والحقيقة أنه لا تلازم بين الدين والخلق عند البعض من الناس في هذا الزمان، فكان لزاماً على كل ولي أن يسأل عن توفر الشرطين وهما الدين والخلق ولا يغني أحدهما عن الآخر خاصة في هذا الزمن الذي انتشر فيه الجهل وامتلأ بالمتناقضات...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فيا أيّها الناس: اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
معاشر المسلمين: تقدمت أسس ومعايير في اختيار الزوج لزوجته تنبغي مراعاتها من قبل الراغبين في الزواج وذويهم، وثمة أسس نوصي بها المرأة ووليها وكلَّ من له علاقة في شأن المرأة، أن تكون لهم معايير أيضاً في قبول المتقدم للزواج أو رده.
وقبل الدخول فيها لا بد من التنبيه إلى أمر مهم، هو أن المرأة هي الطرف الأضعف في باب النكاح، وذلك لأمور أربعة:
أحدها: أن المرأة تعتبر أسيرة عند الرجل بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ" [رواه الترمذي وغيره]، ومعنى عوان عندكم أي: أسيرات.
ثانياً: ولأن القوامة بيد الرجل لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34].
ثالثاً: ولأن المرأة مرهفة المشاعر والأحاسيس فهي, لا تحتمل رجلاً دنيئاً في الصفات والأخلاق، يؤذيها في نفسها ومشاعرها ويلوث فضاء بيتها بالبذيء من العبارات والساقط من القول.
رابعاً: ولأن المرأة لا تستطيع أن تبين حجتها في الخصومة، فقد يظلمها ولا تستطيع أن تجابهه كما قال تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف: 18]. أي لا يستطيع أن يظهر حجته في الخصومة.
لهذه الأمور الأربعة التي تدل على ضعف المرأة, ينبغي لها ووليها الاهتمام البالغ بأمر قبول الخاطب أو رده.
معاشر المسلمين: فمن معايير اختيار الزوجة لزوجها:
أولاً: الدين فينبغي أن يكون صاحب ديانة، والمراد بذلك الزيادة على الواجبات، لا ما يدخله في الدين فقط، قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32] وقَالَ رَسُولُ الهدى -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" [رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم بسند حسن].
فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بتزويج من كان مَرْضِي الدين والخُلُقُ، وهذا يدل على أنه من كان فاسد الدين سيئ الخلق لا ينبغي تزويجه، ففيه حث على اختيار الأزواج، واعتبار المؤهلات الشرعية، وكثير من الأولياء لا يُعِير هذا الجانب اهتماما عند تزويج موليته، فلا يختار لها الرجل الذي أرشد إليه الرسول، وإنما يختار لها الرجل الذي يهواه هو، حتى ولو كان فاسدًا في دينه، سيئًا في خلقه، لا مصلحة للمرأة من الزواج به.
فكم سمعنا من مشاكل النساء اللاتي وقعن في سوء الاختيار، هذه تقول: "إنها بليت بزوج لا يصلي"، وهذه تقول: "إن زوجها يشرب المسكرات ويتعاطى المخدرات"، وهذه تقول: "أن زوجها أمرها بالسفور وإلقاء الحجاب"، وهذه تقول: "إن زوجها يستمتع بها في غير ما أحل الله، يجامعها في نهار رمضان، أو يجامعها وهي حائض، أو في غير المحل الذي أباح الله". وهذه تقول: "إن زوجها لا يبيت عندها لأنه يسهر مع الفسقة"، والمسؤول عن ذلك هو وليها الذي أساء الاختيار لها، وخان أمانته عليها.
ومن المعلوم -أيها الإخوة- أن اختيار الولي للزوج الصالح هو اختيارٌ لصلاح البنت وأولادها، واختياره للزوج الفاسد هو اختيار أيضاً لفساد البنت وأولادها؛ ذلك فإن تأثير الزوج كبير، وهو مؤثر في تنشئة ذريته على الصلاح أو الفساد، وتنشئة الفاسد لذريته على الفساد أمر معهود كما قال تعالى: (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) [نوح:27] إذا علمت ذلك جيداً -أيها الولي- فاعلم أنك مسؤول أيضًا عن فساد موليتك وفساد ذريتها, بسبب هذا الزوج الذي غششتها به وأنت تعلم أن الفاسد لا يلد إلا فاسداً في الأغلب، إلا أن يشاء الله رب العالمين.
معاشر المسلمين: ومن معايير اختيار الزوج أيضاً، الخلق الطيب كما قال تعالى: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ) [النور: 26] وأوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبول من اجتمعت فيه صفتان هما: الدينُ والخلقُ فقال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه". ولما استشير النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة خُطاب ذم أحدهم بأنه: "ضراب للنساء لا يضع العصا عن عاتقه" [متفق عليه].
وإذا تفاوت الرجال في الصفات فلا شك أن من أقربهم منزلة إلى قلوب الناس مرضي الدين والخلق, كما أنه هو الأقرب منزلاً يوم القيامة من النبي -صلى الله عليه وسلم- عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا". [رواه الترمذي وغيره].
إخوة الإسلام: ألا وإن الخلق الطيب هو من أبرز معالم الدين، ولذا قرنه النبي -صلى الله عليه وسلم- به فقال: "من ترضون دينه وخلقه". وحصر النبي -صلى الله عليه وسلم-البر في حسن الخلق فقال: "البر حسن الخلق" [رواه مسلم]، ويتبين بذلك أن الخلق الحسن من بدهيات الدين القويم وأساسياته، ولم نفرد الحديث عن الخلق الطيب مع دخوله في الدين دخولاً أولياً إلا لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أفرده فقال: "من ترضون دينه وخلقه". وذلك احتياطاً منه -صلى الله عليه وسلم- للنساء من الأنذال من الرجال الذين جبلوا على سوء الخلق وسيء الطباع، فيؤذون المرأة في نفسها بالضرب في الوجه وتقبيح صورتها ونحو ذلك مما يؤذي المرأة جداً.
وأمر آخر في إفراد الخلق عن الدين هو أن مفهوماً سيئاً منتشراً يقضي بأن صاحبَ الدين هو صاحبُ الخلق مباشرة دون سؤال عن خلقه، والحقيقة أنه لا تلازم بين الدين والخلق عند البعض من الناس في هذا الزمان، فكان لزاماً على كل ولي أن يسأل عن توفر الشرطين وهما الدين والخلق ولا يغني أحدهما عن الآخر خاصة في هذا الزمن الذي انتشر فيه الجهل وامتلأ بالمتناقضات.
معاشر المسلمين: ومن معايير اختيار الزوج أيضاً، حسن الهيئة في الرجل كما طلب الرجل الجمال في المرأة، وهذا أمر أيضاً جبلت النساء عليه، وأمر الله الأزواج بمراعاته وإليه الإشارة في قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228] قال ابن عباس: "إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ). [رواه ابن جرير وابن أبي حاتم].
ومما يدل على أن النساء أيضاً فطرن على الاهتمام بمظهر الرجال ما ورد في قصة حبيبة بنت سهل عندما اختلعت من زوجها ثابت بن قيس, فجاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "يا رسول الله؛ لا يجتمع رأسي ورأسه أبداً, إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدَّة -يعني رجال- إذ هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهًا"، وفي رواية "فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَاللَّهِ لَوْلا مَخَافَةُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ".
ولكن الأمر الذي يجدر التنبيه عليه هنا هو أن المعيار عند النساء يختلف عنه عند الرجال، فالمطلوب عندهم حسن المظهر من تفوقه عليها في الطول والجسم ونحو ذلك وليس المطلوب عندهم الجمال والوسامة ونحو ذلك.
معاشر المسلمين: ومن معايير اختيار الزوج أيضاً أن تأخذ المرأة الرجل الذي نظرت إليه, لأن ذلك أقرب للنفوس وأحرى في التوافق, كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فهو أجدر أن يؤدم بينكما". وتكون الرؤية بنفس الضوابط المتقدمة في نظر الرجل إلى مخطوبته.
ومن المعايير أيضاً القدرة على تحقيق النفقة عليها وحوائجها، فالقدرة المالية معتبرة شرعاً، ولذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما استشارته فاطمة بنت قيس في ثلاثة نفر تقدموا لها عاب أحدهم بأنه: "صعلوك لا مال له" [متفق عليه].
ومع اعتبار القدرة المالية في النكاح إلا أنها أيضاً لا تكون مبرراً في ترك النكاح إلا عند العجز التام, كما هي الحال في بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين كانوا لا يجدون شيئاً من متاع الدنيا, فلم يجد أحدهم خاتماً من الحديد فزوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما معه من القرآن, كما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد، وزوج آخر بنعلين, فعن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟" قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجَازَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم-. [رواه الترمذي وغيره].
معاشر المسلمين: ومن معايير اختيار الزوج أيضاً: أن يكون قادراً على الإنجاب، فإذا علم أن الرجل لا يولد له، فلا تتزوجه المرأة التي تنجب؛ لأن في هذا تفويت لوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- في المكاثرة بأمته يوم القيامة، ولما فيه من الإضرار بالمرأة وفطرتها، فكل إنسان مجبول على حب الولد. عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: قَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلَّا أَنَّهَا لا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ فَقَالَ: "تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأمم يوم القيامة". [رواه أبو داود والنسائي].
وهذا في حق الرجال الذين بمقدورهم الزواج من ثانية وثالثة ورابعة إذا كانت زوجاتهم لا ينجبن, فكيف بالمرأة التي لا تعدد، وليس لها خيارٌ آخر إلا طلب الطلاق، فالمرأة في هذا الشرط من باب أولى؛ لأنه ليس لها طريق إلى الولد إلا بأبغض الحلال إلى الله وهو الطلاق.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم
الخطـبة الثانيـة:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وصلاة الله وسلامه على أشرف المرسلين.
أما بعد:
معاشر المسلمين: يفرِّط كثير من الأولياء في أمر الخاطب ثم ينتج عن ذلك تفرق أسر وتشتتها، فكم سمعنا وقرأنا عن أسر تم عقد الزواج والترابط بينها ثم لا تلبث إلا الأيام اليسيرة أو الأشهر القليلة حتى ينحل ذلك العقد, وينقلب الترابط على تفرق؛ فترجع الفتاة على أهلها كسيرة حسيرة, ثم تجلس في انتظار الطارق الآخر، وقد يطول الزمن بها، بل قد يعزف عنها الخطاب.
وبكل حال فلو بحثنا سبب ذلك التفرق فلربما يتحمل الولي جزءاً كبيراً منه، ولذا لا بد من القول بصراحة تامة؛ إن ذمة الوالد أو الولي لا تبرأ من الإثم حتى يخلص النصح لابنته وينتهج المنهج الشرعي في التعامل مع الخاطبين، ولا بد من التنبيه في هذا المقام على أمور مهمة باختصار, لعل الله أن ييسر الوقت الذي نبسط فيه الكلام عنها:
الأمر الأول: يحصل من بعض الآباء إذا تقدم الخاطب إلى بيته أن يصم أذنيه ويغمض عينيه عن كل طارق إلا عن قريب له كائناً ما كان، صالحاً أو طالحاً، تقياً أو شقياً، لا يهمه ذلك كله إنما همه الأول والأخير أن يكون المتقدم لابنته قريباً في النسب, وهذا -والله- من الظلم كيف يجعل ابنته وقفاً على ابن عم أو قريب لها, بغض النظر عن صلاحه وحسن سيرته؟!.
الأمر الثاني: لا بد من استشارة الفتاة في خطيبها وعدم إجبارها، فعليك -أيها الولي- أن تستشير ابنتك في خطيبها، هذا إذا كان المتقدم مرضي السيرة، أما إذا كان سيء السمعة والسيرة فلا مرحباً به ولا كرامة، بل إن من تمام المسؤولية عدم استشارتها في أمره، ويجب عليك أن تصرف ذلك الخاطب عنها.
الأمر الثالث: وقد يكون غريباً عند البعض ومستشنعاً عند آخرين، ولكن الحق أحب إلى الجميع -إن شاء الله-.
قد يترك بيت من بيوت المسلمين لا يطرقه خاطب, وقد يكون في ذلك البيت فتاة أو أكثر, شاهد القول أن تلك الفتاة قد تمكث أزماناً ولم يتقدم إليها أحد أو يتقدم لها من لا يصلح, فتتعذب المسكينة في داخلها لكن الحياء يمنعها من إظهار ذلك!!.
أيا ترى وفي مثل هذه الحال هل يمكن للولي أن يقوم بشيء في مصلحة ابنته؟ وجواب ذلك نقول: نعم ويؤجر عليه أجراً عظيماً ويثاب عليه وله سلف في ذلك. يمكنه أن يقوم بالبحث عن زوج يرضاه لابنته, فيذكر له ذلك أو يوسط من يذكر له أن عنده فتاة في سن الزواج فلو تقدمت إليها، فإن رغب الشاب وإلا بحث عن غيره.
ولا يقال: إن هذا من العيب ونحو ذلك، دع عنك هذا الكلام واستمع إلى ما قاله الإمام البخاري -رحمه الله- في الصحيح: باب [عرض الرجل ابنته أو أخته على أهل الخير] ثم ساق خبراً فيه أن عمر بن الخطاب عرض ابنته حفصة على عثمان فلم يرغب ثم عرضها على الصديق فلم يرغب فتزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك فدخلت باب التشريف، وسميت بأم المؤمنين -رضي الله عنهم أجمعين-.
ولما رأى صاحب مدين ما في موسى من الصفات الحسنة عرض عليه الزواج من إحدى ابنتيه فقال (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) [القصص: 27] قال ابن باز -رحمه الله تعالى-: "ليس من العيب أن يبحث الرجل عن زوج صالح لابنته أو أخته". أ.هـ.
الأمر الرابع: من براءة الذمة أن يخبر الولي الخاطب بما يكون في تلك المخطوبة من الأمور التي قد تحل عقد الزوجية إذا علم بها الزوج, وذلك مثل العيب الخلقي الواضح أو المرض الخطير ونحو ذلك.
الأمر الخامس: السؤال والبحث عن حال الخاطب، وهذا من المسؤولية بمكان عظيم، فبعض الأولياء قد يتقدم إلى ابنته خاطب لم يكن عنده سابق علم به, فيكتفي ببحث يسير أو معرفة عامة عن ذلك الخاطب، وهذا لا يكفي في هذا المقام، بل عليك -أيها الولي- أن تتحرى وتسأل حتى يتبين لك حاله أتم بيان فإما أن تقبله براحة أو ترده بقناعة.
الأمر السادس: يتهاون كثير من الأولياء في شأن الخاطب الذي يتهاون بالصلاة بحجة أن غيره كانوا على شاكلته ثم منَّ الله عليهم بالهداية، ولا ريب أن هذا من تلبيس الشيطان عليهم، وإلا فبأي وازع يسمح الولي لنفسه أن يزوج ابنته من رجل يتهاون بالصلاة؟ فمن لم يراقب الله ويقوم بما أوجب الله عليه فمن باب أولى ألا يقوم بحقوق زوجته وأولاده
صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي