حول حادثة التدافع بمنى 1436هـ

علي بن يحيى الحدادي
عناصر الخطبة
  1. الدنيا دار ابتلاء .
  2. التعليق على حادثة منى .
  3. حرص حكومة المملكة على سلامة الحجيج .
  4. خطورة التحايل على الحج والحج بدون ترخيص .
  5. وصايا لتلافي مثل هذه الكوارث .
  6. سوء استغلال حادثة منى. .

اقتباس

وإن من هذا الابتلاء ما جرى يوم أمس يوم عيد الأضحى من تدافع بعض الحجاج في مشعر منى وهم في طريقهم لتحية منى، ورمي جمرتها الكبرى جمرة العقبة ملبين مكبرين محرمين متأسين بقدوتهم وإمامهم محمد -صلى الله عليه وسلم-. ولكن كان قدر الله أسرع فجاءهم الأجل وهم في خير بقاع الأرض وفي خير أزمان الدنيا متلبسين بالركن الخامس من أركان الإسلام، فنرجو أنهم خرجوا من ضيق الدنيا وحرها وبأسائها إلى سعة الجنة وبردها ونعمائها.

الخطبة الأولى:

الحمد لله..

أما بعد: فإن الله -تعالى- أخبر عباده بأنه سيبتليهم في هذه الحياة الدنيا بأنواع من الابتلاءات ومنها الابتلاء بنقص الأموال والأنفس كما قال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].

وإن من هذا الابتلاء ما جرى يوم أمس يوم عيد الأضحى من تدافع بعض الحجاج في مشعر منى وهم في طريقهم لتحية منى، ورمي جمرتها الكبرى جمرة العقبة ملبين مكبرين محرمين متأسين بقدوتهم وإمامهم محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 ولكن كان قدر الله أسرع فجاءهم الأجل وهم في خير بقاع الأرض وفي خير أزمان الدنيا متلبسين بالركن الخامس من أركان الإسلام، فنرجو أنهم خرجوا من ضيق الدنيا وحرها وبأسائها إلى سعة الجنة وبردها ونعمائها.

 ونسأله –سبحانه- أن يبعثهم ملبين كما ماتوا ملبين مُحْرِمين؛ فإن العبد يُبعَث على ما مات عليه، ولما مات رجل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحج محرمًا أمر أن لا يغطّى رأسه وأن لا يُمَس طيباً، وقال: "إنه يُبعَث يوم القيامة ملبياً"، فهنيئاً لهم -إن شاء الله- هذه الخاتمة السعيدة، والعاقبة الحميدة، فإن الموت أجل آتٍ لا بد منه، ولَأَنْ يموت المسلم على طاعةٍ وعبادةٍ خير من أن يموت على معصية أو غفلة.

عباد الله:

إننا أمام هذا الحادث الجلل الذي تدمع له العيون وتحزن له القلوب لا نقول إلا ما يرضي ربنا؛ إننا لله وإنا إليه راجعون، متدرّعين بالصبر الجميل كما قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155- 157].

ثم إننا نلفت الأنظار إلى المسائل التالية:

الأولى: نذكّر كل من أُصيب بفقد عزيز عليه بواجب الصبر وعدم مقابلة ابتلاء الله بسب القدر، وإظهار التسخط والجزع، والنياحة على الموتى بشق ثوب أو لطم خد أو نتف شعر أو نحو ذلك من التصرفات. ولا يقولوا: لو قعدوا وما خرجوا للحج أو لو أنهم ما خرجوا في تلك الساعة لما ماتوا بل هذا يومهم وهذه ساعتهم لا تتقدم ولا تتأخر قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [آل عمران: 156 – 157]، وقال تعالى: (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

الثانية:

إن هذه الحادثة العظيمة لا تقدح ولا تشكك بحالٍ في حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على سلامة الحجاج وراحتهم، وبذل الغالي والنفيس في سبيل تطوير المشاعر المقدسة وتسخير كل الإمكانات المتاحة من بشرية ومالية وأمنية وتقنية وغيرها في خدمتهم.

وذلك ما يعرفه كل قاص وقريب، وعدو وصديق فإن الواقع يتحدث عن نفسه والحمد لله، ولكن قدر  الله إذا نزل لا يردّه شيء،  ومهما بلغت الإنجازات فإن طبيعة الحج لا تكاد تنفك عن مثل هذه الحوادث، غير أنها تكبر في موسم  وتصغر في آخر حيث يجتمع ملايينُ المسلمين في مكان  محدود وزمان محدود لأداء عبادة واحدة.

الثالثة:

من دروس هذه الحادثة أنه لا بد أن يعيَ الحجاج ومن يقوم على حملاتهم أنه لا بد من الالتزام بالشروط التي تشترطها عليهم الدولة من الالتزام بأعداد الحجاج في كل حملة والالتزام بالمواعيد في التفويج والتحركات، والالتزام بالمسارات المحددة ذهاباً وإياباً، فإن هذه التنظيمات إنما وُضعت لمصلحة الحجاج وراحتهم وسلامتهم. فهذا من الوفاء بالعقود والله يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1]، ومن التعاون على البر والتقوى والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2]، ومن الوفاء بالعهد والله يقول (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء: 34].

الرابعة:

أن الدولة حينما وضعت شرط الحصول على التصريح إنما هدفت إلى سلامة الحجاج قبل كل شيء فالعدد له دور كبير ورئيس في نجاح موسم الحج، وإن مخالفي النظام من الحجاج المخالفين يتحملون - والله أعلم- نصيباً مما يقع في موسم الحج من الأذى والعنت والأضرار المتنوعة؛ لمعصيتهم ولي الأمر، ولإزعاجهم رجال الأمن، ولإرباكهم خطط الحج، وكيف يطيب الحج لمن يبدأ حجه بمعصية ولي الأمر الذي أوكل إليه الشرع إمارة الحج وقيادته، ثم يثنّي بمعصية أخرى وهي ترك الإحرام من الميقات، ثم يثلث بلبس المخيط وهو مُحْرِم من باب التحايل على نقاط التفتيش والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، وكيف يكون الحج مبروراً وهو مبتدأ بجملة من المعاصي والمخالفات؟!

فعلى المسلمين عامة وعلى طلبة العلم خاصة -وهم القدوة لغيرهم- أن يلتزموا بهذه الأنظمة طاعةً لله ولرسوله ولولي أمرهم. ونصحاً للمسلمين وتيسيراً عليهم ودفعاً للضرر عنهم. وابتعدوا عن التعلق بتلك الحجة الواهية وهي قول كل واحد منهم ألَنْ يضيّق على الحجاج إلا أنا، ولو قال ألن يعصي وليَّ الأمر إلا أنا لكن أدق في التعبير.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فإن من عادة أهل الأهواء والبدع استغلالَ الحوادث لتشكيك الرعية في ولاة أمورهم بالتصريح تارة وبالتلميح تارات، وكما رأيناهم سابقاً يستغلون الأمطار والسيول هاهم اليوم يستغلون حادثة التدافع لرمي الدولة بالتقصير وسوء الإدارة، ونحو ذلك من العبارات الظالمة الآثمة التي تنبئ عن قلوب ملؤها الغل والحقد والحسد على ما نحن فيه من الخير. لا تعترف بحسنة ولا تواسي بكلمة، ولا تتلمس عذراً.

طالما نادوا بمنهج الموازنات بين الحسنات والسيئات ولكن موقفهم من ولاة الأمور إنما هو ذكر السيئات وكتم الحسنات، وطالما عابوا على من نقد بدعهم بأنهم كالذباب يتلمس القروح والجروح وهم في موقفهم من ولاة الأمور كذلك بل أشد.

إن المسلم العامي ينبغي أن يكون أبعد ما يكون عن الشماتة وإثارة الفتنة فكيف بمن ينتسب إلى الدعوة إلى الله.

ولكننا بحمد الله رأينا ما يثلج الصدر من وعي كثير من الناس؛ إذ وقفوا بصدق وجد ضد تلك الدعوات المغرضة عبر وسائل التواصل، ففندوا أكاذبيهم وكشفوا مآربهم؛ فالحمد لله أولاً وأخيراً، وشكر الله  لكل من دافع بالحق عن الحق وأهله.

اللهم  إنا نسألك في هذه الساعة المباركة أن توفق حكومة خادم الحرمين الشريفين لكل خير وأن تجزيها خير الجزاء لقاء ما تقدمه من عناية ورعاية لبيتك الحرام والمشاعر المقدسة والمسجد النبوي وقاصديها.

اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين ويسر لهم أداء مناسكهم آمنين.

اللهم من مات منهم فارحمه وتقبل منه وأسكنه فسيح جناتك وابعثه يوم القيامة ملبياً، ومن أصيب منهم فعجل بشفائه ومعافاته واجعل ما أصابه كفارة له ورفعة في درجاته.

اللهم من أراد الحجاج بسوء أو كاد لهم أو آذاهم عامداً قاصداً أو فرح لما أصابهم اللهم عجل بأخذه وافضحه على رؤوس الأشهاد وأذقه من العذاب الأليم إنك عزيز ذو انتقام.

اللهم عليك بالخوارج والتنظيمات الإرهابية التي تسعى بالفساد في بلادنا وبلاد المسلمين اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً اللهم إنهم قطعوا الأرحام وسفكوا الدم الحرام ونقضوا العقود وخانوا العهود وارتكبوا في المسلمين ما يشيب له الأولاد وتتفطر له الأكباد. اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي