أيها المسلمون: مَا أَسْعَدَ صَبَاحَكُم هَذَا، وَمَا أَجْمَلَ نَسَمَاتِهِ، وَمَا أَرْوَعَ بَسَمَاتِهِ عَلَى وُجُوهِكُم!. مَن مِثلُكُم في مِثلِ هَذَا اليَومِ العَظِيمِ وَالصَّبَاحِ الجَمِيلِ؟ مُدَّت أَعمَارُكُم، وَأُفسِحَ لَكُم في آجَالِكُم، وبُسِطَ لَكُمْ فِي أَرْزَاقِكِم، فخَتَمتُمُ الشَّهرَ وَأَكمَلتُمُ العِدَّةَ، وَأَتمَمتُمُ الصِّيَامَ وَالقِيَامِ، اعتَمَرَ مِنكُم مَنِ اعتَمَرَ، وَاعتَكَفَ مَنِ اعتَكَفَ، وَقَرَأتُمُ القُرآنَ وَتَصَدَّقتُم وَبَرَرْتُم، فَطَّرتُمُ الصَّائِمِينَ، وَأَطعَمتُمُ الفُقَرَاءَ وَالمَسَاكِينَ، وَسَاهَمتُم في مَشرُوعَاتِ الخَيرِ، وَ...
الله أكبر ما أشرقت وجوه الصائمين بِشْرا، الله أكبر ما تعالت الأصواتُ تكبيراً وذكراً، الله أكبر ما توالت الأعياد عمراً ودهراً.
لك المحامد ربَّنا سراً وجهراً، لك المحامد ربَّنا دوماً وكرَّا، لك المحامد ربَّنا شِعْراً ونثرا.
أيها المسلمون: مَا أَسْعَدَ صَبَاحَكُم هَذَا، وَمَا أَجْمَلَ نَسَمَاتِهِ، وَمَا أَرْوَعَ بَسَمَاتِهِ عَلَى وُجُوهِكُم!.
مَن مِثلُكُم في مِثلِ هَذَا اليَومِ العَظِيمِ وَالصَّبَاحِ الجَمِيلِ؟
مُدَّت أَعمَارُكُم، وَأُفسِحَ لَكُم في آجَالِكُم، وبُسِطَ لَكُمْ فِي أَرْزَاقِكِم، فخَتَمتُمُ الشَّهرَ وَأَكمَلتُمُ العِدَّةَ، وَأَتمَمتُمُ الصِّيَامَ وَالقِيَامِ، اعتَمَرَ مِنكُم مَنِ اعتَمَرَ، وَاعتَكَفَ مَنِ اعتَكَفَ، وَقَرَأتُمُ القُرآنَ وَتَصَدَّقتُم وَبَرَرْتُم، فَطَّرتُمُ الصَّائِمِينَ، وَأَطعَمتُمُ الفُقَرَاءَ وَالمَسَاكِينَ، وَسَاهَمتُم في مَشرُوعَاتِ الخَيرِ، وَدَعَمتُم بَرَامِجَ الدَّعوَةِ فِي الْجَالِيَة، رَجَاءَ ثَوَابَ اللهِ، وَخَوْفَ عِقَابِهِ، فَحُقَّ بِذَلِكَ أَن تَتِمَّ فَرَحَتُكُم، وَيَكتَمِلَ سُرُورُكُم، وَتَظهَرَ بَهجَتُكُم، فَتَلبَسُوا الجَدِيدَ، وَتَسعَدُوا بِالعِيدِ: (قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ)[يونس58].
لقد تعبتم في مرضاة ربكم، فهنيئاً لكم أياماً صُمْتُمُوهَا، ولَيَالِي قُمْتُمُوهَا، وآياتٍ تلوتُمُوهَا، وأموالاً أنفقتُمُوها، وأذكارًا ردَّدْتُمُوها، وطاعَاتٍ بذلتُمُوهَا!.
لن تضيع -ورب الأرض والسماء- سُدَى، ما كان الله ليضيع إيمانكم، فإن ربكم مجازيكم عليها، تكفيراً لسيئاتكم، ورفعة لدرجاتكم، وزيادة في أجوركم.
اليوم تعلن النتائج، وتوزع الجوائز، فيطير الصائمون فرحًا بالقبول، والعتق من النيران.
ويندم الكُسالى على تضييع ما فاتهم من الأزمان؛ روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله -تعالى-: للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
قال ابن رجب: "وأما فرحه عند لقاء ربه، ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدَّخرًا".
أيها المسلمون: يأتي عيد الفطر هذا العام، والأمة ممزقةً متفرقة، آلامٌ في الشام منذ سنوات، وأهل السنة في العراق يعانون الويلات، تحت حكم طائفي رافضي خبيث، وفي مصر سينقشع الظلم عن أهلها ولو بعد حين.
وهكذا في كل موطن في العالم جرح لأهل الإسلام نازف، نسأل الله أن يلطف بالمسلمين أينما كانوا.
معذرة –إخواني-: لقطع فرحة العيد عليكم؛ لأني أريد الانتقال بكم إلى إخوانكم في غزة، الذين حُرموا فرحة العيد بسبب جرحهم النازف منذ ثلاثة أسابيع، حيث أرسلوا برسالة إلى العالَمِ المتحضر، يقولون فيها: نحن لسنا تجَّار حروب، ودماؤنا ليست رخيصة، ولكنها الكرامة والإنسانية التي نريد كبقية شعوب العالم، وللتذكير فقط نورد لكم جزءاً من معاناتنا في القطاع المحاصر قبل سبع سنوات، على بقعة لا تزيد عن 40 كيلو مترا، وعلى شعب لا يتجاوز المليون ونصف، غير مشكلة الأسرى الذين امتلأت بهم سجون الاحتلال منذ سنوات، ومشكلة الوصول إلى الضفة والقدس والأقصى وغيرها.
أسباب الحياة المقبولة معدومة عندنا في القطاع، لا مياه نقية، ولا كهرباء متواصلة، لا وقودَ ولا غاز، لا دواء يكفي، ولا مستشفيات تؤوي، الفقر والبطالة تعم القطاع، المصانع متوقفة عن العمل، الأراضي الزراعية لا يسمح الاحتلال بزراعتها، حتى الصيد البحري لا يُسْمَحُ لنا به إلا بقدر محدود، عجزٌ دائم في القطاع الصحي والعلاج، الموظفين يعملون لكن بدون رواتب تكفيهم، أو تغطي احتياجاتهم، مشكلة السفر من وإلى القطاع عبر المعابر المغلقة بشكل شبه كامل، الأمر الذي يجعلنا في سجن كبير ودائم.
وبعد هذا الخناق راح العدو منذ أكثر من ثلاثة أسابيع بلا شفقة ولا رحمة، يدوس على إنسانيته وديمقراطيته المزعومة، ويضرب عشوائيا جوا وبرا وبحرا، وبأسلحة محرمة دوليا، كل ساكن ومتحرك في غزة، حتى طال البيوتَ بساكنيها، والمساجدَ بالمصلين فيها، وحتى مدارس الأونرا، والفِرَقِ الطبية والإسعافية، والمستشفيات، ضربت.
الأمر الذي يكشف للعالم عن حربِ إبادةٍ وتعمد قتل شعب أعزل، وتدمير بنيته التحتية.
وهذه المخالفات القانونية، والجرائم الإنسانية، خلَّفت حتى الآن ما يزيد عن 900 شهيد، وأكثر من 5000 خمسة آلاف جريح، 40% بالمائة منهم نساء وأطفال.
أكثرَ من 1000 ألف منزل هدِّم بالكامل، وأكثرَ من 15 ألف منزل غدت غير صالحة للسكن، وأكثرَ من 100 ألف إنسان شُرِّدوا هرباً من القصف العشوائي البربري.
ماذا تتوقعون من شعب محاصر حصارا شاملا، لأكثر من سبعة أعوام، معابرُه مغلقه، وأنفاقه مدمَّرة، وتعاون محكم بين إسرائيل ومصر، وبعض الدول العربية علينا؟!
مجازر يومية ترتكب في حقنا، شهداء هنا، ومصابون هناك، صراخ وبكاء في كل زاوية، هدم ودمار وقتل وتشريد بلا تمييز، على مدار الساعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟!.
الأمر الذي كشف للعالم كلِّه حقيقة هذا الكيان العنصري الإجرامي، وأنه بالفعل لا يستحق الحياة بين الناس، وأنه لا أمن ولا أمان لمن جاوره أو سكن معه.
أخيرا: أيها العالَم المتحضر: سجونكم أفضلُ احتراما لكرامة الإنسان مما نعيشه، نرجوكم أن تتدخلوا لرفع الحصار والمعاناة عنا من قبل إسرائيل، نريد العيش بكرامة وإنسانية كسائر البشر، سمعتم النداء فهل من مجيب؟!.
نعم وصلت رسالتكم، وسمعنا شكواكم، فاسمحوا لنا بتوجيه ثلاث رسائل:
أولاها: لكم يا أهل غزة: ومحتواها أن الجهاد على أرضكم، هو أفضل جهاد على وجه الأرض؛ لأنه ضدَّ أشدِّ الناس عداوة للذين آمنوا، اصبروا فإنكم على الحق إن شاء الله، وطهروا قلوبكم من التعلق بغير الله -تعالى-، وعلقوها بالله وحده، وأَعِدُّوا العُدَّة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في مكة وحده، ولم يكن له نصير إلا الله، فنصره الله، وكفى بالله نصيرا.
وقد رأينا هذه الأيام كيف قمتم يا أبطال غزة بدفع الصهاينة، وكسر شوكتهم، وتلقينهم دروسا في الحرب والصبر والمصابرة، والدفاع عن الحق والكرامة، مع قلة عددكم وعُدَّتِكم، لكن الله -تعالى- لا يترك أولياءه، بل يثبتهم ويقويهم، حتى يتحقق النصر ولو بعد حين.
وكما أن الأحزاب في الخندق لم يحققوا مرادهم، بل رجعوا على أعقابهم خاسرين، فكذلك سيرجع الصهاينة خاسرين إن شاء الله، فالبغيُ مهما زمجَرَ فإلى تتبيرٍ وزَوالٍ، كيف لا وربنا -سبحانه- هو القائل: (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الروم: 47].
وفي المبادئ العسكرية: الضربة التي لا تُمِيتُ تُقَوِّي، فأنتم أصبحتم أقوياء بشهادة العالم الذي أذهلتموه بثباتكم في وجه أعتى قوة متغطرسة في المنطقة، وعَدَمِ تنازلكم عن مطالبكم الشرعية -ثبتكم الله ونصركم-.
وللعلم فإن الشعوب غير المسلمة بدأت تكره الصهاينة بسبب أفعالهم، بعد أن عرفوهم على حقيقتهم التي كان الإعلام الممالئ للصهاينة يخفيها عنهم.
الرسالة الثانية: إلى المسلمين جميعا: ومفادها: أن الله -تعالى- أناط بهم تكليفا، وهو أنه يجب عليهم نصرةَ إخوانهم، كلُ بحسب استطاعته، هذا بالمال، وهذا بالدعاء، وهذا بالعتاد، وهذا بالطعام، وآخر بالإعلام، وهكذا.
وكلما كان المسلم قريبا منهم كان التكليف إليه أقرب، وكلما كان المسلم قادرا كان التكليف في حقه أوجب، وكلما كان المسلم بينه وبينهم قرابةَ دين أو نسب كان التكليف في حقه أقرب.
والرسالة الثالثة: للحكام: ومفادها: أن الله -تعالى- خوَّلهم هذه المناصب، لينظر كيف يعملون، فإن خذلوا إخوانهم جعل الله الدائرة عليهم، وخذلهم في مواطنَ يحبون فيها النصرة.
وفيما خذل الله به حكام اليوم عبرة: كزين العابدين، والقذافي، ومبارك، وعلي صالح، خذلهم في وقت يحبون فيه النُّصرة، وأنتم مسؤولون عما يجري، والتاريخ لن يعفيكم من هذا السكوت على هذا العدوان الآثم.
ومن الخزي والعار: تآمر بعض الدول العربية على إخوانهم في غزة.
وللجميع أقول: من كان قادرا على تقديم شيء ولم يقدمه لهم فيعتبر من جملة المخذِّلين، فانتبهوا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تُنتهكُ فيه حرمته، ويُنتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موضع يحب فيه نُصرتَه، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع يُنتقص فيه من عرضه، ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يُحبُ فيه نُصرتَه"[أخرجه المنذري وحسنه، وكذا ابن حجر].
والحمد لله، لم تقصر الجالية الإسلامية في هذا الواجب، حيث قامت الأسبوع الماضي، بجمعياتها ومؤسساتها الخيرية، بحملة تبرعات عبر الإذاعات لنصرة إخوانهم في غزة.
وكان لرابطتكم رابطةِ أهل السنة والجماعة السبقُ في ذلك -والحمد لله-، حيث جمعت في مصلاها في لاكمبا خلال العشر الأواخر من رمضان ما يزيد على 250 ألف دولار، ما بين زكاة مال وفطر وصدقات، وحولتها إلى غزة.
كما جمعت في ليلة واحدة في مسجد الأزهر ما يزيد على 100 ألف دولار لإخواننا في سوريا، والباب لا زال مفتوحا لكم في أي مسجد، أو مركز من مراكز الرابطة الثمانية في سدني -جزاكم الله خيرا على دعمكم المستمر لإخوانكم-.
مطالب:
ومن هنا: فإن الجالية الإسلامية تطالب الحكومة الأسترالية باتخاذ موقف صريح وواضح من جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الغاشم، على مرأى ومسمع من العالم، وبالضغط الجاد على المجتمع الدولي والكيان الصهيوني لإيقاف مجازره؛ لأن السكوت على الجريمة جريمة بحد ذاتها.
كما نطالبها بالتوقف والكف عن اتخاذ المواقف المزدَوَجة فيما يتعلق بالصراعات الدولية، فمناصرة المظلوم في سوريا وغيرها جريمة، في حين أن دعم الظالم المحتل، والالتحاق بجيشه مسموح به قانونيا، ففي أي قاموس وجدتم هذا، أم أنه الهوى؟!.
وتوجه الجالية نداءً لأصحاب الحريات وحقوق الإنسان: أن يقوموا من جهتهم بضغط عالمي جاد، لإيقاف هذه المجازر كلٌ من ناحيته، والتاريخ لن يعفي أحدا يسكت عن هذه الجرائم.
أيها المسلمون: نعود للعيد، فأعيادُنا وفَرَحُنَا بها ليست كأعياد أهل الأرض، وفرحهم بأعيادهم، أعيادنا شرعية شرعها الله -تعالى- لنا، فهي دين وعبادة، ذكر وتكبير وصلاة، فرحة وصلة وتزاور، محبة وتوسعة على العيال، بالمباحات بعد هذه الطاعات: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ)[يونس: 58].
فالمعنى الحقيقي للعيد: أن تفرحوا بفضل الله عليكم وبرحمته لكم، وبالزينة التي زينكم الله بها، وبهذه الطيبات التي رزقكم الله إياها.
وأعظمُ من هذا كله: أن تفرحوا بالإسلام وأنكم مسلمون، وبأن الله -تعالى- قد أكمله لكم بعد أن رضيه لكم، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة: 3].
فافرحوا بالعيد وروِّحوا عن أنفسكم بما أباح الله لكم: "حتى تعلم يهود أن في ديننا فسحة" كما قالها في العيد خير البرية -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون: بِرُّوا والِدِيكُم، وصِلُوا أرحامكم، وأحسنوا إلى جيرانكم، وأدخلوا السرور على أهلكم وأولادكم، وأشعروهم بأن العيد عيدُهم.
أيها الأبناء: انتبهوا جيدا لكبار السن عندكم، فإنهم لا يريدون في هذا اليوم هدايا ونقود كالأولاد، بل يريدون أن تبقوا بجوارهم هذا اليوم تحتفلون معهم، وتستقبلوا زوارهم الذين جاءوا لمعايدتهم، فحققوا لهم أمنيتهم.
وأنتم -أيها المتخاصمون-: قوموا إلى إخوانكم، وبادروا بمد أيديكم إليهم، لتعيدوا البسمة إلى وجوهكم، ودَعُوا هذا النزاع والفُرقة، إن كنتم صمتم لله فهذا الذي صمتم له يدعوكم للوصال، ويتوعد المعرضين بقوله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22-23].
وكلَّ أعمالكم الفائتة ستظل موقوفةً لن تروا أثرها حتى تمتثلوا أمر الله -تعالى-.
واعلموا أن من عفا عمن ظلمه عفا الله عنه، قال جبير بن نفير -رحمه الله-: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك".
وأنت -أيها الأخ المسلم-: يا من نزلتَ ضيفًا على بيتِ الله في شهر رمضان، يا من عوَّدت لسانك ذكر الرحمن، وبصرك النَّظر في القرآن، وسمعكَ طَيِّبَ الكلام، وَرِجْلَكَ الانتقال إلى بيوتِ الرحمن، إياك أن تتركَ الصلاة بعد رمضان، فإنَّهُ الخرابُ بعد البنَاء وربِّ الكعبة، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ"[رواه مسلم].
وأنتم -يا دعاةَ الإسلام-: أنتم أحسنَ الناس قولاً، فليكن في أولويات دعوتكم: الاهتمامُ بتوحيد الله -تعالى-، والتحذيرُ من الشرك والبدع، ثم انطلقوا بعد ذلك في بيان حقائق الدين وأخلاقه ومحاسنه الكبرى، تواضعوا للناس، واقتربوا منهم، وتعاونوا معهم على البر والتقوى -جزاكم الله خيرا-.
ويا شباب الإسلام: أنتم أغلى ما في الأمة إذا تمسكتم بدينكم، فتمسكوا به، واحرصوا على أخذه من أهله، والعمل به، بلا غلو ولا تقصير، وإياكم والتعجُّلَ والعواطفَ المتأجِّجة، والحكمَ على الناس بجنة أو نار، أو بدعة أو سُنَّة، وإنما يدخل الأعداء على الأمة من قِبَل الشباب إذا انحرفوا، ومن قِبَل النساء إذا فسدن، فالحذر الحذر.
ويا أهل الإعلام من المسلمين: الإعلامُ شِريان حيوي، يُؤثِّر سلبًا أو إيجابًا على الناس، فسيِّروه بما يُصْلِحُ العقول، ويُغذِّي الأرواح وفق تعاليم الإسلام وأخلاقه العالية، أنشروا الفضيلة، وحذروا من الرذيلة، ووعُّوا المسلمين بقضايا أمتهم، وعالجوا مشكلاتهم، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"[رواه البخاري].
ويا معشر الرجال والنساء: تذكروا أن الله -تعالى- في آيات الصيام، قال: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)[البقرة: 187].
(هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ) يعني: نساؤكم ستر وغطاء لكم.
(وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) يعني وأنتم كذلك ستر وغطاء لهن تُعِفُّهُنَّ، مثلَ الثوب يحمي صاحبه من الحر والبرد، ويستر عورته، أنت تسترها وتُعِفُّها، وهي كذلك تسترك وتُعِفُّكَ.
تذكروا أنكم زوجين ولستما عدوين، فاصلحوا ما بينكما، فالعيد فرصة لإصلاح العلاقات الاجتماعية، أسكنوهن، وأنفقوا عليهن، وعاشروهن بالمعروف، ولا تضربوهن، ولا تقبحوهن، فخلق الله كله حسن.
ويا فتاة الإسلام: كوني كما أرادَك الله، لا كما يريدُك أعداؤه، فالأمل بعد الله -تعالى- معقود عليك في تربية الأجيال، وصناعة الرجال، فكوني أُمّاً تصنع أُمَّةً، فإن إمام أهل السنة أحمدَ ابن حنبل نشأ يتيماً، فصنعته أمه، برعاية الله -تعالى- وتوفيقه.
وكذلك أمُّ الشافعي، ما ردها الفقر واليتم عن صُنعه إماما من أكبر أئمة المسلمين.
بل كثير من الأمهات، ما رضين إلا أن يُخَرِّجْنَ أئمة كبارا حفروا أسماءهم في التاريخ البشري.
فنحن اليوم بحاجة لأم حانية على أولادها، تربيهم على الإيمان والتقوى، تجاهد نفسها على أمرهم بالصلاة، نحن بحاجة إلى زوجة عطوف متوددةٍ إلى زوجها، صابرةٍ على أذيته، تُكرمه إذا حضر، وتحفظه إذا غاب، تعينه على الخير إذا أقبل عليه، وتثنيه عن الشر إذا توجه إليه، فرباط الزوجية وثيق لا ينقطع حتى بالموت.
إخواني: وإن رابطة أهل السنة والجماعة بكافة مساجدها ومراكزها، وعلى غرار أخواتها من الجمعيات الإسلامية، تعتبر نفسها رافدا أساسيا من روافد العمل الدعوي في أستراليا، ومكمِّلا لجهود من سبقها ومن معها ومن سيلحقها، وهي حريصةٌ كلَّ الحرص قولا وعملا، على تقوية أواصر التعاون البنَّاء لما فيه مصلحةُ الجالية، في سبيل الرقي بهذه الجالية الكريمة إلى مستوى التميز والريادة التي تليق بحجمها.
وإن رابطة أهل السنة والجماعة، كمؤسسة دعوية عمرها أكثر من ربع قرن، لتعتز بخدماتها المتنوعة للجالية الإسلامية، والتي على رأسها:
الدعوة إلى الله -تعالى-، والمتمثلة في: الإذاعة، وإقامة الدروس والخطب والمحاضرات والمؤتمرات، ودوراتِ ومدراسِ تحفيظ القرآن، والمسابقاتِ فيه، والمعاهدِ الشرعية في أغلب مراكزها، بالإضافة إلى تقديم خدماتٍ أخرى للجالية كتأمين الخطباء للمراكز والمساجد، وإقامةِ المخيمات السنوية للأُسر والشباب، وتسيير حملات الحج، وحفر الآبار، وكفالة الأسر الفقيرة، والأيتام والأرامل، والدعاة وطلاب العلم، مع إقامة الإفطارات الرمضانية لأبناء الجالية.
بالإضافة إلى تفاعل الرابطة ومشاركتها في قضايا الجالية السياسية والاجتماعية، وتأمين عقود الزواج والطلاق، وتقديم الحلول الشرعية للمشاكل الأسرية والزوجية.
أخيرا: يبقى دَوركم أيها الكرماء رجالا ونساءً وشبابا، في استمرار الدعم والمؤازرة، فمشاريع الجالية الإسلامية قائمةٌ بعد الله على أمثالكم، فاستمروا في دعم المراكز والمساجد والمصليات والمعاهد والمدارس والإذاعات الإسلامية القائمة على الدعوة إلى الإسلام: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة:195].
أَتْبِعوا رمضان بصيام ستة أيام من شوال، يُكتب لكم صيام العام، صوموها متتابعة، أو متفرقة.
لكن الواجب على من أفطر في رمضان لعذر كالحائض، أن تقضي أيامها أولا، ثم تصومُ الستَّ من شوال.
وأخيرا: نصيحتان أتوجه بهما إلى إخواني وأخواتي:
الأولى: للذين يدفعون زكاة الفطر صبيحة هذا اليوم، أقول: السُّنة أن تدفعوها صبيحة هذا اليوم، قبل صلاة العيد للمساكين وليس للجمعيات، فانتبهوا -جزاكم الله خيرا-.
والنصيحة الثانية: للذين يصلون في البيوت كالنساء، أن لا تصلوا الفجر إلا بعد الأذان بعشر دقائق على أقل تقدير، ليكون وقت الفجر قد دخل بالفعل، وللعلم فإن الرجال في المساجد لا يصلون الفجر إلا بعد عشرين دقيقة من الأذان- وفقكم الله لما يحيه ويرضاه-.
عباد الله: تذكَّروا بجمعكم هذا قدومَكم على الله، ووقوفَكم يوم القيامة بين يديه، فإنا بعد الموت إليه صائرون، وعلى ما قدَّمنا من الأعمال قادمون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم تفضل على هذا الجمع بعتقهم من النار، وإخراجهم من ذنوبهم كيومِ ولدتهم أمهاتهم، اللهم لا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي متقبَّل مشكور، يا ودود يا غفور.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي