خطبة عيد الفطر 1436هـ ..كن بساما بشوشا ولا تكن عابسا مقطبا

أحمد بن ناصر الطيار
عناصر الخطبة
  1. مكانة حسن الخلق في الإسلام .
  2. تأملات في قصة عبوس النبي في وجه ابن أم مكتوم .
  3. فضل الابتسامة والبشاشة في وجوه الناس .
  4. الفرق بين الضحك والابتسام .
  5. العيد فرصة للتصافي والتلاقي. .

اقتباس

إنَّ طلاقةَ الوجه وحسن البشاشة والبشر هو السِّحر الحلال الجذَّاب, وهو الذي يَسْتولي على العقول والألباب, وصاحبُ البِشْرِ محمودةٌ أفْعاله, مقبولةٌ هنَّاته, بخلاف العابس الْمُقطِّب, الْمُتجهِّمِ الشَّاحب, فهو والله ممَّا يُستعاذُ منه, وتَستولي على القلب كُرَبٌ وضِيقٌ عند لَقَائه.. البشاشة والابتسامة ليست سُلُوكًا نكسب بها وُدّ الناس, وإنما هي عبادةٌ نتقرّب بها إلى الله –تعالى-, فإذا قصّرنا فيها فنحن نستحقّ العتاب واللوم من الله –تعالى-, وإذا أدّيناها كما أُمرنا فزنا بالأجر العظيم...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي جعل لنا في الإسلام عيداً، وأجزل لنا فيه فضلاً ومزيداً، وتفضَّل علينا بإكمال شهر رمضان، شهر الرحمة والغفران، فيسَّر لنا فيه بالصيام والقيام، وزاد علينا نعمةً هي نعمةُ الأمن والأمان, ونحن نرى من حولنا يتجرعون مرارةَ الخوفِ والقتلِ والحرمان, فالحمد لله المحمود بكلِّ لسان, سبحانه ما أعظم شأنه، وأحكم صنيعه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مالكُ الدنيا ويومِ الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, الذي هدى الخلق إلى الصراط المستقيم، وأخرجهم من حفرة النار إلى دار النعيم، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً تامّين إلى يوم الدين.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله , الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

أمة الإسلام: أوصيكم ونفسي بتقوى الله –تعالى- في السراء والضراء, والعافيةِ والبلاء.

معاشر المسلمين: إننا نحمد الله –تعالى- يوم أنْ سهَّل علينا صيامَ شهرِ رمضان, ويسَّر لنَا قيام ليلِه بفضلِه ومنّتِه, فنحمده سبحانه ونشكره, ونسأله شكرَ نعمته, ودوام مِنْحَتِه.

معاشر المسلمين: كان نبيّنا وإمامنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا مشغولاً مع كبار المشركين, ومُنْهَمِكًا مع ساداتهم ورُؤَسائهم, يدعوهم للإسلام, ويتلو عليهمُ القرآن.

فينما هو على هذا الحال, إذا بصوتٍ يُناديه, ويُقاطع حديثه مع عِلْيةِ القوم, ويطلب منه أنْ يُصغيَ إليه, وجعل يسألُه عن شيءٍ ويلح عليه, فالْتفت وإذا به رجلٌ ضرير العينين, لكنه صحيحُ السمع, فقد سمع حديثه معهم ولم يُراع ذلك, ولم يصبر حتى يفرغَ منهم, وهذا الرجل هو ابنُ أمِّ مكتوم, -وكان ممن أسلم قديمًا-, وقد أحبَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-, أنْ لو صبر وسكت حتى يفرغ من إقناع القوم بالإسلام, لكنَّهُ مضى في إلحاحه وطلبِه, فتضايق منه وعَبَس في وجْهِهِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، لِيُكْمل حديثه معهم.

فما كان من الله تعالى إلا أنْ أنزل قرآنًا يُتلى إلى يوم القيام, يُعاتب فيه نبيّه وخليله -صلى الله عليه وسلم- على عُبوسِه وتولّيه بِقَوْلِهِ: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) [عبس: 1- 5], إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (كَلَّا). أي: لا تَعْبَسْ في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدّى لمن استغنى.

فلم يكن خطأُ الأعمى مُبيحًا لعبوس النبي -صلى الله عليه وسلم- له, فهل يُباح العبوس في وجوه المسلمين لغيره؟

إذا كان الله –تعالى- عاتَب نبيَّه وخلِيله -صلى الله عليه وسلم-, بِعبُوسِه في وجْهِ أعمى لا يَشْعُرُ بِعبُوسه، فكيف بمن عَبَس وكَلَح في وجه مَن يُبْصر ويُؤلِمُه ذاك العُبوس!, كيف بمن هو شاحب الوجه, كالحٌ مُقطّبٌ على كلّ أحوالِه, وعلى أقربائه وأهلِه؟!

وقد ذكر بعضُ العلماء, أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ وَالزَّجْرَ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِفَقْدِ بَصَرِهِ لَا يَرَى الْقَوْمَ، لَكِنَّهُ لِصِحَّةِ سَمْعِهِ كَانَ يَسْمَعُ مُخَاطَبَةَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- أُولَئِكَ الْكُفَّارَ، وَكَانَ يَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ أَيْضًا، وَكَانَ يَعْرِفُ بِوَاسِطَةِ اسْتِمَاعِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ, شِدَّةَ اهْتِمَامِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِشَأْنِهِمْ، فَكَانَ إِقْدَامُهُ عَلَى قَطْعِ كَلَامِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-, وتقديمُه لغرضِه قَبْلَ تَمَامِ غَرَضِ النَّبِيِّ, إِيذَاءً لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

هذا والرسول إنما فعل ذلك حرصًا على دعوة كبار القوم, الذين جاء الأعمى وهو مشغولٌ بدعوتهم ونُصحهم, فقاطعه الأعمى وهو في أوجِ انشغاله, فلم يكن عُبُوسُه عادةً وخُلُقًا له, إنما كان عارضًا أدّاه إليه اجتهادُه.

ومع ذلك عاتبه ربّه في آياتٍ تُتلى إلى يوم القيامة, فغيرُه أحقّ والله بالعتاب الشديد يوم العرضِ على الله تعالى, هو أحقّ أنْ يُقرَّعَ على كُلُوحِه, وأنْ يُوبَّخَ على عُبُوسِه.

هذا إذا كان شُحوبَ الوجه فقط, فكيف إذا صاحب ذلك بذاءةُ اللسان؟ أو القطيعةُ والخصام؟ فالعتاب سيتضاعف يوم الحساب.

يا أَخِيْ لا تَمَلَّ بِوَجْهِكَ عنّي *** ما أنَا فَحْمَةٌ ولَا أنْتَ فَرْقَدُ

عند ذلك نعرف قيمة الأخلاق في ديننا, نعرف مكانة البشاشةِ والابتسامة, فهي ليست سُلُوكًا نكسب بها وُدّ الناس, وإنما هي عبادةٌ نتقرّب بها إلى الله –تعالى-, فإذا قصّرنا فيها فنحن نستحقّ العتاب واللوم من الله –تعالى-, وإذا أدّيناها كما أُمرنا فزنا بالأجر العظيم.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله , الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد...

أمة الإسلام: إنَّ طلاقةَ الوجه وحسن البشاشة والبشر هو السِّحر الحلال الجذَّاب, وهو الذي يَسْتولي على العقول والألباب, وصاحبُ البِشْرِ محمودةٌ أفْعاله, مقبولةٌ هنَّاته, بخلاف العابس الْمُقطِّب, الْمُتجهِّمِ الشَّاحب, فهو والله ممَّا يُستعاذُ منه, وتَستولي على القلب كُرَبٌ وضِيقٌ عند لَقَائه.

أخو البِشْرِ محمودٌ على حُسْنِ بِشْرِه *** ولن يَعْدِمَ البغضاءَ مَن كان عابسًا

قال أبو حاتمٍ رحمه الله: "البشاشةُ إدامُ العلماء, وسجيةُ الحكماء؛ لأنَّ البِشْرَ يُطفئُ نار الْمُعانَدة, ويُحْرِقُ هَيَجان الْمُباغَضة, وفيه تَحْصينٌ من الباغي, ومَنْجاةٌ من الساعي, ومَن بَشَّ للنَّاس وجهًا, لم يكن عندهم بِدُون البَاذِلِ لَهُم مَا يَمْلِكُ". ا.ه

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله , الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد...

أمة الإسلام: إنّ الابتسامةَ تختلف عن الضحك اختلافًا جذريًّا.

فالابتسامةُ حالةٌ دائمة, بينما الضحك حالةٌ مؤقتة.

والابتسامةُ لا تكون إلا عن قناعةٍ ورضا داخلي، بينما الضحك قد يكون نتيجةً لحالةٍ مفاجئةٍ طارئة.

ومفعولُها يبقى طويلاً، بينما الضحك لا يلبث أن يتلاشى.

وهي دليلٌ على التواضع، بينما الضحك إنْ صَاحَبَهُ القهقهةُ دليلُ الكبر.

لا تسأل المرء عن خلائقه *** في وجهه شاهدّ من الخبر

إنَّ البشاشةَ تجلب السعادة على الْمُبتسم نفسِه, وعلى من يرونه أو يُقابلونَه.

فأمَّا السعادةُ التي يجدها الْمُبتسم, فهي الراحة النفسيّة, والثناء العطر الذي يسمعه منَ الناس, والحفاوةُ والمحبّةُ التي تزرعها البشاشة في قلوب الآخرين.

وأما أثر الابتسامة على الآخرين, فهو أمرٌ لا يحتاج إلى دليل, فانظر إلى حالك أثناء مُقابلتك لأصحاب البشاشة والابتسامة, تجد نفسك سعيدًا مسرورًا, ولو كنتَ قبل ذلك مهمومًا, وتُحس بالحياة تدُبّ في جسدك, بل إنّك تنسى مرضك عن رؤيتك لهم.

وأمّا العابس والمقطب فعلى عكس ذلك, فلا تُفارقه إلا وينقلب فرحُك حزنًا, وسعادتُك غمًّا, فمُقابلةُ العابس والسلامُ عليه تُكدّر الخاطر, وتُضيّق الصدر, وَتَجْلِبُ الأحزان.

أفلا يستحضر سيئ الخلق والعابس, ما يُسببه من الضيق والهم والغم في نفوس الناس ومَن يُقابلهم؟ ما أعظم ذنبه، وأكثر أعداءَه، وأقلَّ أحبابَه!!.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

نسأل الله تعالى, أنْ يجعل عيدنا عيداً مُباركاً على جميع المسلمين, وأنْ يُعجل بالفرج عنهم, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.

الخطبة الثانية:

الحمد لله المبدئ المعيد، الفعالِ لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ الملكُ الديان، وأشكره سبحانه في كل حين وآن.

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الْمبعوثُ بالرحمة والإحسان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه كرامِ النفوس والأبدان، والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.

 أما بعد:

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

ابتسمْ يا من تحمل هموم أمتك, وتَفَاءَلْ كما كان يتفاءل نبيّك وقدوتك -صلى الله عليه وسلم-. إنَّ تفاؤلَ المسلمِ ليس مكابرةً ولا تسليما للواقع، ولكنه عقيدةٌ راسخةٌ يُؤمن بها، ويعمل في إطارها، سندها كتاب الله عز وجل، (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87].

أيّها المسلم: ابتسم, ثم ابتسم, ثم ابتسم!!

نعم, ابتسم لِتُثَقِّل ميزان حسناتك, قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ".

فابتسامتنا في وجوه الناس لنا فيها أجرٌ عظيم, فهي كما لو تصدقنا بمبلغٍ من المال عند كل ابتسامة، فأيُّ فضيلةٍ ينالُها هؤلاء الْمُسدّدون الْمَحْبُوبُون.

ولكن هذا الأجر مشروطٌ بأن يكون التبسم في الوجه، أي أنك تتبسم وأنت تنظر لوجه أخيك، وهذا قِمَّةُ التأثير عليه.

ابتسم لأجل صحّتك, فإنّ الابتسامةَ الدائمة الصادقة, تُجَنِّبُ صاحبَهَا الإصابةَ بنوبات القلب وأمراضِه, وبالسكتةِ الدماغية, والإصابةَ بداء السُّكريِّ وبِالْبَدانةِ وأمراضِ العقل.

ابتسم اقْتدِاءً وتأسِّيًا بنبيّك, فقد كان -صلوات الله وسلامُه عليه- لا يُكاد يُرى إلا مُتَبَسّمًا, ويقولُ جَرِيرٌ -رضي الله عنه-: "مَا رَآنِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي". (متفق عليه).

 بل يأتيه أعرابيٌّ يسألُه مالاً, فَيَسحبُ رِدَاءَهِ سَحْبًا شَدِيدًا, فيَلْتَفِتُ إِلَيْهِ ضاحِكًا؛ كما في الصحيحين.

ابتسم وأَرِ الناس أساريرَ وجهك, وبياضَ أسنانك, وجمالَ حاجِبَيْك وثَغْرِك.

اجعل هذا العيد السعيد بدايةَ رَسْمِ البَشَاشَةِ في وجهك, ومُنطلق جماله, وإن كنت لم تعتد على ذلك فحاول وصابر, فالحلم بالتحلم, والصبر بالتصبر.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله , الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد...

اللهم تقبلنا منَّا إنك أنت السميع العليم, واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.

اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً, وتفرقنا من بعده معصوماً, ولا تجعل فينا ولا من بيننا شقيًّا ولا محروماً.

اللهمَّ انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، وخُصَّ أهل فلسطين والعراق والشام, اللهم انصرهم على الرافضة المشركين, واليهودِ المعتدين, اللهمَّ انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.

اللهمَّ إنَّا نسألك رضاك والجنَّة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهمَّ اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أن التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي