الفائزون في رمضان

عبد الله بن محمد الطيار
عناصر الخطبة
  1. سرعة رحيل رمضان .
  2. فضل العشر الأواخر وأهم أعمالها .
  3. وصايا وتنبيهات مهمة في ختام الشهر الفضيل .
  4. أحكام زكاة الفطر. .

اقتباس

ها هو شهر رمضان قد قارب على الرحيل، وتصرمت أيامه، وانقضت لياليه، صام فيه من صام، وقام فيه من قام، وتصدق فيه من تصدق، وقرأ فيه القرآن من قرأ، وبادر فيه بالصالحات من بادر، والفائز فيه من لبى أمر ربه، واستجاب لندائه، وجاهد نفسه لطلب مرضاته وجنته. فحري بمن علم فضل هذا الشهر أن يجتهد فيما تبقى فيه من أيام، وخاصة في تلك العشر الأخيرة منه.. فبادروا يا عباد الله وسارعوا وسابقوا إلى تقديم ما ينفعكم عند ربكم، وإن من أعظم الغبن والخسران أن يفرط العبد في تلك الليالي بعد أن علم فضلها وليعلم أن الأعمال بالخواتيم، ورب توبة صادقة تكون سبباً في نيل الرحمة والمغفرة..

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أكرمنا بشهر رمضان، وأعاننا فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن وسائر الصالحات، أحمده تعالى حمدا كثيراً طيباً مباركاً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وهو الكريم المنان.

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد أمة الإسلام بالأجر الكثير والعطاء الجزيل لمن أطاعه وانقاد لأمره، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله خير من صلى وصام وقرأ القرآن وصلى بالليل والناس نيام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: الآية 18].

عباد الله: ها هو شهر رمضان قد قارب على الرحيل، وتصرمت أيامه، وانقضت لياليه، صام فيه من صام، وقام فيه من قام، وتصدق فيه من تصدق، وقرأ فيه القرآن من قرأ، وبادر فيه بالصالحات من بادر، والفائز فيه من لبى أمر ربه، واستجاب لندائه، وجاهد نفسه لطلب مرضاته وجنته.

فحري بمن علم فضل هذا الشهر أن يجتهد فيما تبقى فيه من أيام، وخاصة في تلك العشر الأخيرة منه، ففيها ليلة هي خير من ألف شهر، من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، فبادروا يا عباد الله وسارعوا وسابقوا إلى تقديم ما ينفعكم عند ربكم، وإن من أعظم الغبن والخسران أن يفرط العبد في تلك الليالي بعد أن علم فضلها وليعلم أن الأعمال بالخواتيم، ورب توبة صادقة تكون سبباً في نيل الرحمة والمغفرة..

وإني أحذر كل من ذاق طعم الإيمان، وسعد بمناجاة الكريم المنان، وتلذذ بالصيام، والقيام، والركوع والسجود، والصدقة، وتلاوة القرآن، وصلة الأرحام أن يرجع بعد تلك الغنيمة خاسراً، وأن يرتد بعد الإقبال مدبراً، وبعد المسارعة إلى الخيرات مهاجراً، وبعد عمران المساجد بالتلاوات والطاعات معرضاً، وأن يبدد جميع مكاسبه التي قدمها في هذا الشهر هباء منثوراً.

عباد الله: من أراد أن يكون في ركب الفائزين في رمضان فعليه أن يبذل الأسباب لنيل الرضا والمغفرة والعتق من النيران، ومن ذلك:

أولاً: أن يحرص على تقوى الله –تعالى- في سره وعلانيته، وغيبه وشهادته، وأن يبتعد عما حرم الله من غيبة ونميمة وكذب وشهادة زور، وأن يحفظ جوارحه من سماع الأغاني والألحان، والنظر إلى ما حرم الله، وليتذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر" (ابن ماجه، وصححه الألباني)، وأن يجعل جميع أعماله من صلاة، وصوم، وصدقة، وقيام، وغير ذلك كلها خالصة لله، كما قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].

ثانياً: أن تكون له همة عالية وإقبال على الصلاة والقيام، وخاصة في تلك الأيام القليلة

المتبقية من رمضان، ولينظر إلى كبار السن من الآباء والأمهات ممن احدودبت ظهورهم، ووهنت أجسادهم، وابتلوا بالأمراض المزمنة، وهم يسارعون إلى بيوت الله لأداء الصلاة مع الناس، والقيام خلف الإمام بهمة ونشاط محبةً لربهم وانقياداً لأمره، وطلباً لرحمته، ووالله إن الإنسان منا ليحتقر نفسه وعمله، وهو يرى هؤلاء يتحاملون على أنفسهم على عجز وثقل، وضعف ومرض لأداء صلاة القيام مع المسلمين، فما أعظمها من نفوس آثرت ما عند الله على تعبها ونصبها!!

ثالثاً: أن يحرص على الخشوع بين يدي الله والبكاء عند سماع القرآن، فهي لحظات جميلة، يتبدد معها كل هم وغم، ونكد وحزن، ويحل مكانها الفرح والسرور وانشراح الصدر واطمئنان القلب وراحة البال، وليستحضر قول الله -جل وعلا-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: الآيتان 16، 17].

رابعاً: أن ينظر في أحوال إخوانه ممن أتوا للصلاة في تلك العشر المباركة من رمضان، فهذا قائم يصلي، وهذا يتغنى بالقرآن، وهذا يلهج لسانه بذكر الله والاستغفار، وذاك يرفع يديه بالدعاء وقد أصابه الذل والانكسار، ورابعٌ قد سالت دموعه على خديه حياءً من الله، وخامسٌ يغالب النوم، وقد هجر فراشه، وترك أهله تقرباً إلى الله، فكل هؤلاء يعينوك على الثبات والاجتهاد والبذل والعطاء من أجل نيل مرضات الله تعالى وجنته.

خامساً: أن ينظر في حال أهل الجود والإحسان في رمضان؛ ممن يفطر الصائمين، ويعين المساكين، ويقضي الدين عن المدينين، وينفق على الفقراء والمحتاجين، ويبحث عن الأرامل والمنكوبين ليمسح دمعتهم، ويرسم البسمة على وجوههم، ويسدَّ قليلاً من حاجتهم، فهم يأخذون بيدك إلى الخير ويعينونك على الإنفاق والبذل والعطاء، ويذكرونك بقول الله -جل وعلا-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان: 8، 9]، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من صباح يوم إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً" (رواه البخاري، ومسلم).

سادساً: أن يحرص على التوبة الصادقة والإنابة إلى الدار الآخرة، وتجديد العهد مع الله، فمن تاب وأناب ورجع تاب الله عليه وغفر له وقبله وأدخله الجنة بفضله، قال الله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة"(رواه الترمذي).

سابعاً: أن يحرص على إصلاح ما بينه وبين الناس: بأن يعفو عمن ظلمه، ويصل من قطعه، ويعطي من حرمه، وليعلم أن صفاء القلب، وسماحة النفس، وطيب القلب من أفضل الطرق الموصلة إلى مرضات الرب جل وعلا، ومن أصلح ما بينه وبين الناس فعفا وغفر نال الأجر العظيم والثواب الجزيل من رب العالمين، قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 22].

ثامناً: الاجتهاد في هذه الليالي المتبقية من العشر، وتحري ليلة القدر: فهي ليلة شرّفها الله، وأعلى قدرها، وكتب الثواب العظيم لمن قامها إيماناً واحتساباً.

أسأل الله تعالى أن يبارك لنا فيما تبقى من رمضان، وأن يمن علينا بقيام ليلة القدر إنه قريب مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء: 18، 19].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها المؤمنون والمؤمنات اتقوا الله تعالى: واعلموا أن الله -جل وعلا- شرع لكم في ختام شهركم إخراج زكاة الفطر؛ فهي فرضٌ على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحرِّ والعبد من المسلمين، جاء في الصحيحين "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرَضَ زكاةَ الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين".

ويستحب إخراجها عن الحمل في بطن أمه من غير وجوب لفعل عثمان -رضي الله عنه-، وتجب على اليتيم في ماله، ويخرج عنه وليه ويستأذن الخدم في إخراجها عنهم، فإن أخرجوها من أموالهم فبها ونعمت، وإن أوكلوا كفلاءهم ليخرجوها عنهم أخرجوها من غير إيجاب، فالمخاطب بزكاة الفطر الشخص نفسه ومن يعول، وتكون الزكاة من غالب قوت البلد، ومقدارها صاع من طعام ومقداره ثلاثة كيلو جرامات تقريباً.

وقد فُرضت صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وشكراً لله على ما أنعم به من صيام شهر رمضان وقيامه.

وصدقة الفطر يخرجها المسلم في البلد الذي أدركه وقت إخراجها وهو باقٍ فيه، ومن كان في بلد وعائلته في بلد آخر فإنه يخرج فطرتهم مع فطرته في البلد الذي هو فيه، وإن وكلهم في إخراجها عنه وعنهم في بلدهم جاز، وإن أخرج هو في بلده وهم في بلدهم جاز أيضاً.

وتدفع صدقة الفطر للفقير أو نائبه، ويجوز للفقير أن يخرج صدقة الفطر مما أُعطي له من الصدقات، ويجوز دفع صدقة الجماعة لفقير واحد، ويجوز دفع صدقة الواحد لجماعة من الفقراء، ومن فاته وقت الزكاة متعمداً فقد أساء وأثم، وعليه أن يخرجها بعد العيد قضاءً وهي صدقة من الصدقات.

واعلموا يا عباد الله أن لزكاة الفطر وقتين: وقت فضيلة، وهو في صباح العيد قبل الخروج للصلاة؛ فقد "أمَر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة"(رواه البخاري)، وأما وقت الجواز، فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أُخِّرت فهي صدقةٌ من الصدقات.

نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الأعمال، وأن يختم لنا ولكم بالعتق من النار ودخول الجنات ووالدينا وجميع المسلمين إنه كريم منان.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].  


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي