ونحن في شهر الخيرات والبركات، ليسعَ المسلم أن يعدل في كلامه وفعاله، فوالله لنسألن عن الصغيرة والكبيرة، فعلى العبد أن يبدأ أولاً في نفسه فيعدل معها، فلا يترك لها الحبل على الغارب، بل يخطمها بخطام التقوى، ويلزمها سبل المتقين الأبرار، فيلحظ أقواله وأفعاله، ويراقب نفسه في أداء الأمانة التي استرعاه الله إياها، ومن ذلك العدل بين الأولاد، وكذا العدل مع الزوجة بإعطائها حقوقها كاملة ومعاشرتها بالمعروف، ومن كان له زوجتان أو أكثر لزمه العدل بينهن، وعدم الميل لواحدة دون الأخرى، ومن عجز عن العدل فلا يحق له أن يعدّد...
أما بعد فيا أيها المسلمون:
لقد خلق الله السموات والأرض، ورتب كل شيء على فطرته، وهدى كل مخلوق إلى طريق حياته، فأحسن كل شيء خلقه، (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50]، فمن حاول أن يزيغ عن طريق العدل فإنه يخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فلا ترى أموره إلا في سفال، ولا عمله إلا في ضلال، أعاذنا الله من حالهم.
عباد الله: بالعدل قامت السموات والأرض، بمعنى أنه لولا العدل لفسدت السموات والأرض، ولكن الله أمسكهما بالعدل، فمن أراد أن تستقيم أموره فعليه بالعدل في شؤونه كلها، يعدل أولاً مع نفسه، ثم مع من يعول من زوجة وولد، ثم مع جيرانه وأقاربه، ثم مع المسلمين جميعا، هذه وصية الله لخلق أجمعين (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
وكلّ بحسبه، فالمطلوب من الوالي بحسبه، والمطلوب من الرعية بحسبهم، حتى يعدل الجميع فيما استرعاهم الله عليه.
وقد روى الإمام أَحمد عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: "أفاء الله خيبر على رسول الله، فأقرَّهم رسول الله كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم؛ فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم، ثم قال لهم: "يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخَلْقِ إليَّ، قتلتم أنبياء الله، وَكَذَبْتُمْ على الله، وليس يحملني بغضي إيَّاكم على أن أحيف عليكم؛ قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم فلكم، وإن أبيتم فَلِي". فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، قد أخذنا.
فرغم بُغض عبد الله بن رواحة لليهود إلاَّ أنه لم يظلمهم، بل أعلنها لهم صريحة أنه لا يحيف عليهم، وما شاءوا أَخْذَهُ من أي القسمين من التمر فليأخذوه.
أيها المؤمنون: ونحن في شهر الخيرات والبركات، ليسعَ المسلم أن يعدل في كلامه وفعاله، فوالله لنسألن عن الصغيرة والكبيرة، فعلى العبد أن يبدأ أولاً في نفسه فيعدل معها، فلا يترك لها الحبل على الغارب، بل يخطمها بخطام التقوى، ويلزمها سبل المتقين الأبرار، فيلحظ أقواله وأفعاله، ويراقب نفسه في أداء الأمانة التي استرعاه الله إياها، ومن ذلك العدل بين الأولاد، وكذا العدل مع الزوجة بإعطائها حقوقها كاملة ومعاشرتها بالمعروف، ومن كان له زوجتان أو أكثر لزمه العدل بينهن، وعدم الميل لواحدة دون الأخرى، ومن عجز عن العدل فلا يحق له أن يعدّد، ومن خاض غمار التعدد ولم يستطع المعاشرة بالمعروف فكما قال الله تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229].
معاشر المؤمنين: لا تنتهي استغاثات الزوجات من أزواجهن، وأنهم لا يعدلون معهن، فتراه مع إحداهن يسافر، ويخرج للمتنزهات، وينفق المال الوفير، ويراعي أولادها، وأما الأخرى فتراه عازفًا عنها، فلا يسافر بها ولا ينفق إلا بشق الأنفس، أفلا يتقي الله ذلك الرجل، ويعلم أنه محاسَب على ذلك، وأن هذا من الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة.
فالعدل العدل أيها الرجال، فإنما جعل الله القوامة للرجل لأنه يصبر، ويحلم، ويتغاضى، ويوازن الأمور، أخرج الترمذي في جامعه من حديث عمرو بن الأحوص الجشمي -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه، وذكر ووعظ، ثم قال: "ألا واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك. يعني بالعوان الأسيرات.
والمرأة لا يكرمها إلا كريم، ولا يهينها إلا لئيم، وكانت المرأة من آخر وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث أوصى بالنساء خيرا وهو في سكرات الموت.
اللهم وفقنا للعدل في جميع أمورنا أقول قولي هذا...
أما بعد فيا أيها الناس:
فمن صور العدل التي يطالب بها المسلم، العدل مع الأقارب، فلا يجفوهم ويهجرهم ولا يحضر مناسباتهم، بل العدل أن يشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، ويواسي ضعيفهم، ويعطف على صغيرهم، ويصل عاجزهم بالمعروف، ومن ذلك العدل مع الجيران بحفظ عورتهم، والنصح لهم في السراء والضراء.
ومن كذلك: العدل مع الخدم والسائقين وسائر العمال والأجراء، فالعطف عليهم، وإعطائهم حقوقهم، وإكرامهم، فهم لم يتغربوا ويتركوا أهلهم وأطفالهم إلا من الحاجة.
ومن العدل كذلك: العدل مع كل أحد حتى مع الكفار، فليس كفرهم بمبرر لنا لنظلمهم، وما دخلت البلدان شرق آسيا في الإسلام إلا عن طريق التجار المسلمين، لما خالطوا الكفار بأخلاق الإسلام دعاهم ذلك للدخول في دين الله مباشرة.
أيها المسلمون: نحن في شهر عظيم الخيرات، وكثير البركات، وجزيل العطايا والمسرات، إنه شهر رمضان المبارك، فليحرص الجميع على اغتنام هذه الفرصة العظيمة، بالتطهر من أرجاس الرذائل، والمفاسد، والعودة إلى الله تعالى، والإنابة إليه سبحانه، ورد المظالم إلى أهلها، وأعظم ذلك، مظلمة الرجل لزوجته، حتى تصفو النفوس، وتزكو القلوب، ويشعر الجميع بروحانية هذا الشهر الكريم، والضيف العزيز.
واعلموا أنما هذه الحياة الدنيا أيام وسويعات، ثم يفضي كل واحد لما قدم، فكل مرتهن بعمله، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، حتى يقول الظالم: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 99- 100].
اللهم ارزقنا العدل مع أنفسنا وأهلينا والمسلمين أجمعين، اللهم اغفر للمسلمين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي