إن هذا الدين هو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة. في الدنيا، يعصم الدم والمال، ويوفّر الأمن والاستقرار، ويجلب القوة والاتحاد بين المسلمين، حتى تصبح لهم السيادة والقيادة والسعادة في الأرض. وفي الآخرة، ينجي من النار، والعذاب الأليم، ويكون سبباً لدخول جنات النعيم، والسلامة من الأخطار والآفات. وبدون هذا الدين لا نجاة ولا سعادة، وإنما...
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- واشكروا نعمته، حيث أرسل إليكم أفضل الرسل، وأنزل عليكم خير الكتب، وشرع لكم أكمل الشرائع، ورضي لكم الإسلام ديناً، فقد أرسل الله رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- على حين فترة من الرسل، يهدي به إلى أقوم الطرق، وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته، علم به من الجهالة، وبصّر به من العمى، وأرشد به من الغيّ، وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صمّاً، وقلوباً غلفاً، وأشرقت الأرض برسالته بعد ظلماتها، وتألّفت به القلوب بعد شتاتها، وسارت دعوته سير الشمس في الأقطار، وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار، وترك أمته على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك، قال الله -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران: 164].
نعم، كانوا في ضلال مبين في عقائدهم، حيث كانوا يعبدون الأصنام والأشجار والنيران، ومنهم مَن يعبد الملائكة، والأولياء ويقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر: 3].
وهذه حالة الوثنيين من العرب وغيرهم، ولا تَقِلُّ عنها في الضلال حالة المليّين من اليهود والنصارى، حيث حرّفوا دين الأنبياء واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم.
وكان الناس في ضلال مبين في حياتهم السياسية، وخصوصاً العرب، فقد كانوا يعيشون في غارات وثارات وحروب طاحنة.
وكانوا في ضلال مبين في حياتهم الاقتصادية ومعايشهم، كانوا يتعاملون بالربا، ويعيشون من النهب والسلب، ويأكلون الميتات والدم، وكانوا يسيبون بعض مواشيهم وزروعهم للأصنام، فلا ينتفعون بها، بل كان بعضهم يقتل أولاده تقرباً إلى الأصنام، وكانوا يقتلون بناتهم خشية العار.
هكذا كانت حالة أهل الأرض قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في الحديث: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقت عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب" أي: نزراً يسيراً ممّن تمسك بما جاء به عيسى -عليه السلام-، في هذا الجو المظلم أشرقت أنوار الرسالة المحمدية.
وقد اشتدت حاجة البشرية إليها، على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، فعلّم به من الجهالة، وهدى به من الضلالة، وأغنى به بعد العيلة، وأعزّ به بعد الذلّة، وكَثّر به بعد القلّة، كما قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 26].
وقد جمع الإسلام بين القلوب المتنافرة، والقبائل المتناحرة، فجعلها أُمة واحدة، وإخواناً متحابّين في الله، وإن اختلفت أنسابهم، وتباعدت ديارهم، قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].
وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 62 - 63].
نعم، ربط بينهم برباط الدين الذي هو أقوى من رابطة النسب، بل إن رابطة النسب لا قيمة لها مع اختلاف الدين، قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة: 22].
ولذلك لا يرث الكافر قريبه المسلم، ولا يرث المسلم قريبه الكافر، لانقطاع الرابطة بينهم، فالرابطة التي تجمع المفترق، وتؤلف بين المختلف، هي رابطة "لا إله إلا الله" التي تجعل المجتمع الإسلامية كله كأنه جسد واحد، وتجعله كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ المسلمين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
بل إن دين الإسلام هو الرابطة التي ربطت أهل السماء بأهل الأرض، كما قال تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر: 7].
وقال تعالى: (وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ) [الشورى: 5].
فالذي ينادي برابطة غير رابطة الإسلام كرابطة القومية والعصبية إنما يفرّق ولا يجمع، وإنما يدعو بدعوى الجاهلية، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منّا مَن ضرب الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية".
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن تعزّى عليكم بعزاء الجاهلية فأعِضّوه بهَنِ أبيه ولا تُكنُوا" أي: قولوا له: "اعضُض بفرج أبيك".
إهانة له؛ لأنه يدعو إلى شيء قبيح.
وفي بعض الغزوات حصلت مشادّة بين رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال المهاجري: يا للمهاجرين. وقال الأنصاري: يا للأنصار، فسمعها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما بال دعوى الجاهلية" ثم قال: "دعوها فإنها منتنة".
فأمر صلى الله عليه وسلم بترك هذه الدعوة، وأخبر أنها منتنة، والمنتن خبيث، والله -تعالى- حرّم علينا الخبائث، ومن ذلك النداء بالقوميات والعنصريات، ولا سيما إذا كان القصد من ذلك الاعتياض به عن رابطة الإسلام، كما يريد دعاة القومية اليوم.
وقد بيّن الله -سبحانه- أن الحكمة من جعله بني آدم شعوباً وقبائل هي للتعارف فيما بينهم، وليس للتعصب للعنصريات والقوميات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [الحجرات: 13].
أي ليحصل التعارف بينكم كلٌّ يرجع إلى نسبه وإلى قبيلته، لا لتفاخروا بأنسابكم وقوميتكم، فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء، وإنما يتفاضلون بالإيمان والتقوى، ولهذا قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات: 13].
عباد الله: إن هذا الدين الذي جمع الله به بين القلوب ووحد به الأمة الإسلامية، حتى صارت أعظم قوة على وجه الأرض تهاوت تحت أقدامها عروش الأكاسرة والقياصرة، فأسقطت أعظم دولتين على وجه الأرض هما: دولة الفرس، ودولة الروم.
إن هذا الدين صالح اليوم وفي كل زمان؛ لأن يعيد لهذه الأمة عزّتها ومكانتها إذا رجعت إليه، وتمسكت به، كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون: 8].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].
وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النــور: 55].
إن هذا الدين هو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة.
في الدنيا، يعصم الدم والمال، ويوفّر الأمن والاستقرار، ويجلب القوة والاتحاد بين المسلمين، حتى تصبح لهم السيادة والقيادة والسعادة في الأرض.
وفي الآخرة، ينجي من النار، والعذاب الأليم، ويكون سبباً لدخول جنات النعيم، والسلامة من الأخطار والآفات.
وبدون هذا الدين لا نجاة ولا سعادة، وإنما الخسارة الدائمة، والشقاوة اللازمة.
نسأل الله -عزّ وجلّ- أن يرزقنا التمسك بهذا الدين، والثبات عليه إلى يوم نلقاه، إنه قريب مُجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].
بارك الله لي ولكم في القرآن ...
الحمد لله على فضله وإحسانه، رضي لنا الإسلام ديناً، وأمرنا بالتقوى؛ لأنها خير لباس. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو رب الناس، ملك الناس، إله الناس، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، وشرح له صدره، ورفع له ذكره، وجعل الذلّة والصغار على مَن خالف أمره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وكلّ مَن آمن به، وتمسك بسنّته إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتمسكوا بالإسلام الذي اختاره الله سبيلاً إلى دار السلام.
واعلموا أن كثيراً من المنتسبين إلى الإسلام اليوم اكتفوا بمجرد الانتساب من غير تحقيق لتلك النسبة من حيث التمسك بعقائده وشرائعه، فهم في العقيدة على دين الجاهلية يعبدون القبور، ويتقربون إليها بأنواع القربات كما كان أهل الجاهلية يعبدون اللات والعزّى ومناة، ويتخذون من مشايخ الطرق الصوفية أرباباً من دون الله، يشرعون لهم من الدين ما لم يأذن به الله، من الأوراد البدعية، وإحياء الموالد والذكريات المشتملة على كثير من الخرافات والشركيات.
وبعضهم ينتسب إلى أهل البيت كذباً وزوراً، يريد من ذلك إغراء الجهال بالتبرّك به واتباعه على الباطل.
وهو يعلم أن مجرد النسب، لو صحّ، فإنه لا يغني عنه من الله شيئاً إلا إذا استقام على الحق، قال صلى الله عليه وسلم: "مَن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
وهذا أبو لهب عمّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينفعه نسبه، لما كان على دين المشركين، قال تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) [المسد: 1] إلى آخر السورة.
وبعض المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بغير ما أنزل الله، فيحكمون القوانين الوضعية بدلاً من الشريعة الإسلامية الله -تعالى-، يقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا) [النساء: 60].
وهم في مجال التعامل لا يتورعون عن حرام، فيتعاملون بالربا والغش والخديعة والكذب، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن غشّنا فليس منّا".
وقال عليه السلام: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره".
ولا يأخذون من الإسلام إلا ما يوافق رغباتهم.
وما خالف رغباتهم رفضوه كحال الذين قال الله -تعالى- فيهم: (كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ) [المائدة: 70].
والذين قال الله فيهم: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) [النــور: 48 - 49].
فاتقوا الله وتمسكوا بدينكم فيما أحببتم وفيما كرهتم، فربما يكون الذي كرهتم خيراً مما أحببتم، قال تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
واعلموا -عباد الله- أن خير الحديث كتاب الله ... إلخ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي