التحذير من البدع وخصوصا المولد النبوي

عناصر الخطبة

  1. تعريف البدعة وبيان حكمها
  2. تحذير القرآن والسنة من الابتداع في الدين
  3. مفاسد البدعة وآثارها السيئة
  4. محبة النبي صلى الله عليه وسلم دين وقربة
  5. علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم
  6. بدعة المولد وواجبنا نحوها.

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي مَيَّزَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِالتَّسْلِيمِ لأَدِلِّةِ الْقُرْآنِ الْمُبِين, وَآثَرَهُمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى دَعَائِمِ الدِّين، وَوَفَّقَ أَهْلَ الْحَقِّ لِلاقْتِدَاءِ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِين، وَسَدَّدَهُمْ للتَّأَسِّي بِصَحْبِهِ الأَكْرَمِين، وَيَسَّرَ لَهُمُ اقْتِفَاءَ آثَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِين، وَجَنَّبَهُمْ زَيْغَ الزَّائِغِين، وَضَلالَ الْمُلْحِدِين.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهِ، دَعَا إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين، وَأَصْحَابِهِ وَمْنَ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِدْعَةَ: هِيَ الإحْدَاثُ فِي الدِّينِ عَلَى خِلافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأَصْحَابُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مِنْ عَقِيدَةٍ أَوْ عَمَل. وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِقَوْلِ اللهِ -تَعَالَى-: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[النساء: 115].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْذِيرُ أَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مِن الْبِدَعِ وَمِنْ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ, فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ, حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ: “بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ -وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى-“، وَيَقُولُ: “أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ“(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

فَانْظُرُوا كَيْفَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَذِّرُ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- مِن البِدْعَةِ مَعَ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَعَلَمُ الأَمَّةِ عَلَى الإطْلاقِ.. أَفَلا يَجْدُرُ بِنَا نَحْنُ أَنْ نَخَافَ مِنْهَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَيُحَذِّرَ بَعْضُنَا بَعْضاً؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ: تَأَمَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ… عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ, فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: “نَعَمْ“، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: “نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ” قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: “قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ“، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: “نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا”، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا! قَالَ: “نَعَمْ: قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا“، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: “تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ”، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ؟ قَالَ: “فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ“(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

فَهَكَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم الْفِتَنَ، وَلِذَلِكَ سَأَلُوا عَنْهَا لِيَحْذَرُوا مِنْهَا, لأَنَّ مِنْ لا يَعْرِفُ الشَّرَّ مَا أَسْرَعَ أَنْ يَقَعَ فِيه!

وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ قَضَى بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ وَمَشِيئَتِهِ النَّافِذَةِ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ الإسْلامِيَّةَ سَوْفَ تَفْتَرِقُ بَعْدَ مَوْتِ نَبِيِّهَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى فِرَقٍ شَتَّى, وَالذِي عَلَى الْحَقِّ مِنْهَا وَاحِدَةٌ, وَهِيَ مَنْ تَمَسَّكَتْ بِهَدْيِ نَبِيِّهَا عَلَى الْوَجْهِ الأَكْمَلِ… فَهَلْ نَحْنُ مِنْ تِلْكَ الطَّائِفَةِ النَّاجِيَةِ؟

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- “افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً, فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ, وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً, فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ, وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ” قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ “الْجَمَاعَةُ“(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

وَفِي رِوَايَةٍ “مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي“(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ, مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-).

وَقَدْ دَأَبَ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى تَحْذِيرِ أُمَّتَهِ مِنَ الْبِدَعِ حَتَّى فِي أَوَاخِرِ حَيَاتِهِ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ وَصَايَاهُ الأَخِيرَةِ. فَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ, ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً, ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ, وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ, فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: “أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا, فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا, فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ, وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ, فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ“(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ).

وَقَدْ وَقَعْتْ هَذِهِ الوَصِيَّةُ مَوْقِعَهَا فِي الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-, وَلِذَلِكَ لَمْ تَقَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِدْعَةٌ حَتَّى لَقُوا رَبَّهَم… بَلْ كَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنْ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا وَإِنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ. فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: “اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ“.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: “مَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ عَامٍ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً, حَتَّى تُحْيَى الْبِدَعُ وَتَمُوتَ السُّنَنُ“.

فَرَضَيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَثْوَانَا وَمَثْوَاهُمْ!

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ الْبِدَعَ فِي الْغَالِبِ إِنَّمَا تَأْتِي فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أُنَاسٍ عِنْدَهُمْ حُسْنُ نِيَّةٍ وَحُبٌّ للْخَيْرِ, لَكِنْ عِنْدَهُمْ جَهْلٌ فَيَقَعُونَ فِي الْبِدْعَةِ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ, وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مُبَرِّرَاً لِعَدَمِ تَأَثُّمِهِمْ وَلا لِتَرْكِ الإنكَارِ عَلَيْهِمْ, بَلْ يَجِبُ الإنْكَارُ عَلَيْهِمْ وَإِرْشَادُهُمْ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغِفُرُ اللهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَينٌ نَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ, بِهِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ“، وَعَلَامَةُ حُبَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هِيَ اتَّبَاعُهُ وَتَرْكُ الابْتِدَاعِ فِي سُنَّتِهِ, وَلَيْسَ ذَلِكَ مَتْرُوكَاً لآرَاء النَّاسِ فَكُلٌّ يُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ هَوَاهُ!

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ بِدعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان, وَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ لَهَا حُجَّةٌ وَلا بُرْهَانٌ، وَلَمْ يَأَتِ لَهَا أَصْلٌ مِنْ عَمِلَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-, إِنَّها بِدْعَةُ مَا يُسَمَّى بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ, فَيَجْتَمِعُ النَّاسُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ فِي الْمَسَاجِدِ أَوْ الْبُيُوتِ فَيُصَلَّونَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَلَوَاتٍ مُبْتَدَعَةٍ, وَيَقَرَؤونَ مَدَائِحَ لَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تَخْرُجُ بِهِمْ إِلَى حَدِّ الْغُلُوِّ الذِي نَهَى عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَرُبَّما صَنَعُوا مَعَ ذَلِكَ طَعَامَاً يَسْهَرُونَ عَلَيْهِ, فَأَضَاعُوا الْمَالَ وَالزَّمَانَ، وَأَتْعَبُوا الأَبْدَانَ فِيمَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ وَلا رَسُولُهُ، وَلا عَمِلَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَلا الصَّحَابَةُ وَلا الْمُسْلِمُونَ فِي الْقُرُونِ الثَّلاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ، وَلا التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَوْ كَانَ خَيْرَاً لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ خَيْرَاً مَا حَرَمَهُ اللهُ -تَعَالَى- سَلَفَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَفِيهِمْ الْخُلُفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالأَئِمَّةُ الْمَهْدِيُّونَ، وَمَا كَانَ اللهُ -تَعَالَى- لِيَحْرِمَ سَلَفَ هَذِهِ الأُمَّةِ ذَلِكَ الْخَيْرَ لَوْ كَانَ خَيْرَاً، ثُمَّ يَأْتِي أُنَاسٌ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْهِجْرِيِّ فَيُحْدِثُونَ تِلْكَ الْبِدْعَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الوَاجِبَ عَلَيْنَا جَمِيعَاً الْحَذَرُ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهَا, وَتَجَنُّبُ مَا يُقَامُ فِيهَا وَمِنْ أَجْلِهَا, فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[المائدة: 2].

إِنَّ نَجَاتَنَا مِن الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ عُمُوماً هِيَ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَوَّلاً ثُمَّ بِتَعَلَّمِ الْعِلْمِ عَلَى أَيْدِي الْعُلُمَاءِ الرَّاسِخِينَ, وَسُؤَالِهِمْ عَمَّا أَشْكَلَ, وَالْحَذَرِ مِنْ كُلِّ جَدِيدٍ فِي الدِّينِ لَمْ يَتَّضِحْ أَنَّهُ مِنْ هَدْيِ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضُوحَاً بَيِّنَاً.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينِنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشِنا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتِنا الَّتِي فِيهَا مَعَادِنا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ..

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


تم تحميل المحتوى من موقع