وَأَتْرُكُ حُبَّهَا مِنْ غَيْرِ بُغْضٍ *** وَذَاكَ لِكَثْرَةِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ
إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ عَلَى طَعَامٍ *** رَفَعْتُ يَدِي وَنَفْسِي تَشْتَهِيهِ
وَتَجْتَنِبُ الأُسُودُ وُرُودَ مَاءٍ *** إِذَا كَانَ الكِلاَبُ وَلَغْنَ فِيهِ
الحمدُ للهِ العليمِ الحكيمِ؛ أتقنَ كلَّ شيءٍ خلقَه، ورحمَ عبادَه في حُكمِه وشرعِه، له الحكمةُ الباهرةُ في قضائِه وقدرِه، وله الحجةُ البالغةُ في أمرِه وشرعِه (أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50]
نحمدُه حمدَ الشاكرينَ، ونستغفرُه استغفارَ المذنبينَ، ونسألُه من فضلِه العظيمِ؛ فهو الجوادُ الكريمُ، البرُّ الرحيمُ
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ربُّ العالمينَ، وخالقُ الخلقِ أجمعينَ (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الأنعام: 102].
وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه؛ لا خيرَ إلا دلَّنَا عليه، ولا شرَّ إلا حذرَنا منه، تركنَا على بيضاءَ ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومن اهتدى بهداهم إلى يومِ الدِّينِ.
أما بعد: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62- 64].
وَأَتْرُكُ حُبَّهَا مِنْ غَيْرِ بُغْضٍ *** وَذَاكَ لِكَثْرَةِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ
إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ عَلَى طَعَامٍ *** رَفَعْتُ يَدِي وَنَفْسِي تَشْتَهِيهِ
وَتَجْتَنِبُ الأُسُودُ وُرُودَ مَاءٍ *** إِذَا كَانَ الكِلاَبُ وَلَغْنَ فِيهِ
هذه الأبياتُ تُذَكِّرنا بغَيرةِ العربِ التي كانَ يُضربُ بها الأمثالُ، والتي بلغتْ في الجاهليةِ إلى وأدِ البناتِ؛ وذلك لغيرةِ الرَّجالِ وخوفِهم من انتِهاكِ العرضِ وتدنيسِ الشَّرفِ، فجاءُ الإسلامُ بتحريمِ وأدِ البناتِ "إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنْعًا وَهَاتِ"
مع الأمرِ بالمحافظةِ على المحارمِ والتَّحذيرِ من التَّفريطِ في ذلكَ؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، ولَا يَنْظُرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الدَّيُّوثُ مِنَ الرِّجَالِ، وَالرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا مُدْمِنُ الْخَمْرِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الدَّيُّوثُ؟, قَالَ: "الَّذِي لَا يُبَالِي مَنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ، والَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخُبْثَ"..
بل جعلَ الإسلامُ من قُتلَ دونَ أهلِه فهو شهيدٌ؛ ولذلكَ لمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنْ دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَهْلِهِ وَوَجَدَ مَا يَرِيبُهُ أَشْهَدَ أَرْبَعَاً"، قَالَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا"، فَقَالَ سَعْدُ: إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟، قَالَ: "نَعَمْ"، فَقَالَ سَعْدُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ، ولَأَضْرِبَنَّهُ بِهِ غَيْرَ مُصْفِحٍ -أَيْ غَيْرَ ضَارِبٍ بِصَفْحِ السَّيْفِ وَهُوَ جَانِبُهُ بَلْ أَضْرِبُهُ بِحَدِّهِ-، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ".
عبادَ اللهِ: هذه صورةٌ من صورِ الغَيرةِ على الأعراضِ عندَ العربِ، والتي جاءَ الإسلامُ بتعزيزِيها وضبطِها؛ فالنَّبيُّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- ذكرَ عُذرَ سعدٍ -رضيَ اللهُ عنه- وأنَّه غيورٌ، حتى أخرجتُه الغَيرةُ عن صَوابِه فقالَ ما قالَ.
فالغيرةُ صفةٌ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- تليقُ بجلالِه وعظمتِه، ولذلكَ قالَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ بعدَ حادثةِ كسوفِ الشَّمسِ-: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا".. وذلكَ بعدَ أن قالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوَّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ"..
ولذلكَ يُعرفُ سببُ كَثْرَةِ وقوعِ الكسوفِ والخسوفِ في هذا الزَّمانِ بسببِ كثرةِ الزِّنا، فيغارُ اللهُ -سبحانَه- ويغضبُ فيُرسلُ الآياتِ ليُخَوَّفَ بِهِم عِبَادَهُ؛ فهل سيخافونَ؟.
وكانَ النَّبيُّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- من أغيرِ النَّاسِ؛ فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدِي رَجُلٌ قَاعِدٌ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ.
وكذلكَ كانَ أصحابُه الكِرامُ؛ فها هو الخليفةُ الثَّاني عمرُ بنُ الخطابِ -رضيَ اللهُ عنه- كانَ يُكثِرُ أن يقولَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَكَ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ"، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي عِشَاءً، وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلَا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ؛ حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ.
وكانَ -عليه الصَّلاةُ السَّلامُ- يعرفُ جيِّداً غيرةَ عُمرَ، فقالَ يوماً -وهو يُحدِّثُ أصحابَه-: "دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا فَقَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ"، فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَوَعَلَيْكَ يُغَارُ.
وكانَ الزَّوجاتُ يَعرِفنَّ غيرةَ أزواجِهنَّ؛ تقولُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ -والفرسخُ ثلاثةُ أميالٍ-، فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: "إِخْ إِخْ" -كلمةٌ تُقالُ للبعيرِ لِيُنيخَه- لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي قَدْ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى.
حتى شبابِ الصَّحابةِ -رضيَ اللهُ عنهم- اكتسبوا الغيرةَ من الإيمانِ والمُجتمعِ المُحافِظِ؛ فعنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْخَنْدَقِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خُذْ عَلَيْكَ سِلاحَكَ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ"، فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَةً، فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا بِهِ، وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ، فَقَالَتْ لَهُ: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ، وَادْخُلِ الْبَيْتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي، فَدَخلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ.
إنه الإيمانُ -يا أهلَ الإيمانِ- فكلما ازدادَ إيمانُ عبدٍ ازدادتْ غيرتُه.. ولذلكَ قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ".. يقولُ ابن القيِّمِ -رحمَه اللهُ-: "إذا رَحَلتْ الغَيرةُ من القَلبِ تَرَحَّلَتْ المحبَّةُ، بل تَرَحَّلَ الدِّينُ كلُّه".
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظَمِ: "وَمِنْ عَجَائِبِ مَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، أَنَّ امْرَأَةً تَقَدَّمَتْ إِلَى قَاضِي الرَّيِّ فَادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا بِصَدَاقِهَا خَمْسَمِائَةَ دِينَارٍ، فَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ، فَجَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ -أيْ شُهُودٍ- تَشْهَدُ لَهَا بِهِ، فَقَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تُسْفِرَ لَنَا عَنْ وَجْهِهَا حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهَا الزَّوْجَةُ أَمْ لَا، فَلَمَّا صَمَّمُوا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الزَّوْجُ: لَا تَفْعَلُوا هِيَ صَادِقَةٌ فِيمَا تَدَّعِيهِ.. فَأَقَرَّ بِمَا ادَّعَتْ؛ لِيَصُونَ زَوْجَتَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهَا، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: وَإِذْ قَدْ أَرَادَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي حِلٍّ مِنْ صَدَاقِي عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".
عبادَ اللهِ: تأملوا قولَه -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 21].. فهؤلاءِ لم يفعلوا الفواحشَ، ولم يُشيعوها، ولكنَّهم يُحبونَ أن تَشيعَ؛ فلهم عذابٌ أليمٌ في الدُّنيا والآخرةِ؛ فكيف بمن أشاعَها؟! بالتَّقصيرِ في القَوامةِ، والسَّماحِ لنسائه بالسُّفورِ، فأصبحنَّ فتنةً وسبباً في كبائرَ كثيرةٍ؛ فالنَّظرُ زِنا العينِ، واللَّمسُ زِنا اليَدِّ، والقُبلةُ زِنا الفَمِّ، والكَلامُ الفاحشُ زِنا اللِّسانِ، والمشيُ إلى الفاحشةِ زِنا القَدمِ، والاستماعُ إلى النِّساءِ؛ بقصدِ التَّلذذِ بصوتِهنَّ زِنا الأذنِ، وكلُّ هذا مُقدماتٍ للزِّنا الأكبرِ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ، وَيُكَذِّبُهُ، ومن يأمنُ على نفسِه الفِتنةَ؟
إِنَّ الرِّجَالَ النَّاظِرِينَ إِلَى النِّسَا ***مِثْلُ الكِلاَبِ تَطُوفُ بِاللَّحْمَانِ
إِنْ لَمْ تَصُنْ تِلْكَ اللُّحُومَ أُسُودُهَا *** أُكِلَتْ بِلاَ عِوَضٍ وَلاَ أَثْمَانِ
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحمدُ للهِ الذي كرَّم المرأةَ بمنهجٍ قويمٍ، وهَدانا للصِّراطِ المستَقيمِ، وأَشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له يحيِي العِظامَ وهي رَميمٌ، وهو بِكلِّ خَلقٍ عليمٌ، وأشهَدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محَمّدًا عبدُه ورَسولُه بالمؤمنينَ رَؤوفٌ رحيمٌ، صلّى الله عليه وعَلى آلِه وصحبِه أفضلَ صلاةً وأزكى تَسليمٍ..
أما بعد:
يا أهلَ الإيمانِ: في الوقتِ الذي يعتدي فيه اليهودُ الأنجاسُ على المسجدِ الأقصى ويمنعونَ أهلَه من الصَّلاةِ فيه، ويحرِقونَ المسلمينَ في بيوتِهم وخيامِهم.. وفي الوقتِ الذي يُقتلُ فيه أهلُ الإسلامِ في الشَّامِ والعِراقِ وبورما، وتُنتهكُ فيه الأعراضُ، حتى أصبحَ دمُ المُسلمِ هو أرخصُ سائلٍ على وجهِ الأرضِ.
وفي الوقتِ الذي يُخطِّطُ فيه أهلُ الكُفرِ والبدعِ والأهواءِ على بلادِ المسلمينَ؛ فينشرونَ الشُّبهاتِ والشَّهواتِ ليجعلوا شبابَ المسلمينَ بينَ التَّفجيرِ والفجورِ، وبينَ التَّكفيرِ والخُمورِ، فيخرجونَهم عن الوسطيَّةِ ولا يُبالونَ أيَّ طرفٍ سلكَ.. وفي الوقتِ الذي يصمدُ فيه جنودُنا البواسلُ شُهوراً في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ الدِّينِ، والدِّفاعِ عن بلدِ الحرمينِ، ونُصرةِ الجارِ والمَظلومِ، وبذلِ الأرواحِ للحيِّ القَيومِ. وفي الوقتِ الذي لم تجِّفْ دماءُ رِجالِ أمنِنا الطَّاهرةِ، من على جدارِ المسجدِ والمصاحفِ المُتناثرةِ - يأتي من ينقلُ لنا مباراةً في أرضِ الضَّبابِ، أُلقيَ فيها الطُّهرُ والحِجابُ، وكأنَّ الأمرَ تجربةٌ لحضورِ المُشَجِّعاتِ، ومشاركتِهم التأييدَ لناديهم في المُدرجاتِ؛ فهل هذا الخزيُّ الذي رأيناه ورآه العالمُ والتي أظهرته الكاميراتُ مُتعمِّدينَ.. هو ما يريدُه هؤلاءِ في ملاعبِ بلادِ الإسلامِ والحرمينِ؟
لقد أخطأتُم التَّوقيتَ -هداكم اللهُ-؛ ففي الوقتِ الذي تحاربُ فيه البِلادُ ذلكَ الفِكرَ المتشَدِّدَ أتيتُم له بوقودٍ جيِّدٍ، فينفخُ الأعداءُ فيه نارَهم ويزيدُ البلاءُ بلاءً
وفي الوقتِ الذي نريدُ فيه شُكرَ اللهِ الكريمِ الوَّهابِ على نعمةِ الإسلامِ والتلاحمِ ودحرِ الإرهابِ - يجحدُ نعمةَ اللهِ تعالى من لا يعرفُ قدرَها ويريدُ للبلادِ الخرابَ.
فيا من رضيتُم لأنفسِكم بالسُّفورِ خارجَ البلادِ تذَكَّروا نظرَ ربِّ العبادِ، واستتروا؛ فإن كلَّ هذه الأمَّةِ معافى إلا المُجاهرينَ، ولا تُرسلوا أنتم ووسائلُ الإعلامِ صورَكم من بلادِ الكُفَّارِ؛ فإننا نحبُ أن نراكم كما عهِدناكم مُستترينَ عفيفينَ بلباسِ الأبرارِ.
اللهمَّ اهدِّ ضالَ المُسلمينَ والمسلماتِ، اللهمَّ اكفِنا شرَّ الأشرارِ، وكيدَ الفُجارِ، (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) [الأعراف: 155].
اللهم إنَّا نسألُك الأمنَ في الأوطانِ والدُّورِ والصَّلاحَ للأئمَّةِ وولاةِ الأمورِ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي