صلاتك صلتك

عبد الله بن محمد البصري
عناصر الخطبة
  1. أقرب الطرق للاتصال بالرب .
  2. في وقت شدة الأزمات تزداد أهمية الصلاة .
  3. العتاب على حالنا مع الصلاة .
  4. الراحة التامة والعيشة الراضية .
  5. الصلاة وحمل الأمانة .

اقتباس

وَإِنَّ بَدءَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الجَلِيلَةِ وَالخِلالِ الجَمِيلَةِ بِالمُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّلاةِ وَخَتمَهَا بِالمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلاةِ؛ إِنَّهَا لَتُؤَكِّدُ أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ بِدَايَةُ الخَيرِ وَنِهَايَتُهُ، وَأَوَّلُ الفَلاحِ وَآخِرُهُ، وَمُنطَلَقُ الكَمَالِ وَغَايَتُهُ؛ فَأَهلُ الصَّلاةِ هُمُ المُؤَدُّونَ لِحُقُوقِ المَالِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُم أَهلُ الخَشيَةِ مِنَ اللهِ وَالخَوفِ مِن لِقَائِهِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُمُ الرَّاعُونَ لِلأَمَانَاتِ المُوفُونَ بِالعُهُودِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُمُ الحافِظُو الفُرُوجِ الغَاضُّو الأَبصَارِ، وَفَوقَ هَذَا فَأَهلُ الصَّلاةِ هُم ..

 

 

 

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَإِنَّ بها الفَلاحَ في الدُّنيَا وَالعَاقِبَةَ في الآخِرَةِ (وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى) [طه:132]

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِذَا ادلَهَمَّتِ الخُطُوبُ وَحَلَّتِ الكُرُوبُ، إِذَا تَوَالَتِ الهُمُومُ وَتَرَاكَمَتِ الغُمُومُ، إِذَا انعَقَدَت في السَّمَاءِ غُيُومُ البَلاءِ وَتَوَالَت سَحَائِبُ النُّذُرِ، إِذَا تَكَدَّرَتِ النُّفُوسُ وَنَكِدَ العَيشُ وَتَنَغَّصَ العُمُرُ، إِذَا استَكَنَّ الحُزنُ في جَوفِ العَبدِ وَطَالَ مَرَضُهُ، إِذَا تَلَجلَجَ الهَمُّ في ضَمِيرِهِ وَاشتَدَّ مَضَضُهُ، إِذَا تَعَسَّرَ إِدرَاكُ المَطَالِبِ وَحَالَت دَونَهَا العَقَبَاتُ وَالمَصَاعِبُ - إِذْ ذَاكَ لا مَفَرَّ لِلمُؤمِنِينَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيهِ، وَلا مَفزِعَ لَهُم إِلاَّ رَبُّهُم يَقِفُونَ بَينَ يَدَيهِ، يُنِيخُونَ مَطَايَاهُم بِبَابِهِ، ويَلجَؤُونَ إِلَيهِ وَيَلُوذُونَ بِجَنَابِهِ، يَرفَعُونَ الأَكُفَّ إِلَيهِ ضَارِعِينَ، وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَيهِ بِقُلُوبِهِم خَاضِعِينَ خَاشِعِينَ، فَيُجِيبُ المُضطَرَّ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَالضُّرَّ.

وَلَقَد عَلِمَ المُوَفَّقُونَ أَنَّ أَقرَبَ طَرِيقٍ لاتِّصَالِهِم بِرَبِّهِم، وَأَرجَاهَا لِقَبُولِ دُعَائِهِم وَإِجَابَةِ سُؤْلِهِم، وَأََحرَاهَا لِنَيلِ الرَّغَائِبِ وَدَفعِ المَصَائِبِ، وَأَقوَاهَا عَلَى جَلبِ العَطَايَا وَرَدِّ البَلايَا - طَرِيقُ الصَّلاةِ، حَيثُ أَمَرَهُم بِالاستِعَانَةِ بها الحَكِيمُ العَلِيمُ، وَأَرشَدَهُم إِلَيهَا بِقَولِهِ وَفَعَلَهُ النَّبيُّ الكَرِيمُ، قَالَ -تَعَالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (قَد أَفلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى).[الأعلى 14: 15]

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ: "أَقرَبُ مَا يَكُونُ العَبدُ مِن رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكثِرُوا الدُّعَاءَ" وَرَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا عَن أَبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ يَومَ الجُمُعَةِ فَقَالَ: "فِيهَا سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبدٌ مُسلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسأَلُ اللهَ شَيئًا إِلاَّ أَعطَاهُ" وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. وَأَخرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَأَحمَدُ عَن حُذَيفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِذَا حَزَبَهُ أَمرٌ صَلَّى".

هَكَذَا كَانَ القُدوَةُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- يَفزَعُ إِلى رَبِّهِ وَيَلُوذُ بِهِ إِذَا نَزَلَ بِهِ أَمرٌ عَظِيمٌ أَو أَصَابَهُ هَمٌّ أَو غَمٌّ، فَصَلَوَاتُ رَبِّي عَلَيهِ وَسَلامُهُ مَا أَعلَمَهُ وَأَحزَمَهُ وَأَحكَمَهُ!! ما كَانَ لِيَلتَفِتَ عَن رَبِّهِ يَمنَةً وَلا يَسرَةً، أَو يَطلُبَ مِن غَيرِهِ عَونًا أَو يَبتَغِيَ مِن سِوَاهُ نُصرَةً، بَل كَانَ يُوَجِّهُ وَجهَهُ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ حَنِيفًا، يَتَّصِلُ بِهِ وَيَدعُوهُ قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا، يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ.

وَإِنَّ أُمَّتَنَا اليَومَ وَقَدَ حَزَبَتهَا أُمُورٌ جَلِيلَةٌ وَنَزَلَت بها نَوَازِلُ كَثِيرَةٌ.. إِنَّهَا لَفِي حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلى تَقوِيَةِ الاتِّصَالِ بِرَبِّهَا وَالتَّقَرُّبِ إِلى مَولاهَا، إِنَّهَا لَفِي أَشَدِّ الضَّرُورَةِ إِلى اللُّجُوءِ إِلى مَن بِيَدِهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمِن بَعدُ؛ فَهَل فَعَلَت ذَلِكَ وَبَادَرَت بِهِ؟ هَلِ استَكَانَت لِرَبِّهَا وَخَضَعَت لِخَالِقِهَا؟ هَلِ اتَّصَلَت بِهِ وَتَقَرَّبَت إِلَيهِ وَقَوَّت عِلاقَتَهَا بِهِ؟ لِنَبدَأْ بِأَنفُسِنَا وَلْنَنْظُرْ مَا حَالُنَا مَعَ عَمُودِ دِينِنَا الصَّلاةِ؟ هَلِ اكتَظَّت بِنَا المَسَاجِدُ وَضَاقَت بِنَا الجَوَامِعُ؟ هَل بَادَرنَا إِلى الصَّلاةِ حَالَ سَمَاعِ الأَذَانِ وَتَسَابَقنَا إِلى الصُّفُوفِ الأُوَلِ؟ هَل بَكَّرنَا إِلى الجُمَعِ وَحَافَظنَا عَلَى الجَمَاعَاتِ وَانتَظَرنَا الصَّلاةَ بَعدَ الصَّلاةِ؟ اللهُ -تَعَالى- يَعلَمُ وَالمُؤمِنُونَ يَرَونَ وَيَشهَدُونَ أَنَّ الوَضعَ يَسِيرُ في اتِّجَاهٍ مُعَاكِسٍ وَيَأخُذُ طَرِيقًا مُضَادًّا، سَلُوا صَلاةَ الفَجرِ كَم يَشهَدُهَا؟ وَانظُرُوا إِلى تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ كَم يُدرِكُهَا؟

وَتَتَبَّعُوا النَّوافِلَ الرَّاتِبَةَ كَم يُحَافِظُ عَلَيهَا وَيَحرِصُ عَلَى استِكمَالِهَا؟ وَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ وَانصَرَفَ مِن صَلاتِهِ فَاحصُرُوا الَّذِينَ يُتِمُّونَ بَعدَهُ وَيُكمِلُونَ صَلاتَهُم فُرَادَى، ثم انظُرُوا وَتَفَكَّرُوا وَتَأَمَّلُوا: كَم يَبقَى النَّاسُ في المَسَاجِدِ بَعدَ الصَّلَوَاتِ؟ وَهَل يَنشَغِلُونَ بِالدُّعَاءِ وَتَردِيدِ الأَذكَارِ، أَم يُعَجِّلُونَ بِالانصِرَافِ وَيُسرِعُونَ بِالفِرَارِ؟

إِنَّهَا لأَحوَالٌ عَجِيبَةٌ وَأَوضَاعٌ غَرِيبَةٌ، يَترُكُ النَّاسُ عَمُودَ دِينِهِم وَتَضعُفُ صِلَتُهُم بِرَبِّهِم، وَيَتَسَاهَلُونَ في صَلاتِهِم وَلا يُقِيمُونَهَا -كَمَا أُمِرُوا-، ثم يَستَنكِرُونَ أَن تُرفَعَ عَنهُمُ العَافِيَةُ وَيَحِلَّ بِهِمُ البَلاءُ، وَيَتَعَجَّبُونَ مِن ظُهُورِ الغَلاءِ وَانتِشَارِ الوَبَاءِ، وَيَستَغرِبُونَ أَن تَقِلَّ الأَمطَارُ في دِيَارِهِم وَتَغُورَ المِيَاهُ في آبَارِهِم.

إِنَّ العَاقِلَ لا يَعلَمُ كَيفَ يَستَطِيعُ مُجتَمَعٌ أَن يُوَاجِهَ مُتَغَيِّرَاتِ الحَيَاةِ وَهُم عَن صَلاتِهِم سَاهُونَ ؟!

وَإِنَّهُ مِن غَيرِ المُتَصَوَّرِ مِن ذَلِكَ الإِنسَانِ الهَلُوعِ الجَزُوعِ أَن يُقَاوِمَ تَيَّارَاتِ الحَيَاةِ المُتَزَاحِمَةَ أَو يَصمُدَ أَمَامَ أَموَاجِهَا المُتَلاطِمَةِ وَهُوَ تَارِكٌ لِلصَّلاةِ مُتَهَاوِنٌ بها!! قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلا-: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا * إِلاَّ المُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ في أَموَالِهِم حَقٌّ مَعلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَومِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِم غَيرُ مَأمُونٍ * وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزوَاجِهِم أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ * وَالَّذِينَ هُم لأَمَانَاتِهِم وَعَهدِهِم رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ) [المعارج 19: 35]

 

فَهَذِهِ طَبِيعَةُ الإِنسَانِ وَتِلكَ جِبِلَّتُهُ، ضَعِيفٌ هَلُوعٌ جَزُوعٌ مَنُوعٌ، لا يَتَحَمَّلُ الضَّرَّاءَ وَلا يُحسِنُ التَّصَرُّفَ في السَّرَّاءِ، وَلا يُخَلِّصُهُ مِن ضَعفِهِ وَلا يُنجِيهِ مِن خَوَرِهِ إِلاَّ أَن يَكُونَ مِنَ المُصَلِّينَ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَغَيَّرُ طَبِيعَتُهُ وَتَتَبَدَّلُ حَالُهُ؛ إِذْ تَتَنَزَّلُ عَلَيهِ السَّكِينَةُ مِن رَبِّهِ وَيَزدَادُ يَقِينًا وَصَبرًا، وَتَعظُمُ هِمَّتُهُ وَيَسمُو مَطلَبًا وَيَطمَئِنُّ نَفسًا، وَيَقوَى عَلَى تَقَلُّبَاتِ الحَيَاةِ قَلبُهُ، وَيَصلُبُ أَمَامَ المَصَائِبِ عُودُهُ، وَيَتَّصِفُ بِتِلكَ الصِّفَاتِ العَظِيمَةِ وَيَتَرَفَّعُ في المَنَازِلِ الكَرِيمَةِ.

وَإِنَّ بَدءَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الجَلِيلَةِ وَالخِلالِ الجَمِيلَةِ بِالمُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّلاةِ وَخَتمَهَا بِالمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلاةِ؛ إِنَّهَا لَتُؤَكِّدُ أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ بِدَايَةُ الخَيرِ وَنِهَايَتُهُ، وَأَوَّلُ الفَلاحِ وَآخِرُهُ، وَمُنطَلَقُ الكَمَالِ وَغَايَتُهُ؛ فَأَهلُ الصَّلاةِ هُمُ المُؤَدُّونَ لِحُقُوقِ المَالِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُم أَهلُ الخَشيَةِ مِنَ اللهِ وَالخَوفِ مِن لِقَائِهِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُمُ الرَّاعُونَ لِلأَمَانَاتِ المُوفُونَ بِالعُهُودِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُمُ الحافِظُو الفُرُوجِ الغَاضُّو الأَبصَارِ، وَفَوقَ هَذَا فَأَهلُ الصَّلاةِ هُم أَهلُ الجَنَّةِ (أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ).

وَإِنَّهُ مَا استُدفِعَت شُرُورُ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَلا استُجلِبَت مَصَالِحُهُمَا بِمِثلِ الصَّلاةِ، وَلا ابتُلِيَ قَومٌ بِمُصِيبَةٍ أَو فَجَأَتهُم نِقمَةٌ أَو نَزَلَت بِهِم جَائِحَةٌ، أَو أُصِيبُوا بِمَرَضٍ أَو طَرَقَتهُم عَاهَةٌ أَو حَلَّت بِهِم فَادِحَةٌ - إِلاَّ كَانَ نَصِيبُ المُصلِّي مِنَ الشُّرُورِ أَقَلَّ وَوَطْأَتُهَا عَلَيهِ أَخَفَّ، وَعَاقِبَتُهُ أَسلَمَ وَنِهَايَتُهُ أَكرَمَ.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَكَفَاكُم هَجرًا لِلمَسَاجِدِ وَتَضيِيعًا لِلصَّلَوَاتِ وَإِعرَاضًا عَنِ الجَمَاعَاتِ، حَافِظُوا عَلَى الصَّلاةِ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ، وَأَقِيمُوهَا كَمَا أُمِرتُم بِخُشُوعٍ وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ، فـ(قَد أَفلَحَ المُؤمِنُونَ * الَّذِينَ هُم في صَلاتِهِم خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُم عَنِ اللَّغوِ مُعرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُم لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزوَاجِهِم أو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ * وَالَّذِينَ هُم لأَمَانَاتِهِم وَعَهدِهِم رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلَوَاتِهِم يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون 1: 11]

 
الخطبة الثانية :

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا)

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَن يَجِدَ المُؤمِنُونَ الرَّاحَةَ التَّامَّةَ إِلاَّ فِيمَا وَجَدَهَا فِيهِ إِمَامُهُم محمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَلَن يَعِيشُوا العِيشَةَ الرَّاضِيَةَ إِلاَّ كَمَا عَاشَهَا القُدوَةُ وَالأُسوَةُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- حَيثُ كَانَ يَقُولُ لِبِلالٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "أَقِمِ الصَّلاةَ، أَرِحْنَا بِهَا" وَيَقُولُ: "وَجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ".

بَلْ إِنَّ الأُمَّةَ لَن تَستَطِيعَ القِيَامَ بما حُمِّلَت مِن أَمَانَةٍ ثَقِيلَةٍ إِلاَّ بِقِيَامِهَا بِالصَّلاةِ، فَإِنَّ اللهَ - سُبحَانَهُ- حِينَمَا انتَدَبَ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لِلدَّورِ الكَبِيرِ وَاختَارَهُ لِيُلقِيَ عَلَيهِ القَولَ الثَّقِيلَ - قَالَ لَهُ: (يَا أَيُّهَا المُزَمِّلُ قُمِ اللَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصفَهُ أَوِ انقُصْ مِنهُ قَلِيلاً * أَو زِدْ عَلَيهِ وَرَتِّلِ القُرآنَ تَرتِيلاً * إِنَّا سَنُلقِي عَلَيكَ قَولاً ثَقِيلاً) [المزمل1: 5]

فَكَانَ الإِعدَادُ لِلقَولِ الثَّقِيلِ وَالزَّادُ لِلتَّكلِيفِ الشَّاقِّ هُوَ قِيَامَ اللَّيلِ بِالصَّلاةِ وَتَرتِيلِ القُرآنِ.

إِنَّهَا الصَّلاةُ، العِبَادَةُ الَّتي تَفتَحُ القَلبَ وَتُوَثِّقُ الصِّلَةَ بِالرَّبِّ، وَالَّتي عَلَى قَدرِ اهتِمَامِ العَبدِ بها تَقوَى صِلَتُهُ بِرَبِّهِ -عَزَّ وجَلَّ- وَمِن ثَمَّ تُفتَحُ عَلَيهِ مِنَ الخَيرَاتِ أَبوَابُهَا، وَتُقطَعُ عَنهُ مِنَ الشُّرُورِ أَسبَابُهَا، وَيَنَالُ الغَنِيمَةَ وَيَهنَأُ بِالصِّحَّةَ وَالغِنى، وَيَسعَدُ بِالرَّاحَةِ وَيَتَمَتَّعُ بِالسَّعَةِ وَالنَّعِيمِ.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أُمَّةَ الإِسلامِ-: وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلاةِ، فَإِنَّهَا آخِرُ مَا عَهِدَ بِهِ نَبِيُّكُم إِلَيكُم وَهُوَ يَجُودُ بِنَفسِهِ عَلَى فِرَاشِ المَوتِ.. فِعلُهَا نُورٌ وَانتِظَارُهَا رِبَاطٌ، وَإِقَامَتُهَا عِصمَةٌ لِلدِّمَاءِ وَالأَموَالِ، وَكَثرَةُ الخُطَا إِلَيهَا رِفعَةٌ لِلدَّرَجَاتِ وَمَمحَاةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَتَركُهَا كُفرٌ وَشِركٌ، وَالتَّهَاوُنُ بها وَالتَّكَاسُلُ عَنهَا نِفَاقٌ، وَفَوتُهَا تَرِةٌ وَحَسرَةٌ، وهِيَ آخِرُ مَا يَبقَى مِنَ الدِّينِ، وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ مِن عَمَلِهِ؛ فَإِن صَلَحَت فَقَد أَفلَحَ وَأَنجَحَ، وَإِن فَسَدَت فَقَد خَابَ وَخَسِرَ.

صَحَّ عَنهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "خَمسُ صَلَوَاتٍ افتَرَضَهُنَّ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مَن أَحسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاَّهُنَّ لِوَقتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ - كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ أَن يَغفِرَ لَهُ، وَمَن لم يَفعَلْ فَلَيسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ؛ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ"

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي