العقوبات الربانية (1) وجوب الخوف من العذاب

إبراهيم بن محمد الحقيل
عناصر الخطبة
  1. خوف الملائكة من الله تعالى .
  2. خوف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
  3. خوف النبي صلى الله عليه وسلم .
  4. خطر الأمن من مكر الله .
  5. أهمية الاتعاظ بالنذر الإلهية .

اقتباس

لقد عمت المنكرات وطمت، واستعلن أهل الفساد بها، وضعف صوت المنكرين لها، وانغمس كثير من الناس في اللهو والترف، وانتشرت فيهم ذنوب الأسماع والأبصار، وأكل الحقوق وتضييع الواجبات، وبلغ من جرأة أهل المنكرات أنهم يحاربون المواعظ والتذكير بالآيات؛ لئلا ينزعج الناس بالموعظة والتذكير، فيخافوا العذاب؛ لأنهم يريدون من الناس أن يحاربوا الله تعالى بمعصيته وهم في أمن من عذابه ..

 

  

 

الحمد لله القوي القهار العزيز الجبار؛ يُري عباده من آياته ما به يعرفون عظمته وقدرته، ويخافون نقمته وعذابه (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) [الإسراء:57] نحمده حمداً كثيراً، ونشكره شكراً مزيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظم حلمه على عباده فأمهلهم، ولطف بهم فأنذرهم، ولو شاء لعذبهم، ولو أخذهم بذنوبهم لأهلكهم (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ) [النحل:61] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أعلم الناس بالله تعالى وأتقاهم له، وأشدهم خوفاً منه، وأكثرهم رجاء له، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "أن يُطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر".

أيها الناس: من قرأ القرآن الكريم، وشاهد فيه سير الغابرين، ومصير المستكبرين، وتأمل سنن الله تعالى في المكذبين - خاف عقوبته، وحاذر معصيته، ولم يأمن مكره..

وأشد الخلق خوفاً من الله تعالى، وأكثرهم اتقاء لعذابه أعلمهم بقدرته وقوته، وسرعة انتقامه، وشدة بطشه، وإلا فأهل الجهل والإعراض والاستكبار لا يرجون لله تعالى وقاراً، ولا يخافون منه انتقاماً؛ حتى يبغتهم العذاب وهم في غيِّهم.. وقد استكبرت عاد فقالت: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصِّلت:15]، ورأوا بوادر العذاب ففرحوا به من جهلهم وقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) [الأحقاف:24].. وقال كفار قريش: (اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال:32] فأهلكهم الله تعالى؛ فما أعظم الفرق بين من عرف الله تعالى فعظمه، وبين من جهل به فأعرض عنه!!

وأقرب الخلق من الله تعالى ملائكتُه الدائبون في عبادته، الدائمون على ذكره (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء:19-20] وخوفهم من الله تعالى عظيم، وخشيتهم له كبيرة، قال الله تعالى فيهم (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [النحل:50]، وفي آية أخرى (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء:28]، ومن أسباب ديمومتهم على التسبيح خوفهم من الله تعالى (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) [الرعد:13].

إنهم يخافون عذاب الله تعالى مع أنهم معصومون من الخطأ، لكنهم لا يأمنون مكره سبحانه؛ ولذا أخبر عنهم ربهم سبحانه فقال: (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) [الإسراء:57].. وإذا قضى الله تعالى أمراً خافوا خوفاً شديداً، كما أخبر عنهم أعلم الناس بهم وبخوفهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا قَضَى الله الْأَمْرَ في السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ على صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذلك فإذا (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ) [سبأ:23]" رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إذا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حتى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هذه السَّمَاءِ الدُّنْيَا" رواه مسلم.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "وهذا أيضاً مقام رفيع في العظمة، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي فسمع أهل السماوات كلامه أُرعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي" .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما طَرَفَ صاحبُ الصور مُذْ وُكِّلَ به مستعدٌ ينظرُ نحو العرش مخافةَ أن يُؤمر قبل أن يَرتدَّ إليه طرفُه كأنَّ عينيه كوكبان دريان" رواه أبو الشيخ وصححه الحاكم وحسنه ابن حجر.

كل هذا الخوف من الله تعالى؛ لأن الملائكة لقربهم عرفوا الله تعالى فعظموه، وعلموا قدرته فهابوه وخافوه.

والرسل عليهم السلام هم أعلم الناس بالله تعالى، وأنصحهم لعباده؛ فكانوا أشدهم خشية له، وخوفاً منه؛ لعلمهم بسرعة انتقامه، وشدة عذابه؛ ولذا حذَّروا أقوامهم من معصيته؛ قال نوح عليه السلام لقومه -وهو يدعوهم إلى الله تعالى-: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأعراف:59]، ودعا هود عليه السلام قومه إلى التوحيد فقال لهم: (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأحقاف:21]، وقال شعيب عليه السلام لقومه: (إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) [هود:84]، والخليل -عليه السلام- حذر أباه من المعصية خوفاً عليه من العذاب فقال (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) [مريم:45] ومؤمن آل فرعون نصح لهم، وحذرهم عذاب الله تعالى (وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ) [غافر:31]. أولئك الأنبياء والصالحون عرفوا الله تعالى فعظموه، ورجوا رحمته فأطاعوه، وخافوا عذابه فلم يعصوه.

وأما نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد بلغ الغاية في معرفة الله تعالى ومحبته ورجائه والخوف منه، وكان ناصحاً لأمته، رحيماً بها، مشفقاً عليها، يحذرها بطش الله تعالى وعذابه، قال لأهل مكة -لما كذبوه-: (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) [هود:3]. وأخبرهم أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يدري ما يفعل الله تعالى به ولا بهم في الدنيا؛ فقال لهم: (مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الأحقاف:9].

كان -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في القرآن سير المكذبين وما حلَّ بهم من العذاب، فيتأثر بذلك ويبكي؛ خوفاً على أمته أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم، وأُثر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قيل له: "قد شِبْتَ! قال: شَيَّبَتْنِي هُودٌ" قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "يشير إلى أن شَيْبَه منها ما ذُكر من هلاك الأمم قبل أمته وعذابهم" وقال المناوي رحمه الله تعالى: "لما فيها من ذكر الأمم وما حل بهم من عاجل بأس الله تعالى؛ فأهل اليقين إذا تلوها انكشف لهم من ملكه وسلطانه وبطشه وقهره ما تذهل منه النفوس، وتشيب منه الرؤوس، فلو ماتوا فزعاً لحُقَّ لهم لكن الله لطف بهم لإقامة الدين".

وكان -صلى الله عليه وسلم- يشتد خوفه إذا تغيرت أحوال الكون؛ فتخيلت السماء، أو هبت الرياح، أو كسفت الشمس، قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذلك في وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فإذا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عنه ذلك قالت عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فقال: "إني خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ على أُمَّتِي" رواه مسلم.

وفي الكسوف قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "ثُمَّ نَفَخَ في آخِرِ سُجُودِهِ فقال: أُفْ أُفْ ثُمَّ قال: رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وأنا فِيهِمْ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" رواه أبو داود.

لقد قاده -صلى الله عليه وسلم- علمه بالله تعالى، ومعرفته بأسمائه وصفاته إلى خوفه الشديد منه -سبحانه-، ومحاذرة أسباب نقمته وسخطه وعذابه؛ كيف!! وهو القائل -صلى الله عليه وسلم-: "فَوَالله إني لَأَعْلَمُهُمْ بِالله وَأَشَدُّهُمْ له خَشْيَةً" رواه البخاري.

وكان -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله تعالى من العذاب؛ كما روى ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: كان من دُعَاءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ" رواه مسلم، وقالت عَائِشَة رضي الله عنها: "فَقَدْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً من الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي على بَطْنِ قَدَمَيْهِ وهو في الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وهو يقول: اللهم أَعُوذُ بِرِضَاكَ من سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ من عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنت كما أَثْنَيْتَ على نَفْسِكَ" رواه مسلم.

فحري بأهل الإيمان أن يعظموا الله تعالى ويتقوه، ويرجوا رحمته، ويخافوا عذابه، ولا يأمنوا مكره (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ) [الأعراف:99].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام:65].

بارك الله لي ولكم في القرآن ..

   

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [الحشر:18-19].

أيها المسلمون: الاغترار بكثرة الطاعات، والاستهانة بقليل المعاصي هلاكٌ للعباد، وسبب لاستجلاب العذاب؛ فكيف إذا كان الحال أسوأ من ذلك، فكان غروراً بقليل الطاعة، واستهانة بكثرة المعاصي والموبقات؟! فما أصبر الله تعالى علينا، وما أعظم حلمه فينا، وما أكثر إمهاله لنا؛ فنسأله تعالى أن لا يكون ذلك استدراجاً لنا؛ فما أضعفنا وأعجزنا! وما أقدره سبحانه علينا!!

لقد تتابعت النذر علينا ونحن في لهونا وغفلتنا، وأحاطت بنا فتن السراء والضراء من كل جانب، ورأينا من آيات الله تعالى الكونية في غيرنا ما رأينا، ولكن القلوب قست، والنفوس غوت، إلا ما رحم ربي، وقليل ما هم.

لقد عمت المنكرات وطمت، واستعلن أهل الفساد بها، وضعف صوت المنكرين لها، وانغمس كثير من الناس في اللهو والترف، وانتشرت فيهم ذنوب الأسماع والأبصار، وأكل الحقوق وتضييع الواجبات، وبلغ من جرأة أهل المنكرات أنهم يحاربون المواعظ والتذكير بالآيات؛ لئلا ينزعج الناس بالموعظة والتذكير، فيخافوا العذاب؛ لأنهم يريدون من الناس أن يحاربوا الله تعالى بمعصيته وهم في أمن من عذابه، وهذا ما يخشاه أهل الإيمان والإصلاح؛ لأن الأمم المكذبة ما عُذبت إلا بعد أن أعرضت عن المواعظ، وقارفت المعاصي بعلم وإصرار.

إن الله تعالى لو أراد هلاك الناس جميعاً فلن يرده شيء، ولن يقف أمام قدرته -سبحانه- أيُّ قوة مهما كانت، ولن يُنجي من عذابه حذر ولا احتراز؛ فلا ملجأ منه إلا إليه، ولما قالت النصارى: (إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)، قال الله تعالى: (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة:17]

وروى زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه عن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أَنَّ الله عَذَّبَ أَهْلَ سماواته وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ غير ظَالِمٍ لهم وَلَوْ رَحِمَهُمْ كانت رَحْمَتُهُ لهم خَيْراً من أَعْمَالِهِمْ" رواه أحمد. ورُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَوْ يُؤَاخِذُنِي اللهُ وَابْنَ مَرْيَمَ بِمَا جَنَتْ هَاتَانِ يَعْنِي الإِبْهَامَ وَالَّتِي تَلِيهَا لَعَذَّبَنَا ثُمَّ لَمْ يَظْلِمْنَا شَيْئًا" رواه ابن حبان.

فلنقبلْ -عباد الله- نُذُرَ الله تعالى إلينا، ولنتعظ بما حلَّ بالأمم قبلنا، ولنعتبر بما نزل بمن حولنا، ولننظر فيما يحيط بنا؛ فإن المخاطر تزداد يوماً بعد يوم، وكثير منا في غفلتهم سادرون، ونعوذ بالله تعالى من الغفلة؛ فإنها داء القلوب، وعذاب الله تعالى قد بغت من كانوا قبلنا وهم غافلون (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) [الأنعام:45] وآخرون استعجلوا العذاب فجاءهم بغتة (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ العَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [العنكبوت:53] فاحذروا أن تسلكوا مسلكهم؛ فالسعيد من وعظ بغيره..

 

وصلوا وسلموا على نبيكم...

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي