بالتقوى والتوكل ينال المؤمنُ ما يريد من هدوء البال، وراحة النفس، وجلاء الصدر. وإذا خفنا على أولادنا وأهلينا وأموالنا من الحسد؛ فما علينا إلا أن نأخذ بالأسباب، ونتوكل على الله -سبحانه-. والنصر على الأعداء نطلبه بالأخذ أسباب القوة المادية، والعددية والمعنوية، بعد التوكل على الله. وفي حال الضعف الماديِّ والعدديّ لا بد من التوكل على الله -سبحانه-، وذلك...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ...
كثير من الناس من يعتمد على قوته وأعوانه، وكثرةِ ممتلكاته، كفرعون الذي قال الله عنه: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ) [الزخرف: 51- 56].
فلم تنفعْه أموالٌ ولا ممتلكات، ولم ينصرْه أعوانٌ ولا أتباع: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) [الأعراف: 137].
أو يعتمد على أمواله وكثرة ثرواته، كقارون الذي أخبر الله عنه: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص: 78].
وتمنَّى كثيرٌ من قومه الجهلاء أن يكونوا أثرياء مثله: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص: 79].
فما كان مصيرُه، ومصيرُ ثرواتِه التي اعتمد عليها، وخزنها في قصر وداره؟ قال سبحانه: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [القصص: 81 - 82].
أو يعتمد على كثرة أولاده مع أمواله كمن قال الله عنهم: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ: 35].
فماذا كانت نتيجةُ اعتمادهم هذا؟ يقال لهم يوم القيامة: (فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) [سبأ: 42].
أو يعتمد على صحته وعافيته، وقوة عضلاته، مثل قوم عاد: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [فصلت: 15].
والنتيجة: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) [فصلت: 16].
ومنهم من يعتمد على حَسَبِه ونسبِه شرفِه، ومنصبِه وجاهِه وهو لا يساوي عند الله شيئا "مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: "مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟" فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ؛ هَذَا وَاللَّهِ! حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا" [البخاري مع شرحه فتح الباري (11/ 273)(6447) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ].
ومن الناس من يعتمد على عدوه من شياطين الجن، ويلجأ إليهم كالسحرة والمشعوذين: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن: 6].
ومنهم من يعتمد على شياطين الإنس؛ كالجواسيس والعملاء، ومن باعوا دينهم وأوطانهم وأعراضَهم لأعدائهم.
والقليل من الناس من يتوكل على الله -جلَّ جلاله-، ويتقيه في اكتساب أمواله، وحفظ أهله وأولاده، والنصرِ على أعدائه.
فبالتقوى والتوكل ينال المؤمنُ ما يريد من هدوء البال، وراحة النفس، وجلاء الصدر، قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2 - 3].
وإذا خفنا على أولادنا وأهلينا وأموالنا من الحسد؛ فما علينا إلا أن نأخذ بالأسباب، ونتوكل على الله -سبحانه-، اقتداء بنبي الله يعقوب -عليه السلام-: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [يوسف: 67].
والنصر على الأعداء نطلبه بالأخذ أسباب القوة المادية، والعددية والمعنوية، بعد التوكل على الله -سبحانه-، قال سبحانه: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 160].
وفي حال الضعف الماديِّ والعدديّ لا بد من التوكل على الله -سبحانه-، وذلك اقتداءً برسل الله -سبحانه-، الذي آذاهم قومهم فماذا قالوا لهم: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم: 11 - 12].
ويقوى توكل المؤمنين عند الأمراض، والتحسب من وقوع الأذى والأضرار: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 51].
ولا يتوكلون على سواه سبحانه؛ لأن ما سواه لا يملك شيئا: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر: 38].
فالمؤمن الموحد يعلم أن الأمور كلَّها من عند الله وبإذنه ومشيئته: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التغابن: 11 - 13].
يا عبد الله، أيها المؤمن: وعند التناجي، وعندما يتركك خلانك وأصحابك، يتحدثون بأمر لا يريدونك تعلمه أو تسمعه؛ فلا تحزن وتوكل على الله، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة: 9 - 10].
توكل على الله -سبحانه- عند فشوِّ الأمراض؛ فلا تخشَ العدوى، فكلما قوي التوكل قل الخوف من وقوع الأذى، فقد قَالَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ عَدْوَى، وَلاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ". فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُول اللهِ! فَمَا بَالُ إِبِلِي تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأنَّهَا الظِّبَاءُ؛ فَيَأْتِي الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا؟! فَقَالَ: "فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟!" [البخاري في: 76 كتاب الطب: 25 باب لا صفر، وهو داء يأخذ البطن عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-].
"الْعَدْوَى": مَا يُعْدِي مِنْ جَرَبٍ وَغَيْرِهِ.
"الطِّيَرَةُ": التَّشَاؤُمُ، يُقَالُ: تَطَيَّرْتَ مِنَ الشَّيْءِ وَبِالشَّيْءِ تَشَاءَمْتَ بِهِ.
وَ "الصَّفَرُ": دَوَابُّ الْبَطْنِ تُؤْذِي الإِنْسَانَ إِذَا جَاعَ، فِيمَا تَزْعُمُ الْعَرَبُ، وَمِنْهُ لاَ صَفَرَ.
وَ "الْهَامَّةُ": وَاحِدَةُ الْهَوَامِّ؛ وَهِيَ دَوَابُّ الأَرْضِ الْمُؤْذِيَةِ، وَهِيَ فَاعِلَةٌ مِنْ هَمَّ إِذَا قَصَدَ.
فإذا قوي الإيمان والتوكل؛ فلا بأس من المخالطة بين المرضى وغيرهم، فإن هذه المخالطة تحدث في المستشفيات والبيوت والمدارس وغيرها، فلا يصاب إلا من كتب الله عليه ذلك.
أمَّا إن خَفَّ التوكل وضعف؛ فيكون احتمال وقوع الأذى والضرر أكبر، ولهذا علاجه عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ" [أخرجه البخاري في: 76 كتاب الطب: 53 باب لا هامة عن أَبِي هُرَيْرَةَ].
وعندما يخاف المؤمنون الموحدون من أذى أعدائهم من الجن والشياطين فإنهم يستعيذون بالله، ويتوكلون عليه وحده، قال سبحانه: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل: 98 - 100].
ورد المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني قال: وقال أبو يعلى: حدثنا محمد بن بكار، حدثنا ابن أبي الزناد، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه أم علقمة مولاة عائشة، قالت: أتيت عائشة بغلام صبي تدعو له، فرفعوا وسادةً كان عليها الصبي، فرأت عائشة -رضي الله عنها- تحتها موسى، فقالت: "ما هذه؟!" قال: نجعلها من الجن والفزع، قال: فأخذتها عائشة -رضي الله عنها- فرمت بها، وقالت: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبغض -البغض: عكس الحب، وهو الكُرْهُ والمقت- الطيرة -التشاؤم بالطير ، فقد كان أحدهم إذا كان له أمر فرأى طيرا طار يمنة استبشر واستمر بأمره ، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع ، وتطلق على التشاؤم مطلقا- ويكرهها".
أيها المؤمن: التوكل على تعالى يجعلك قويًّا، تعيش في دنياك مطمئنا إلى قدر الله -تعالى-، راضيا بما قسم لك وإن كان قليلا، المصائب تستقبلها بصبر وانشراح صدر، والنعم عندك تحتاج إلى الحمد والشكر.
هذا في الحياة الدنيا؛ أما في الآخرة فأنت عند ربك مرْضيًّا، ومن بين خلقه إليه مقرباً، ترى الثواب والعقاب، والجنة والنار؛ وكأنه لا شيء جديد على معلوماتك، فأنت مؤمن مصدق بالله الذي أخبرك عن ذلك في كتابه، ومصدق برسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي أخبرك فيما ثبت في أخباره، فما أُخبرت عنه، وتوكلت على الله أن يكون معك؛ ها أنت تراه في يومك هذا، فما الغريب عليك أيها المتوكل على ربك؟! وما هو الجديد عليك -أيها المؤمن- بخالقك؟! فهذا هو اليوم الذي كنت ترجوه، وهذه هي اللحظة التي تنتظرها: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: 119].
إنك كنت تعلم بأن: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة: 119 - 120].
عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ هذَا مُوسى وَقَوْمُهُ؛ ثُمَّ قِيلَ لي انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ لِي انْظُرْ هكَذَا وَهكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ هؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بَغَيْرِ حِسَابٍ"، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ؛ فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنا فِي الشِّرْكِ، وَلكِنَّا آمَنَّا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَلكِنَّ هؤُلاَءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "نَعَمْ!" فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ" [أخرجه البخاري في 76 كتاب الطب، 42 باب من لم يَرْقِ، ج1 ص86)].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي