خطبة عيد الفطر المبارك 1436هـ

عبد الرحمن بن صالح الدهش
عناصر الخطبة
  1. تأملات في معاني العيد .
  2. أهمية التراحم الأسري .
  3. نصائح لحياة زوجية آمنة .
  4. نصائح للشباب .
  5. وصايا مهمة لنساء الأمة .
  6. العيد فرصة للتصافي والتراحم. .

اقتباس

لبَّس بعض الناس حول شريعة الحجاب، وتعالم فيها آخرون فبين العلماء الراسخون، وكتبوا ما لا يسع جهله في هذا الزمن، وأن حجاب المرأة عزها وحفظها، ومقتضى فطرتها وهذا لا يكون إلا بالعباءة الساترة غير المخصرة وأساس الحجاب ستر وجهها عن الأجانب، ولا يكون بهذا اللثام الذي يزعم أنه نقاب، وما هو بنقاب لا شرعاً ولا لغة، ولكنه خطوة مؤكدة إلى السفور، وبه ينزاح جزء كبير من الحياء، ويحرك كوامن نفوس العقلاء، ويجرئ من في قلبه مرض والسفهاء، ولا أدل على ذلك من كون صورة المرأة التي يزعم أنها منقبة شعاراً رمزيا في الحسابات التواصلية لبعض مراهقي الشباب...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا، وهديتنا وعلمتنا، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بإدراك نعمة الصيام، لك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبت عدونا، وبسطت رزقنا،وأظهرت أمننا، وجمعت فرقتنا، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمداً كثيراً، لا نحصي ثناء عليك.

الله أكبر الله أكبر...

أما بعد:

فهنيئا لكم شهر الصيام تم لكم أجره وإن نقصت مدته.

هنيئا لكم شهر الصيام كم صلحت به حال الغافلين!

لقد كان شهر الصيام عونا لنا على أنفسنا، فوفّق الله من شاء من عباده فحفظوا أبصارهم، ونزّهوا أسماعهم، وغفلت قلوبهم عن كل ما يبعدها عن الله فاستجمعت الإيمان، ونالت بعبودية الصيام حظاً من التقوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]، وأدرك اللبيب طعم الحياة الحقيقي وإنما هو بطاعة الله، والقرب من مولاه.

هنيئا لكم جزاء الصيام، ومثوبة الرحمن في النهار الطويل، والحر الشديد "الصوم لي وأنا أجزي به"، "ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر".

أيها الإخوة: خلق الإنسان والكبد يلازمه (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد: 4]، فصعبت الحياة، فأدرك ضرورة إعانة الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم الأخذ بمبدأ التعاون الذي أمر الله به (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2] حينها تكون الحياة تكاملاً، وتواصياً بالصبر على عقباتها، وتواصيا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة. وبهذا تذهب عن الحياة رتابتها المملة، وتحلُّ العلاقةُ الحميمة الصادقة بدلَ المادية الجافة القاسية.

فتصدق الأقوال، وتتطهر القلوب، ويأتي الإنسان الناس بمثل الذي يحب أن يؤتوه به فـ"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، نحتاج إلى هذا في بيوتنا، في بر والدينا وتربية أولادنا، فضلاً عن تجاراتنا وإنجاز مشاغلنا، والقيام بوظائفنا!

إن أعظم رابطة بين بني الإنسان هي رابطة الزواج (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) [النساء: 1]، والعلاقة بين الزوجين مبنية على مودة ورحمة (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21]، فإن غابت المودة أو خفَّت سورتها، وخَفَت لهيبها فلا يجوز أن تغيب الرحمة!

فإذا انغلق قلب الزوج عن زوجته، وثقلت أو صعبت على لسانه كلامات الود والاحترام، لاسيما بعد أن أكل الزمن شبابهما، وذهبت نضارتهما، فتوجيه الله تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19]، فإن كرهتموهن أي: فاصبروا – فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً.

الله أكبر أيّ تشريع أعظم من تشريع اللطيف الخبير؟!

أيها الإخوة: وفي سبيل تحقيق بقاء البيت وحماية جدرانه من التصدع، ولمّ شمل أفراده من الفُرقة، وخفض نشوز الزوجة شرع الله الوعظ والهجر في المضاجع والضرب غير المبرح، وهي علاجات وأدوية إذا استُخدمت في غير وقتها أو بأكثر من جرعتها اللازمة منها انقلبت إلى أدواء وعلل ربما صعب علاجها، وتحولت كثير من الخلافات إلى إثبات شخصية، وتشف من المقابل والانتصار للنفس بحق أو بباطل.

فالطلاق حل شرعي لعلاقة تعذر استمرارها بعد محاولات متعددة، فتحويله إلى سلاح يشهره الزوج في وجه زوجته عند أدنى خلاف بينهما، أو تلح الزوجة في طلبه وتجعله تحدياً لعدم رجولة زوجها إن لم يوقعه هي دليل على شحّ حضر، وتعد لحدود الله (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229]، (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق: 1].

أو يذهب الزوج يحرم ما أحل الله له، فيأتي منكرا من القول وزوراً في الظهار الذي قد لا يعرف معناه، ولا يفقه حكمه!

كيف تلاعب الشيطان بهؤلاء؟

فكانت عقوبة الله العاجلة أن ضاعت هيبة الرجل وسقط شموخه من عين أولاده!

واسمع دليل ذلك حينما خرجت قضيتك في سؤالات أهل بيتك عما كسبت يداك في بيتك! نعم أهل بيتك! فالمرأة تسأل تقول: ما الحكم في طلاق زوجي علماً أنه جاءنا البارحة كالشيطان.

وسؤال البنت: ما الحكم في طلاق أبي لأمي في موقف تافه لكنه دائما يغيب عنا، وإذا جاء نحمل همّاً لمجيئه يتصيد المشاكل كالصبيان، ولا نرى منه إلا العصبية والسب واللعان!

ونسيت أن تقول هداه الله!!

والألسن مغاريف القلوب

فهذه قيمتك عند أهل بيتك وشهاداتهم عليك من غير أن يستشهدوا!

فكم فات هؤلاء من الرفق فحرموا الأناة في أمرهم، وغادرت السكينة مساكنهم "إذا أرادَ اللهُ بأهلِ بيْتٍ خيرًا أدخلَ عليهِمُ الرِّفْقَ" (صحيح الجامع: 303).

و"إنَّ اللهَ رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ، ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العنفِ، وما لا يُعطِي على ما سواه" (رواه مسلم).

الله أكبر الله أكبر...

أيها الإخوة: في ظل التقلبات الدولية والتسارعات السياسية كلٌّ يتكلم، ويعجب كل ذي رأي برأيه، وزمام كثير منا، ومقود وجهتهم هو مع آخر المتكلمين، وأفصح المنظرين!

ألا ما أضعفك يا ابن آدم! يغيب عنك الذي بين يديك،

تتقاذفك الآراء، وتتسرب إليك مزاجية غيرك!

فما أشد حاجتك إلى هداية خالقك أعظم من هدايتك إلى لقمة عيشك: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) جاءت في كلام الخليل عليه السلام قبل قوله (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) [الشعراء: 78- 79].

فلنتذاكر هدايات الله لعباده حينما اختارهم ليكون خلفاء الأرض، فلله هدايات شرعية وسنن كونية (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الفتح: 23].

لا نتمنى لقاء العدو بل نسأل الله السلامة، وعلاقتنا مع عدونا يحددها ديننا، وقد ضبطها شرعنا (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) [الأنعام: 57].

فآراء المثقفين، ومن يرون أنفسهم النخبة في المجتمعات، وكتبة الأعمدة الصحفية وفي الساحات، والمترددين في القنوات لا يجوز أن تكون مرجعاً في النظرة الصائبة، فهؤلاء ربما أقصوا من حقه التقريب، وقربوا من حقه الإبعاد!؟

كيف، ودخن السياسة يقول: ليس لنا عدو دائم، ولا صديق دائم، وإنما هي مصالح تقضى، ورموز تدنى وسرعان ما تقصى!

وإذا قال الأول: "من ليس على دينك فلن يعينك"، فأبلغ منه هداية الله لخلقه (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120]، (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة: 105].

أليست هذه وأمثالها كثير كافية في رد المسلمين إلى دينهم، والاعتصام بحبل الله جميعاً، ووضع أيدينا في أيدي ولاة أمرنا بالمعروف، فالوحدة قوة لا يجوز أن تعبث بها تغريدة متوترة، أو صاحب سوابق، أو له مآرب أخرى! وما أكثرهم لا كثرهم الله.

وإنما يجد أعداؤنا وداعموهم بغيتهم منا، ويهنئون بنا لقمة سائغة لهم إذا آنسوا منا فرقة داخلية، وسعياً في إنقاص هيبة الدولة، وتحزبا للآراء كلّ يدّعي أنه منقذ الأمة، ثم جررنا مجتمعنا إلى تصنيفات مستوردة حتى نكون (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم: 32].

تأتي تفجيرات الآمنين في أماكن عباداتهم، لتؤكد هذه الوحدة، وأن التعايش مع المخالفين مبدأ شرعي قرره النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك لم يعط دنية في دينه، ولم يرض أن يظلم أحد في مملكته.

وأهم من استنكار هذه الأحداث الذي يوجبه الدين والعقل إدراك حقيقة الحدث، فهو حجر ألقي في بركة راكدة مطمئنة يرد إليها الناس من كل حدب وصوب ليشربوا من ماء مبارك غير آسن.

ألقى هذا الحجر بهذا التفجيرات الآثمة وهم يرقبون ماذا حرك هذا الحجر؟ وأي اضطراب انتهى إليه وبلغه في هذه البركة؟! فخيب الله آمالهم، فكان عزاؤنا أننا فاهمون بتوفيق الله قيادة وشعباً خيوط المؤامرة.

قوم ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، يريدون نقل فسادهم في الأرض إلى بلدة طيبة، وقرية آمنة مطمئنة، جعل الله أفئدة كثير من الناس تهوي إليها.

ثم عزاء آخر وتوفيق من الله - وما توفيقي إلا بالله - أننا متنبهون للذين يريدون خلط الأوراق وصرف القضية إلى تحقيق أطماع رديئة في التعليم أو الإعلام، ومزاحمة صوت الحق بالباطل!! لذا وجب حساب كلماتنا، والتريث في تسطير تغريداتنا، والنظر في مآلات تحليلاتنا. وليس كل ما يقال صواباً، وليس كل صواب يقال.

ولا ندري ما تخفي الأيام! وثمة مكر بالليل والنهار، والله المستعان، وعلى الله توكلنا، (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [يونس: 85- 86].

الله أكبر...

ثم حديث الحنو والرحمة

إلى ابني الغالي، وبنيتي الغالية

أبواك لا يكرهانك، والقسوة التي أزعجتك منهما هي إشفاق عليك، وغضبة أبويك لخلل لم يطيقاه منك في أمر دينك أو دنياك فهما ينشدان لك الكمال وأنت في زحمة مشاغلك وتشاغلك لم يخطر منك ذاك على بال.

ودعني أكشف لنا سراً أبوياً!.

إنَّ مما يقوي والديك ويسليهما عن صدودك ولا أقول إن شاء الله عن عقوقك أن لك رجعة إلى رشدك، وأوبة بعد غيك، وأن دعاء الأسحار وتضرعهما بالليل والنهار لن يذهب سدى.

وربما قنعا أن تكون أوبتك وصلاحك ولو بعد وفاتهما.

فقد رضيا أن تكون ثمرة جهدهما ونتاجُ غرسهما ينعم به غيرهم بعد رحيلهم مؤملين دعوة منك "أو ولد صالح يدعو له"، فما أوسع قلب الأبوين، وما أرحب فألهما في صلاح أولادهم، فاللهم رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.

إذن ماذا يريد الأبوان منك؟

كان بينكما من القرب ورفع الكلفة حينما بلغت السعي ودرجت في هذه الدنيا سلوة لأمك، وظلا مرافقا لوالدك.

فهما يريدان أن يستبقيا ذلك القرب منك، وقد علما فارق الزمن، وتغير المرحلة.

ولكن من حقهما أن يطمئنا على منزلتهما عندك، وأنك لم تستبدلهما بصديق قريب أو بعيد.

ومن أبر البر لأبويك في هذا الزمن الذي تتخطف فيه الشهوات والشبهات من هم في سنك أن تقول بفعالك قبل مقالك إنني على عهدي ووعدي معكما.

ودعنا نقرب في الحديث الذي يرجى نفعه أكثر وأكثر!!

استدرجت شياطين الإنس والجن ثلة من شباب المسلمين فوقعوا في حمأة الشهوة، وما يسمى بالمواقع الإباحية وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه!

وجرى حولها نقاش ولا بد  في جلساتك الشبابية واتفقتم أو بعضكم أن المتورط فيها أضاع كثيراً من مكاسبه فتردت دراسته، وأخل بوظيفته، وأصبح وقته ملكاً لتلك المشاهدات، كمن يشرب من الماء المالح! أنى له الري!؟

فدعني أشارككم الحديث، وأنقل مداخلتي عني، فأقول: أثبتت الدراسات العلمية الطبية أن تلك الأفلام الإباحية لها أثر حسي في إتلاف جزء من الخلايا الدماغية، وأن لها أثراً لا يقل عن أثر المخدرات في العقل والبدن.

ودليل هذا يا بني: ذاك الشرود الذهني الذي وضحت معالمه في شخصية بعض الشباب، وتلك الوساوس والشكوك وهو يحاول إخفائها، والتغلب عليها ولكن غلبته آثارها فلم يعد يأنس بصلاته، ولا بصِلاتِه مع أخص الناس به ووالديه. وصدق الله العظيم (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) [الإسراء: 32].

وما إقرار نظام الشذوذ الجنسي وتسمية الشاذين بالمثليين إلا استجابة لتأثير تلك المقاطع القذرة فعادت بضاعتهم مزجاة إليهم، وانقلب السحر على الساحر حينما قبلوا ما ترفعت عنه البهائم في حظائرها، وأقرته دول في حضارتها، (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأعراف: 186]، حمى الله مجتمعات المسلمين من الإثم ظاهره وباطنه!

بقيت كليمات في موضوع الساعة، وهاجس البيوت، وهم الأولياء والغيورين، وحيطة الدولة والمسئولين حينما استدرجت بعض عقول أبنائنا، وتحول أصحابها إلى آذان صاغية، وذراع ممتدة وجهوا من بعد فتوجهوا.

عهدي بك يا بني أنك لا تقبل الإملاءات، ولك رؤاك الخاصة، ولا تثق بوسائل الإعلام! فلنتجاوز هذه كلها.

كيف حصانتك لنفسك من الأفكار الغالية والمناهج التكفيرية؟

وقد كان شعارهم اسمع منا ولا تسمع عنا؟

كلمة إنصاف!

وقد سمعنا منهم! ورأينا! فماذا سمعنا ورأينا؟

سمعنا الدعوة إلى الهجرة إليهم، لتعود فيما بعد فاتحاً بلدك، ومحرراً حيك، متبرئاً من أهلك وعلمائك وأمرائك.

وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"، شادوا الدين فغلبهم الدين وقطعهم، فنزّلوا نصوص الكفار على المسلمين، ثم نكسوا على رؤوسهم فهاهم يتبنون ترويع الآمنين، وقتل العزل الغافلين، والخيانة هي في قول ما يخالفهم، والكذاب الأشر هو من يحتسب فضحهم والتحذير منهم. فقرت بهم أعين الكافرين، وألصقوا كل نقيصة بهذا الدين.

فمن حق والديك أن يستوثقا سلامتك من تلك اللوثة، وتعرفهما نعمة الله عليك وسلامتك من تلك الخيوط الخانقة. وليكن شعارك اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي!

أقضي حديثي إليك ولم ينقض بعد.

والله خير حافظاً، وهو أرحم الراحمين، فأستودع الله دينك الذي هو رأس مالك، وصلاتك التي هي سعادتك ونجاتك.

الله أكبر الله أكبر...

أختي الحبيبة، وبنتي الغالية هنيئاً لك الصيام والقيام، لقد ظهر من حرصك على لحظات هذا الشهر ما عرفنا فيه تفريطنا، وأدركنا فيه تساهلنا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

لقد أظلك شهر الصيام وأنتِ مطمئنة في سربك، غير مفجوعة في زوجك أو أحد من أقاربك، ولم يتطاول أحد على عرضك، ولم يغيب عنك أحد أولادك، أو يهدم على من فيه بيتك , فاللهم لك الحمد.

وحق هذه النعمة المحافظة عليها، وسؤال الله دوامها.

فالبيوت لها أسرار، والمحافظة على أسرارها من أسباب قرارها، ودوام العافية على أهلها.

فاطلاع القاصي والداني على خفايا البيوت عبر وسائل التواصل، وتنزيل المقاطع والصور بتحركات أهل البيت وإعلام الناس بم تأكلون وما تدخرون ليقف عليها البر والفاخر سبيل للحاسدين، وإنما تقضى المصالح بالكتمان، وتدرأ العيوب، وقد أمر الله بالتحدث بالنعمة كما أمر بكتمها في موضعه من غير تشاؤم ولا سوء ظن.

وقد ذكر الله عن يعقوب عليه السلام أنه قال ليوسف (لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) [يوسف: 5]، وقال لإخوته (لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ) [يوسف: 67]، وقال بعدهما: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [يوسف: 111].

بنيتي وأختي الكريمة: لبَّس بعض الناس حول شريعة الحجاب، وتعالم فيها آخرون فبين العلماء الراسخون، وكتبوا ما لا يسع جهله في هذا الزمن، وأن حجاب المرأة عزها وحفظها، ومقتضى فطرتها وهذا لا يكون إلا بالعباءة الساترة غير المخصرة وأساس الحجاب ستر وجهها عن الأجانب، ولا يكون بهذا اللثام الذي يزعم أنه نقاب، وما هو بنقاب لا شرعاً ولا لغة، ولكنه خطوة مؤكدة إلى السفور، وبه ينزاح جزء كبير من الحياء، ويحرك كوامن نفوس العقلاء، ويجرئ من في قلبه مرض والسفهاء، ولا أدل على ذلك من كون صورة المرأة التي يزعم أنها منقبة شعاراً رمزيا في الحسابات التواصلية لبعض مراهقي الشباب.

أختي الغالية: عيدك مبارك حينما حاولت أن يتميز عيدكم بما أباح الله من غير إسراف ولا تبذير فالفرح بالعيد عبادة، وإدخال الفرح على الأهل والأقارب قربة وذكرى حسنة، أذن الشارع في يوم العيد بالدف للنساء من غير اختلاط بالأجانب ولو كانوا من الأقارب، ومن غير تساهل في لباس، فاغتبطوا بعيدكم، وواسوا بما تستطيعوا من فاتتهم فرحة العيد بكلمة أو هدية و(إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56].

الله أكبر...

أيها المسلمون: تنقلبون بعد هذا إلى اجتماعات ولقاءات مرتبة فلتعلُ الابتسامة وجوهكم، وليطب منكم الكلام لمن لقيتم، واجعلوا ثيابكم البيضاء على قلوب بيضاء.

ورحم الله رجلا غلب نفسه فبادر من جفاه فحاز الخيرية، واحتسب موعود الله للرحم "ألا ترضين أن أصل من وصلك"، فهنيئًا لك وصل الله في عمرك وعملك وولدك...

بقي أن تسأل ما أطيب ما في اجتماعاتنا، وما أهنأ ما سوف يقدم في موائدنا؟

إن أطيب ما في اجتماعاتنا، بل لا تطيب اجتماعاتنا ولا تهنأ إلا به إنه الأمن الذي حل في ربوعنا وقد غادر ربوع غيرنا فبالأمن طابت مجالسنا، وطال تفكهنا في أحاديثنا، وأسمارنا، بالأمن تيسرت أسفارنا وتنقلاتنا.

هذا الأمن الذي جعله الله قرين الإيمان (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].

أجل أيها الإخوة: معادلة مختصرة الأمن يجلب بالإيمان توحيدًا لله وقياماً بشرائعه وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وأخذا على أيدي السفهاء.

فالأمن لا تحققه القوات المسلحة ولا الأجهزة الاستخباراتية! وإلا كيف غادر الدول البوليسية والتي شرطها قد يزيد على شعبها، ومع ذلك لم يخلقوا أمنا، ولم يفرضوا انضباطاً.

فاللهم احفظ علينا أمننا.

أيها الإخوة: مضت أنفس إلى ربها فغابت عن عيدنا هذا من ملوك صالحين، وعلماء ناصحين وأمراء باذلين، وجنود كانوا حماة لوطنهم مقبلين غير مدبرين، وطائفة من زهرة المجتمع، وفتيانه قنصت حوادث السيارات. فحق لهؤلاء الدعاء، ونحن إلى ما صاروا إليه صائرون.

فاللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واجبر كل مصاب بهم، ولا تفتنا بعدهم ولا تحرمنا أجرهم.

اللهم إنه ولي أمرنا من ظننا به حسن، وفألنا به عريض اللهم خذ بيده للبر والتقوى وهيئ له من أمره رشدا، وانصر به كتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم واكتب التوفيق لنائبيه واجعلهم عونا له على الخير.

اللهم إنا نسألك نصراً للمظلومين، اللهم أرفع الظلم عنهم ومكن لهم في ديارهم وآمنهم في دورهم.

اللهم أعد لأهل اليمن أمنهم وإيمانهم واقطع دابر المفسدين، ولا تجعل لهم يداً على المسلمين

اللهم تقبل ما قدمنا في شهرنا، وتجاوز عن تقصيرنا اللهم اجعل أمرنا على خير، واجعل أمرنا إلى خير.

أيها الإخوة: انصرفوا راشدين من غير طريق مجيئكم فهي سنة نبيكم، واعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن لمن صلى العيد إذا وافق يوم الجمعة أن يتخلف عن الجمعة ليصليها ظهراً أربع ركعات، وحضور الجمعة أفضل.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي