"داعش" جماعةٌ ظالمةٌ مُفسِدة، مُستبيحةٌ للدماء، جمعَت بين فساد المنهَج وظُلم المسلَك، مُؤيَّدةٌ من جهاتٍ دوليَّةٍ وإقليميَّةٍ، لا يخفَى هذا على ذي بصيرة.. لقد علِم المُسلمون - علماؤُهم وعامَّتُهم - أن أبرزَ صفات الخوارِج: أنهم يُكفِّرون المُسلمين، حتى كفَّروا الصحابةَ - رضوان الله عليهم -. يقتُلون أهلَ الإسلام، ويدَعون أهلَ الأوثان. "داعش" الضُّلاَّل نهَجُوا منهجَ الخوارِج؛ كفَّروا المُسلمين والدول، وكفَّروا كل من قاتلَهم، حتى الفصائل في مواطِن الفتن، وكل من قاتلَهم أو ناوءَهم حكَموا عليه بالكفر والردَّة...
الحمدُ لله، الحمدُ لله شديد المِحال، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنفعُ قائلَها عند السؤال، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه كريمُ الخِصال، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى الصحبِ والآل، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المآل.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فتقوَى الله سبيلٌ إلى كل خير، تكفَّل الله لأهلها بالنجاة مما يحذَرون، وضمِنَ لهم رزقَهم من حيث لا يحتسِبون. كفَّر بها عن سيئاتهم، وأعظمَ بها أجورَهم، ويسَّر بها أمورَهم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].
معاشر المسلمين:
ومن غير مُقدِّماتٍ ولا مُمهِّداتٍ؛ هذا بيانٌ حول الفئة الضالَّة المُضلَّة المدعُوَّة بـ "داعش"، والتي تتسمَّى بـ "تنظيم الدولة الإسلامية".
بيانٌ للمُسلمين عامَّة، وللشباب خاصَّة، هدى الله الجميعَ إلى الحق، وأصلحَ المقاصِد، وأخلصَ في النوايا، إنه سميعٌ مُجيب.
معاشر المسلمين:
هذه الفئةُ الضالَّة لها أنصارُها، ونشاطُ إعلامها، لبَّسَت على الناس دينَهم، وخلَطَت على الشباب فهومَهم بادِّعاءاتٍ مُلفَّقة، وأكاذيب مُزوَّرة.
"داعش" جماعةٌ ظالمةٌ مُفسِدة، مُستبيحةٌ للدماء، جمعَت بين فساد المنهَج وظُلم المسلَك، مُؤيَّدةٌ من جهاتٍ دوليَّةٍ وإقليميَّةٍ، لا يخفَى هذا على ذي بصيرة.
معاشر الأحبَّة:
لقد علِم المُسلمون - علماؤُهم وعامَّتُهم - أن أبرزَ صفات الخوارِج: أنهم يُكفِّرون المُسلمين، حتى كفَّروا الصحابةَ - رضوان الله عليهم -. يقتُلون أهلَ الإسلام، ويدَعون أهلَ الأوثان.
"داعش" الضُّلاَّل نهَجُوا منهجَ الخوارِج؛ كفَّروا المُسلمين والدول، وكفَّروا كل من قاتلَهم، حتى الفصائل في مواطِن الفتن، وكل من قاتلَهم أو ناوءَهم حكَموا عليه بالكفر والردَّة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونعوذُ بالله من الضلال والخُذلان.
والناسُ مُصنَّفون عندهم: إما كافرٌ أصليٌّ، أو مُرتدٌّ، أو مُنافِق، ورأسُ المُرتد حسب تعبير ناطقِهم الرسميِّ العدناني أحبُّ إليهم من ألف رأس صليبيٍّ.
بينما يقولُ العالم الربَّانيُّ القاضي أبو الوليد الباجي - رحمه الله -: "الخطأُ في ترك ألف كافر أهونُ من الخطأ في سفك محجمةٍ من دم مُسلمٍ واحدٍ".
فقارِنوا بين الفقهَين، بل قارِنوا بين التديُّنين!
بل إن هؤلاء الضُّلاَّل يُفاخِرون بأن شرابَهم الدماء، وأنيسَهم الأشلاء، ولا يجِدون شرابًا أشهَى من الدماء، هذا والله ما نطقَ به ناطِقُهم الرسميُّ. خذلَهم الله، وكفَى الأمةَ شرَّهم.
ومن تأمَّل أنهارَ الدماء المُحرَّمة التي سفكَها هؤلاء في ديار الإسلام ومناطق الفتن، وتأمَّل مُراوغاتهم وانحرافَهم في الفتاوى والمُسوِّغات، أدركَ ما يحمِلونه على أهل الإسلام من كُرهٍ، وحقدٍ، وبغضاء.
معاشر المُسلمين:
إنهم يزعُمون أن من خالفَهم أو قاتلَهم فقد أتى ناقضًا من نواقِض الإسلام وخرج من الملَّة، ونصُّ عبارتهم الرسميَّة تقول: "من قاتلَنا فقد كفَر!". يقولون هذا وهم يزعُمون أنهم يحكُمون بما أنزل الله.
ونواقِضُ الإسلام عند أهل الإسلام معلومة، وهي من أدقِّ ما تحدَّث عنه علماءُ المُسلمين، ولم يقُل أحدٌ من طوائِف المُسلمين بأن مُجرَّد المخالفة كفرٌ، ولكنه الهوَى، والجهلُ، والبغيُ، والعصبيةُ.
هل يسُوغ السكوتُ على مثلِ هذه القوارِف العظيمة في نواقِض الإسلام، وباب الدماء، والحُكم بما أنزل الله؟!
بل كيف يسكتُ عن هذا مُناصِروهم والمُوالون لهم؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ويرحمُ الله شيخَ الإسلام ابن تيمية، فقد قال: "إن من تبلُغ به العصبية القتالية فيُقيم جماعةً قتاليةً، يُوالي عليها، ويُعادي عليها، فجهادُه جهادٌ في سبيل الشيطان".
فكيف بمن يرى أن من يُقاتله فهو كافرٌ مُرتد؟!
معاشر المسلمين:
ومن تلبيساتهم قولهم: "لا يُفتِي قاعدٌ لمُجاهد!". سبحان الله! إن جاذبية اللفظ أضلَّتهم عن فساد المعنى؛ إذ لم يقُل أحدٌ من علماء المُسلمين بهذا، على طول تأريخ جهاد المُسلمين المجيد. وهل كان كل علماء المُسلمين في أوقات الجهاد في الثُّغور والمغازي، وجبهات القتال؟!
وهل ما يقوم به هؤلاء جهادٌ في سبيل الله؟! وهل كل المُجاهدين علماء؟! وهل في هؤلاء المُدَّعين للجهاد علماء؟! وهل القاعِدون غير معذُورين؟! وقد قال الله في المُجاهدين والقاعدين: (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) [النساء: 95].
ولو كان هذا الذي هم فيه جهادًا، فهل هو فرضُ عين؟!
ثم ألم يعلَموا أن الله - سبحانه - حينما دعا إلى النفير، إلى الجهاد في سبيله، أتبعَه بالدعاء إلى النفير في التفقُّه في الدين في سورةٍ واحدةٍ، ومُناسبةٍ واحدةٍ؟! في السورة التي تُسمَّى "الفاضحة": سورة التوبة، في ظروف ساعة العُسرة، فقال - عزَّ شأنُه - في الجهاد: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [التوبة: 41]، وقال في التفقُّه في الدين: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122].
ولكن إلى الله المُشتكَى، ونعوذُ بالله من الضلال.
معاشر الإخوة والأحبَّة:
ومما انفردَت به "داعش" السالكةُ مسلكَ الخوارِج، مما لم يُؤثَر عن الخوارِج، انفرَدوا بامتِطاء مطيَّة الكذب، فما رُؤِيَ جماعة أكذب لُغةً وأفسدَ منهجًا من هؤلاء، سبابًا ولعانًا وتقلُّبًا؛ بل ما رُؤِيَ جماعة أكثر افتراءً من هؤلاء، وقد يُوجد من أتباعهم وأنصارهم من يُلبَّس عليه، أو من يُحسِن الظنَّ فيسكُت على مضَض.
ولقد برزَت هذه الفضائِح والأكاذيب من بياناتهم الرسمية المُتناقّضة، حتى دعَوا للمُباهَلة والمُلاعَنة، كما فضحَ ذلك من أنقذَه الله منهم وعادَ إلى رُشده، فكشفَ كثيرًا من أحوالهم ومسالِكهم.
أمة الإسلام:
ومن تناقُضهم وأكاذِيبهم: زعمُهم أنهم لا يُكفِّرون كل من خالفَهم، وباهلَ على لك ناطِقُهم الرسميُّ، وجعلَ لعنةَ الله عليه إن كان من الكاذِبين. ثم لم يمضِ عامٌ على هذا الزعم حتى نكَص، وفضحَه الله بأن أعلنَ بقوله: "واحذَر فإنك بقتالك الدولة الإسلامية تقعُ بالكفر من حيث تدري أو لا تدري"!
هذا لفظُه ومنطوقُه، يُكفِّرون كل من قاتلَهم اليوم، وقد باهَلُوا ولعَنوا أنفسَهم بالأمس.
معاشر الإخوة:
ومن كذبِهم وتناقُضهم: أنهم كانوا يدَّعون حُرمة استِهداف أسواق أهل السنة، ومساجدهم، وحُرمة مصاحفِهم، في أيمانٍ مُغلَّظة، ويقولون: إن تفجيرَ مساجِد أهل السنة من أعظم البوائِق. هذا هو تعبيرُهم.
بل كان من اتهامهم بعض الدول والحكومات وتكفيرهم لها: أنهم يُحرِقون المساجد والمصاحِف، وها هُم ينكُصون ويتبنَّون بكل جُرأةٍ تفجير مسجد قوات الطوارئ الخاصة في أبها، والمساجد قبلَه. عليهم من الله ما يستحقُّون.
ونحن نستنكِر كل تفجيرٍ وتدميرٍ ممن كان ومما كان.
ويرى المُتابِعون من أهل العلم والفِكر المُحقِّقون أن "داعش" من أكثر الفصائل انتِهاكًا لأحكام الشريعة، وتجاوُزًا للنصوص الشرعية، وعدم الاعتِبار في الرجوع لأهل العلم والذكر، وعدم التوقير للوحي وقواعد الشرع.
معاشر المُسلمين:
هذا غيضٌ من فيضٍ، وإشاراتٌ وراءها مُهلِكات. فيا أيها الشباب المُتحمِّس! يا من تُريد الحق والخلاص، وتبتغي النجاة والصدق: هذا هو بعضُ منهجهم، وهذا هو سبيلُهم، وهذا هو كذبُهم وتلبيسُهم.
يا أبناءَنا .. يا شبابَنا .. يا فلَذات أكبادنا .. يا من يحبُّ نصر الدين، وعزَّ الأمة، واجتماع الكلمة: لا يُضلُّكم هؤلاء الأفَّاكون المُستغلُّون لغيرة الأمة وعزَّتها، وحماس شبابِها.
أيها الشباب الصالِح:
اتَّق الله في نفسِك؛ فإن القضية قضيةُ دماءٍ تُسفَك، ومُسلمٍ يُكفَّر، وأمةٍ تُنتهَك.
قِف - حفِظَك الله - وقفةَ صدقٍ مع نفسِك؛ فإن الوقوفَ غدًا بين يدي الله قريب، فكيف ستكون مِيتَتُك؟!
قِف وقفةَ صدقٍ في دعاءٍ وتضرُّعٍ وابتِهالٍ، وتوجَّه إلى ربِّك لأن يهديَك إلى الحق، وأن يُريَك الحقَّ حقًا ويرزُقك اتباعَه، وأن يُريَك الباطلَ باطلاً ويرزُقك اجتِنابَه.
توجَّه إلى أهل العلم الثقات الأثبات، اسأل أهل الذكر، وإياك والتردُّد، فالقضيةُ قضيةُ دينٍ، وأمةٍ، ودماءٍ، ومصير، ثم وقوفٌ بين يدي الله.
ماذا سيفعلُ هؤلاء القتَلة بـ "لا إله إلا الله" إذا جاء بها صاحبُها يوم القيامة؟! ماذا سيفعلُون بتكفير المُسلمين؟! وماذا سيفعلُون بتفريق الأمة؟! وماذا سيفعلُون بالتمكين للأعداء؟! وماذا سيفعلُون بضياع الشباب؟!
حسبُنا الله ونعم الوكيل.
حاذِر يا بنيَّ! وقاكَ الله، حاذِر أن تُخاطِر بنفسِك، الزَم رِكابَ العلماء، فإنهم الرُّمَّة، وهم حُجَة الله على خلقِه. ولتعلَم أن هؤلاء العلماء حينما يُوضِّحون الحق ويُبيِّنونه للناس، فإنهم لا يتزلَّفون لأحد، ولا يبتَغون رِضا أحد، ولا يخافون أحدًا كائنًا من كان؛ بل إنهم يُعرِّضون أنفسَهم للخطر حينما يتكلَّمون بما يُخالفُ ما عليه هؤلاء، وحينما يُصدِرون الفتاوى في فضحِ منهَجهم، وحينما يصدَعون بالحقِّ في فساد مسلَكهم.
نعم، حذارِ - وقاكَ الله - حذارِ؛ فلقد قال نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وآله وسلم -: "من أعانَ على قتل مُسلمٍ بشطر كلمةٍ لقِيَ الله مكتوبٌ بين عينيه: آيِسٌ من رحمة الله".
إنك حين تدخلُ معهم أو تُناصِرُهم، أو تُؤيِّدهم، أو تُزيِّنُ أعمالَهم، فإنك شريكٌ في قتل المُسلمين، وتسويغ ما يفعَلون، والتغرير بشباب المُسلمين، وإنك - واللهِ - لحاملٌ لوِزرٍ كبيرٍ تلقَى الله به يوم القيامة. وعند الله تجتمعُ الخُصوم.
واحذَر - عافاك الله - أن تكون ممن يتناولُه عموم هذه الآية: (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) [الفرقان: 28، 29].
ولتعلَم - رعاكَ الله - أن هذا المُفجِّر نفسَه جمع مُوبِقَتين: قتل النفس المُؤمنة، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
وجمع بين قتل نفسه بالانتِحار، وفي خبر "الصحيحين": "من قتلَ نفسَه بشيءٍ في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة".
ولكي تُدرِك فظاعةَ الأمر وخطورتَه، فانظُر إلى هذا الذي جاهدَ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وجمع بين شرف الصحبة وشرف الجهاد، لما امتدَّت يدُه إلى شملةٍ - كساءٍ زهيد -، واستمِع إلى النص - كما جاء في "الصحيحين" - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في غزوة خيبر، أن رجلاً رُمِي بسهمٍ فكان فيه حتفُه، فقال الناسُ: هنيئًا له الشهادة. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "كلا والذي نفسُ محمدٍ بيده؛ إن الشَّملةَ لتلتهِبُ عليه نارًا، أخذَها من الغنائِم يوم خيبر لم تُصِبها المقاسِم" (متفق عليه).
نعم - أيها الشباب، حفِظَكم الله - قد ينقِم الإنسان على بعض المظالِم، وقد يكون له العتَب على بعض أهل العلم، ولكن هذا ليس مُسوِّغًا البتَّة لأمورٍ كبارٍ وقعَت، وأمةٍ أُذلَّت، ودماءٍ أُزهِقَت، وبلادٍ مُزِّقَت، وأُسرٍ شُتِّتَت.
وهذه الهنَّات لو صحَّ منها شيءٌ ليست حُجَّةً يوم تلقَى ربَّك، (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) [الصافات: 24].
واعلَم - حفِظَك الله - أن هذا الظلم والبغي والهوَى والحِزبيَّة والعصبيَّة اجتمعَت في هؤلاء، فحرمَتهم من الحق والعلم، والاتصال بأهل العلم الراسخين الربانيين، الذين شابَت لِحاهم في الإسلام والعلم والصلاح والتقوى، من العلماء الأثبات في هذه البلاد وغيرها من أقطار المُسلمين.
بل اتخذ هؤلاء رُؤساء جُهَّال، فأفتَوا بغير علمٍ فضلُّوا وأضلُّوا، ناهِيكم بتخيُّرهم في الفتوى؛ فمن أفتَى لمصلحتهم نوَّهوا به وأخذوا عنه، ومن أفتَى بغير ما يشتهون فهو المُتهم ولو كان معدودًا عندهم من المُجاهدين.
معاشر الإخوة:
إن من رحمة الله بهذه الأمة: أن العلماء على مُختلَف مشاربِهم ومدارِسهم قد أجمعوا على ضلال هذه الفئة، وأنهم من المعنيِّين بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هم كلابُ النار»، وبقوله - عليه الصلاة والسلام -: "وإذا لقيتُموهم فاقتُلوهم؛ فإن في قتلهم لأجرًا لمن قتلَهم يوم القيامة" (متفق عليه).
وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لئن أنا أدركتُهم لأقتلنَّهم قتلَ عادٍ" (متفق عليه).
إن المُتعيِّن على جميع أهل العلم والفكر والرأي، والأئمة والخطباء، والمُعلِّمين، وكل من كان على منبر توجيهٍ وإرشادٍ، أن يفضحَ هؤلاء، ويكشِف أمرَهم، فهم شرٌّ على الأمة، سفَكوا دماءَها، وقطَّعوا ديارَها، ومكَّنوا لأعدائِها، وأفسَدوا شبابَها، وأضاعُوا ثرواتها، ونزَعوا هيبتَها.
ومن إيجابيَّات وسائل الإعلام الحديث وأدواته: أن أبرزَت للناس فظاعاتهم وظُلمهم وغلوَّهم في التكفير لمن خالفَهم كائنًا من كان، واستِباحة الدماء المعصُومة، والعُدوان على كل من خالفَهم، مع الاتصالات المشبُوهة مع بعض الأنظمة والمُنظَّمات والجهات الدولية والإقليمية.
وبعدُ - حفِظَكم الله -:
فتعلَموا أنها فتنةٌ زائلةٌ مُنتهيةٌ - بإذن الله وحوله وقوته -، وهي سُنةُ الله في كل من تبِع دينَ الخوارِج، وسلكَ مسلكَهم، على حدِّ قولِه - صلى الله عليه وآله وسلم -: "كلما خرجَ منهم قرنٌ قُطِع".
والله غالبٌ على أمره، ولكن أكثرَ الناس لا يعلَمون.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: 139، 140].
نفعَني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيم.
الحمدُ لله، الحمدُ لله ذي الجلال والإكرام، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ القدوسُ السلام، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه محَت شمسُ رسالته دياجيرَ الظلام، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِه السادة الأعلام، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وقال: ربي الله، ثم استقام.
أما بعد، معاشر المسلمين:
لا يُعرفُ في تاريخ المسلمين، ولا في النزاع بين طوائِفهم من كان يستهدِفُ المساجِد ليهدِمها، ويسعَى في خرابِها، والمصاحِف ليُحرِّقها ويُمزِّقها، والمُصلِّين الرُّكَّع السُّجود ليتعمَّد قتلَهم.
أيُّ جُرمٍ هذا؟! وأيُّ ضلالٍ هذا؟! (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة: 114].
حسبُنا الله ونعم الوكيل. يقصِدُون المساجد بالتفجير، والمُصلّين بالقتل والجرح والترويع، والمصاحِف بالحرق والإهانة والتمزيق.
لا يُبيحُ ذلك فضلاً عن أن يفرحَ به ويبتهِج من عنده مسكةٌ من عقل، فضلاً أن يكون عنده دينٌ وإيمانٌ أو أثَارةٌ من علم.
فهو إجرامٌ وإفسادٌ، على صاحبِه من الله ما يستحقُّ، ونعوذُ بالله من الخُذلان والضلال.
إن شأنَ بيوت الله عظيم، وقد قال الله –تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [النور: 36]، وحُرمةُ المُسلم عند الله أعظم.
ماذا يبتَغون؟ هل يُريدون أن يُحوِّلوا بيوت الله الآمنة إلى أماكن خوفٍ وإرهابٍ، فيمنَعون المساجِد أن يُذكر فيها اسمُ الله!
معاشر الإخوة:
وإن استِهدافَ المساجِد وتجمُّعات الناس يدلُّ على خوَرِ الفاعل وعجزِه، ولو كان قادرًا على الوصول إلى الأماكن المُحصَّنة لما تأخَّر، ولكنه أضعفُ وأعجزُ أن يُفكِّر في ذلك، فضلاً عن أن يصِلَ إليه؛ فالبلادُ محفوظةٌ بحفظِ الله، والمسئولون - ولله الحمد - بعد حفظِ الله وعونه يقِظون حازِمون، أعانَهم الله وسدَّدهم، وبارَك في جهودهم وأعمالهم.
غيرَ أن ما يحصُلُ في هذا الإجرام من قتلٍ عشوائيٍّ جماعيٍّ شيءٌ مُؤلِم، يُدمِي القلب، حينما يستهدِفُ هؤلاء الأبرياء المُصلِّين المُسلمين، ولكن عزاءَ المُسلم أن هذا ابتلاءٌ قد ابتُلِيَ بما هو أعظمُ منه وأنكَى أفضلُ الخلق نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، ومعه صحابتُه - رضوانُ الله عليهم -.
ففي حادثة الرجيع قُتل عشرون من القراء غدرًا بين مكة والمدينة، بِيع اثنانِ منهم بمكة ليُقتلا صبرًا، وهما: خُبيب بن عديٍّ، وزيدُ بن الدِّثنة - رضي الله عنهما وعن جميع أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم، وآل بيته -.
وفي حادثة بئر معونة قُتل سبعون من القراء غدرًا؛ غدرَ بهم رِعلٌ وذكوانٌ، وقد مكثَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقنُتُ شهرًا يدعو على من قتلَهم، مما يُبيِّن هولَ المُصيبة، وعِظَم النازلة التي نزلَت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمُسلمين.
يُقال ذلك ويُستشهَدُ به ليس استِهتارًا بدماء المُسلمين، أو تهوينًا بحقوق إخواننا وأهلنا، ولكن ليظهر أن الابتلاء سُنةُ الله، وهي في أهل الإيمان أشدُّ.
ألا فاتَّقوا الله - رحمكم الله -، اتَّقوا الله فالعاقبةُ للمُتقين، وهذه الابتلاءات من علامات النصر والتمكين لأهل الإسلام - بإذن الله -، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج: 77، 78].
اللهم من قصدَ المُسلمين بالقتل والترويع والإفساد، والتفجير والإيذاء والتخريب، اللهم فاهتِك سترَه، اللهم فاهتِك سترَه، وافضَح أمرَه، واكفِ المُسلمين شرَّه، واجعَل كيدَه في نحره، واجعَل شأنَه في سفال.
اللهم من قصدَ مساجِد المُسلمين بالتفجير فانتقِم منه قبل فعلِه، وأفسِد عليه أمرَه، واكفِ أهل الإسلام شرَّه.
اللهم اهدِ ضالَّ المُسلمين، وأصلِح شبابَهم، وولِّ على المُسلمين خيارَهم، واكفِهم شرَّ أشرارهم، وأصلِح لهم شأنَهم كلَّه.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على عبده ورسولِه سيِّدنا ونبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وأزواجه وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي