إن من أعظم دلالات شهر رمضان في حياة أمة الإسلام إلى جانب أنه شهر عبادة وطاعة وتربية للنفوس؛ فهو كذلك شهر ينفث في الأرواح، ويقرر في المشاعر الأمة الواحدة، والمصير الواحد، والمصلحة الواحدة، والدين الواحد، والقبلة الواحدة، والتعاليم والتوجيهات الواحدة، وإن من أكبر المصائب التي ابتُليت بها هذه الأمة وفتت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها: الاختلاف والتفرق، والعصبية المقيتة، والتنازع على توافه الأمور، والتخاصم والفجور في الخصومة، وفساد ذات البين على مستوى الأسرة والقبيلة والمجتمع والدول والأوطان، بالتالي ضعفت هذه الأمة وخارت قواها وتشتت جهودها وتعرضت للنكسات والهزائم وتوقف الإبداع والتطور والازدهار الحضاري...
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر... الله أكبر،الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد..
الحمد لله مستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم مسئول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة. صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وتابعيه صلاة تشرق إشراق البدور.
أما بعد: أيها المسلمون /عباد الله: لقد عاش المسلمون في جميع بلاد الدنيا وأصقاع الأرض.. في المدن والقرى.. في البادية والحضر.. وعلى قمم الجبال وسهول الوديان.. وعلى ضفاف الأنهار وسواحل البحار.. وفي الصحاري والغابات.. عاش المسلمون شهر رمضان بما فيه من معاني وقيم وأخلاق وتعرضوا لنفحات الرحمن ورياح الإيمان، وتزودوا فيه الكثير من الأعمال، وتحللوا فيه من الذنوب والمعاصي والآثام..
فكان شهر رمضان محطة إيمانية ومحراب عبادة وميدانًا تربويًّا وساحة بذل وعطاء وعمل وجد واجتهاد؛ لتستقيم النفوس على طاعة ربها ومنهاج نبيها محمد -صلى الله عليه وسلم- طوال العام وحتى تلقى ربها وقد ثبتها بالإيمان الخالص والعمل الصالح والتوجه الصادق ولتؤدي واجبها في هذه الحياة وتعمر هذا الكون بكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله.
إذا جلجلت الله أكبر في الوغى *** تخاذلت الأصوات عن ذلك الندا
ومن خاصم الرحمن خابت جهوده *** وضاعت مساعيه وأتعابه سُدى
فيا من ودعتم شهراً كريماً، وموسماً عظيماً، صمتم نهاره، وقمتم ما تيسر من ليله، وأقبلتم على تلاوة القرآن، وأكثرتم من الذكر والدعاء، وتصدقتم بجودٍ وسخاء، وتقربتم إلى ربكم بأنواع القربات، رجاء ثوابه وخوف عقابه، فكم من جهود بُذلت، وأجساد تعبت، وقلوب وجلت وأكفّ رُفعت، ودموع ذُرفت، وعبرات سُكبت، وحُق لها ذلك في موسم المتاجرة مع الله، في موسم الرحمة والمغفرة، والعتق من النار.
لقد ودعتم شهر رمضان، وقد أحسن فيه أناس، و قصر فيه آخرون، فلا إله إلا الله كم من مقبول هذا اليوم فرح مسرور، ولا إله إلا الله كم من مردود هذا اليوم خائب مثبور، جعلنا الله وإياكم من المقبولين عند رب العالمين..
ولن يعدم المسلم من ربه خيراً وما منكم من أحد إلا وقد قدّم بين يدي ربه خيرًا كثيرًا فأحسنوا العمل وأحسنوا الظن به سبحانه، واشكروه على نعمه وفضله واستقيموا على دينه، وحافظوا على عبادته، وتزودوا من القربات قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" (صحيح مسلم)..
عباد الله: إن من أعظم دلالات شهر رمضان في حياة أمة الإسلام إلى جانب أنه شهر عبادة وطاعة وتربية للنفوس؛ فهو كذلك شهر ينفث في الأرواح، ويقرر في المشاعر الأمة الواحدة، والمصير الواحد، والمصلحة الواحدة، والدين الواحد والقبلة الواحدة، والتعاليم والتوجيهات الواحدة، وإن من أكبر المصائب التي ابتُليت بها هذه الأمة وفتت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها: الاختلاف والتفرق، والعصبية المقيتة، والتنازع على توافه الأمور، والتخاصم والفجور في الخصومة، وفساد ذات البين على مستوى الأسرة والقبيلة والمجتمع والدول والأوطان..
وبالتالي ضعفت هذه الأمة وخارت قواها وتشتت جهودها وتعرضت للنكسات والهزائم وتوقف الإبداع والتطور والازدهار الحضاري وصدق الله عز وجل إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:45، 46]..
إن التنازع مفسد للبيوت والأسر، مهلك للشعوب والأمم، سافك للدماء، مبدد للثروات.. نعم (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].
بالخصومات والمشاحنات تُنتهك حرمات الدين، ويعم الشر القريب والبعيد. ومن أجل ذلك سمى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فساد ذات البين بالحالقة، فهي لا تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدين، فمن خطورتها أنها تذهب بدين المرء وخُلقه وأمانته..
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ.؟" قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ؛ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ" (صحيح: رواه أبو داود (4919)، والترمذي (2509).
ويروى عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "هِيَ ،الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ" (حسن لغيره، انظر: صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (3/44/ رقم 2814) وغاية المرام: 414)..
ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" (سنن الترمذي: (2434) قال الألباني: (حسن) صحيح الترغيب (3/12)، الإرواء (238).
أيها المؤمنون /عباد الله: قد حرص الإسلام على إقامة العلاقات الودية بين الأفراد والجماعات المسلمة، ودعم هذه الصلات الأخوية بين القبائل والشعوب، وجعل الأساس لذلك أخوة الإيمان، لا نعرة الجاهلية ولا العصبيات القبلية، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- أقام الدليل القاطع على حقيقة الأخوة الإيمانية وتقديمها على كل أمر من الأمور الأخرى، فها هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤاخي بين المسلمين المهاجرين والأنصار في بداية بناء دولة الإسلام، وأخذ ينمي هذه الأخوة، ويدعمها بأقوال وأفعال منه -صلى الله عليه وسلم- تؤكد هذه الحقيقة الغالية فقال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (البخاري 13 ومسلم45).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (مسلم: 2586)...
وأمر الله المسلمين بالاعتصام بحبل الله المتين وذكّرهم بحياة الشقاء والبغضاء والعداوت وكيف أنها كانت سبباً لدخولهم النار لولا رحمة الله وفضله بهم قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103]..
فكانوا قوة يوم اعتصموا بحبل الله المتين، فنبذوا كل ما يفرق الأمة من قوميات وعصبيات وعنصريات ونَعَرَات جاهلية؛ وأطماع دنيوية، وتحصنوا بهذه الأخوة من مكر الأعداد وتخطيطهم لضرب الإسلام والوقيعة بين المسلمين وإثارة الخلافات والنعرات بينهم..
ولقد أينعت هذه الأخوة وآتت أكلها أضعافاً مضاعفة، وكان المسلمون بها أمة واحدة تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، رسالتهم واحدة وهدفهم واحد، فنشروا التوحيد والعدل في الآفاق، ورفعوا الظلم عن كاهل المستضعفين ووقفوا أمام الجبابرة والطغاة حتى قال شاعر الإسلام محمد إقبال مصوراً هذه الحقيقة :
كنا جبالاً في الجبال وربما *** سرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا *** قبل الكتائب تفتح الأمصارا
ندعو جهاراً لا إله سوى الذي *** صنع الوجود وقدر الأقدارا
ورؤوسنا يا رب فوق أكفنا *** نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
كنا نقدم للسيوف صدورنا *** لم يوما نخشى غاشما جبارا
وكأن ظل السيف ظل حديقة *** خضراء تنبت حولها الأزهارا
كنا نرى الأصنام من ذهب *** فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها *** كنزاً وصاغ الحلي والدينارا
فعودا إلى دينكم وأخوتكم، وأصلحوا ما فسد من أحوالكم، واحذروا نزغات الشيطان ومؤامرات الأعداء، وكونوا عباد الله إخوانا واحفظوا دماءكم وأعراضكم تفلحوا في دنياكم وأخراكم.. اللهم ردنا إلى ينك رداً جميلاً.. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة، وأصيلاً، الله أكبر ما أشرقت وجوه الصائمين بِشْرًا.. الله أكبر ما تعالت الأصوات تكبيراً وذكراً... الله أكبر ما توالت الأعياد عمراً ودهراً..
أيها المسلمون/ عباد الله: هذا يوم عيدكم اجعلوه يوم فرح وتوسعة على الأهل والأولاد وصلوا آباءكم وأمهاتكم وأرحامكم، وانظروا في أحوال الفقراء والمساكين والمرضى والأيتام، وأدخلوا عليهم الفرح والبهجة والسرور، وأكثروا من ذكر الله وشكره واسألوه من فضله واستقيموا على الطاعات والعبادات سائر أيامكم وتسامحوا فيما بينكم..
ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اجمع شمل المسلمين، ولمّ شعثهم، وألف بين قلوبهم واحقن دمائهم..
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين.. اللهم تقبل منا صيامنا وصلاتنا وسائر أعمالنا واستعملنا في طاعتك، وادفع عنا وعن المسلمين شر الأشرار وكيد الفجار وطوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا أرحم الراحمين..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي