والشباب في هذا الزمان مستهدَفون غاية الاستهداف في عقولهم وأفكارهم وأخلاقهم، بل وفي دينهم استهدافًا عظيما، وقد تكالبت الشرور على الشباب من كل حدبٍ وصوب عبر وسائل توفرت في هذا الزمان لم يكن لها وجود في زمان سابق، فأصبح الشاب من خلال هذه الأجهزة وعبر تلك الوسائل يُخترق في فكره وفي عقله وفي أدبه وفي دينه، وإذا لم يزمَّ الشاب نفسه بزمام الشرع محصِّنًا نفسه بحسن الصلة بالله وتمام التوكل عليه -جل في علاه- والمحافظة على واجبات الشريعة وفرائض الدين والبُعد عن أسباب الهلاك وموجبات الردى فإنه يُتخطف من حيث يشعر أو لا يشعر.
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله –تعالى-؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. وفي تقوى الله -عز وجل- خلَفٌ من كل شيء، وليس من تقوى الله خلَف.
أيها المؤمنون عباد الله: تُعدُّ مرحلة الشباب مرحلةً خطيرةً غاية الخطورة في مراحل المرء والطِّباق التي يركبها طبقًا من بعد طبق والمذكورة إجمالًا في قول الله -عز وجل- (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ)[الانشقاق:19]، وتفصيلاً في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا)[الحج:5].
وتأتي هذه المرحلةُ -مرحلةُ الشباب- بين ضعفين يمر بهما المرء في مراحله ألا وهي: مرحلة ضعف الطفولة، ومن ثم ضعف الشيخوخة، قال الله سبحانه و-تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)[الروم:54]؛ ومرحلة القوة هي مرحلة الشباب؛ مرحلة بلوغ الأشد، وهي مرحلة خطيرة جدا.
ولهذا ينبغي على كلِّ شابٍ أن يرعى لهذه المرحلة مكانتها وأن يدرك خطورتها وأن يزُمَّ نفسه فيها بزمام الشرع، فإن الشباب في الغالب يصحبه سفهٌ وطيش واندفاعٌ وعجلة، فإذا لم يروِّض الشاب نفسه بصحبة الشيوخ وملازمة العقلاء واستشارة أهل الحلم والألباب، وإلا فإنه يُهلك نفسه غاية الهلكة في شبابه، وكم من شابٍ وشاب بسبب طيش الشباب وسفهه وعجلته أهلك نفسه وغيره!
ولهذا جاءت النصوص منبهةً على خطورة هذه المرحلة وعظم شأنها ووجوب اغتنامها والحذر من إضاعتها والتفريط فيها؛ فقد روى الحاكم في مستدركه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل وهو يعظه: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ".
وقدَّم في الذكر مرحلة الشباب حاثًّا على اغتنامها وعدم إضاعتها، بل أخبر -عليه الصلاة والسلام- في حديثٍ آخر أن المرء يوم القيامة إذا وقف بين يدي الله --جل في علاه-- فإنه يُسأل عن عمره كله ويُسأل أيضا سؤالًا خاصًا عن مرحلة الشباب؛ فقد روى الترمذي في جامعه من حديث ابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ".
وبدأ بالشباب وأن المرء يُسأل عن هذه المرحلة سؤالًا خاصًا يوم القيامة مع أنه داخل في العمر، فمن سئل عن عمره فيم أفناه فشبابه داخل في عمره، إلا أنه لعظم خطورة هذه المرحلة وعظم أهميتها فإن المرء يسأل عنها يوم القيامة سؤالا خاصا. والواجب على العاقل وقد أدرك أنه يُسأل عن هذه المرحلة أن يعِدَّ للسؤال جوابا، وأن يكون الجواب صوابا؛ لينجو في ذلك اليوم العظيم.
أيها المؤمنون عباد الله: والشباب في هذا الزمان مستهدَفون غاية الاستهداف في عقولهم وأفكارهم وأخلاقهم، بل وفي دينهم استهدافًا عظيما، وقد تكالبت الشرور على الشباب من كل حدبٍ وصوب عبر وسائل توفرت في هذا الزمان لم يكن لها وجود في زمان سابق، فأصبح الشاب من خلال هذه الأجهزة وعبر تلك الوسائل يُخترق في فكره وفي عقله وفي أدبه وفي دينه، وإذا لم يزمَّ الشاب نفسه بزمام الشرع محصِّنًا نفسه بحسن الصلة بالله وتمام التوكل عليه -جل في علاه- والمحافظة على واجبات الشريعة وفرائض الدين والبُعد عن أسباب الهلاك وموجبات الردى فإنه يُتخطف من حيث يشعر أو لا يشعر.
أيها المؤمنون عباد الله: إن الأمر جدُّ خطير والخطب جسيم للغاية؛ فما أعظم ما أصاب كثيرًا من الشباب من غزوٍ في أفكارهم وعقولهم وأخلاقهم وأديانهم مما يوجب حصانةً عظيمة وعملًا دؤوبًا وتوقيًا من هذه الشرور، ولا عاصم من ذلك كله إلا الله -جل في علاه-.
أيها المؤمنون عباد الله: وتدور هذه الشرور التي تعصف بالشباب على أمرين خطيرين وجانبين عظيمين يُغزى من خلالهما الشباب: جانب الشهوة، وجانب الشبهة.
أما جانب الشهوة؛ فقد انبرى في هذا المقام أرباب الشهوات والفساد إلى غزو الشباب والجنوح فيهم إلى مهاوي الرذيلة ومواطن الفساد (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)[النساء:27].
وأما جانب الشبهة؛ فإن الشاب يُغزى فيه من قبل أرباب الفكر المنحرف الملوَّث بالغلو والجنوح في دين الله -عز وجل- وتجاوز حدود الشرع بأمور تُنسب إلى الدين والدين منها براء، فكم وقع من شابٍ في محاضن هذه الأفكار فأهلك نفسه وأهلك غيره في جرائم كبيرة وشنائع عظيمة، والمصيبة العظمى أن من لا علم عنده ولا فهم ينسِبها إلى دين الله، والدين منها براء.
وقد جمع لعدد من الشباب بين السوءتين فصار في أول أمره متعاطيا للمخدرات، ثم في خاتمة أمره مفجرا بنفسه ليَهلك بذلك شر هلكة مزهقا معه عددا من الأنفس المعصومة.
أيها المؤمنون عباد الله: لنتقي الله -جل في علاه- في أنفسنا، ولنراقبه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه، ولنعمل على صلاح أنفسنا، وليعمل الشاب على صيانة شبابه وحفظه من هذه الشرور؛ بالحفاظ على دين الله، والثبات على الاستقامة، ومجانبة طرائق الفساد وأبواب الشر، مستعينا بالله -جل في علاه- متوكلًا عليه وحده طالبًا مدَّه وعونه وتوفيقه، فلا حافظ إلا الله.
نسأله سبحانه أن يحفظ شبابنا وأن يعيذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلهم عزًا لأمَّتهم، وفلاحًا في مستقبلهم، ونصرة لدينهم، وأن يعيذهم من الشرور والفساد، إنه جل وعلا سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد عباد الله: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه جل وعلا في السر والعلانية والغيب والشهادة.
أيها الشاب الموفق: هذه وصايا أنصحك بها نصيحة محبٍ مشفق؛ إن أخذت بها كانت موجبةً لنجاتك وسببًا لفلاحك وسعادتك في دنياك وأخراك:
عليك -أيها الشاب- أن تعمل على صيانة شبابك وحفظه بأن تتجنب الشرور والفساد بأنواعه مستعينا في ذلك بالله متوكلًا عليه وحده -جل في علاه-، وكلَّ باب أو مدخلٍ أو طريقٍ يفضي بك إلى شر أو فساد فاجتنبه واحذره غاية الحذر.
وعليك -أيها الشاب- أن تكون محافظًا تمام المحافظة غلى فرائض الإسلام وواجبات الدين ولاسيما الصلاة، فإن الصلاة عصمةٌ لك من الشر وأمَنَةٌ لك من الباطل، فإن الصلاة معونة على الخير ومزدجر عن كل شر وباطل.
وعليك -أيها الشاب- أن تكون قريبًا من أهل العلم وأكابر أهل الفضل؛ تستمع إلى أقوالهم، وتسترشد بفتاواهم، وتنتفع بعلومهم، وتستشيرهم فيما أهمَّك.
وعليك -أيها الشاب- أن تكون محققًا ما أوجبه الله عليك من سمعٍ وطاعة لولي أمرك؛ فإن في ذلك النجاة، وأما الطرائق القائمة على الافتيات على ولاة الأمر والخروج عن الجماعة ونزع اليد من الطاعة فإنها لا تفضي بأهلها إلا إلى الشرور والهلكة.
وعليك -أيها الشاب- أن تعمل في أيامك ولياليك على تحصين نفسك بذكر الله جل وعلا، وأن تكون مواظبًا على الأذكار الموظفة في الصباح والمساء وأدبار الصلوات والدخول والخروج والركوب ونحو ذلك، فإن ذكر الله -عز وجل- عصمةٌ من الشيطان وأمَنَةٌ لصاحبه من الضر والبلاء.
وعليك -أيها الشاب- أن يكون لك وردٌ يومي مع كتاب الله ليطمئن قلبك؛ فإن كتاب الله -عز وجل- طمأنينة للقلوب وسعادةٌ لها في الدنيا والآخرة (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:28].
وعليك -أيها الشاب- أن تكثر من دعاء الله -عز وجل- أن يثبِّتك على الحق والهدى وأن يعيذك من الشر والردى، فإن الدعاء مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة.
وعليك -أيها الشاب- أن تكون حريصًا على مرافقة الأخيار ومصاحبة الأبرار، وأن تجتنب أهل الشر والفساد؛ فإن في صحبة أهل الشر العطب.
وعليك -أيها الشاب- أن تكون على حذر شديد من هذه الوسائل التي غزي الشباب من خلالها ولا سيما شبكة المعلومات ليسلم لك دينك ولتكون في عافية من أمرك، والعافية لا يعدلها شيء.
وعليك -أيها الشاب- أن تكون على ذكرٍ دائما أنك ستقف يومًا بين يدي الله ويسألك فيه عن هذا الشباب فيما أمضيته وأفنيته (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ)[الطور:26ـ27].
وأسأل الله -عز وجل- أن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين.
وصلّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم احفظ إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعِينا وحافظًا ومؤيدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي