واسطة الأشهر الحرام

عادل العضيب
عناصر الخطبة
  1. حكمة الله في جعل عدة الشهور اثنا عشر شهرا .
  2. المقصود بالأشهر الحرم ووجوب تعظيمها .
  3. تعظيم شهر رجب وكيفية ذلك .
  4. تثبيط الشيطان للإنسان عن فعل الخير .
  5. حرص الناس على الاستعداد للمواسم الدنيوية وغفلتهم عن المواسم الدينية .
  6. بعض البدع التي أحدثها الناس في رجب .

اقتباس

عباد الله: إنه مما يحز في النفس أننا نرى كثيرا من المسلمين يستعدون للمواسم الدنيوية، ويعملون لها قبل أشهر، بل ربما سنوات، يستعدون للزواج قبل أشهر، يستعدون للتخفيضات، يجلسون أمام الشاشات ينتظرون الأفلام والمباريات، يجلسون على المدرجات وأمام الشاشات ينتظرون صافرة الحكم، بينما...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله يقضي بما يشاء، ويحكم ما يريد، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء شهيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الولي الحميد، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، سيد العبيد، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فتقوى الله زاد المسافرين إلى رب العالمين، فتزودا -رحمكم الله- لسفر طويل، ذاكرين قول الملك الجليل: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة: 197].

عباد الله: ربنا عليم حكيم، وهو بحكمته العظيم يصطفي من خلقه ما يشاء، ويتصرف فيهم بما يريد: (لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [الرعد: 41].

وإن من حكمته: أن جعل عدة الشهور اثنا عشر شهرا، قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ) [التوبة:36].

وقد جاء بيانها، والتنصيص على فضل بعضها، في كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا رد على الذين يطالبون بالتاريخ الميلادي؛ بحجة أنه أضبط للناس، وأن وقته لا يتغير.

فنقول: هذه الأشهر الميلادية لم يعرفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم تجر على لسانه في يوم في الأيام، وهو الذي دل أمته على كل خير، قال جل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].

هذه الأشهر والتي تبدأ بالمحرم، وتنتهي بذي الحجة، منها أشهر معظمة محرمة، قال الله -جل وعلا-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [التوبة: 36].

والأشهر الحرم، شهر في أول العام، وهو شهر المحرم، وشهر في وسط العام، وهو رجب، وهو الشهر السابع، وشهران في آخر العام، ذو القعدة، وذو الحجة.

فرجب، وهو هذا الشهر الذي دخل قبل أيام من الأِشهر الحرم التي عظم الله أجرها، لما خصها بكونها حرم، وعظم أمرها، لما قال: (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة: 36].

فتعظيم هذا الشهر، تعظيم لله -جل وعلا-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].

(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج:30].

فعظموا هذه الشهر، بإقامة الفرائض، واجتناب المحارم، وأداء الحقوق فيما بينكم وبين ربكم، وفيما بينكم وبين عباده.

لا يكن أهل الجاهلية أكثر منكم تعظيما لهذا الشهر، فقد سمي رجب؛ لأنهم كانوا يرجبون، أي يعظمون، فإذا دخل رجب كفوا عن القتال، ولم يتركوا رمحا فيه حديدة، ولا سهما فيه حديدة، إلا نزعوه وألقوه، ولو وجد الرجل قاتل أبيه في شهر رجب لم يرفع عليه يد.

فشهر رجب من الأشهر الحرم، من الأزمنة الفاضلة، وقد نص العلماء على أن الحسنات تضاعف في كل زمان ومكان فاضل، وأن عقوبة السيئات تعظم في كل مكان وزمان فاضل، يدل على هذا قول الله -جل وعلا-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة: 217].

وليس معنى هذا: أن يخص رجب بعبادة من العبادات؛ بل يجتهد العبد في طلب الطاعات؛ طلبا لشرف الزمان، وأن يجتنب المعاصي؛ هروبا من عظم الذنب في الزمان الفاضل.

فاتقوا الله -رحمني الله وإياكم- في شهركم هذا، واحرصوا على كثرة الحسنات، وجاهدوا أنفسكم ترك المعاصي والخطيئات، فالشيطان قد قعد لابن آدم كل مرصد، إن رآه مقبلا على الطاعة ثبطه عنها، وأوهن عزيمته، وسهل عليه الترك، وقال له: الزم الفرائض، فهي تكفيك، فأنت مسلم موحد تشهد أن لا إله إلا الله، ولن تدخل الجنة بعملك.

وإن معرضا عن الشر زينه في عينه، ووسوس إليه، وسهل عليه الوقوع في الصغائر؛ لأنها مكفرة بالصلوات والجمعة والجماعات، حتى يوقعه في الكبائر، كما وسوس لأبوينا، وزين له، وأقسم له إنه لمن الناصحين، وهو أكذب الكاذبين، فاحذروا مروره وكيده.

عباد الله: إنه مما يحز في النفس أننا نرى كثيرا من المسلمين يستعدون للمواسم الدنيوية، ويعملون لها قبل أشهر، بل ربما سنوات، يستعدون للزواج قبل أشهر، يستعدون للتخفيضات، يجلسون أمام الشاشات ينتظرون الأفلام والمباريات، يجلسون على المدرجات وأمام الشاشات ينتظرون صافرة الحكم بينما يدخل شهر من الأشهر الحرم ويخرج، ولا يدري عنه كثير من المسلمين، ما كأنهم في زمان فاضل عظم الله شأنه في القرآن.

عباد الله: أسألكم بالله هل يفوتون مصلحة دنيوية أم يتواصون عليها، نراهم يحث بعضهم بعضا إذا سمعوا بتعويض أو إعانة من الدولة أو عن تخفيضات، أو عن فتح باب التقدم على الوظائف، ولا ننكر هذا، لكن لماذا لا نتواصى بالحق؟ لماذا لا نتواصى على صلاح الآخرة كما نتواصى على صلاح الدنيا؟ لماذا لا نتواصى على استغلال الفرص الدينية، الأزمنة والأمكنة الفاضلة، بينما نتواصى على استغلال الفرص الدنيوية؟ لماذا نلهث وراء الدنيا بلا تعب ولا كلل بينما ننسى الآخرة؟

أحبتي في الله: إنني أخاطب نفسي المقصرة وألومها قبل أن أخاطبكم، لعل لحظة العتاب تردنا إلى جادة الحق والصواب.

أسأل الله أن يعيننا على أنفسنا والشيطان.

عباد الله: شهر رجب يقول لنا: اقترب رمضان، اقتربت ليالي الرحمة والغفران، وهذا لا يعني صحة الحديث المروي: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" فهذا حديث  ضعيف، ولا يصلح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن هذا لا يمنع أن ندعو الله أن يبلغنا رمضان، فقد كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فنحن  في رجب وعن قريب لمن مد في عمره ولم ينقض أجله في رمضان.

اللهم بلغنا أيامه في صحة وعافية وسلامة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير، وصلِ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب والمصير، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

فيا معاشر المسلمين: تعظيم الأشهر الحرم لا يعني تخصيصها بشيء من العبادات لم يشرعه، ولم يأذن به رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فنحن مأمورون بالاتباع لا بالابتداع، ففي شهر رجب بدع لم تأت في الكتاب ولا في السنة.

ومن هذه البدع: صلاة الرغائب، وهي صلاة تصلى في أول ليلة جمعة من شهر رجب، وكل الأحاديث الواردة في هذه الصلاة موضوعة، ولم يثبت منها شيء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ثانيا: تخصيصه بالصيام، وهذا أيضا لا يصح فيه شيء، بل جاء أن عمر -رضي الله عنه- يضرب أكف المترجبين- أي الصائمين في رجب- ويقول: كلوا فإن الجاهلية يعظمون ذلك.

ثالثا: العمرة، أو ما يسموه العمرة الرجبية، أو العمرة في رجب، فالعمرة في رجب ليس لها مزية، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ما اعتمر في رجب، بل كانت عمره جميعا في ذي القعدة -عليه الصلاة والسلام-.

رابعا: العتيرة، وهي ذبيحة تذبح في رجب؛ تعظيما لهذا الشهر، وهذه أبطلها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا فرع ولا عتيرة".

خامسا: تعظيم ليلة السابع والعشرين من رجب وتخصيصها بشيء من الصلاة أو الذكر أو الدعاء أو الأوراد؛ لاعتقادهم أن حادثة الإسراء والمعراج وقعت في هذه الليلة، وليلة الإسراء والمعراج اختلف العلماء في تحديدها، ولو وقعت لم يصح أن تعظم تلك الليلة؛ لأن الذي وقع له الإسراء والمعراج عليه الصلاة والسلام لم يعظم تلك الليلة، ولم يجعل لها مزية على باقي الليالي، ولم يخصصها بعبادة عن باقي الليالي.

عباد الله: عظموا ما عظم الله ورسوله، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة.

ثم صلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة والنعمة المسداة.

اللهم صل وسلم وبارك على نبيك وعبدك محمد وعلى عبدك وصحبه ومن والاه، وارض اللهم عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين، واجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم كن للمستضعفين من المسلمين، اللهم احقن دماءهم، اللهم احفظ أعراضهم، اللهم أطعم جائعهم، اللهم اكس عاريهم، اللهم فك أسراهم، اللهم اشف مرضاهم، اللهم عاف مبتلاهم، اللهم كن لهم ناصر فقد قل الناصر.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارا.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحانك ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلِ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي