الإنسان خلق للابتلاء والاختبار. وبعض الناس يظن أن الابتلاء بالنعم كرامة، والابتلاء بالفقر إهانة. والابتلاء ما هو إلا تمحيص لإظهار الصابرين من غيرهم: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد: 31]. لذا ابتلي الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فابتلى آدم بالأكل من الشجرة، وابتلى إبراهيم بكلمات فأتمهن، وابتلى...
الحمد لله ...
الإنسان خلق للابتلاء والاختبار، قال سبحانه: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) [الإنسان: 2].
وبعض الناس يظن أن الابتلاء بالنعم كرامة، والابتلاء بالفقر إهانة: (فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كلاَّ) [الفجر: 15 - 16].
ف (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].
والابتلاء ما هو إلا تمحيص لإظهار الصابرين من غيرهم: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد: 31].
لذا ابتلي الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فابتلى آدم بالأكل من الشجرة، وابتلى إبراهيم بكلمات فأتمهن، وابتلى طَالُوت وجُنُوده بِنَهَرٍ: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 87 - 88].
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) [المؤمنون: 30].
أما الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- فقد ابتلاهم بالغزوات، وغيرها: (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا) [الأحزاب: 11].
والناس في ابتلاء ما داموا في هذه الحياة الدنيا وعلى هذه الأرض: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الكهف: 7].
ومن أنواع الابتلاء: الخوفُ والجوعُ والموتُ، ونحو ذلك، وما فاز إلا الصابرون: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155 - 157].
فالتقوى والصدقُ تتغلب على الابتلاء بشتى أنواعه؛ من تعب وظمإٍ، ونحوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ * مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [التوبة: 119 - 121].
والابتلاء ليس نوعا واحدا على الناس، ولكنه أنواع كثيرة مختلفة، منهم من يبتلى بالهم والحزن والشوك، فهؤلاء لهم أجرهم وثوابهم، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" [البخاري (5641) ومسلم (2573)].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) [النساء: 123] بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَارِبُوا، وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا" [مسلم (2574)].
ومنهم من يبتلى بالفقرِ، وقلَّةِ الشيء ف "ـأشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر، حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها، فيلبسها، ويبتلى بالقمل، حتى يقتله، ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء؛ من أحدكم بالعطاء" [صحيح الجامع (995)] ورمز له "هـ، ع، ك" عن أبي سعيد. والصحيحة (144) ابن سعد].
ومنهم من يبتلى بالأمراض حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ" قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَجَلْ!" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ، فَمَا سِوَاهُ إِلا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا" [مسلم (2571)].
فالابتلاء بالحمى يذهب الخطايا والذنوب، عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: "مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟" قَالَتْ: الْحُمَّى؛ لا بَارَكَ اللهُ فِيهَا. فَقَالَ: "لا تَسُبِّي الْحُمَّى! فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ؛ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ" مسلم (2575)].
وهناك الابتلاء بالمس والصرع والوساوس، عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى! قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَتْ: "إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي!" قَالَ: "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ". قَالَتْ: "أَصْبِرُ". قَالَتْ: "فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ؛ فَادْعُ اللهَ أَنْ لا أَتَكَشَّفَ" فَدَعَا لَهَا [مسلم (2576)].
"إن الله -تعالى- يبتلي عبده المؤمن بالسُّقْم؛ حتى يكفرَ عنه كل ذنب" [صحيح الجامع (1870) ورمز له "طب" عن جبير بن مطعم "ك" عن أبي هريرة، الترغيب (4/153)].
ومن ابتلي بفقد البصر، فثوابه الجنة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ" يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ [البخاري (5653)].
وفي رواية عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَقُولُ الله: يا ابن آدم! أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْكَ. فَصَبَرْتَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ وَاحْتَسَبْتَ، لَمْ أَرْضَ لَكَ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ" [صحيح الأدب المفرد (415/535) "حسن صحيح"].
والصداع والحمى من الابتلاء، فمن لم يصبه ذلك أبدا، فليُخْشَ عليه من النار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَلْ أَخَذَتْكَ أُمُّ مِلْدَمٍ؟" قَالَ: وَمَا أُمُّ مِلْدَمٍ؟! قَالَ: "حَرٌّ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ". قَالَ: لا! قَالَ: "فَهَلْ صُدِعْتَ؟" قَالَ: وَمَا الصُّدَاعُ؟ قَالَ: "رِيحٌ تَعْتَرِضُ فِي الرَّأْسِ، تَضْرِبُ الْعُرُوقَ". قَالَ: لا! قَالَ: فَلَمَّا قَامَ قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ" أَيْ: فَلْيَنْظُرْهُ. [صحيح الأدب المفرد، (ص: 186) (381/495)].
وعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا اشْتَكَى الْمُؤْمِنُ، -أي مرض-؛ أَخْلَصَهُ اللَّهُ كَمَا يُخَلِّصُ الْكِيرُ خبث الحديد" [صحيح الأدب المفرد (382/497)].
و "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَمْرَضُ، إِلا كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ".
وعن أنس بن مالك -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِن مُسلمٍ ابتَلاهُ اللَّهُ فِي جَسدهِ؛ إِلا كَتبَ لَه مَا كَانَ يَعملُ فِي صِحتهِ، مَا كَان مَريضاً، فَإِنْ عَافاهُ -أَراهُ قَال:- عَسَلَهُ، وإِن قَبَضهُ غَفرَ لَه"... و "العَسْل: طِيبُ الثَّنَاء، مأخُوذٌ مِنَ العَسَل" [النهاية في غريب الحديث والأثر].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَال: جَاءت الحُمَّى إِلى النَّبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقالتْ: "ابعَثنِي إِلى آثَرِ أَهلِكَ عِندكَ" فَبعثَها إِلى الأنصَارِ، فَبقِيتْ عليهِم سِتةَ أَيامٍ ولَيالِيهِنَّ، فَاشتَد ذلَك عَليهم، فَأتاهُم فِي دِيارِهم، فَشكُوا ذّلِك إِليهِ، فَجعل النبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدخلُ دَارًا دَارًا، وبَيتاً بَيْتًا؛ يَدعُو لَهم بِالعَافِيةِ، فَلما رَجعَ تَبعتَهُ امرأةٌ مِنهُم، فَقالت: "وَالَّذِي بَعثك بالحَقِ! إِني لَمنَ الأنصَار، وإنَّ أَبي لَمِنَ الأنصَارِ، فَادع اللَّهَ لِي كَما دَعوتَ للأنَصارِ" قَال: "مَا شِئتِ؛ إِن شِئتِ دَعوتُ اللَّهَ أَن يُعافِيَك، وإِن شِئتِ صَبرتِ ولَكِ الجنَّة" قَالَتْ: "بَل أَصبِر، ولا أَجعلُ الجَنةَ خَطَراً" [الصحيحة (2502)].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا مِن مَرضٍ يُصيبُني أَحبُ إِليَّ مِن الحُمَّى؛ لأنَّها تَدخُلُ فِي كُل عُضو مِني، وَإِنَّ اللَّهَ -عَز وجَل- يُعطي كُل عُضوٍ قِسطَهُ مِن الأجْرِ" [صحيح الإسناد، وكذا قال الحافظ (10/110): الأحاديث من صحيح الأدب المفرد (500- 503)].
وعلى العبد المؤمن ألاّ يتسخَّطْ من المرض، ولا ييأس من المصيبة، ويؤمِّنَ على دعاء الزائرين له بالخير ولا يردَّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: "وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يعوده؛ قال: "لا بَأْسَ عَلَيْكَ، طَهور إِنْ شَاءَ اللَّهُ". قَالَ: قَالَ الأَعْرَابِيُّ: "ذَاكَ طَهُورٌ؟! كَلا"؛ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ -أَوْ تَثُورُ-، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، كَيْمَا تُزِيرُهُ الْقُبُورَ! قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم-: "فنعم إذاً" [صحيح الأدب المفرد، (ص: 194) (399/514)].
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ؛ ابْتَلاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ" قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زَادَ ابْنُ نُفَيْلٍ: "ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ -ثُمَّ اتَّفَقَا- حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى-" [سنن أبي داود (3090) وانظر: الصحيحة (2599)].
والآن؛ لنضربْ مثالا على الصبر على أنواع من الابتلاء؛ من النصب والصخب والتعب، فقوبل ذلك بالصبر والمصابرة، والثبات والمعاونة والمساعدة، فكان الأجر والمثوبة في الجنة، إنها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله تعالى عنها وأرضاها-، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ؛ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ؛ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ" [البخاري (3820) ومسلم (2432)].
ألا واعلموا أن الابتلاءَ على حسب دين المرء في الشدة والرقة، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: "الأَنْبِيَاء، ثمَّ الأمثلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ؛ فَإِنْ كَانَ صَلبا فِي دينه اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ هُوِّنَ عَلَيْهِ، فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى يَمْشِيَ على الأَرْض مَال ذَنْبٌ" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَة، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ حسن صَحِيح" والإيمان لابن تيمية (ص: 62)].
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَة، مشكاة المصابيح (1566)].
ف "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا" [البخاري (5667) ومسلم (2571)].
ألا واعلموا أنه: "لا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ أَوِ الْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح"، ومشكاة المصابيح (1567)].
والمصائب والمنايا كثيرة قد تربو على المائة، إن أخطأتك واحدة أصابتك الأخرى، فعَن عبد الله بن الشِّخِّير قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مُثِّلَ ابْنُ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً؛ إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا، وَقَعَ فِي الْهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ حسن غَرِيبٌ" وحسنه في مشكاة المصابيح (1569)].
عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ: أَنَّهُ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِ دِمَشْقَ وَهَجَّرَ بِالرَّوَاحِ، فَلَقِيَ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَالصُّنَابِحِيُّ مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدَانِ يَرْحَمُكُمَا اللهُ؟ قَالا: نُرِيدُ هَاهُنَا إِلَى أَخٍ لَنَا مَرِيضٍ نَعُودُهُ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتَّى دَخَلا عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالا لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ بِنِعْمَةٍ. فَقَالَ لَهُ شَدَّادٌ: أَبْشِرْ بِكَفَّارَاتِ السَّيِّئَاتِ، وَحَطِّ الْخَطَايَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: "إِنِّي إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنًا، فَحَمِدَنِي عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنَ الْخَطَايَا" وَيَقُولُ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ-: "أَنَا قَيَّدْتُ عَبْدِي، وَابْتَلَيْتُهُ، فَأَجْرُوا لَهُ كَمَا كُنْتُمْ تُجْرُونَ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ" [رَوَاهُ مسند أحمد، ط الرسالة (28/ 343) (17118) انظر: مشكاة المصابيح (1579) والصحيحة (2009)].
يا عبد الله: إذا ابتليت فلا تشكو اللهَ إلى عباده، حتى يعوضك خيرا مما أصابك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: "إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي الْمُؤْمِنَ فَلَمْ يَشْكُنِي إِلَى عُوَّادِهِ؛ أَطْلَقْتُهُ مِنْ أُسَارِيَّ، ثُمَّ أَبْدَلْتُهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ، وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ، ثُمَّ يسْتَأْنَفُ الْعَمَلَ" [السنن الكبرى للبيهقي (3/ 525) (6548) صحيح الجامع (4301) والصحيحة (272)].
وإذا ابتلي العبد بالإسهال أو مرض من أمراض البطن، فسيعفى من عذاب القبر، ف "مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ لَمْ يُعَذَّبْ فِي قَبْرِهِ" [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ" وحسنه في مشكاة المصابيح (1573)].
وَمن الابتلاء موت المهاجرين في غير بلادهم وخارج أوطانهم، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "يَا لَيْتَهُ مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ" قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ" [رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَة، وانظر: مشكاة المصابيح (1593)].
وهناك ابتلاء الشعوب والرعايا بظلم الحكام والأمراء، عن ابْن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ؛ إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" [البخاري (7054)].
ويُبتلى الحكام والأمراء بتطاول شعوبهم ورعاياهم، عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ" [البخاري (7150) ومسلم (142)].
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلا مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟" قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "ادْفَعْهُ إِلَيْهِ" فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ، فَجَرَّ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتُغْضِبَ، فَقَالَ: "لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلاً، أَوْ غَنَمًا، فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ، وَتَرَكَتْ كَدْرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ، وَكَدْرُهُ عَلَيْهِمْ" [مسلم (1753)].
الحمد لله ...
ولا يستريح العبد المؤمن من الدنيا وما فيها إلا بالموت، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: "العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ" [البخاري (6512) ومسلم (950)].
التعب والنصب يتلاشى عن المتقين في الآخرة: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ) [الحجر: 45 - 50].
والحزن والمصائب معدومة على هذه الأمة في الآخرة: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) [فاطر: 32 - 35].
أما أهل الصحة والعافية في الدنيا وماتوا ولم تصبهم مصيبة ولا مرض، فيتمنون أن لَو عُذِّبوا في دنياهم؛ لما يروا من ثواب المبتلين، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوَابَ؛ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ -أي قُطِّعت- فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وحسنه في مشكاة المصابيح (1570)].
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خشيتك ما تحول به بَيْنَنا وبَيْنَ مَعاصِيكَ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقين ما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنا مَصَائبَ الدُّنْيا، اللَّهُمَّ مَتِّعْنا بأسْماعنا وأبْصَارِنا وَقُوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجْعَلْهُ الوَارِثَ منَّا، وَاجْعَلْ ثأْرنا على مَنْ ظَلَمَنا، وانْصُرْنا على مَنْ عادَانا وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيا أكْبَرَ هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا، وَلا تُسَلِّط عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحمُنا.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي