أشراط الساعة الكبرى (2) المسيخ الدجال

محمد ابراهيم السبر

عناصر الخطبة

  1. خروج المسيح الدجال في آخر الزمان
  2. فتنة الدجال من أعظم الفتن التي تمر على البشرية
  3. بعض ما ورد في صفة الدجال
  4. سبل الوقاية من فتنة المسيح الدجال
  5. نهاية الدجال ومقتله.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين قيوم السماوات والأرضين، وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].

عباد الله: تحدثنا في الجمعة الماضية عن أشراط الساعة الكبرى، واليوم نكمل الحديث إن شاء الله –تعالى-.

فمن أشراط الساعة الكبرى التي تواترت بها الأحاديث: خروج المسيح الدجال في آخر الزمان، ولفظةُ المسيح تطلق على الصدِّيق وعلى الضليل الكذاب؛ فالمسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- الصِّدِّيق، والمسيح الدجال الضليل الكذاب، فخلق الله المسيحين؛ أحدهما ضد الآخر، فعيسى -عليه السلام- مسيح الهدى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، والدجال مسيح الضلالة يفتن الناس بما يعطاه من الآيات والخوارق، وسُمِّيَ الدجال مسيحاً؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة، أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوماً، والقول الأول هو الراجح لما جاء في الحديث: “إن الدجال ممسوح العين“(رواه مسلم).

وسمي الدجال دجالاً؛ لأنه يغطي الحق بالباطل، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم وقيل: لأنه يغطي الأرض بكثرة جموعه. والله أعلم.

عباد الله: فتنة الدجال من أعظم الفتن التي تمر على البشرية عبر تاريخها، قال -صلى الله عليه وسلم-: “ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلقٌ أكبرُ من الدجال“(رواه مسلم).

يخرج الدجال على حين غفلة وذهول من أكثر الناس قال -صلى الله عليه وسلم-: “لا يخرج الدجال حتى يذهلَ الناس عن ذكره وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر“(رواه أحمد). وروى أيضًا أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: “يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم“.

يخرج فيدّعي الألوهية ومعه من الفتن الكثيرة ما يُبهر العقول, يتبعه اليهود والأعراب والنساء ويبتلى المؤمنون به ابتلاءً شديداً ويزلزلون زلزالاً عظيماً، حذّر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد تحذير وبيّن أمره أيّما بيان، ظهر ذلك جلياً في حديث النُواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: ذكر رسول الله الدجال ذات غداة فخفَّض فيه ورفَّع؛ حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا عرف ذلك فينا فقال: “ما شأنكم؟”، قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداةً فخفَّضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: “غيرَ الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم“(رواه مسلم).

ومما ورد في صفة الدجال ما رواه عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا جحراء، فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور“(رواه أبو داود).

فهو: رجل من بني آدم؛ عظيم الخلقة، أحمر الوجه، قصير أفحج، جعد الرأس، أجلى الجبهة، عريض النحر، ممسوح العين اليمنى كأنها عنبة طافئة، وعينه اليسرى عليها ظفرة غليظة –أي لحمة تنبت عند المآقي– مكتوب بين عينيه كافر يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب، وهو عقيم لا يولد له.

قال ابن كثير: “فيكون بدء ظهوره من أصبهان من حارة يقال لها اليهودية. وأكثر ما يتبعه اليهود والترك والعجم وأخلاط من الناس غالبهم من الأعراب والنساء؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: “يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة“(رواه مسلم)، وفي حديث آخر: “يتبعه أقوام كأن وجوههم المَجَان المطرقة“(رواه الترمذي). والمراد بهؤلاء الترك والعجم، والله أعلم.

وأما الأعراب فيتبعونه؛ لأن الجهل غالب فيهم، وأما النساء فحالهن أشدُ لسرعة تأثرهن فعن ابن عمر قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ينزل الدجال في هذه السبخة بمر قناة، -مر قناة: واد يأتي من الطائف. وهي موضع قرب المدينة-، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه“(رواه أحمد).

فتنة الدجال أعظم فتنة منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة؛ لما جعل الله معه من الخوارق العظيمة التي تحير الألباب وتبهر الأفئدة وقد تتابع الأنبياء من لدن آدم -عليه السلام- على تحذير أقوامهم منها، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إني لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنه أعور، وإن الله ليس بأعور“(رواه البخاري).

يسير معه جنة ونار نارُه جنة وجنتُه نار، معه جبال الخبز وأنهار الماء يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت تتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل…

وقد سأل الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا يا رسول الله وما لبُثه في الأرض؟ قال: “أربعون يوماً: يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم” . قالوا: وما إسراعه في الأرض؟ قال: “كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُراً وأسبغه ضروعاً وأمدّه خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك“(رواه مسلم).

أيها الأحبة: إن الله -تبارك وتقدس- جلّ أن يترك عباده أمام هذه الفتنة العظيمة والرزية الكبيرة دون أن يهتك سترها ويبطل كيدها ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة، فيخرج إليه رجل من المدينة ليكشف أمره ويُجلّي للناس خبره لئلا يفتتنوا به فيقول له: “أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول (أي: الرجل): والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يُسلّط عليه، وفي رواية: “فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار وإنما ألقي إلى الجنة “قال النبي -صلى الله عليه وسلم- معلقاً على هذا المشهد: “هذا أعظم شهادة عند رب العالمين“(رواه البخاري).

ولقد وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البلسم الشافي والعلاج الناجع الذي يقي الأمة من فتنة المسيح الدجال فأمر بالتعوذ منها في الصلاة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال“(رواه مسلم).

ومما يقي من فتنة الدجال حفظ وقراءة فواتح سورة الكهف عند رؤية الدجال قال -صلى الله عليه وسلم-: “من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف“(رواه مسلم). وروى أيضاً عن أبي الدرداء أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: “من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال“.

ومن طرق الوقاية من فتنته: السكنى في مكة أو المدينة لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً حيث إنه محرّمٌ عليه دخولهما كما في الأحاديث الصحيحة، وإن تعذرت السكنى في أحدهما فلا بد من الفرار منه والنّأي عنه، قال -صلى الله عليه وسلم-: “من سمع بالدجال فلينأ عنه فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات“(رواه أحمد).

ومما يقي من فتنته بإذن الله معرفة وتدبّر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا وأنه لا يشاركه أحد فيها وأنه لا أحدٌ يرى الله حتى يموت؛ أما الدجال فيراه الناس قبل أن يموتوا جهاراً نهاراً، وأن الله لا يأكل ولا يشرب، أما الدجال فيأكل ويشرب، وأن الدجال أعور أما ربنا الله سبحانه فمنزّه عن النقائص والعيوب. جل في علاه..

الخطبة الثانية:

وبعد أن تعمّ فتنة هذا اللعين ويظهر على الأرض كلها ما عدا مكة والمدينة ويشتد خطره ويكثر أتباعه خلا قلةٍ قليلةٍ من المؤمنين الذين يمتحنون امتحاناً هائلاً وتضيق عليهم الأرض بما رحبت, يأذن الله –تعالى- بالفرج فينزل نبي الله عيسى -عليه السلام- عند المنارة البيضاء الشرقية بدمشق واضعاً كفيه على جناحي ملكين فيلتف حوله عباد الله المؤمنون ويقصدون الدجال فيدركوه عند باب بلدة “لُدّ” وهو متوجه نحو بيت المقدس وعندما يراه الدجال يبدأ بالذوبان كما يذوب الملح؛ فيقول له عيسى -عليه السلام-: “إن لي فيك ضربة لن تفوتني”، فيتداركه قبل أن يذوب فيقتله بحربته وينهزم أتباعه فيقتلهم عيسى والمؤمنون معه حتى يقول الشجر والحجر: “يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود“، وصدق نبينا -صلى الله عليه وسلم- فها هم اليهود يجتمعون في بيت المقدس ويقومون بحملات زراعة شجر الغرقد لحماية أنفسهم إدراكاً منهم لما سيواجهونه على أيدي عباد الله المؤمنين في تلك المعركة الفاصلة.

روى مسلم عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- في قصة نزول عيسى وقتله للدجال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه -أي عيسى عليه السلام- إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه عند باب لُد فيقتله“.

وبقتل الدجال الخبيث تنتهي أشرّ فتنة على وجه الأرض وينجي الله الذين آمنوا من شره وشر أتباعه على يدي روح الله وكلمته عيسى ابن مريم -عليه السلام- الذي سنتكلم على تفاصيل نزوله وكامل قصته في الخطبة القادمة؛ بمشيئة الله –تعالى-.

اللهم أعذنا من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسح الدجال، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.


تم تحميل المحتوى من موقع