التفكك الأسري

حسين بن علي بن محفوظ
عناصر الخطبة
  1. أهمية ترابط المجتمع وخطر تفككه .
  2. آثار التفكك الأسري على الفرد والمجتمع .
  3. المقصود بالتفكك الأسري .
  4. أسباب التفكك الأسري .
  5. مظاهر التفكك الأسري .
  6. علاج التفكك الأسري .

اقتباس

التفككُ الأسري، هو زلزالٌ يدمرُ المجتمعات، وبركانٌ يحرقُ المهج، بل هو طُوفانٌ يُغرقُ الصغيرَ والكبير، بل هو مقتٌ في الأرض وفسادٌ كبير. وهذه الخطبةُ هي وقفةٌ مع قضيةٍ من أخطرِ القضايا الأسرية، تشّخصُ ظاهرةً من أخطرِ الظواهرِ الاجتماعية، التي لها آثارُها السلبيةُ على الأفرادِ والأسر والمجتمعِ والأمة، تلكم هي...

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله ذي المنِّ والعطاء، يوالي على عبادِه النعماء، ويرادفُ عليهم الآلاء، أحمَدُه تعالى حثّ على الصلةِ وحذر من القطيعةِ والجفاء، وأشكرُه على السراءِ والضراء.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن الأندادِ والشركاء، وتعالى عن الأمثالِ والنظراء، هو الأولُ بلا ابتداء، والآخِرُ بلا انتهاء.

وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ إمامُ الحنفاء، وسيدُ الأصفياء، صلى الله عليه وعلى آله الأوفياء، وصحابتِه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ ما دامت الأرضُ والسماء، وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله.

الوصية بالتقوى.

القاعدةُ الكبرى في تحقيق سعادةِ المجتمعِ وضمانِ استقراره، والركيزةُ العظمى في تشييدِ حضارةِ الأمة، وبناءِ أمجادِها، تكمنُ بعد عقيدتِها، وإيمانِها بربِّها، في نسيجها الاجتماعي المترابط، ومنظومتِها القيميةِ المتألقة، التي تنظِّمُ عواطفَ الودِ المشترك، والحبَّ المتبادلَ، والتصافي المشاع، والصلةَ المستديمة، في بُعدٍ عن الضغائنِ والبغضاء، وغوائلِ التقاطعِ والجفاء، وإثارةِ الأحقادِ والشحناء.

معاشر المسلمين: إن المستقرئَ للأوضاعِ الاجتماعية في كثيرٍ من المجتمعاتِ الإسلاميةِ، ليدركَ أنه في خضمِّ المتغيراتِ الاجتماعية، وفي ظل تداعياتِ النقلةِ الحضارية، وفي دوامةِ الحياةِ المادية، ومعتركِ المشاغلِ الدنيوية، حدثت أنواعٌ من السلوكياتِ والأنماطِ الخطيرة، التي يُخشى أن تؤثرَ في اختلالِ نظامِ الأمة الاجتماعي، ولعل من أخطرِ الظواهرِ والمشكلاتِ التي أذكتها المتغيراتُ في الأمة ما يتعلقُ بالأوضاعِ الاجتماعية، وما جدّ عليها من مظاهرَ سلبية، يوشكُ أن تعصفَ بالكيان الأسري، وتهددَ التماسكَ الاجتماعي، فكثرت ظواهرُ عقوقِ الأبناء، وتساهلِ الآباء، وتقلصت وظائفُ الأسرة، وكثرَ جنوحُ الأحداث، وارتفعت نِسبُ الطلاقِ والمشكلاتُ الاجتماعية، وتعددت أسبابُ الجريمةِ ومظاهرُ الانحراف، والعنفِ العائلي، والمشكلاتِ الزوجية، ووهت كثيرٌ من الأواصر، وضعف التواصلُ بين الأقاربِ والأرحام، وسادت القطيعةُ والجفاء، وحلّت محلَّ الصلةِ والصفاء، وكلُّ هذه المشكلاتُ هي سببٌ للتفكك الأسري، والتفككُ الأسري سببٌ لكل هذه المشكلات!.

فالتفككُ الأسري، هو زلزالٌ يدمرُ المجتمعات، وبركانٌ يحرقُ المهج، بل هو طُوفانٌ يُغرقُ الصغيرَ والكبير، بل هو مقتٌ في الأرض وفسادٌ كبير. 

وهذه الخطبةُ هي وقفةٌ مع قضيةٍ من أخطرِ القضايا الأسرية، تشّخصُ ظاهرةً من أخطرِ الظواهرِ الاجتماعية، التي لها آثارُها السلبيةُ على الأفرادِ والأسر والمجتمعِ والأمة، تلكم هي: ظاهرةُ التفككِ الأسري، والخللِ الاجتماعي الذي يوجدُ في كثيرٍ من المجتمعات اليوم؛ ما يُنذرُ بشؤمٍ خطير، وشرٍ مستطير، يهددُ كيانَها، ويزعزعُ أركانها، ويصدّعُ بنيانها، ويُحدثُ شروخًا خطيرةً في بنائها الحضاري، ونظامِها الاجتماعي؛ ما يهددُ البُنى التحتيةَ لها، ويستأصلُ شأفتَها، ويُنذرُ بهلاكِها وفنائها.

فما هو التفكك الأسري؟ وما أسبابه؟ وما مظاهره؟ وما هو علاجه؟

أما معنى التفككِ الأسري، فهو: انحلالُ روابطِ الأسرة، واضمحلالُ المحبةِ والمودةِ بين أفرادِ البيت الواحد، فلا يكونُ للبيتِ دورُه الرئيس في توجيهِ وضبطِ سلوكِ الأولاد، وإنما هو عبارةٌ عن مأوى للنومِ والأكلِ وما شابهَ ذلك فحسب.

ولا شكَّ أن هذا أمرٌ خطيرٌ، لا بد من وضعِ الحلولِ المناسبةِ له ليعودَ البيتُ إلى وضعه الطبيعي.

وليعلمْ الجميعُ أن الأسرةَ هي الخليةُ الأولى لصلاحِ المجتمعِ واستقراره، والإسلامُ قد وضع للأسرةِ أهميةً كبيرة جدًّا؛ لأنَّ بتفككِ الأسرةِ يتفككُ المجتمعُ، وتنهار الأمةُ أجمع.

عباد الله: أما أسبابُ التفككِ الأسري فكثيرة، وقد كثرت الكتاباتُ المعاصرةُ حول هذه الظاهرةِ الخطيرة، والبادرةِ الشنيعة، ولكننا نشيرُ إلى بعضها إشارةً سريعة، فالحرُ تكفيه الإشارة.

أولاً: عدمُ الوعي بدين الله -عز وجل-؛ وذلك بعدم معرفةِ أحكامِ الكتاب والسنة، فتجدُ الأبَ في جانب، والابنَ في جانب، لا يعرفُ أحدُهم حقوقَ الآخر، ولا يقومُ بها، ولا يتواصى بها.

ثانيًا: ضَعفُ تعلمِ المعاييرِ والأدوارِ الاجتماعيةِ السليمة.

ثالثًا: ضعفُ الروابطِ الأسرية، ولاسيما بين الزوجينِ كما حددها الإسلامُ في قول الله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21].

وهكذا تحول المنزلُ من مقرٍّ للسكينةِ والاستقرارِ، إلى مكانٍ لأشكالِ النزاعِ والشقاق والصراع، حتى غدا دارَ حربٍ بدلاً من أن يكون دارَ سِلم.

رابعًا: رغبةُ تربيةِ الأبناءِ على وَفقِ تربية الآباء، وعدمُ مراعاةِ تغيرِ الزمان.

خامسًا: التسلطُ والقسوةُ المفرطةُ بدعوى التربية، وهي مظهرٌ للتفكك وسببٌ له أيضًا.

سادسًا: التدليلُ الزائدُ عن حده المعقول، فينشأُ الولدُ هشًّا ضعيفًا، لا يحترمُ والديه، بل لا يُقيمُ لهما وزنًا، ولا يعبأُ بالأسرة من باب أولى.

سابعًا: الإهمال، سواءً من جانب الزوجِ أم الزوجة مع الطرف الآخر، أم الأبوين مع الأبناء.

ثامنًا: التفرقةُ الجاهليةُ الظالمةُ في المعاملةِ بين الذكور والإناث، فللذكرِ أن يفعلَ بأخواتِه ما يشاءُ وكأنهن إماءٌ عنده.

تاسعًا: التفرقةُ الظالمةُ في المعاملةِ بين الكبار والصغار، أو بين الأشقاءِ وغير الأشقاء.

عاشرًا: غيابُ الدورِ الرقابيِ للوالدين على الأبناء، ونحن لا ندعو للشك، ولكن الإهمالَ خطير.

حادي عشر: بناءُ العلاقةِ على أساسِ الاتهامِ والشك والريبة.

ثاني عشر: غيابُ لغةِ الحوار مع الأبناء، وعدمُ إشراكِهم في اتخاذِ القرارات، خاصةً إذا كانت تتعلقُ مباشرةً بمصيرِهم كالتعليم والعمل والزواج وغيرها.

فنقول لمثل هذا: أدركْ أهلَك قبل أن يحترقوا، أدرك أهلَك قبل أن يحترقوا؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...

الخطبة الثانية:

المقدمة.

والوصية بالتقوى.

معشر المؤمنين: أما مظاهرُ التفككِ الأسري، فقد أشرنا إلى بعضها آنفًا من عقوقٍ للآباء، وقسوةٍ غيرِ مبررة على الأبناء، وقد تناقلت وسائلُ الإعلامِ عشراتِ النماذجِ الرهيبة من هذه القسوة البغيضة، وطلاقٍ للزوجات، وعضلٍ للبنات، وبُعْدِ الأبوين عن الأبناء، وكثرةِ الشقاقِ والخصام واللأواء، والنزاعِ بين الوالدين، ووجودِ أجواء الحرمانِ العاطفي والتربوي بين الأب والأمّ وانعكاسِه على الأبناء.

وقد قرر كثيرٌ من الباحثين أن التفككَ الأسريَ سببٌ رئيس لجنوحِ الأبناء للجريمةِ والفساد، ولهذا فإن الأسرةِ مطالبةٌ بحمايةِ نفسها قبل حدوث الشقاق، ولا يخفى أن الحياةَ لا تصفو دائمًا، بل هي معرضةٌ للسراء والضراء.

وقد أثبتت العديدُ من الدراساتِ المتخصصةِ في الجريمة أن أكثر الجانحين للجريمةِ ينتمون إلى أسرٍ مفككة، وأكد بعضُ الباحثين أن هناك علاقةً قويةً بين أسلوبِ معاملةِ الوالدين الاجتماعيةِ والعاطفيةِ وانحرافِ الشاب.

عباد الله: أما حلولُ التفككِ الأسري، فقد مضى ذكرُ بعضها، فمن ترك الأسبابَ فقد سعى في الحلول، ولكن نذكر بعضًا منها:

أولاً: الرجوعُ إلى الله -تعالى-، وإحياءُ أمره، وإذكاءُ حبه في المنزل.

ثانيًا: إذكاءُ روحِ الحوارِ والنقاشِ في الأسرة، فيؤخذُ رأيُ الأبناءِ فيما يخص البيتَ من الأمور، ويَشعرُ كلُ واحدٍ منهم بأهميته.

ثالثًا: أن لا يُقطعَ في أمرٍ يخصُ أحدِ أفرادِ الأسرةِ إلا بموافقته، كموافقةِ البنتِ على الزواجِ أو على زوجٍ معين، أو دخولِ أحدِ الأبناء للقسمِ العلمي أو الأدبي، أو كليةٍ معينةٍ ونحوه.

رابعًا: إذكاءُ روحِ الحبِ والودِ في الأسرة، وإشباعُ رغبتِهم العاطفية، خاصةً البنات؛ يقولُ أحدُ المتخصصين: كلما زاد الحبُ للأبناءِ زادت فرصةُ حفظِهم من الضياع، فيجب أن لا نركزَ في حديثنا معهم على التهديدِ والعقاب.

خامساً: المتابعةُ المستمرةُ للأولاد، والملاحظةُ الدائمة مع التقويم لأخلاقهم وقيمهم، والتربية العملية لهم.

سادساً: أن يقوم الرجلُ بدورِه في البيت، ولا يتركُ كلَّ الأمور بيد المرأةِ، فهي ضعيفةٌ عاطفية.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي