إن من ينظر اليوم ببصيرة مستنيرة بنور القرآن والسنة يعلم ما حل بالقلوب والعقول، وما وقع فيه الأفراد والمجتمعات نتيجةً لاتباع الأهواء في كثير من الأوضاع والأحوال.. من غير أن تُحكَم بميزان شرع رب العالمين وهدي سنة سيد الأنبياء والمرسلين - عليه أفضل الصلاة والتسليم-. وهذا هو سبب الدمار والفساد، وعامل الضلال والشقاء الذي يعانيه المسلمون اليوم ..
الحمد لله الذي خلق الإنسان وشرع له ما فيه صلاح الشأن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك المنان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله سيد ولد عدنان.. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أولي العرفان.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا- فمن اتقاه وقاه، وأسعده ولا أشقاه.
أيها المسلمون: النفوس لها محبوباتٌ تهواها ورغباتٌ تعشقها وتطلبها: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [آل عمران: 14]
ولكن الخطر على الدين والدنيا يكمن في تحكم الشهوات المحرمة والملذات الممنوعة بالعبد، فتجده يتخذ هواه إلها يعبد.. فهو متعبد لهواه حباً وخوفاً ورجاءً ورضاءً وسخطاً وتعظيماً وذلاً ؛ فإن أحب أو أبغض أو أعطى فلهواه ليس إلا..
تمكَّن منه هواه فسيطر عليه سيطرة المقاتل على أسيره، فهو بهذا المسلك قد جعل الحكم والضابط هواه وملذاتها ومشتهياتها -ولو خالف ذلك المنهج الإلهي والهدي النبوي- .. قال قتادة: "إن الرجل إذا كان كلما هوي شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجزه من ذلك ورع ولا تقوى ؛ فقد اتخذ إلهه هواه"..
وربنا -جل وعلا- يقول فيمَنْ هذا وصفه: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان: 14].. قال بعض السلف: "شر إلهٍ عُبد في الأرض هو الهوى".
ومن هنا -إخوة الإسلام- فمن المناهج المفسدة للدين والمضلة عن الصراط المستقيم - اتباعُ الناس أهواءهم دون الالتزام يشرع رب العالمين، ولا سنة سيد الأنبياء والمرسلين -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم-: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ..) [القصص: 50].
إخوة الإسلام: إن من ينظر اليوم ببصيرة مستنيرة بنور القرآن والسنة يعلم ما حل بالقلوب والعقول، وما وقع فيه الأفراد والمجتمعات نتيجةً لاتباع الأهواء في كثير من الأوضاع والأحوال.. من غير أن تُحكَم بميزان شرع رب العالمين وهدي سنة سيد الأنبياء والمرسلين - عليه أفضل الصلاة والتسليم-.
وهذا هو سبب الدمار والفساد، وعامل الضلال والشقاء الذي يعانيه المسلمون اليوم.. قال ابن القيم -رحمه الله-: "وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل.. وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلبٍ إلا استحكم هلاكه ولا في أمة إلا وفسد أمرها أتم الفساد"، وكأنه -رحمه الله- يحكي واقع الأمة الإسلامية اليوم في كثير من مجالاتها، ودليل صحة هذا المعنى قوله -جل وعلا-: (.. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50]، وقوله -جل وعلا-: (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) [محمد: 14]..
وسيد البشرية ينبه أمته إلى هذا فيقول فيما رواه البزار وغيره.. فيقول -صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ مهلكاتٌ: شح مطاع وهوىً متبع وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلن والقصد في الفقر والغنى وكلمة الحق في الغضب والرضا"..
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم، ومضلات الهوى" رواه أحمد بسند صحيح.
إخوة الإسلام: ومن أبرز مظاهر تغليب الهوى والسير وراءه ما تخوفه الشرع المطهر على هذه الأمة ؛ وهو الجري وراء الملذات المحرمة واتباع الشهوات المحظورة واللهث وراء أهواء النفوس ورغباتها وملذاتها الدنيوية المفرطة التي تُنسي الأمة عن آخرتها وتنأى بها عن رسالتها الخالدة: (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [يونس: 7 – 8]..
ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث الذي أخرجه الشيخان: "فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطتْ على مَنْ كان قبلكم ؛ فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم".
معاشر المؤمنين: ومن صور الأهواء المنتشرة في المجتمعات المسلمة.. والتي ولَّدت شراً كبيرا وفساداً عريضا - تغليبُ الأهواء في مجالات كثيرة؛ ومنها المجال الاقتصادي ؛ فإن انقياد كثير من الناس وراء الشهوة دعاهم إلى اكتساب الأموال من أقبح وجوهها..
يبرز ذلك في التساهل الكبير في صور كثيرة من التعاملات التي يدخلها الربا، كما يبرز ذلك في تحايل كثير من المسلمين على بعضهم البعض وأخذهم الأموال من غير حق.. كما يبرز ذلك في تساهل كثير في صور من البيوع والتعاملات.. أدنى ما يقال فيها إنها من المتشابهات التي ينبغي اجتنابها ؛ فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن لكل أمة فتنةً، وفتنة أمتي المال " حديث رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وكثير في بلاد المسلمين تغليب الأهواء في الوظائف بشتى أنواعها، ويبرز ذلك في إعمال المحسوبيات وتغليب المصالح الخاصة على المصالح العامة من دون وجل ولا حياء..
ومن صور ذلك: تقديم غير الكفء على الكفء حتى في الاستحقاق الوظيفي، فيقع المسئول في الحيف بترقية أحد المتساويين في الاستحقاق.. لا لشيء إلا للأهواء والمصالح الذاتية أو الوشائج النسبية..
وكل هذا أمر لا يقره الشرع المبين ولا العقل الرصين، بل هو إعراض عن الصراط المستقيم وزلل عن الهدي النبوي العظيم قال -تعالى-: (.. وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ..) [ص: 26].
ومن مجالات تغليب الأهواء التي يعايشها مجتمعات المسلمين اتباع الأهواء في الحكم على الأشخاص أو الأقوال أو الأفعال والتصرفات، وما يحصل خلال ذلك من التعصب المقيت للآراء والبغي على الآخرين وتتبع سقطاتهم والتشهير بأخطائهم والنيل من أشخاصهم ونياتهم وبواعثهم، ناهيك عن التناحر والتقاطع والتباغض والبغي الذي تبرزه وسائل الإعلام بشتى صورها.
وكل ذلك جره حرص بعض المسلمين على هذه الدنيا والتفاني من أجلها، بل الواجب -في شرع الله- الإنصاف والعدل بشتى صوره ومختلف مجالاته، والبعد عن الهوى الذي يري الإنسان ماله من حقوق ولا يريه ما عليه من حقوق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء: 135] .
واسمع إلى خالق النفس العليم بدائها الخبير بدوائها، وهو وحده الذي يعلم دروبها ومنحنياتها، ويعلم أين تكمن أدواؤها وعللها وكيف تطارد في مكامنها ومخابئها في قوله -جل وعلا- العظيم: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 41].. قال الحسن: "رحم الله عبداً وقف عند همه، فليس يعمل عبد حتى يهم، فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر".. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلام متين عظيم: " صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه...".. إلى أن قال: "فليس قصده أن يكون الدين كله لله، أو أن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصده المحبة لنفسه وطائفته أو الريا ليعظم هو أو يثنى عليه أو لغرض من أغراض الدنيا.. بل إن أصحاب الهوى يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهداً مأجوراً، ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلاً سيء القصد؛ فتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله".. انتهى.
ألا وإن أعظم خطر على الأمة الإسلامية اليوم ما تدعو إليه أهواء دعاة التغريب من مقالات تساير أهواء الأعداء من الكفار والمنافقين وتتمشى مع أغراضهم ومقاصدهم من إفساد أديان المسلمين وأخلاقهم مما يطالعنا به بعض إعلام المسلمين من مقالات ساقطة وكتابات هابطة تهدف إلى جر مجتمعات المسلمين إلى مفاسدَ محققةٍ وشرور حاصلة.. وربنا -جل وعلا- يقول: (.. وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) [المائدة: 77]..
فاحذري -أيتها الأَمَة المسلمة- من كل دعوة لا تعين على دين ولا تبني خلقاً كريماً تفلحي وتسعدي وتسلمي من الشرور والفتن . نعوذ بالله من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك عليه وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فياأيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا- فهي وصية الله للأولين والآخرين.
إخوة الإسلام: إن الهوى دافعٌ قوي لكل طغيان في حقوق الله -جل وعلا-، ولكل جَوْر وظلم في حقوق العباد ؛ فهو أساس البلوى وينبوع الشر في هذه الدنيا وفي الآخرة، وهو آفةٌ نفسية تحتاج إلى جهادٍ شاق طويل الأمد -كما قاله السلف- جهادٌ يحدو إلى مراقبة الله -جل وعلا- وخوفه والحذر منه سراً وجهراً.
وأما من اتبع هواه غوى، ومن قادته رغبات نفسه دون زمام من الشرع - قادته نفسه إلى العواقب السيئة والنتائج القبيحة؛ فعليك -أيها العبد- زجر النفس بالصبر على طاعة الله، والبعد عن مناهيه، والعمل بالشرع القويم.. قال ابن القيم -رحمه الله-: "الصبر ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الهوى والشهوة"..
ولنحذر -معاشر العلماء- من التفرق المذموم الذي يجره اختلاف في مسائل فقهية، بل الواجب الرد إلى كتاب الله -جل وعلا- وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفق منهج الفهم الصحيح الذي مشى عليه سلف هذه الأمة..
قال الشاطبي: "الصحابة اختلفوا ولم يتفرقوا".. إلى أن قال: "فكل مسألةٍ حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوةً ولا بغضاء ولا نفرة علمنا أنها من مسائل الإسلام، وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين، بل هي ليست من أمر الدين في شيء"..
فعليكم -معاشر العلماء- أن تتقوا الله -جل وعلا- في عوام المسلمين، وألا تظهروا بينكم ما يوجب البغضاء والتفرقة، ويوجب الشرور التي أول ما تقع.. تقع على عوام المسلمين.
ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بأمر عظيم.. ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم. اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على نبينا وسيدنا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وعن الصحابة والآل أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن. اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن، اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اكتب العزة والسؤدد للمسلمين، اللهم أعز دينك في كل مكان، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم من أراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، اللهم دمره في مكانه، اللهم من أراد هذه الأمة بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدميره في تخطيطه يارب العالمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى.. اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه خير رعاياهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم. اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم. اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم ياذا الجلال والإكرام ياقوي ياعزيز.
اللهم احفظ بلادنا من كل سوءٍ ومكروه وجميع بلاد المسلمين. اللهم احفظ بلادنا من كل سوءٍ ومكروه وجميع بلاد المسلمين ياذا الجلال والإكرام.
اللهم ياغني ياحميد.. اللهم ياغني ياحميد.. اللهم ياغني ياحميد أغثنا، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم اسقنا. اللهم اسقنا. اللهم اسقنا ياذا الجلال والإكرام ياغني يارحيم ياحميد.
عباد الله: اذكروا الله ذكراً كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلاً.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي