يسروا الزواج أيها الأولياء وبادروا إليه أيها الشباب

علي بن يحيى الحدادي
عناصر الخطبة
  1. غريزة ميل الرجل للمرأة والمرأة للرجل .
  2. الالتقاء الشرعي بين الذكر والأنثى .
  3. حث الشريعة وترغيبها في الزواج .
  4. بعض منافع الزواج وفوائده .
  5. خطر العزوف عن الزواج ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك .
  6. مشكلة المبالغة في المهور وتكاليف الزواج .
  7. حث الشريعة على تخفيف المهور وتكاليف الزواج .
  8. وصايا مهمة لأولياء الأمور .

اقتباس

الزواج سكن للنفس وطمأنينة لها، يجد ذلك كل من الزوجين. ومن آياته سبحانه: أن يتزوج الرجل المرأة لا تعرفه ولا يعرفها من قبل، فما هي إلا أيام حتى تكون أحب الناس إليه، ويكون أحب الناس إليها، مع الاحترام والتقدير الصادق. وما هي إلا أيام حتى يحصل بينهما...

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فإنه قد اقتضت حكمة الله أن يكون بقاء النوع الإنساني عن طريق التزاوج بين الذكر والأنثى، وركب في كل منهما غريزة الميل إلى زوجه لهذه الحكمة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) [النساء: 1].

والالتقاء بين الذكر والأنثى ليس له طريق صحيح مشروع إلا بالنكاح الشرعي، أو ملك اليمين، وما عدا ذلك فهي علاقة محرمة لا تؤدي إلا إلى سوء الحال والمآل: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء: 32].

لذلك رغبت الشريعة غاية الترغيب في النكاح، فقال تعالى آمراً به، حاثاً عليه: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) [النــور: 32].

وقال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) [النساء: 3].

وحث على الزواج، وطلب الذرية، بالتنبيه على أنه من سنن المرسلين، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) [الرعد: 38].

وما كان الله ليختار لرسله إلا الذي هو خير.

وحث على الزواج بذكر بعض فوائده وثمراته ومنافعه، فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

فالزواج سكن للنفس وطمأنينة لها يجد ذلك كل من الزوجين.

ومن آياته سبحانه: أن يتزوج الرجل المرأة لا تعرفه ولا يعرفها من قبل، فما هي إلا أيام حتى تكون أحب الناس إليه، ويكون أحب الناس إليها، مع الاحترام والتقدير الصادق.

وما هي إلا أيام حتى يحصل بينهما من الرحمة والشفقة، والتعاون فيما بينهما في شؤونهما الخاصة، وأمر البيت والولد، ما لا نظير له في خارج بيت الزوجية.

أما المشاعر التي تكون في العلاقات المحرمة، فهي مشاعر مشوبة بقصد المصلحة الذاتية الشخصية المحضة، منغصة بمشاعر الاحتقار، وعدم الرضا بالحال الذي يجده كل منهما في نفسه للآخر، ولو لم يصرحا به، مع ما يقع من سرعة الملال، وتبدل ذلك كله إلى بغضاء وكراهية، والرغبة الجادة في البحث عن البديل.

وقال سبحانه وتعالى أيضاً مرغباً في النكاح بذكر بعض منافعه أيضاً: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) [الروم: 21].

و (وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) [النحل: 72].

هذه من أعظم منافع الزواج وفوائده، ألا وهو: حصول الولد والذرية التي بها يستمر ذكر المرء، فتكون عمراً ثانياً له بعد موته، وإذا رباهم على الخير والصلاح كان له من الأجر مثل أجورهم، فيما فعلوه من الخير بسبب دلالته لهم، وتربيته لهم عليه.

وإذا دعوا الله لك مع صلاحهم واستقامتهم نفعك الله بذلك الدعاء، وأجرى عليك أجره بعد موتك.

ومن منافعهم: أن تقر بهم عينك، وتزدان بهم حياتك، لا سيما في طفولتهم، قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46].

ومن منافعهم: أن يشد الله بهم أزرك، فيعينوك على أعمالك ومسؤولياتك، لا سيما مع تقدمك في العمر، وتبدل حالك من القوة إلى الضعف.

وإن قبض الله منهم أحداً قبل بلوغه شفعه الله في والديه، وجعله حجاباً لهما من النار، فهم إن عاشوا نفعوا، وإن ماتوا شفعوا.

وحث النبي -صلى الله عليه وسلم- على النكاح، وأمر به، ولا سيما الشباب، منبها على بعض فوائده، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".

فحث الشباب على المبادرة إلى الزواج عند أول القدرة عليه؛ لأن لديهم من قوة الغريزة والنشاط أكثر مما لدى غيرهم.

ولأنهم عرضة لفتن الشهوات أكثر من غيرهم، لقوة الدافع، وضعف المانع، ففي الزواج حل لكل تلك المشكلات المردية المهلكة.

بالزواج تشبع الغريزة، ويسكن اضطرابها وتطلعها هنا وهناك.

ومن فضائل النكاح وفوائده ولا سيما لمن تزوج أول شبابه: الإعانة على تقوى الله، والبعد عما حرم من فتن الشهوات، ومن كان كذلك فليبشر بالخير، ففي الحديث: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وذكر منهم: "شاباً نشأ في عبادة الله".

ومن فضائل النكاح وفوائده: تكثير عدد الأمة، وكثرة العدد من أسباب قوتها ومنعتها وهيبة عدوها لها، كما أن قلة عددها من أسباب ضعفها وهوانها، هذا من حيث الأصل.

وفي تكثير عدد الأمة الإسلامية تحقيق رغبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمنيته، في أن تكون أمته هي أكثر الأمم يوم القيامة، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة" [رواه أحمد].

وعن أبى أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى" [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى].

ومن ترغيب النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته في النكاح، أنه أخبر أن جماع الرجل أهله صدقة يؤجر عليها، وأن مداعبته أهله حتى اللقمة يضعها في فمها صدقة يؤجر عليها، وأن نفقته على أهله وولده صدقة يؤجر عليها، قال صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تُنفِق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرت عليها، حتى ما تضع في فيّ امرأتك".

وقال صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صدقة" أي في جماعه أهله.

وإذا كان الكتاب والسنة مليئان بالحث على النكاح، فهكذا أيضا نجد السلف الصالح ساروا على نفس المنوال في الحث على النكاح، والتأكيد على الشباب إلى المبادرة إليه، فقد رأى عمر -رضي الله عنه- أبا الزوائدِ قد أبطأ عن الزواج، فقال له: "ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور".

ولقي عثمانُ عبدَ اللهِ بنَ مسعود في منى، فقال له: "يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك" [متفق عليه].

وقال عبد الله بن عباس لسعيد بن جبير: "تزوج يا سعيد فإن خير رجالِ هذه الأمة أكثرُهم نساءً".

وقال ابن مسعود: "لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يوماً، لي فيهن طول النكاح، لتزوجت مخافة الفتنة" [أخرجه سعيد بن منصور في سننه].

يا معشر الشباب: إن العزوف عن الزواج والرغبة عنه ليست من أخلاق المسلمين، ولكنها من الأخلاق الذميمة التي دخلت علينا من المجتمعات البعيدة عن هدي النبوات والرسالات، فهي تُنَفِّر من الحلال، وتزين الحرام.

لقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- من أراد العزوف عن الزواج زهداً في الدنيا وتفرغاً للعبادة واجتهاداً في طلب ما عند الله من الثواب الذي أعده للمستكثر من القربات من صلاة وصيام وجهاد، كما منع عثمان بن مضعون، وكما منع الشباب الثلاثة الذين قال أحدهم: لا أتزوج النساء، وقال الآخر: لا أنام الليل، وقال الثالث: أصوم فلا أفطر، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فأصوم وأفطر، وأنام وأقوم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

أقول: منع النبي -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء الأخيار من ترك النكاح بنية التفرغ للعبادة، فكيف بمن يزهد في النكاح اليوم لا لشيء إلا للأغراض الفاسدة، يخشى أن يحول الزواج بينه وبين متعه المحرمة من السفريات والسهرات والعلاقات والصداقات الجنسية -والعياذ بالله-.

فالبدار البدار -معشر الشباب- إلى النكاح، وإياكم والتأثر بهذه الدعوات المبطلة، والآراء الفاسدة، ووجهات النظر العقيمة من كل خير الولود لكل شر.

بارك الله ولكم...

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فإن كثيراً من الشباب اليوم يرغبون في الزواج، ولكن يصطدمون بعقبات كبيرة لا طاقة لهم بها، وأول تلك العقبات: المبالغة في المهور، وتكاليف الزواج، فعلى العقلاء من كل أسرة وقبيلة أن يسعوا في القضاء على هذه العقبات، أو تخفيفها ما أمكن.

إن كثيراً من هذه المبالغات إنما تقع بسبب توكيل الأمور إلى النساء.

وكثيرٌ من النساء لا بصيرة عندها، غاية ما تريد أن يكون زواجها أو زواج ابنتها أفضل من زواج غيرها من قريباتها أو صديقاتها أو معارفها، دون تفكير فيما ينفع أو يضر، وما يحرم أو يحل.

إن الشريعة حثت على تخفيف المهور، وتخفيف تكاليف النكاح، روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة".

ولو كانت المبالغة فيها مكرمة وخيراً لكان أسبق الناس إليها محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو لم يفعل ذلك.

ومع ذلك، فإن على الشاب أن لا يقف مكتوف اليد أمام هذه العقبات، بل عليه أن يبذل الأسباب التي تعينه على توفير طلبات النكاح، وأهم تلك الأسباب: تقوى الله، والبعد عن الحرام، واغتنام الوقت بطلب الكسب الحلال، والله -عز وجل- سيعينه وسيفتح له أبواب الرزق من حيث لا يدري، يقول سبحانه: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النــور: 33].

فمن عف أعانه الله، ومن أطلق بصره وفرجه في الحرام، ضيق الله عليه.

وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة حق على الله عونهم" وذكر منهم: "الناكح الذي يريد العفاف".

أيها الآباء والأولياء: إن البيوت ممتلئة بالبنات اللواتي هن في سن الزواج، وكثير منهن بلغن الثلاثين، أو قاربنها، وكثير من أسباب حرمانهن تعود إلى طاعتهن في تأخير الزواج إلى الانتهاء من الدراسة، ولما انتهت من الدراسة، وتقدم بها العمر، قل المتقدمون الذين يوافقون رغبتها، وهذا غلط، بل ينبغي أن تبادر المرأة إلى الزواج متى تقدم لها الكفؤ ولو كانت طالبة.

ومن الأسباب: أن بعض الأولياء يصد المتقدمين بكثرة مطالبه ومبالغته فيها، وكأنما يراها سلعة لا يبيعها إلا لمن يدفع فيها أكثر.

وقد يصد المتقدمين لكونه يستفيد من راتب ابنته أو أخته، أو يريد أن يستفيد منها في تربية أبنائه من زوجة مطلقة أو ميتة، أو لغير ذلك من الأسباب.

والعضل بغير حق من أسباب الفسق وسقوط الولاية، وهو من الظلم العظيم الذي يستحق عليه العاضل العقوبة الأليمة.

أيها الولي: إنك مؤتمن على موليتك بأن تختار لها ما فيه خيرها وصلاحها وحظها لا أن تسخرها لمصلحتك وحظك.

فاتقوا الله -عباد الله-، ويسروا أسباب النكاح، حتى لا يقع المجتمع في أوحال الرذيلة والفاحشة والجريمة التي سنصلى بنارها جميعاً، لو انتشرت وعمت طغت.

إن حوادث المعاكسات والخلوات، وهروب الفتيات، وجرائم الزنا والفواحش، إنما تكثر بسبب العجز عن الحلال في الغالب، فاتقوا الله، ولا تكونوا سبباً في إفساد أبنائكم وفتياتكم -والله المستعان-.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي