الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى

أسامة بن عبدالله خياط
عناصر الخطبة
  1. مشاعر السعادة الغامِرة لنفوسِ وعقولِ الصائِمين .
  2. أهم الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى .
  3. فضل اتِّباع السنَّة النبوية والعمل بها .
  4. ليس الشأن أن تُحِبَّ الله، ولكن الشأنَ أن يُحبَّك الله. .

اقتباس

إنَّ الأسبابَ الجالِبَةَ لهذه المحبَّة لتتراءَى في شهر رمضان لكل ذوِي البصائر، في كل لمحةِ عين، ومع كل خفقَة قلبٍ، أو تردُّدِ نفَس، تدعُو المُحبِّين لربِّ العالمين إلى أن يأخُذوا منها بأوفَر حظٍّ، وأن يحُوزُوا منه أعظمَ نصيبٍ، وأن يعلَموا أنها سِمةُ المُسافِرين إلى ربِّهم، الذين ركِبُوا جناحَ السفرِ إليه، ثم لم يُفارِقوه إلى حين اللِّقاء. فاتَّقوا الله وكونوا - يا عباد الله - من هذا الرَّكب المُسافِر إلى ربِّه على جناحِ المحبَّة له، والشوقِ إليه، واجعَلوا من استِباق الخيراتِ في هذا الشهر خيرَ عُدَّة، وأعظمَ عونٍ على ذلك، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي منَّ على الأمة بفريضة الصيام، أحمدُه - سبحانه - على آلائِه العظيمة ونِعَمه الجِسام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نِدَّ ولا نظير، الملكُ القدوسُ السلام.

وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه خيرُ من صلَّى وزكَّى وحجَّ البيت وصام وقام، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الأطهار الكِرام، وصحابتِه المتقين الأعلام، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ على تعاقُب الليالي والأيام.

أما بعد:

فاتقوا الله - عباد الله -، وراقِبوه، وأخلِصُوا له العمل؛ فطُوبَى لمن أخلصَ عملَه لله، وابتغَى إليه الوسيلةَ واتَّقاه، وأنابَ إليه وعمِلَ بما يُحبُّه - سبحانه - ويرضاه.

عباد الله:

إنَّ فرحَتَي الصائم الواردتَين في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، والإمام النسائي في "سننه"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله –تعالى-: كلُّ عمل ابنِ آدم له، إلا الصيام فإني لي وأنا أجزِي به .."، فذكر الحديث، وفيه قال: "وللصائم فرحتان يفرَحُهما: إذا أفطرَ فرِح بفِطرِه، وإذا لقِيَ ربَّه فرِح بصومِه".

إن هاتين الفرحتَين لتُصوِّران أبلغَ تصوير، ذلك الرِّباط الوثيق بين فريضة الصيام، وبين آثارها النفسية، التي تتمثَّلُ في مشاعر السعادة الغامِرة لنفوسِ وعقولِ الصائِمين، إيمانًا واحتِسابًا.

وفي ذلك السُّرور التي تفيضُ به قلوبُهم، وتمتلِئُ به جوارِحُهم، وتسمُو وتُحلِّقُ به أرواحُهم محبَّةً وشوقًا، تعبُّدًا ورِقًّا، خضوعًا وتذلُّلاً وإخباتًا وزُلفَى إلى الربِّ الخالق العظيم، لا لأجل جميل موعوده على الصيام فحسب؛ بل أيضًا لوافِر إحسانه وعظيم امتِنانه، وعُموم آلائِه، وتتابُع نعمائِه على عباده.

إذ منَّ عليهم بهذا الشهر العظيم المُبارَك، لتكون أيامُه وليالِيه مشغولةً بأسباب محبَّته، عامرةً بسُبُل مودَّته. ذلك أن هذا الشهرَ يستوفِي جُملة الأسباب الجالِبة لمحبَّة الله تعالى، والمُوجِبة لها، ويستوعِبُ جمهرَتها، ويأتي على خُلاصتها ولُبابِها، وهي عشرةٌ ذكرها الإمام ابن القيم - رحمه الله -:

منها: قراءةُ القرآن بالتدبُّر والتفهُّم لمعانيه، وما أُريدَ به، كتدبُّر الكتاب الذي يحفظُه العبدُ ويشرَحُه، ليتفهَّم مُرادَ صاحبه منه.

ومنها: التقرُّبُ إلى الله بالنوافل بعد الفرائض؛ فإنها تُوصِلُه إلى درجة المحبُوبِيَّة بعد المحبَّة.

ومنها: دوامُ ذكره على كل حالٍ، باللسانٍ والقلبِ والعملِ والحالِ، فنصيبُه من المحبَّةِ على قدرِ نصيبِه من هذا الذكر.

ومنها: إيثارُ محابِّه على محابِّك عند غلَبَات الهوَى، والتسنُّمُ إلى محابِّه وإن صعُبَ المُرتَقَى.

ومنها: مُطالَعةُ القلب لأسمائه وصفاته، ومُشاهدتُها، ومعرفتُها، وتقلُّبُه في رياضِ هذه المعرفة ومبادِيها؛ فمن عرَفَ الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبَّه لا محالةً.

ومنها: مُشاهدةُ بِرِّه وإحسانِه وآلائِه ونعمِه الباطِنَة والظاهِرَة؛ فإنها داعيةٌ إلى محبَّته، فلقَدرِ مُشاهَدة ذلك تكون قوَّةُ المحبَّة، فإن القلوبَ مجبولةٌ على حبِّ من أحسنَ إليها، وبُغضِ من أساءَ إليها، وليس للعبدِ قطُّ إحسانٌ إلا من الله، ولا إساءةٌ إلا من الشيطان.

ومنها: انكِسارُ القلب بكُلِّيَّته بين يدَي الله -تعالى-، وليس في التعبيرِ عن هذا المعنى غيرُ الأسماءِ والعِبارات.

ومنها: الخلوةُ به - سبحانه - وقتَ النُّزولِ الإلهيِّ في ثُلُث الليل الآخر، لمُنَاجَاته وتِلاوَةِ كلامِه، والوقوف بالقلبِ، والتأدُّبِ بأدبِ العبوديَّة بين يديه، ثم يختِمُ ذلك بالاستِغفارِ والتوبة.

ومنها: مُجالسةُ المُحبِّين الصادقين، والتِقاطُ أطايِب ثمرات كلامهم، كما يُنتَقَى أطايِب الثمر، وعدم التكلُّم إلا إذا ترجَّحَت مصلحةُ الكلام، وعلمتَ أن فيه مزيدًا لحالك، ومنفعةً لغيرك.

ومنها: مُباعدةُ كل سببٍ يحُولُ بين القلبِ وبين الله - عز وجل -.

تلك المُباعَدةُ - يا عباد الله - هي التي تجعلُ من المُحبِّ لربِّه - كما قال بعضُ السلف -: "تجعلُ منها عبدًا ذاهبًا عن نفسِه، مُتَّصِلاً بذِكر ربِّه، قائمًا بأداء حقوقِه، ناظرًا إليه بقلبِه، قد أضاءَت قلبَه أنوارُ هيبَته، وصفا شِربُه من كأس وُدّشه، وتجلَّى له الجبَّارُ من أستار غيبِه. فإن تكلَّم فبالله، وإن نطقَ فعن الله، وإن تحرَّك فبأمرِ الله، وإن سكنَ فمع الله، فهو بالله، ولله، ومع الله".

عباد الله:

إنَّ هذه الأسبابَ الجالِبَةَ لهذه المحبَّة لتتراءَى في شهر رمضان لكل ذوِي البصائر، في كل لمحةِ عين، ومع كل خفقَة قلبٍ، أو تردُّدِ نفَس، تدعُو المُحبِّين لربِّ العالمين إلى أن يأخُذوا منها بأوفَر حظٍّ، وأن يحُوزُوا منه أعظمَ نصيبٍ، وأن يعلَموا أنها سِمةُ المُسافِرين إلى ربِّهم، الذين ركِبُوا جناحَ السفرِ إليه، ثم لم يُفارِقوه إلى حين اللِّقاء.

فاتَّقوا الله وكونوا - يا عباد الله - من هذا الرَّكب المُسافِر إلى ربِّه على جناحِ المحبَّة له، والشوقِ إليه، واجعَلوا من استِباق الخيراتِ في هذا الشهر خيرَ عُدَّة، وأعظمَ عونٍ على ذلك، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين : 26].

نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابِه وبسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

إن الحمدَ نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسُنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.

أما بعد، فيا عباد الله:

إنَّ من أعظم الأسباب الجالِبة لمحبَّة الله تعالى: اتِّباعَ السنَّة النبوية والعملَ بها، وكمالَ الاقتِداءِ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وتمامَ التأسِّي به، والاهتِداء بهديِه في الأقوال، والأعمال، والأخلاق. وبحسب هذا الاتِّباع تكونُ المحبَّة؛ فهي دائرةٌ عليه، تقوَى وتزدادُ بقوَّته، وتضعُفُ وتنقُصُ بضعفِه ونقصِه، فإنك لن تظفَرَ أبدًا بمحبَّة الله لك إلا إذا تابعتَ حبيبَه - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران : 31].

وهي دليلٌ على أنه ليس الشأن في أن تُحِبَّ الله، ولكن الشأنَ أن يُحبَّك الله، ولا يُحبُّك الله إلا إذا اتَّبعتَ حبيبَه - صلى الله عليه وسلم -، ظاهِرًا وباطِنًا، وصدَّقتَ خبرَه، وأطعتَ أمرَه، واجتنَبتَ نهيَه، وحكَّمتَ شرعَه، ولم تجِد في نفسِك حرَجًا مما قضَى به - عليه الصلاة والسلام -؛ بل سلَّمتَ له، وأذعَنتَ طائِعًا راضيًا بقضائِه، طيِّبَ النفس، مُنشرِح الصدر، مُستيقِنًا أنه الحقُّ والهُدى والصواب.

وإن في صيامِ هذا لشهر وقيامِه - يا عباد الله - خيرَ حافِز لاتِّباع الحبيبِ - عليه أفضلُ الصلاة والسلام -، بالتِزام هديِه في الصيام، وفي القيام، وفي العبادات التي كان يخُصُّ بها شهرَ رمضان، وفي سائر العبادات، وبالحذَر من الإحداثِ في دينِ الله بشرعِ ما لم يأذَن به الله، ولم يسُنَّه رسولُه - صلى الله عليه وسلم -.

فاتقوا الله - عباد الله -، واغتنِمُوا فُرصةَ هذا الشهر في استِباق الخيرات، والتنافُسِ في الباقِيات الصالِحات، الجالِبة لمحبَّة ربِّ الأرض والسماوات.

واذكُروا على الدوامِ أن الله تعالى قد أمَرَكُم بالصلاةِ والسلامِ على خاتم النبيين، ورحمةِ الله للعالمين، فقال - سبحانه - في الكتاب المُبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرمَ الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حَوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسِدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.

اللهم انصُر دينكَ وكتابكَ، وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهدين الصادقين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحة، ووفِّقه لما تحبُّ وترضَى يا سميعَ الدعاء، اللهم وفِّقه ونائِبَيه وإخوانَه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا مَن إليه المرجِعُ يوم المعاد.

اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نُحور أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.

اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين.

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيكَ آمالَنا، واختِم بالصالِحات أعمالَنا.

اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخطِك.

اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.

اللهم اكتُب وأيِّد بنصرِك العزيز أبناءَنا وإخوانَنا المُرابِطين على الثُّغور على حُدود البلاد يا رب العالمين، اللهم انصُرهم نصرًا عزيزًا، اللهم انصُرهم نصرًا عزيزًا، اللهم انصُرهم نصرًا عزيزًا، اللهم اكتُب أجرَ الشهادة لشُهدائِهم، اللهم اشفِ مرضاهم، اللهم اشفِ جرحَاهم شفاءً عاجلاً، اللهم اكتُب الشفاءَ العاجِلَ لجرحَاهم يا رب العالمين، اللهم اكتُب الشفاءَ العاجِلَ لجرحَاهم يا رب العالمين.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمدُ لله رب العالمين


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي