم أهل القيادة والريادة في العدالة والحرية، والحياة المثالية، وعلى العالم كله، ومنه نحن أن يتبعهم، ويسلك منهجهم، إذا أراد السعادة، والأمن والرخاء.

وما أصدق وأقوى أن يكون الكلام منهم أنفسهم، وشهد شاهد من أهلها، في كتاب: "يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة" للكاتب والباحث الأمريكي، جاء ما يلي: "تضاعف عدد نزلاء السجون في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما بين الثمانيات والتسعينات إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه من قبل، حيث بلغ عدد المسجونين في 950 ألف نزيل، يعني تقريبا مليون نزيل، فيما بين عامي 1980 إلى 1993ميلادي".

وهذا يعني أن نحو مليون من المواطنين الأمريكيين اتهموا بجرائم تخطت مرحلة الحجز بمراكز الشرطة إلى دخول السجون.

فإذا علمنا أن نسبة ما لا يكشف عنه من الجرائم تكون أضعاف ما يكشف، تبين لنا أن عدد المتهمين بالإجرام يمكن أن يمثل شعبا من المجرمين، يفوق عدد بعض الشعوب الصغيرة.

والعدد المعلن عنه في التقارير الرسمية تضاعف في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت معدلات الجريمة إلى 600% حتى إن 60% من مجموع الشعب الأمريكي، كانوا كما تقول الاحصائيات: "ضحايا لجرائم كبيرة " و58 % منهم تعرضوا لهذه الجرائم مرتين على الأقل.

هم يعارضون عقوبة الإعدام في معظم ولاياتهم، والولايات القليلة التي تعتمد الإعدام لا تعدم إلا في حالات نادرة جدا.

ولرفضهم للإعدام من باب حق الإنسان في الحياة، ولأن الإعدام في نظرهم عملا شريرا ومتخلفا.

ولكن لو تعمقنا قليلا في الأمر لوجدنا أنهم في حقيقة الأمر خائفون من تطبيق الإعدام، لماذا هم خائفون؟

لأن ذلك سيفتح عنهم ميدان كبير للقتل، بالنظر إلى طبيعة حياتهم العنيفة، وهو شيء مؤسف.

يعني تصوروا بعد أن ذكرنا المعدل الضخم لقضايا القتل في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، والتي يفترض أن تطبق على المدانين فيها تلك العقوبة.

فهو بالطبع عدد يحتاج إلى مقتلة سنوية تراق فيها دماء الآلاف؛ لأن جرائم القتل الموسمية للأسف 40000 جريمة قتل، أي هناك 25000 قتيل كل عام يطلب للقتل بسببهم أمام العدالة.

هذا لو افترضنا أن القاتل شخص واحد في كل جريمة، فماذا لو تصورنا أن كل قتيل يمكن أن يشترك في قتله الواحد والاثنين والثلاثة والعشرة.

وماذا لو تصورنا إضافة لمستحقين القتل لجرائم أخرى غير القتل؛ كالتجسس والاختطاف والخيانة العظمى، ونحوه.

كم سيقتلون إذن؟ كم سيعدمون؟

ونحن -أيها الإخوة-: لا نطلب منهم أن يقتدوا بحكم الإسلام الذي ينتقدونه، ولكن نريد منهم فقط أن يكفوا عن الدعوة إلى تحويل مجتمعات المسلمين إلى مجتمعات فوضى دموية، مثل مجتمعاتهم التي لا يكتفي الناس فيها بقتل بعضهم بعضا بشراهة دموية، بل يعمد المئات منهم سنويا إلى قتل أنفسهم بالانتحار!.

هذا بالنسبة للأمن.

أما بالنسبة للأخلاق، فيا ترى ما الذي نراه من أمثلة في نتائج الحرص على حقوق الإنسان لتلك الأمة؟

تقول إحصائيات معهد بحوث الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية: "إن امرأة واحدة من كل أربع نساء أمريكيات تخون زوجها، ورجل من كل ثلاثة رجال يخون زوجته".

أما الاعتداءات على الأعراض فلا تقتصر على البالغين فقط، بل إن واحدا من سبعة من الأمريكيين كما تقول الاحصائيات تعرض للانتهاك الجنسي، عندما كان طفلا.

أما الكبار فالاعتداء على أعراضهم يأتي مصحوبا بالاعتداء على أجسادهم وأرواحهم، فنسبة 42% من الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية، قالوا: إن الاعتداءات عليهم كانت شريرة وقاتلة.

وتذكر الإحصائيات كذلك أن معدلات الاغتصاب في أمريكا تزيد عن مثيلاتها في اليابان وانجلترا وأسبانيا بـ 20 ضعفا.

أيها الإخوة: إن السبب في هذا التشرد الجنسي لا يقتصر على فساد البيئة المادية فقط، أو الخواء الروحي، لا، وإنما يرجع أيضا إلى فساد المنظومة الأخلاقية التي تخيم على رؤوس تلك الشعوب الضالة، دينيا ونفسيا وأخلاقيا.

والتي جعلت من اقتراف جريمة الزنا التي نهانا الله -تعالى- عن مجرد الاقتراب منها، فكيف بالاقتراب منها: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء: 32].

جعلت من اقتراف الزنا شئيا قريبا من شرب فنجان قهوة، أو تدخين سيجارة! لأن هذا بزعمهم حق من الحقوق الإنسانية التي لا بد أن تحترم!.

حتى أن 53 % من النساء الأمريكيات قلن بأنهن لم يترددن في خيانة أزواجهن في مقابل خيانة الأزواج لهن!.

إن فقدان المنهج الأخلاقي الصحيح مع انعدام الروادع التشريعية والاجتماعية، جعل من الشعوب الغربية اللامعة البراقة في مظهرها الخارجي شعوبا غبراء بائسة في مخبرها؛ حتى إن فتاة من كل خمس فتيات في الولايات المتحدة يفقدن بكراتهن قبل سن الثالثة عشر.

والنسبة تزيد كلما زادت الأعمار.

أما الشاذون فأقبح من حقوقهم إنشاء النوادي والجمعيات والنقابات، وصار من الواجب على الكنيسة أن تزوجهم، بل وأصبح لهم الحق في التبني؛ لأنهم مثليون، رجل يعيش مع رجل، وامرأة تعيش مع امرأة، فيستحيل الإنجاب إذن ما الحل؟

التبني!.

وتأملوا في طفل يعيش وينموا في أحضان بيت شاذ، ويسقى هذه الأفكار منذ نعومة أظفاره؟!

في العام 1993م لما تظاهر أكثر من مليون شاب وشابة للمطالبة بحقوق الشواذ، ومن تلك المطالب التي طالبوا: زيادة الميزانية المخصصة لمكافحة مرض الإيدز الذي يفتك بهم.

تعاطف معهم الرئيس، فكتب رسالة تليت على مسامع المحتشدين في التظاهرة الشاذة، أمام البيت الأبيض، جاء فيها: "إنني أؤيد من أجل الكفاح المساواة بين كل فئات الشعب الأمريكي، بمن فيهم الشواذ من الرجال والنساء، وأنا أعتقد أن الذي يعمل بجد يستحق أن يكون جزءا من هذا المجتمع، لنعمل سويا لنحول هذه الرؤيا إلى حقيقة!!".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

أسأل الله -تعالى- أن يثبتنا على الحق، وأن يعافينا ممن ابتلى به كثيرا من خلقه.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبي الله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الذي حدث من محاولة فاشلة لتدمير اقتصاد البلاد لهي جريمة عظيمة بكل المقاييس، وإني –والله- أتعجب كيف يفكر أولئك القوم؟!

هل الجهاد يأمر بقتل الأبرياء من عباد الله المسلمين؟!

نحمد الله أن أحبط فعلهم، وإلا لو حدث انفجار في تلك المصفاة: لزهقت أرواحا مسلمة يصعب التنبؤ بعددها!.

هل الجهاد يأمر بتدمير اقتصاد بلاد المسلمين؟ وحتى لو انتفع الغرب بالنفط ألا يهمنا اقتصاد البلاد؟!

لقد شوه أولئك الناس فريضة الجهاد في صورتها البطولية الطاهرة، بل شوهوا كل ما يمت للتدين من مظهر ونشاط.

وفتحوا بفعلتهم تلك الأبواب، ونثروا الورود أمام الصائدين في الماء العكر من أعداء الدعوة، ودعاة الفساد، ليستغلوا الحدث في حربهم مع دعاة الإصلاح، وتشويه كل منشط دعوي، أو مبادرة دينية خيرية.

أقول: هداهم الله، وكف عنا وعن المسلمين شرورهم، ورحم الله المقتولين بغير حق، وحفظ الله مجتمعنا، وسائر بلاد المسلمين من كل فتنة وشر.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي