بسبب ذنوبنا نحن؛ في هذا الزمان، تأخرت الأمطار، وانقلع عنا الغيث وانقطع، وتأخر نزول المطر على الناس، وعلى الدواب، وعلى البلاد وعلى العباد، بذنوبنا سُلِّط علينا اليهود، بذنوبنا عاقب بعضنا بعضا، ووقعت بيننا الخلافات، بذنوبنا وصَلَنا آخر ما وصل، الجراد!. ولنعلم -يا عباد الله- وبخطأٍ في اللفظ، من...
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَاْلْأَرْحَامِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
ألا واعلموا -يا عباد الله- أن الله -جل جلاله- حكم عدل، لا يعذب أحدا بغير ذنب، ولا يعاقب أحدا بذنب الآخر، كما قال سبحانه: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء: 15].
هذا قول الحكمِ العدل، فكما أُهلكت الأمم السابقة، ولم تُهلك إلا بذنوب أصابتها، من الشرك بالله -عز وجل-، أو معاص كاللواط وما شابه ذلك، أو عناد للأحكام الشرعية، هذه الأمم ما ظلمها الله، ولكنه عاقبها بذنوبها، وبسبب أهوائها، قال سبحانه عنهم: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا) أصابهم بحجارة من السماء، لذنب اقترفوه، وآخرون- (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) -صوت عظيم، أخمدت منهم الأنفاس، وأسكتت منهم الأصوات- (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ) -زلزال عظيم، انشقت الأرض وابتلعت من فوقها- (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا) -انفتح البحر وانفلق، والتقم المذنبيين، الذين عاندوا الله -عز وجل-، ومنهم.. ومنهم.. ومنهم.. قال سبحانه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40].
وكما قال سبحانه: (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا) [الشمس: 14].
(فَدَمْدَمَ) أي جعل عاليها سافلها، أو أمطر عليها حجارة من سجيل، هذا كله بذنبهم: (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا).
وبسبب ذنوبنا نحن؛ في هذا الزمان، تأخرت الأمطار، وانقلع عنا الغيث وانقطع، وتأخر نزول المطر على الناس، وعلى الدواب، وعلى البلاد وعلى العباد، بذنوبنا سُلِّط علينا اليهود، بذنوبنا عاقب بعضنا بعضا، ووقعت بيننا الخلافات، بذنوبنا وصَلَنا آخر ما وصل، الجراد!.
ولنعلم -يا عباد الله- وبخطأٍ في اللفظ، من نبي من أنبياء الله -عليهم الصلاة والسلام-، أخطأ في اللفظ، أو في القول، -ونحن نتلفظ ونقول مثل هذا القول الذي قاله ذاك النبي، أو أشدَّ منه-، بهذا اللفظ من ذاك النبي، أمات الله -عز وجل- سبعين ألفا من قومه، من قوم ذاك النبي، كما ورد في الحديث، عَنْ صُهَيْبٍ الرومي -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى هَمَسَ".
وفي رواية: "إذا صلى العصر".
وفي رواية: "صلى الفجر".
"هَمَسَ" أي تكلم بكلام خفيٍّ، لا يسمعه غيره، لكن يسمعون الهمس، قَالَ عليه الصلاة والسلام لأصحابه: "أَفَطِنْتُمْ لِذَلِكَ انتبهتم لهمسي، وكلامي الخفي- إِنِّي ذَكَرْتُ -أي تذكرت- نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ -من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام- أُعْطِيَ جُنُودًا مِنْ قَوْمِهِ".
وفي رواية: "أُعْجِبَ بأمته" -عنده جنود، وكثرة وعدد وعتاد، فأصابه العجب- فَقَالَ: مَنْ يُكَافِئُ هَؤُلَاءِ؟! أَوْ مَنْ يُقَاتِلُ هَؤُلَاءِ؟! أَوْ كَلِمَةً شَبَهُهَا.
وفي الرواية الأخرى: "من يقوم لهؤلاء؟ ولم يشك".
وهذه كما حدثت في غزوة حنين عندما أعجبتهم كثرتهم، وهذه أيضا تشبه القوم الذين قالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فهذا النبي أعجبه هذا الأمر، وقال هذه الكلمة، من يقاتل هؤلاء؟ من يقوم لهم؟ من يقف مكافئا لهم؟ فماذا حدث -يا عباد الله-؟ ماذا كانت النتيجة؟ ما هي العقوبة على ذلك؟- "فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اخْتَرْ لِقَوْمِكَ إِحْدَى ثَلَاثٍ: أَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ، أَوِ الْجُوعَ، أَوِ الْمَوْتَ.
عباد الله: لو خيِّرنا نحن في هذا الزمان بين إحدى هذه الثلاث، فهل نختار العدو؟ أو نختار الجوع؟ أو نختار الموت؟ يقول لنا: موتوا فنموت، ماذا نختار؟ وماذا اختار هذا النبي؟
كل يجيب بما يعلم -يا عباد الله-.
قال: فَاسْتَشَارَ -هذا النبي- قَوْمَهُ فِي ذَلِكَ -استشارهم؛ ومن هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في مثل الأمور العامة، أن يستشيروا أقوامهم فيما لم يوح إليهم بشيء، استشارة، وتعقب الاستشارة؛ الاستخارة- فَقَالُوا: نَكِلُ ذَلِكَ إِلَيْكَ، أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ -فماذا فعل هذا النبي؟- فَقَامَ فَصَلَّى، وَكَانُوا إِذَا فَزِعُوا فَزِعُوا إِلَى الصَّلَاةِ -إذا أصابهم كرب توجهوا إلى الصلاة، هذا تعليم الأنبياء جميعا، وكذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
عبد الله: إذا وقعت في كرب؛ فعليك بالصلاة.
إذا وقعت في شدة؛ فعليك بالصلاة.
إذا وقعت في ضيق؛ فعليك بالصلاة.
إذا أصبت أو أحد من أهلك بمرض؛ فعليك بالصلاة.
إذا احتجت إلى سداد دين؛ فعليك بالصلاة.
ماذا تريد؟
الأمر عند الله، تقرب إليه بما يحبه الله، بالصلاة، فأحب الأعمال إلى الله؛ الصلاة.
فماذا اختار هذا النبي؟
فَقَالَ: يَا رَبِّ أَمَّا الْجُوعُ -نتوقف عندها، الجوع يذكرنا بإفريقيا، وما يحدث فيها من جوع، بالهند، بأفغانستان، بلاد مليئة بمن يموت جوعا، في الأيام وفي الساعات، جوع! أتعلمون ما الجوع؟ أن يبقى هكذا الإنسان دون أكل، حتى يموت، أما الجوع؛ هل اختاره هذا النبي؟ ما أدري من حدثني عن قصة حدثت، لعلها في السعودية، امرأة دخلت الحمَّام، وزوجها في إجازة ثلاثة أيام خارج البلد، وحماماتهم وبيوتهم وأبوابهم؛ محكمة الإغلاق، طفلها ابن السنتين، أغلق الباب بالمفتاح، تنادي عليه: افتح يا ولدي، افعل كذا، ما يرد، لكنه يصرخ، لا يعرف، وبعد ثلاثة أيام، وهي في حبس انفرادي، جاء الزوج، فوجد الطفل قد انتفخ من الموت، مات وانتفخ، ثلاثة أيام، لم يأكل شيئا من الجوع، والمرأة ذُهب بها إلى المستشفى، هل تختارون أنتم الجوع أيها الشبعانون؟ هل جربتم الجوع؟ الآن تقولون: الشيخ طوَّل، نريد أن نذهب حتى نأكل، الجوع، وسيأتي على الناس زمان، لا يجد الإنسان شيئا يأكله، والله هذا النبي ما اختار الجوع لقومه، فيا أولياء الأمر في كل زمان ومكان، ارحموا من تلون أمرهم، لا تجوعوهم.
قال: -أَوِ الْعَدُوُّ فَلَا- العدو إذا سُلطت من الله -عز وجل-، هو سيف من سيوف الله، يسلطه على عباده، فيكسر به ثم يكسره، العدو ولو كان عدوا لله قد يسلطه، على بعض أولياء الله ليتوبوا ويرجعوا، العدو إذا اجتاح الديار، خرب ودمر وقتل وسبى النساء والأطفال، وفعل وفعل، هذا النبي وغيره من العقلاء لا يرغبون في ذلك -وَلَكِنِ الْمَوْتُ- فاختار ماذا؟ اختار الموت؛ لأن نهاية الناس كلهم إلى الموت -فَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَمَاتَ مِنْهُمْ -في يوم- سَبْعُونَ أَلْفًا.
يقول صلى الله عليه وسلم: "فَهَمْسِي الَّذِي تَرَوْنَ أَنِّي أَقُولُ: اللَّهُمَّ بِكَ أُقَاتِلُ -لا يقاتل بأبي بكر وعمر، لا يقاتل بالجنود والكتائب، كتائب الصحابة -رضي الله عنهم-، وإنما هم جنود يقاتل بالله -عز وجل-، هم سبب، ويتوكل على الله- اللَّهُمَّ بِكَ أُقَاتِلُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ" [رواه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/ 226، رقم 209)، وأورده في الصحيحة في موضعين (1061)، و(2459)].
كلمة أو جملة تودي بقائلها إلى المهالك، وتنزله إلى جهنم وهو لا يلقي لها بالا كما ورد في الحديث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ" -إنسان متعود لسانه على ذكر الله، إذا غضب، إذا جاءته العصبية، تجده يقول: لا حول ولا قوة إلا الله، استغفر الله العظيم، لا إله إلا الله، تخرج على لسانه، لم يقصدها؛ لأنه في حالة عصبية- لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ -ربما يكون عصبيا، أو في ضيق، أو ما شابه ذلك- لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا - في حال الغضب والشدة، وإذا به يلقي الكلمة، كلمة كفر، كلمة شرك، كلمة لعن أو سب، والعياذ بالله- يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ" [البخاري (6478)].
كلمة ترفع قائلها، وأخرى تسخطه وتسقطه في جهنم -والعياذ بالله-.
عباد الله: الجمادات وسائر الكائنات مما في الأرض والسماوات، وما بين ذلك، وما تحت العرش، وكله أطوع لله من الناس، فهذا البساط والحصير، الذي تجلس عليه أطوع لله منك، هذا السقف الذي فوقك، وتستظل به، أطوع لله منك، من الإنسان، من البشر، ولكن لماذا؟ هل هو أفضل منك أو لا؟ هذا أمر آخر، ولكنه أطوع، كما قال الله -عز وجل-: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ) -أي استسلم- (مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [آل عمران: 83].
(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا -وكذلك- وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [الرعد: 15].
في الصباح والمساء ساجدا لله -سبحانه-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الحج: 18].
الله، بعد أن خلق الخلق، قال: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت: 11].
يؤكد ذلك؛ حديث بُرَيدة -رَضِي اللَّهُ عَنْهُ -قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم-: "لَيْسَ شَيْءٌ -كلمة شيء؛ نكرة، تفيد العموم والشمول- إلاَّ وهُو أَطْوَعُ لِلَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنَ ابْنِ آدَمَ" [مسند البزار، البحر الزخار (10/ 271، رقم 4374)، وحسنه في صحيح الجامع (5393)].
"حتى الجماد -نعم! حتى الجماد- كالأرضِ التي -خُلقت منها يابن آدم- فإنها مجبورة، ونفسُ الآدمي مفتونةٌ بالشهوات، فليست طاعةُ الأرضِ، ولا طاعةُ السماءِ، ولا طاعةُ سائرِ الخلْقِ، تشبهُ طاعةَ الآدميِّ؛ لأنَّ طاعتَه -الآدمي- يخرجُها من بين الشهوات والوساوس وعجائبِ القلب، فأمَّا أولئك -الجمادات- فلم يُسَلَّطْ عليهم ذلك، فهم أسهلُ انقيادا" [فيض القدير (5/ 367)].
لذلك؛ كان للمعاصي والذنوبِ نتائجُ، ثق تماما، كل معصية لها نتيجة، تناسبها وتوافقها، كما قال سبحانه: (جَزَاءً وِفَاقًا) [النبأ: 26].
في الدنيا والآخرة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنهما- قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا" -لم تظهر الفاحشة؛ الزنا، واللواط والجنس، وأمراضه، وما شابه ذلك، الفاحشة ما ظهرت في قوم، والظهور يصل إلى حد الإعلام في الفضائيات، وعبر الإنترنت، وعبر الجولات، وعبر المجلات والكتب، ويكون تحقيقا على الواقع، في البيوت؛ بيوت الدعارة، المرخص لها، أو بيوت خفية في أماكن معينة، تبثها سموم أخرى، إذا ظهرت هذه وأعلن الناس بها- "إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ" فالقوم الذين يعلنون بهذه؛ فليبشروا بالطاعون، فقط؛ لا وإنما أمور أخرى غير الطاعون- "وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا" -أوجاع لم تكن معروفة في السابق، الإيدز، الزهري، السيلان، سمِّ ما شئت من أمراض الجنس، وأمراض ناتجة عن اللواط، وناتجة عن الزنا- والعياذ بالله- نتيجتها ونتيجة هذه الفاحشة، هذه العقوبة، هذا في الدنيا، فكيف في الآخرة -يا عباد الله-؟ إن لم يتب هؤلاء؟
ومعصية أخرى -(وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ) -نقص المكيال يا أصحاب الدكاكين، يا من تبيع الناس لا تتخذ مكيالين، مكيال تكيلون به للناس، فتجعلونه ناقصا، ومكيال تكتالون به من الناس، فتجعلونه زائدا، إذن؛ ماذا تكون النتيجة؟ عندما ينقصوا المكيال-، قال: (إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ) -بالقحط والجدب، وقلة المادة -(وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ) - وهو الشيء الذي يتمون به الإنسان، ويتقوت به، الحصول عليه بشدة -نسأل الله السلامة- ليس هذا فقط- "وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ" -وجور الحكام على الناس، هذا نتيجة لهذا، فهل السنين موجودة؟ في بعض البلدان موجودة، قحط وجدب، شدة المئونة موجودة؟ في بعض الناس، وليس في الدول، عموما، بل في كل مكان تجد أن بعض الناس عنده شدة في الحصول على المئونة، وجور السلطان، وظلم الحاكم على الناس ما هو سببه؟ نقص المكيال والميزان، ويدخل في ذلك؛ العدد، ويدخل في ذلك؛ الذراع والمساحة والمسافة، وما شابه ذلك، كله يدخل في نقص المكيال والميزان- "وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ" -ذنب آخر؛ زكاة الأموال، فمهما تكدس عنده، لا يخرج زكاة ماله، ماذا يحدث؟- "إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ" -الماء ينزل من السماء، ولله فيه حق، وللناس فيه حق، فأعطِ كل ذي حق حقه- "إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ" -لكن! يارب الناس منعوا الزكاة، ومع ذلك المطر ينزل، نزل قبل شهر أو أكثر، ونزل بخير وعافية، لكن نحتاج المزيد-، قال: "وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا" -فنحن في كنف البهائم- "وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ" -العهود والمواثيق، سواء بين الدول بعضها، أو بين الحكومات، أو بين المختلفين من الفصائل، وغيرهم، أو بين المختلفين في العائلات، أو بين الأفراد، أعطى عهدا، وأخلف فيه- "إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ" -وهذا ما يحدث، عدونا الغربي والشرقي أخذ ما في أيدينا، عندما نقضنا عهد الله، وعهد رسوله، أخذوا بلادا عربية، وبلادا إسلامية، تحت أيديهم خيراتها، وآبارها ومقدراتها وأموالها، يتصرفون فيها كما شاؤوا -نسأل الله السلامة- "وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ".
وقال ابن عباس: بالحق: "وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ".
وفي رواية: "ويتحروا مما أنزل الله" يتحيروا، يتخيروا، يتحرو، إذا ما استطعت أن تحكم بالكل، خذ بالبعض، الذي ينفع للناس، وفيه الحق، إذا ما حدث هذا "إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ" [سنن ابن ماجة (4019)، حسَّنه في الصحيحة (106)].
البأس شديد بين المسلمين، إذا تخلوا عن ذلك، عن أوامر الله، فعلوا نواهي الله -عز وجل-، فهؤلاء يكونون قد اجترأوا على الله.
فتوبوا إلى الله واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: العقوبات قد تتنوع على قوم، يعني بعض الناس، أخذهم الله مرة واحدة، بالحاصب، وبالغرق، وما شابه ذلك، وبعض الناس تدرج إليهم في العقوبة، هم هم، فإذا تابوا وأقلعوا عن الذنب، كان بها، وإن عادوا؛ عاد الله عليهم بعقوبة الأخرى، كما فعل الله مع فرعون وملأه، قال الله عنهم: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) [الأعراف: 133].
تسع آيات، أولها: اليد والعصا، ثم جاءت السنون، وهي سني القحط، لا نبات ولا شجر ولا عشب، ولا كلأ، ثم جاءتهم الثمرات، والنقص منها، تجد الزرع –ما شاء الله- كبير، لكن؛ ما فيه سنابل، تجد الشجر –ما شاء الله- لكن؛ ما فيه ثمر، نقص من الثمرات، كل ما فعلوا شيئا، وجاءتهم آفة جاءوا إلى موسى: (اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) [النمل: 47].
ثم يأخذون على أنفسهم عهدا، لئن نجاهم من هذه ليؤمنن له، وليرسلن معه بني إسرائيل، لكن في كل واحدة يكذبون، ويخالفون، فأرسل عليهم الطوفان، نهر النيل فاض عليهم، أغرق مواشيهم، وزروعهم، وبيوتهم وأشجارهم، ولم ينقطع عنهم، حتى جاءوا إلى موسى -عليه السلام-: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ) [الأعراف: 134].
فدعا ربه على أن يؤمنوا، ويرفع العذاب عن بني إسرائيل المؤمنين، رجعوا مرة أخرى، فأرسل عليهم أنفسهم، يعني ليس قوما آخرين، هم هم، أرسل عليهم بعد الطوفان؛ الجراد.
والجراد؛ كانت تأكل مسامير الأبواب والسقوف، فتسقط وتخر على أهلها، ومساميرها كانت مصنوعة من الخشب، الخشب تأكله، فكيف بالأخضر، فعرفوا أن هذا بسبب عصيانهم، ولو أنهم آمنوا واتبعوا، ولو أنهم بعثوا معه بني إسرائيل معهم، فجاؤوا يتوسلون إلى موسى، فرفع عنهم الجراد، فالجراد ملأ البيوت، وملأ الأركان، وإذا أردتم أن تنظروا فانظروا إلى ما يحدث الآن، من الجراد.
والقمل؛ هل هو السوس الذي دخل بيوتهم وثيابهم، ومخازنهم فإذا فتحوا حبة قمح وجدوا فيه قمَّلة، يعني حشرة من الحشرات، إذا ناموا وجدوا في فراشهم -والعياذ بالله-، تصور في بيتك مثل هذا؛ كيف تعيش؟
فتوسلوا إلى موسى -عليه السلام- أن يرفع عن ما بهم، فيؤمنوا ويرسلوا معه بني إسرائيل.
بعث إليهم الضفادع عندما عاندوا وعتوا، ضفادع في الماء الذي يشربون، أو قدور نظيفة، يجد قد قفزت فيها عدة ضفادع، إذا نام قفزت في فمه ضفدعة، ما هذه الحياة؟
إذا مشى يمشي على الضفادع، هذا جندي من جنود الله -سبحانه وتعالى-، تصور هذا الوضع، لو خالف أناس في زمن من هذه الأزمنة، كيف يعيشون؟
توسلوا إلى موسى فدعا ربه، فرفع عنهم.
والدم؛ والعجيب في الدم أن بني إسرائيل يشربون الماء عذبا زلالا، والأقباط المصريون المعاندون يشربون الماء فيصبح دما قبل أن يصل إلى شفاههم، حتى تقول -كما ورد في ابن كثير- القبطية المصرية للإسرائيلية اليهودية، تقول لها: أنتِ اسقني، فترفع الماء في الكوب، حتى إذا وصل إلى فمها، تحول إلى دم -نسأل الله السلامة من عقوبات الله كلها، في الدنيا والآخرة-.
ثم دعا موسى -عليه السلام- ربه، فرفع عنهم، هذه كلها آيات مفصلات.
عباد الله: حال الناس في الآخرة، يشبه الجراد تماما، كيف رأيتم الجراد عندما ينتشر؟! في تموج وحركات وتكاثف جرادة على أخرى، قال سبحانه: (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) [القمر: 7].
جراد في حال هيجان وانتشار.
وأما الحديث الذي رواه البيهقي شعب الإيمان (12/ 409، رقم 9654) بسنده عَنْ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَقْتُلُوا الْجَرَادَ فَإِنَّهُ مِنْ جُنْدِ اللهِ الْأَعْظَمِ" [فقد أورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/ 554، رقم 2428)، وحسنه في صحيح الجامع رقم (7388) ورمز له "طب، هب" عن أبي زهير، طس، أبو محمد المخلدي، ابن مندة]. أ. هـ.
ومعناه: النهي عن قتله لغير منفعة، أو لإفساده وإضراره.
"من جند الله الأعظم" سلطه على من؟
على فرعون وملئه.
جند، فهذا جندي من جنود الله، لا تقتلوه إلا لمصلحة، لأكل أو لدفع ضره، هذا يجوز إن شاء الله؛ لأنه ورد في الحديث، أحلت لنا ميتتان؛ وذكر الحوت والجراد.
فالأسماك والجراد لا تحتاج إلى ذكاة، فيجوز أكلها بأي أنواع الطبخ شئت، إن شاء الله -سبحانه وتعالى-.
عباد الله: كل هذا وما نحن فيه اليوم، من ضيق وضنك وشدة في المئونة، عند كثير من الناس، يعني بعض الناس، يعيش فوق الشمس، لا يشعر بالناس، وبعضهم لا يجد ما يلتحف به، وأخيرا سمعت بعض الناس، لا يسترهم حتى الجدار ليس عندهم، يعيشون بين الأغنام، في الحظائر -ونسأل الله السلامة-.
هنا في منطقتنا، أناس، وأناس، فلذلك -يا عباد الله- مع هذا الضيق والضنك، ومع هذه قلة ذات اليد، نجد المعاصي، ونجد الذنوب والخطايا، ونجد الفواحش، الكبائر والصغائر، ونجد أمورا عظيمة جدا في هذه الأمة، ونحن هنا خاصة، من حصار وما شابه ذلك، فربما يكون الحصار على بعض الناس، وبعض الناس لا يشعر أنه في حصار أبدا، ويبقى في المعاصي والذنوب والخطايا، فالأمة لا يزال فيها حتى الآن -والعياذ بالله- الزنا، ولا يزال فيها الربا، ولا يزال فيها الموسيقى والغناء، ولا يزال فيها التهتك والعري، وظهور شعر النساء، أمام الرجال الأجانب، وظهور أيديهن وأرجلهن، وتمشي شبه عارية أحيانا، في الطرقات والشوارع، أو ننظر إليها في التلفزيونات، والصور وما شابه ذلك، في الأمة موجود، فماذا ننتظر؟
والله ننتظر رحمة الله.
ومع هذا كله؛ فنحن نطمع في رحمة الله -عز وجل-.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا، مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلّلًا عَامًّا، طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالْفَتْكِ مَا لَا يُشْكَى إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنَبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ.
اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفْهُ غَيْرُكَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، وأمددنا بأموال وبنين، واجعل لنا جنات، واجعل لنا أنهارا.
اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهِيمَتَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ، اللهم آمين، آمين.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي