وَلَقَدِ انتَشَرَت في الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ بِدعَةٌ مُنكَرَةٌ وَطَرِيقَةٌ مَاكِرَةٌ، حَمَلَ وِزرَهَا أَقزَامُ الصُّحُفِ وَأُغَيلِمَةُ الجَرَائِدِ، أَهلُ التَّهوِيشِ وَالتَّقمِيشِ، وَمُستَمرِئُو الغِشِّ وَالتَّلبِيسِ، فَعَادَ أَسهَلَ شَيءٍ عَلَى أَحَدِهِم أَن يُجرِيَ قَلمَهُ بِأَرخَصِ الكَلامِ لِلنَّيلِ مِنَ العُلَمَاءِ الأَعلامِ وَالوَقِيعَةِ فِيهِم بِالاتِّهَامِ، وَاللهُ يَعلَمُ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ اليَهُودِيَّةَ المَاكِرَةَ وَالصَّفقَةَ الخَاسِرَةَ، إِنَّمَا هِيَ خِطَّةُ سُوءٍ لِلنَّيلِ ممَّا يَحمِلُهُ أُولَئِكَ العُلَمَاءُ مِن عِلمِ الشَّرِيعَةِ ..
َأمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -جَلَّ وَعَلا- (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا عَرَفُوا لأَكَابِرِهِم حُقُوقَهُم فَحَفِظُوهَا وَرَعَوهَا، وَآتَوهُم إِيَّاهَا كَامِلَةً وَوَفَّوهَا. وَإِنَّهُ وَإِن تَعَدَّدَت حُقُوقُ النَّاسِ عَلَى بَعضِهِم وَاختَلَفَت أَهَمِّيَّتُهَا بِحَسَبِ مَا لأَصحَابِهَا مِنَ الفَضلِ وَالمِنَّةِ - فَإِنَّ لِلعُلَمَاءِ عَلَى المُتَعَلِّمِينَ –خَاصَّةً-، وَعَلَى الأُمَّةِ عَامَّةً أَعظَمَ الحُقُوقِ وَأَعلاهَا؛ إِذ هُم وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ وَحَمَلَةُ عِلمِهِم، وَالمُبَلِّغُونَ عَنهُم مَا نُزِّلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم، بهم تَقُومُ الحُجَّةُ وَتَستَبِينُ المَحَجَّةُ، وَعَلى أَيدِيهِم تُحيَا السُّنَنُ وَتُمَاتُ البِدَعُ، وَعَن طَرِيقِهِم يَصِلُ إِلى النَّاسِ عِلمُ الشَّرِيعَةِ، فَتُحفَظُ الأَحكَامُ وَيُعمَلُ بِالآدَابِ، وَتُقَامُ الحُدُودُ وَتُحفَظُ الحُقُوقُ، وَمِن ثَمَّ كَانَ فَضلُهُم عَلَى النَّاسِ كَفَضلِ النَّبيِّ عَلَى أَصحَابِهِ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "فَضلُ العَالمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضلِي عَلَى أَدنَاكُم"
وَلَقَد أَثنى اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ وَامتَدَحَهُم وَرَفَعَ دَرَجَاتِهِم، وَأَشهَدَهُم عَلَى خَيرِ مَشهُودٍ عَلَيهِ وَشَهِدَ لهم بِالخَشيَةِ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (يَرفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ) وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُولُو العِلمِ قَائِمًا بِالقِسطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) وَقَالَ -تَعَالى-: (وَلِيَعلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّكَ فَيُؤمِنُوا بِهِ فَتُخبِتَ لَهُ قُلُوبُهُم) وَقَالَ -تَعَالى-: (إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ)
مَا مِن مَخلُوقٍ في الأَرضِ وَلا في السَّمَاءِ، مِن مَلائِكَةٍ كِرَامٍ وَمُقَرَّبِينَ أَصفِيَاءَ، وَحِيتَانٍ في البَحرِ أَو نَملٍ في الصَّحرَاءِ، إِلاَّ وَهُم يَعرِفُونَ قَدرَ العُلَمَاءِ وَيَتَوَاضَعُونَ لأُولَئِكَ الأَولِيَاءِ، وَيُصَلُّونَ عَلَيهِم وَيَستَغفِرُونَ لهم، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (وَإِنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلمِ رِضًا بما يَصنَعُ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَستَغفِرُ لَهُ مَن في السَّمَاوَاتِ وَمَن في الأَرضِ حَتى الحِيتَانُ في المَاءِ).
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ، حَتى النَّملَةَ في جُحرِهَا وَحَتى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ".
وَإِذَا رَأَيتَ النَّاسَ لِعُلَمَائِهِم مُقَدِّرِينَ وَعَن آرَائِهِم صَادِرِينَ، يَستَنِيرُونَ بِفِقهِهِم وَيَستَضِيئُونَ بِعِلمِهِم، وَيَعمَلُونَ بِفَتَاوَاهُم وَيَهتَدُونَ بِمَقَالاتِهِم - فَاعلَمْ أَنَّ ذَلِكَ مِن إِجلالِهِم لِرَبِّهِم وَتَعظِيمِهِم لِشَعَائِرِهِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِن إِجلالِ اللهِ إِكرَامَ ذِي الشَّيبَةِ المُسلِمِ وَحَامِلِ القُرآنِ غَيرِ الغَالي فِيهِ وَلا الجَافي عَنهُ".
وَإِذَا تَجَرَّأَ القَومُ عَلَى العُلَمَاءِ في مَجَالِسِهِم، أَو سَلَّطُوا أَلسِنَتَهُم عَلَيهِم في مَنَابِرِهِم، أَو أَشرَعُوا الأَقلامَ لِتَنَقُّصِهِم وَأَلَّبُوا ضِدَّهُم في مُنتَدَيَاتِهِم - فَاعلَمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنهُم فُسُوقٌ ظَاهِرٌ وَعِصيَانٌ وَاضِحٌ، بَل هُوَ عَينُ الغِوَايَةِ وَسَبِيلُ الضَّلالَةِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَيسَ مِنَّا مَن لم يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ".
وَلَقَدِ انتَشَرَت في الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ بِدعَةٌ مُنكَرَةٌ وَطَرِيقَةٌ مَاكِرَةٌ، حَمَلَ وِزرَهَا أَقزَامُ الصُّحُفِ وَأُغَيلِمَةُ الجَرَائِدِ، أَهلُ التَّهوِيشِ وَالتَّقمِيشِ، وَمُستَمرِئُو الغِشِّ وَالتَّلبِيسِ، فَعَادَ أَسهَلَ شَيءٍ عَلَى أَحَدِهِم أَن يُجرِيَ قَلمَهُ بِأَرخَصِ الكَلامِ لِلنَّيلِ مِنَ العُلَمَاءِ الأَعلامِ وَالوَقِيعَةِ فِيهِم بِالاتِّهَامِ، وَاللهُ يَعلَمُ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ اليَهُودِيَّةَ المَاكِرَةَ وَالصَّفقَةَ الخَاسِرَةَ، إِنَّمَا هِيَ خِطَّةُ سُوءٍ لِلنَّيلِ ممَّا يَحمِلُهُ أُولَئِكَ العُلَمَاءُ مِن عِلمِ الشَّرِيعَةِ، الَّتي ضَاقُوا بِهَا إِذْ حَالَت بَينَهُم وَبَينَ مَا يَشتَهُونَ مِنَ الحَرَامِ، وَمَنَعَتهُم مِنَ الوُلُوغِ في السَّيِّئَاتِ وَالآثَامِ، فَرَاحُوا لِذَلِكَ يَبحَثُونَ عَمَّا يَنَالُونَ بِهِ مِنهَا وَيُمَيِّعُونَهَا، لِيُبعِدُوهَا مِن دُنيَاهُم وَيُنَحُّوهَا عَن طَرِيقِهِم، فَلَم يَجِدُوا لِذَلِكَ طَرِيقًا إِلاَّ إِسقَاطَ أَهلِهَا وَتَنحِيَةَ حَامِلِيهَا، وَالحَيلُولَةَ بَينَ النَّاسِ وَبَينَ الأَخذِ عَنهُم.
وَمِن شَدِيدِ الأَسَفِ أَن يَتَأَثَّرَ رِجَالُ الأُمَّةِ بِهَذَا النَّعِيقِ وَيَنسَاقُوا مَعَ ذَلِكَ الهُرَاءِ، فَيُسِيئُوا لِعُلَمَائِهِم وَلا يُوَفُّوهُم مَا لهم مِنَ الحَقِّ، ممَّا هُوَ نَذِيرُ شُؤمٍ عَلَيهِم وَمُؤذِنٌ بِضَلالِهِم وَتَفَرُّقِهِم إِن لم يَتَدَارَكْهُمُ اللهُ بِرَحمَتِهِ وَلُطفِهِ، فَمَا بَعدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ، وَمَا غَيرُ الأَخذِ بِرَأيِ العُلَمَاءِ إِلاَّ اتِّبَاعُ السُّفَهَاءِ وَالسَّيرُ في رِكَابِ أَهلِ الأَهوَاءِ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (فَإِن لم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهوَاءَهُم وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ).
وَقَالَ -تَعَالى-: (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعدِ مَا جَاءَهُمُ العِلمُ بَغيًا بَينَهُم وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الكِتَابَ مِن بَعدِهِم لَفِي شَكٍّ مِنهُ مُرِيبٍ)
وَإِذَا عُورِضَتِ الفَتَاوَى الرَّصِينَةُ وَالمَقَالاتُ المَتِينَةُ، بِشُبُهَاتٍ شَيطَانِيَّةٍ وَزَلاَّتٍ شَهوَانِيَّةٍ - فَإِنَّ ذَلِكَ مُنتَهَى الضَّلالِ وَغَايَةُ الغِوَايَةِ؛ إِذْ هُوَ قَبضُ العِلمِ وَمَوتُهُ بِإِمَاتَةِ أَهلِهِ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنَّ اللهَ لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزَاعًا يَنتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَمَاءِ، حَتى إِذَا لم يُبقِ عَالمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفتَوا بِغَيرِ عِلمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- فَإِنَّ العَجبَ لَيسَ مِن هَؤُلاءِ المُنَافِقِينَ الّذِينَ أَبى اللهُ إِلاَّ أَن يَفضَحَهُم عَلَى رُؤُوسِ الخَلقِ وَيُظهِرَ لِلنَّاسِ سُوءَ طَوِيّتِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم مِن كُرهِ العِلمِ وَبُغضِ أَهلِهِ، وَلَكِنَّ العَجبَ ممَّن يُسَلِّمُ لِلجَرَائِدِ قِيَادَهُ وَيُعطِيهَا زِمَامَهُ؛ لِتَصُوغَ لَهُ عَقلَهُ وَتُشَكِّلَ فِكرَهُ مِن زَبَالاتِ الآرَاءِ وَغَثِّ المَنَاهِجِ، وَتَقُودَهُ إلى مُنحَدَرَاتِ الضَّلالِ وَتَسُوقَهُ إِلى مُنزَلَقَاتِ الغِوَايَةِ !!.
وَإِنَّهَا لَحَسرَةٌ مَا بَعدَهَا حَسرَةٌ أَن يَقلِبَ المَرءُ ظَهرَ المِجَنِّ لِشَرِيعَةِ رَبِّ العَالمِينَ، وَيَزهَدَ في سُنَّةِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ، ثم يَتبعَ أَقوَامًا يَحسَبُ أَنَّهُم عَلَى شَيءٍ وَهُم خَاسِرُونَ، وَإِنَّ مَوعِدَ المُغَيِّرِينَ المُبَدِّلِينَ حَوضُ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- القَائِلِ: "إِنَّي فَرَطُكُم عَلَى الحَوضِ، مَن مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَن شَرِبَ لم يَظمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقوَامٌ أَعرِفُهُم وَيَعرِفُونَني، ثم يُحَالُ بَيني وَبَينَهُم، فَأَقُولُ: إِنَّهُم مِنِّي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدرِي مَا أَحدَثُوا بَعدَكَ؟ فَأَقُولُ: سُحقًا سُحقًا لِمَن غَيَّرَ بَعدِي".
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُم كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلَو يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذ يَرَونَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ * إِذ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَت بِهِمُ الأَسبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَو أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنهُم كَمَا تَبَرَّؤُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعمَالَهُم حَسَرَاتٍ عَلَيهِم وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ).
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ:
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّهُ لا أَدعَى لِلخُذلانِ في الدُّنيَا وَسُقُوطِ المَكَانَةِ بَينَ النَّاسِ، وَلا أَجلَبَ لِلَّعنَةِ وَالنَّدَامَةِ يَومَ القِيَامَةِ - مِن طَاعَةِ السَّادَةِ الكُبَرَاءِ في الضَّلالِ، وَإِيذَاءِ الأَولِيَاءِ وَاتِّهَامِ البُرَآءِ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُم سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَومَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُم في النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيتَنَا أَطَعنَا اللهَ وَأَطَعنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِم ضِعفَينِ مِنَ العَذَابِ وَالعَنهُم لَعنًا كَبِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهًا).
وَقَالَ -تَعَالى-: (وَلَو تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِم يَرجِعُ بَعضُهُم إِلى بَعضٍ القَولَ يَقُولُ الَّذِينَ استُضعِفُوا لِلَّذِينَ استَكبَرُوا لَولا أَنتُم لَكُنَّا مُؤمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ استَكبَرُوا لِلَّذِينَ استُضعِفُوا أَنَحنُ صَدَدنَاكُم عَنِ الهُدَى بَعدَ إِذ جَاءَكُم بَل كُنتُم مُجرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ استُضعِفُوا لِلَّذِينَ استَكبَرُو بَل مَكرُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ إِذ تَأمُرُونَنَا أَن نَكفُرَ بِاللهِ وَنَجعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ وَجَعَلنَا الأغلالَ في أَعنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَل يُجزَونَ إِلا مَا كَانُوا يَعمَلُونَ).
وفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ قَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالى-: "مَن آذَى لي وَلِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِالحَربِ".
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُون- (وَلا تُطِيعُوا أَمرَ المُسرِفِينَ * الَّذِينَ يُفسِدُونَ في الأَرضِ وَلا يُصلِحُونَ)؛ فَإِنَّ الجِنَايَةَ عَلَى العُلَمَاءِ خَرقٌ في الدِّينِ، وَالطَّعنَ فِيهِمُ اعوِجَاجٌ عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ، قَالَ الإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ في عَقِيدَتِهِ: "وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابِقِينَ وَمَن بَعدَهُم مِنَ التَّابِعِينَ أَهلُ الخَيرِ وَالأَثَرِ وَأَهلُ الفِقهِ وَالنَّظَرِ، لا يُذكَرُونَ إِلاَّ بِالجَمِيلِ، وَمَن ذَكَرَهُم بِسُوءٍ فَهُوَ عَلَى غَيرِ السَّبِيلِ" وَقَالَ ابنُ المُبَارَكِ: "مَنِ استَخَفَّ بِالعُلَمَاءِ ذَهَبَت آخِرَتُهُ، وَمَنِ استَخَفَّ بِالأُمَرَاءِ ذَهَبَت دُنيَاهُ".
وَلا يَنخَدِعَنَّ أَحَدٌ بما أُوتِيَتهُ الصَّحَافَةُ اليَومَ مِن قُوَّةِ تَأثِيرٍ في الرَّأيِ العَامِّ وَأَثَرٍ في صُنعِ القَرَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الصِّدقِ، بَل هُوَ نَوعٌ مِنَ الابتِلاءِ لِلأُمَّةِ، وَقَد أَخبَرَ بِهِ الصَّادِقُ المَصدُوقُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-كَالمُحَذِّرِ مِنهُ، فَقَالَ: "إِنَّ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنطِقُ فِيهَا الرُّوَيبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيبِضَةُ. قَالَ: المَرءُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ في أَمرِ العَامَّةِ".
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكُم بَعدِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ" وَإِنَّهُ حِينَ يُحَاوِلُ أَهلُ الصَّحَافَةِ أَن يَنتَزِعُوا مِن قُلُوبِ النَّاسِ ثَوَابِتَهُم الإِيمَانِيَّةَ، أَو يُزَعزِعُوا في نُفُوسِهِم مَبَادِئَهُمُ الإِسلامِيَّةَ، أَو يَجُرُّوهُم لِلظُّلمِ وَالكَذِبِ وَالزُّورِ، وَيُلجِئُوهُم لِلافتِرَاءِ وَالبُهتَانِ، فَإِنَّمَا هُم في ذَلِكَ بِالشَّيطَانِ يَتَشَبَّهُونَ، وَمَا هُم إِذَا قُضِيَ الأَمرُ عَمَّن أَجَابَهُم بِمُغنِينَ وَلا هُم لَهُ بِمُنقِذِينَ. قَالَ -تَعَالى-: (وَقَالَ الشَّيطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقِّ وَوَعَدتُكُم فَأَخلَفتُكُم وَمَا كَانَ لي عَلَيكُم مِن سُلطَانٍ إِلا أَن دَعَوتُكُم فَاستَجَبتُم لي فَلا تَلُومُوني وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَا أَنَا بِمُصرِخِكُم وَمَا أَنتُم بِمُصرِخِيَّ إِنِّي كَفَرتُ بِمَا أَشرَكتُمُونِ مِن قَبلُ إِنَّ الظَّالمِينَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ).
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَلا تَخُوضُوا في عُلَمَائِكُم مَعَ الخَائِضِينَ، فَقَد قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَن قَالَ في مُؤمِنٍ مَا لَيسَ فِيهِ أَسكَنَهُ اللهُ رَدغَةَ الخَبَالِ حَتى يَخرُجَ مِمَّا قَالَ".
وَلْيَكُنْ سَبِيلُكُم الذَّبَّ عَنهُم وَإِحسَانَ الظَّنِّ بهم، فَقَد قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَن رَدَّ عَن عِرضِ أَخِيهِ رَدَّ اللهُ عَن وَجهِهِ النَّارَ يَومَ القِيَامَةِ" "وَالمُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ" وَ"لا يَستَقِيمُ إِيمَانُ عَبدٍ حَتى يَستَقِيمَ قَلبُهُ، وَلا يَستَقِيمُ قَلبُهُ حَتى يَستَقِيمَ لِسَانُهُ" و"مَن صَمَت نَجَا".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي