فاجعة التدافع في مشعر منى

محمد البدر
عناصر الخطبة
  1. الدنيا دار ابتلاء وامتحان للمسلم .
  2. مواقف الناس أمام البلاء .
  3. التعليق على حادثة منى .
  4. حرص حكومة المملكة على سلامة الحجيج .
  5. أهمية نعمة الأمن ووجوب الحفاظ عليه. .

اقتباس

إن هذه البلاد ليست كسائر البلدان.. إن أمنَها مطلبٌ عظيم، وإن أعداء الدين قد حاولوا جاهدين، ويحاولون مستمرين، لزعزعة أمنها، وخراب عمرانها، وتحريف دينها.. انظروا حولكم فإن الأعداء بنا يتربصون، ولنعمتنا يحسدون، يتمنى اليهود والنصارى والروافض لو يجدون عُذرًا ليدخلوا هذه البلاد فيعيثوا بأرضها فسادا، لقد غاظهم أمنُها، ودينُها، وعقيدتُها..

الخطبة الأولى:

أما بعد: قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد:22]، فبيَّن -جل في علاه- أن هذا الأصل العظيم - الذي هو الإيمان بالقضاء والقدر وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه- يترتب على إيمان العبد به أنه عند المصائب بنوعيها خيرها وشرها يتلقى ذلك دون جزعٍ وتسخطٍ وأسى، ودون فرحٍ يترتب عليه الأشَر والكِبر والعُجب ونحو ذلك.

ولا بد للعبد من فرح وحُزن؛ فإن أصابته مصيبة،كمرضٍ أو فقرٍ أو نحو ذلك يتلقى ذلك بالصبر، وإن أصابته أمور مفرحة ونِعَمٌ متجددة يعلم أن ذلك من الله جل وعلا فيتلقى ذلك بالشكر.

فعن صهيب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" (رواه مسلم).

عباد الله: في مشاعر لا توصف وعزيمة لا تقهر وصبر وتحمل على المشقة وتحمل لظروف المناخ والطقس من شدة الحر، نفر الحجاج من المزدلفة إلى منى رافعين أكفّ الضراعة إلى الله بخشوع وذلة طامعين في كرم الله وفضله سائلين المولى أن يغفر لهم الذنوب ويتوب عليهم ويتقبل منهم الحج والدعاء؛ فالحجاج يعيشون حياة مليئة بذكر الله، ويلهجون بالدعاء لله يرجون من الله مغفرة الذنوب والآثام ملبين بكلمات التوحيد لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك لبيك" يملئون كل الطرقات المؤدية إلى الجمرة الكبرى داعين الله بأن يشملهم برحمته ويتقبل منهم صالح أعمالهم.

وبينما هم كذلك سلك بعضهم طريقاً من تلك الطرق، وكأنهم يساقون إلى الموت وهم لا يشعرون يساقون إلى قدر الله وهم لا يعلمون، وما هي إلا لحظات ويحدث ازدحام كثيف للحجاج، وتدافعوا بشكل شديد، واختلط الحابل بالنابل، وتساقط المئات صرعى، ومثلهم مصابين وجرحى، وتألم لذلك خلق كثير وتعالت الأصوات والصرخات والبكاء وعمت الفوضى المكان، وأصاب الناسَ الذعرُ والخوفُ والهلع.

 وفُجع بذلك الخبر المسلمون في كل أنحاء العالم، وتصدرت أخبار هذه الفجيعة كل وسائل الإعلام بأنواعها، والله المستعان، فهنيئاً لهم -إن شاء الله- هذه الخاتمة السعيدة، والعاقبة الحميدة، فإن الموت أجل آت لا بد منه، ولَأَنْ يموت المسلم على طاعةٍ وعبادةٍ خير من أن يموت على معصية أو غفلة.

عباد الله: ولما كان الشيطان عدو عباد الله حاضرًا في حال المصيبة بنوعيها -ما كان سارًا أو كان محزنًا مؤلما - فإنه في هذا المقام يدعو الإنسان إلى خلاف ما أمره الله -سبحانه وتعالى- به، وما أمره به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من تَلَقٍ للمصيبة بالصبر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ" (رواه الترمذي وحسنه الألباني).

أقول قولي هذا..

الخطبة الثانية:

من نعمة الله -جل وعلا- علينا في هذه البلاد: أن منَّ علينا بنعمة الأمن الوافِر منذ قامت هذه الدولة على نُصرة عقيدة التوحيد والدعوة السلفية في مراحلها المختلفة، وإلا فالناسُ قبل هذه الدولة في بلاد الحرمين كانوا قبلها بسنواتٍ في خوفٍ ورعبٍ وقلقٍ، حتى لم يأمنِ الحاجُّ والمُعتمِرُ من السبي والسلب واستباحة الدماء والأعراض، كما تُنبِئُ عن ذلك كتبُ التأريخ المُتنوِّعة، ومن أراد بيانًا وبُرهانًا فليقرأ مثلَ هذه الكتب.

فالحمدُ لله - سبحانه - على هذه النعم الغالية، ولنحرِص جميعًا في هذه البلاد، وفي جميع بلدان المسلمين التي منَّ الله عليها بالأمن، لنحرِص على شكر الله - جل وعلا - على هذه النعم، ولنتعاون على الحِفاظ عليها بكل غالٍ ورخيص، ولنحذَر - أيها المسلمون، أيها المؤمنون - من كل دعوةٍ تُهدِّدُ الأمن، وتُزعزِعُ الاستقرار، فلا هناءَ في عيشٍ بلا أمن، ولا سعادة في مالٍ بلا استقرار.

عباد الله: إن هذه البلاد ليست كسائر البلدان.. إن أمنَها مطلبٌ عظيم، وإن أعداء الدين قد حاولوا جاهدين، ويحاولون مستمرين، لزعزعة أمنها، وخراب عمرانها، وتحريف دينها.. انظروا حولكم فإن الأعداء بنا يتربصون، ولنعمتنا يحسدون، يتمنى اليهود والنصارى والروافض لو يجدون عُذرًا ليدخلوا هذه البلاد فيعيثوا بأرضها فسادا، لقد غاظهم أمنُها، ودينُها، وعقيدتُها..

ولقد أغرى الأعداءُ بعض أبناء هذه البلاد فجعلوهم أداةً يحققون بها ما يريدون، جعلوهم أسهمًا يرمون بها، فلنحذر أن نكون منهم، أو أن نعين بعضهم، فإن كل ذي نعمة محسود، لا نشعلُ نار الفتنة، لا نكونَ رؤوسًا فيها.. فإن أمن هذه البلاد مسؤولية كل مسلم، لأنها لجميع المسلمين..

قل لي بربك لو تزعزع أمنها فهل سيحج حاج، أم هل سيعتمر معتمر.. لقد جعل الله أمنها أساسًا لقيام ركن عظيم (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ) [المائدة: 97]، أي: تقوم ببقائها مصالحُ الناس الدينية والدنيوية..

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد..


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي